مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 7

اشارة

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 7/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الصلاة

تتمة واجبات الصلاة

تتمة بحث السجود

فصل في مستحبات السجود
اشارة

(فصل في مستحبات السجود)

هي أمور
اشارة

هي أمور:

الأول: التكبير حال الانتصاب من الركوع

(الأول): التكبير حال الانتصاب من الركوع قائما أو قاعدا (1).

______________________________

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين و الصّلاة و السلام على أشرف خلقه محمد و آله الطيّبين الطاهرين.

(فصل في مستحبات السجود)

(1) للنص، و الإجماع، ففي صحيح حماد: «ثمَّ كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه و سجد» (1).

و أما قول الصادق عليه السلام في خبر ابن خنيس: «كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا أهوى ساجدا انكب و هو يكبّر» (2).

فيمكن أن يحمل على غير التكبير الموظف، مع أنّ إعراض الأصحاب عنه أوهنه، كما أنّ قوله عليه السلام في خبر الحلبي: «إذا سجدت فكبّر» (3).

ص: 5


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب السجود حديث: 1.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب السجود حديث: 2.
الثاني: رفع اليدين حال التكبير

(الثاني): رفع اليدين حال التكبير (2).

الثالث: السبق باليدين إلى الأرض عند الهويّ إلى السجود

(الثالث): السبق باليدين إلى الأرض عند الهويّ إلى السجود (3).

الرابع: استيعاب الجبهة على ما يصح السجود عليه

(الرابع): استيعاب الجبهة على ما يصح السجود عليه، بل استيعاب جميع المساجد (4).

______________________________

يمكن أن يحمل على غير التكبير الموظف أو على الإشراف إلى السجود و إلا فيعارضه جملة من الأخبار مثل قوله: «فارفع يديك بالتكبير و خرّ ساجدا» (1).

و قوله عليه السلام: «ثمَّ ترفع يديك بالتكبير و تخرّ ساجدا» (2).

(2) نصّا، و إجماعا، و تقدم في صحيح حماد و غيره، و في الحديث:

«لكلّ شي ء زينة و إنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة» (3).

(3) لجملة من الأخبار:

منها: «و ابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا» (4).

المحمول على الندب نصّا و إجماعا، قال الصادق عليه السلام في موثق أبي بصير: «لا بأس إذا صلّى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه» (5).

(4) لقول أبي جعفر عليه السلام في خبر بريد: «الجبهة إلى الأنف أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك، و السجود عليه كلّه أفضل» (6) و قال الصادق عليه السلام في اليدين: «و ابسطهما على الأرض بسطا» (7). مع أنّ ذلك أبلغ في الخضوع و الاستكانة، و منه يستفاد حكم الركبة و الإبهام إن أمكن

ص: 6


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الركوع حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 14.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب السجود حديث: 5.
6- الوسائل باب: 9 من أبواب السجود حديث: 3.
7- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.
الخامس: الإرغام بالأنف على ما يصح السجود عليه

(الخامس): الإرغام بالأنف (5) على ما يصح السجود عليه.

السادس: بسط اليدين مضمومتي الأصابع

(السادس): بسط اليدين مضمومتي الأصابع حتّى الإبهام حذاء

______________________________

بسطهما على الأرض و لعلّ السكوت عنهما في الأخبار لتعذر ذلك فيهما غالبا.

(5) نصّا، و إجماعا قال الصادق عليه السلام في صحيح حماد: «و وضع الأنف على الأرض سنة» (1).

و في صحيح زرارة قال أبو جعفر عليه السلام: «السجود على سبعة أعظم: الجبهة، و اليدين، و الركبتين، و الإبهامين من الرجلين و ترغم بأنفك إرغاما، أما الفرض فهذه السبعة، و أما الإرغام بالأنف فسنة من النبيّ صلى اللّه عليه و آله» (2).

و ما يظهر منه الوجوب محمول على الندب إجماعا مثل قول عليّ عليه السلام: «لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين» (3).

و يمكن حمله على عدم الإجزاء بالنسبة إلى بعض مراتب الفضل و هذا النحو من الاستعمال كثير في الأخبار.

ثمَّ إنّ المذكور في النصوص تارة: الإرغام- كما تقدم- و هو يختص بالتراب، لأنّ الرغام هو التراب و هو أعمّ من الاعتماد. و أخرى: السجود على الأنف (4) و يستفاد منه الاعتماد في الجملة. و ثالثة: إصابة الأنف ما يصيب الجبين (5) و هو أعم من الاعتماد، و يمكن الحمل على مراتب الفضل، فالأفضل هو التراب مع الاعتماد، و دونه في الفضل مجرد الإصابة، كما أنّ غير التراب مما يصح السجود عليه دون التراب في الفضل.

ص: 7


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 4.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1- 2.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 4- 7.

الأذنين، متوجها بهما إلى القبلة (6).

السابع: شغل النظر إلى طرف الأنف حال السجود

(السابع): شغل النظر إلى طرف الأنف حال السجود (7).

الثامن: الدعاء قبل الشروع في الذكر

(الثامن): الدعاء قبل الشروع في الذكر، بأن يقول: «اللهم لك سجدت، و بك آمنت، و لك أسلمت، و عليك توكلت و أنت

______________________________

(6) لصحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و لا تفرجنّ بين أصابعك في سجودك، و لكن ضمهنّ جميعا» (1).

و في صحيح حماد: «ثمَّ سجد و بسط كفيه مضمومتي الأصابع بين ركبتيه حيال وجهه» (2). و منه يستفاد استحباب التوجه إلى القبلة. و أما خبر سماعة المروي عن زيد النرسي قال: «فليبسطهما على الأرض بسطا، و يفرج بين الأصابع كلّها .. إلى أن قال: و لا يفرج بين الأصابع إلا في الركوع و السجود، و كذا إذا بسطهما على الأرض» (3). فهو محمول على الجواز.

و الظاهر أنّ حيال الوجه- كما في الصحيح- ملازم في الجملة لحذاء الأذنين، كما في عبارة الشرائع و غيره فيصح التعبير بكلّ منهما.

(7) كما عن جمع من الأصحاب، و لا مدرك له إلا الرضوي: «و يكون بصرك وقت السجود إلى أنفك و بين السجدتين في حجرك، و كذلك في وقت التشهد» (4).

و هو يكفي في الاستحباب بناء على التسامح، و قد أفتى بمضمونه المشهور في المقام.

(8) لما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام (5)، و تقدم ما يتعلق بالتاسع و العاشر و الحادي عشر في الركوع، فراجع(6).

ص: 8


1- الوسائل باب: من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3، و راجع باب: 20 منها حديث: 3.
4- الفقه الرضوي صفحة: 8
5- الوسائل باب: 2 من أبواب السجود حديث: 1.
6- راجع ج: 6 صفحة: 408.

ربّي، سجد وجهي للذي خلقه و شق سمعه و بصره، و الحمد للّٰه ربّ العالمين، تبارك اللّٰه أحسن الخالقين» (8).

التاسع: تكرار الذكر

(التاسع): تكرار الذكر.

العاشر: الختم على الوتر

(العاشر: الختم على الوتر.

الحادي عشر: اختيار التسبيح من الذكر

(الحادي عشر): اختيار التسبيح من الذكر، و الكبرى من التسبيح، و تثليثها، أو تخميسها أو تسبيعها.

الثاني عشر: أن يسجد على الأرض

(الثاني عشر): أن يسجد على الأرض، بل التراب (9)، دون مثل الحجر و الخشب.

______________________________

(9) لما تقدم في [المسألة 26] من فصل (في مسجد الجبهة) من بحث المكان. و لا ريب في أنّه أبلغ في الاستكانة للّٰه تعالى شأنه.

(10) نسب ذلك إلى جمع كثير من الفقهاء، لصحيح ابن سنان، عن موضع جبهة الساجد: «أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال عليه السلام: لا، و لكن ليكن مستويا» (1) المحمول على الندب إجماعا.

(11) لاحتمال أن يكون المراد بقوله عليه السلام: «و لكن ليكن مستويا» جميع محال السجود لا خصوص المقام، مع أنّه أقوم للسجود، كما في الجواهر و تقدم في الواجب الثالث ما ينفع المقام.

(12) لقول أبي عبد اللّٰه عليه السلام لعبد اللّٰه بن هلال: «عليك بالدعاء و أنت ساجد، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللّٰه تعالى و هو ساجد. قلت: فأدعو في الفريضة و أسمّي حاجتي؟ فقال عليه السلام: نعم، قد فعل ذلك رسول اللّٰه صلى اللّه عليه و آله» (2).

و هو ظاهر في أنّ استحباب الدعاء فيه، لكون حالة السجود أقرب الحالات

ص: 9


1- الوسائل باب: 10 من أبواب السجود حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب السجود حديث: 3.
الثالث عشر: مساواة موضع الجبهة مع الموقف

(الثالث عشر): مساواة موضع الجبهة مع الموقف (10)، بل مساواة جميع المساجد (11).

الرابع عشر: الدعاء في السجود، أو الأخير

(الرابع عشر): الدعاء في السجود (12)، أو الأخير (13) بما يريد من حاجات الدنيا و الآخرة، و خصوص طلب الرزق الحلال بأن يقول:

«يا خير المسؤولين و يا خير المعطين، ارزقني و ارزق عيالي من

______________________________

إلى اللّٰه تعالى، لا أنّه من الأجزاء المستحبة في السجود غير ما ورد فيه النص بالخصوص، كما في صحيح الحذاء: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول و هو ساجد: أسألك بحق حبيبك محمد صلّى اللّه عليه و آله إلا بدّلت سيئاتي حسنات و حاسبتني حسابا يسيرا. ثمَّ قال في الثانية: أسألك بحق حبيبك محمد صلّى اللّه عليه و آله إلا كفيتني مئونة الدنيا و كلّ هول دون الجنة. و قال في الثالثة: أسألك بحق حبيبك محمد صلّى اللّٰه عليه و آله لما غفرت لي الكثير من الذنوب و القليل و قبلت من عملي اليسير. ثمَّ قال في الرابعة: أسألك بحق حبيبك محمد صلّى اللّه عليه و آله لمّا أدخلتني الجنة و جعلتني من سكانها و لما نجيتني من سفعات النار برحمتك، و صلّى اللّٰه على محمد و آله» (1) أقول: السفعة مما توجب تغير لون البشرة.

(13) لعله لأجل أنّ سبق الاشتغال بالصلاة و الحضور لدى المولى تعالى يوجب مزيد فضل فيه للدعاء، و مزية خاصة للاستجابة، و إلا فلم أظفر عاجلا على نص فيه بالخصوص. نعم، ورد في بعض الصلوات الخاصة بعض النصوص، كصلاة جعفر (2)، و ما ورد في طلب الاستخارة في آخر سجدة من ركعتي الفجر، أو آخر سجدة من صلاة الليل (3) إلى غير ذلك.

ص: 10


1- الوسائل باب: 2 من أبواب السجود حديث: 2.
2- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة جعفر.
3- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الاستخارة.

فضلك، فإنّك ذو الفضل العظيم» (14).

الخامس عشر: التورك في الجلوس بين السجدتين و بعدهما

(الخامس عشر): التورك في الجلوس بين السجدتين و بعدهما و هو أن يجلس على فخذه الأيسر، جاعلا ظهر القدم اليمنى في بطن اليسرى (15).

السادس عشر: أن يقول في الجلوس بين السجدتين

(السادس عشر): أن يقول في الجلوس بين السجدتين:

«أستغفر اللّٰه ربّي و أتوب إليه» (16).

السابع عشر: التكبير بعد الرفع من السجدة الأولى بعد الجلوس مطمئنا

(السابع عشر): التكبير بعد الرفع من السجدة الأولى بعد الجلوس مطمئنا، و التكبير للسجدة الثانية و هو قاعد (17).

______________________________

(14) لقول أبي جعفر لزيد الشحام: «ادع في طلب الرزق في المكتوبة و أنت ساجد: يا خير المسؤولين- الحديث-»(1).

(15) لصحيح حماد «قعد عليه السلام على جانبه الأيسر و وضع ظاهر قدمه الأيمن على باطن قدمه الأيسر، و قال: أستغفر اللّٰه ربّي و أتوب إليه» (2).

و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام: «إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك، و اجلس على يسارك» (3).

(16) لما تقدم في صحيح حماد.

(17) لصحيح حماد: «ثمَّ رفع رأسه من السجود، فلما استوى جالسا قال عليه السلام: اللّٰه أكبر .. إلى أن قال: ثمَّ كبّر و هو جالس و سجد الثانية»(4).

و يقتضيه إطلاق صحيح زرارة: «إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبّر ثمَّ اركع و اسجد» (5) المحمول كلّ ذلك على الندب للإجماع.

ص: 11


1- الوسائل باب: 17 من أبواب السجود حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 4.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب الركوع حديث: 1.
الثامن عشر: التكبير بعد الرفع من الثانية كذلك

(الثامن عشر): التكبير بعد الرفع من الثانية كذلك (18).

التاسع عشر: رفع اليدين حال التكبيرات

(التاسع عشر): رفع اليدين حال التكبيرات (19).

العشرون: وضع اليدين على الفخذين حال الجلوس

(العشرون): وضع اليدين على الفخذين حال الجلوس، اليمنى على اليمنى، و اليسرى على اليسرى (20).

الحادي و العشرون: التجافي حال السجود

(الحادي و العشرون): التجافي حال السجود، بمعنى رفع البطن عن الأرض (21).

______________________________

(18) لعموم أنّه: «إذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير» (1).

فيستفاد منه قاعدة كلية في تكبيرات الصلاة إلا ما خرج بالدليل، و قد عمل بها المشهور، و استدل له أيضا بما في التوقيع الرفيع: «إذا رفع رأسه من السجدة الثانية و كبّر ثمَّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير» (2).

(19) لأنّ رفع اليدين في التكبيرات زينة الصلاة، و ضرب من الابتهال، و هي العبودية، كما ورد بكلّ ذلك حديث (3).

(20) للإجماع، و التأسي بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنه كان: «إذا قعد يدعو يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى و يده اليسرى على فخذه اليسرى، و يشير بإصبعه».

مع أنّه من الأمور المتعارفة بين الناس حين جلوسهم لدى العظماء.

(21) على المشهور، لخبر حفص الأعور عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«كان عليّ عليه السلام إذا سجد يتخوّى كما يتخوّى البعير الضامر- يعني بروكه-» (4).

و عن عليّ عليه السلام (5): «إذا صلّت المرأة فلتحتفز أن تتضامّ إذا جلست

ص: 12


1- الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 8.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 8.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11 و 14.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب السجود حديث: 1.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب السجود حديث: 5.
الثاني و العشرون: التجنح

(الثاني و العشرون): التجنح، بمعنى تجافي الأعضاء حال السجود (22)، بأن يرفع مرفقيه عن الأرض، مفرجا بين عضديه و جنبيه، و مبعدا يديه عن بدنه جاعلا يديه كالجناحين.

الثالث و العشرون: أن يصلّي على النبيّ و آله في السجدتين

(الثالث و العشرون): أن يصلّي على النبيّ و آله في السجدتين (23).

الرابع و العشرون: أن يقوم سابقا برفع ركبتيه

(الرابع و العشرون): أن يقوم سابقا برفع ركبتيه قبل يديه (24).

______________________________

و إذا سجدت، و لا تتخوّى كما يتخوّى الرجل».

و التخوي: التجافي، كما في اللغة.

(22) لأنّ: «رسول اللّٰه صلّى اللّه عليه و آله كان يجنّح بهما حتّى يرى بياض إبطيه» (1).

و في صحيح زرارة: «و لكن تجنح بمرفقيك» (2).

و في صحيح حماد: «و كان مجنحا و لم يضع ذراعيه على الأرض» (3).

و يشهد له ما تقدم في التجافي أيضا.

(23) لما تقدم في السادس عشر من (مندوبات الركوع) فراجع.

(24) نصّا و إجماعا، ففي صحيح ابن مسلم قال: «رأيت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد و إذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه» (4).

و في خبر النرسي عن أبي الحسن عليه السلام: «كان إذا رفع رأسه في صلاته من السجدة الأخيرة جلس جلسة، ثمَّ نهض للقيام و بادر بركبتيه من الأرض

ص: 13


1- مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب السجود حديث: 1.
الخامس و العشرون: أن يقول بين السجدتين

(الخامس و العشرون): أن يقول بين السجدتين (25): «اللهم اغفر لي، و ارحمني، و أجرني، و ادفع عنّي، فإنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير، تبارك اللّٰه ربّ العالمين».

السادس و العشرون: أن يقول عند النهوض للقيام: «بحول اللّٰه و قوّته أقوم و أقعد»

(السادس و العشرون): أن يقول عند النهوض للقيام: «بحول اللّٰه و قوّته أقوم و أقعد»، أو يقول: «اللهم بحولك و قوتك أقوم و أقعد» (26).

السابع و العشرون: أن لا يعجن بيديه

(السابع و العشرون): أن لا يعجن بيديه (27) عند إرادة

______________________________

قبل يديه، و إذا سجد بادر بهما إلى الأرض قبل ركبتيه» (1).

و المستفاد منه مواظبته عليه السلام عليه.

(25) لقول أبي عبد اللّٰه عليه السلام للحلبي: «فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين: [الدعاء كما في المتن]»(2).

(26) أما الأول فلجملة من الأخبار:

منها: خبر أبي بصير: «فإذا نهضت فقل: بحول اللّٰه و قوته أقوم و أقعد، فإنّ عليا عليه السلام هكذا كان يفعل» (3).

و منها: صحيح ابن مسلم قال: «بحول اللّٰه و قوته أقوم و أقعد» (4).

و أما الأخير فلصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام بزيادة و أركع و أسجد (5)، و في صحيحه الآخر عنه عليه السلام: «اللهم ربّي بحولك و قوتك أقوم و أقعد، و إن شئت قلت: و أركع و أسجد» (6).

(27) لقول الصادق عليه السلام في خبر الحلبي: «إذا سجد الرجل ثمَّ

ص: 14


1- مستدرك الوسائل باب 1 من أبواب السجود حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب السجود حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 9.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 3.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 6.
6- الوسائل باب: 13 من أبواب السجود حديث: 1.

النهوض- أي لا يقبضهما- بل يبسطهما على الأرض معتمدا عليهما للنهوض.

الثامن و العشرون: وضع الركبتين قبل اليدين للمرأة عكس الرجل

(الثامن و العشرون): وضع الركبتين قبل اليدين للمرأة عكس الرجل (28) عند الهويّ للسجود، و كذا يستحب عدم تجافيها حاله، بل تفترش ذراعيها، و تلصق بطنها بالأرض، و تضم أعضاءها. و كذا عدم رفع عجيزتها حال النهوض للقيام، بل تنهض و تنتصب عدلا.

______________________________

أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه الأرض، و لكن يبسط كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض» (1).

و في خبر الدعائم: «إذا أردت القيام من السجود فلا تعجن، و لكن ابسطهما بسطا و اعتمد عليهما» (2).

و سمي بذلك لأنّ من يريد أن يصنع العجين يفعل ذلك.

(28) لصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها»(3).

و مرسل ابن بكير: «المرأة إذا سجدت تضمّمت، و الرجل إذا سجد تفتح» (4).

و رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السلام: «فإذا جلست فعلى إليتيها ليس كما يجلس الرجل، و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض، و إذا نهضت انسلت انسلالا و لا ترفع عجيزتها أولا» (5).

ص: 15


1- الوسائل باب: 19 من أبواب السجود حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 16 من أبواب السجود حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب السجود حديث: 2.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب السجود حديث: 3.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 4.
التاسع و العشرون: إطالة السجود

(التاسع و العشرون): إطالة السجود (29)، و الإكثار فيه من التسبيح و الذكر.

الثلاثون: مباشرة الأرض بالكفين

(الثلاثون): مباشرة الأرض بالكفين (30).

الواحد و الثلاثون: زيادة تمكين الجبهة

(الواحد و الثلاثون): زيادة تمكين الجبهة و سائر المساجد في السجود (31).

______________________________

(29) للسيرة المستمرة بين الأنبياء و المرسلين خصوصا خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله و خلفائه المعصومين عليهم السلام، مضافا إلى إجماع الأمة، و نصوص متواترة:

منها: ما عن أبي الحسن عليه السلام: «إذا صلّيت فأطل السجود»(1).

بل يستحب إطالة السجود و لو في غير الصلاة، ففي خبر أبي بصير قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يا أبا محمد عليك بطول السجود، فإنّ ذلك من سنن الأوّابين» (2). و غير ذلك من الأخبار.

(30) لجملة من الأخبار:

منها: قول الصادق عليه السلام: «إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه الأرض لعلّ اللّه يدفع عنه الغلّ يوم القيامة» (3).

و في صحيح زرارة: «و إن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل» (4).

(31) لقول عليّ عليه السلام في خبر السكوني: «إنّي لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها أثر السجود» (5).

ص: 16


1- الوسائل باب: 23 من أبواب السجود حديث: 4.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب السجود حديث: 12.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب السجود حديث: 6.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يسجد عليه حديث: 1.
5- الوسائل باب: 21 من أبواب السجود حديث: 1.
مسألة 1: يكره الإقعاء في الجلوس بين السجدتين

(مسألة 1): يكره الإقعاء في الجلوس (32) بين السجدتين بل بعدهما أيضا (33)، و هو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه- كما فسره به الفقهاء- (34) بل بالمعنى الآخر المنسوب إلى

______________________________

و تأسيا بالسجاد عليه السلام: «حيث كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي السجاد بذلك» (1).

(32) لجملة من الأخبار:

منها: موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا تقع بين السجدتين إقعاء» (2).

و نحوه غيره المحمول على الكراهة جمعا بينه و بين خبر عمرو بن جميع عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين و بين الركعة الأولى و الثانية، و بين الركعة الثالثة و الرابعة، و إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى، و لا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلا من علة، لأنّ المقعي ليس بجالس، إنّما جلس بعضه على بعض، و الإقعاء أن يضع الرجل ألييه على عقبيه في تشهديه، فأما الأكل مقعيا فلا بأس به لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قد أكل مقعيا»(3).

و صحيح الحلبي عنه عليه السلام أيضا: «لا بأس بالإقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين» (4).

هذا مضافا إلى الإجماع.

(33) لإطلاق قول أبي جعفر عليه السلام في مرسل حريز: «لا تلثم، و لا تحتفز، و لا تقع على قدميك، و لا تفترش ذراعيك» (5).

المحمول على الكراهة بقرينة غيره.

(34) استفاض نقل اتفاق الفقهاء عليه في لسان جمع منهم، و بين اللغويين

ص: 17


1- الوسائل باب: 21 من أبواب السجود حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 6.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 3.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 5.

اللغويين أيضا، و هو أن يجلس على إليتيه و ينصب ساقيه، و يتساند إلى ظهره، كإقعاء الكلب.

مسألة 2: يكره نفخ موضع السجود

(مسألة 2): يكره نفخ موضع السجود (35) إذا لم يتولد

______________________________

من العامة و الخاصة، و يظهر ذلك من الروايات أيضا حيث ورد كما في خبر عمرو بن جميع: «إنّ المقعي ليس بجالس، و إنّما جلس بعض على بعض» (1).

و ورد: «لا تقع على قدميك» (2).

إلى غير ذلك من التعبيرات الظاهرة فيما فسره الفقهاء به، فاتفق النص و الفتوى عليه.

(35) على المشهور، لجملة من الأخبار:

منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قلت له:

«الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ فقال عليه السلام: لا» (3).

و في حديث مصعب قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يكره النفخ في الرقي، و الطعام، و موضع السجود»(4).

و عن عليّ عليه السلام: «لا يتفل المؤمن في القبلة، فإن فعل ذلك ناسيا يستغفر اللّه لا ينفخ الرجل في موضع سجوده، و لا ينفخ في طعامه و لا شرابه، و لا في تعويذه» (5).

المحمول جميع ذلك على الكراهة بقرينة صحيح ليث المرادي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يصلّي فينفخ في موضع جبهته قال عليه السلام: ليس به بأس إنّما يكره ذلك أن يؤذي من إلى جانبه» (6).

و صحيح أبي بكر الحضرمي عنه عليه السلام: «لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحدا»(7).

ص: 18


1- الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 6.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب السجود حديث: 3.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 1.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 8.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 9.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 6.
7- الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 2.

حرفان، و إلا فلا يجوز، بل مبطل للصلاة (36). و كذا يكره عدم رفع اليدين من الأرض بين السجدتين (37).

مسألة 3: يكره قراءة القرآن في السجود

(مسألة 3): يكره قراءة القرآن في السجود، كما كان يكره في الركوع (38).

______________________________

و يمكن حمل ذيله على شدة الكراهة إن استلزم إيذاء الغير لإثارة الغبار و نحو ذلك.

(36) لما يأتي في الخامس من «فصل مبطلات الصلاة»، فراجع.

(37) لما عن البزنطي صاحب الرضا عليه السلام: «سألته عن الرجل يسجد ثمَّ لا يرفع يديه من الأرض بل يسجد الثانية هل يصلح له ذلك؟ قال عليه السلام: ذلك نقص في الصلاة» (1).

المحمول على الكراهة إجماعا مع أنّ مطلق النقص أعم من الحرمة و البطلان، كما هو معلوم بالوجدان. هذا إذا لم يكن منافيا لصدق الجلوس عرفا و إلا يكون مانعا لما تقدم في الواجب الخامس من وجوب الجلوس بعد السجدة الأولى مطمئنا.

(38) لما عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّي قد نهيت عن القراءة في الركوع و السجود، فأما الركوع فعظموا اللّه تعالى فيه، و أما السجود فأكثروا فيه الدعاء»(2).

و عن عليّ عليه السلام: «لا قراءة في ركوع و لا سجود» (3).

و في خبر السكوني: «سبعة لا يقرأون القرآن. الراكع، و الساجد، و في الكنيف، و في الحمام، و الجنب، و النفساء، و الحائض» (4).

و أما خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل هل يصلح له و هو في ركوعه أو سجوده يبقى عليه الشي ء من السورة يكون يقرأها ثمَّ يأخذ في

ص: 19


1- الوسائل باب: 25 من أبواب السجود حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الركوع حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الركوع حديث: 4.
4- الوسائل باب: 47 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
مسألة 4: الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة

(مسألة 4): الأحوط عدم ترك جلسة الاستراحة، و هي الجلوس بعد السجدة الثانية في الركعة الأولى و الثالثة مما لا تشهد فيه، بل وجوبها لا يخلو عن قوة (39).

______________________________

غيرها؟ قال عليه السلام: أما الركوع فلا يصلح، و أما السجود فلا بأس» (1).

و خبره الآخر عنه عليه السلام أيضا: «عن الرجل قرأ في ركوعه من سورة غير السورة التي كان يقرأها، قال عليه السلام: إن كان قد فرغ فلا بأس في السجود و أما الركوع فلا يصلح» (2).

فلا بد من حملهما على خفة الكراهة في السجود بالنسبة إلى الركوع، مع أنّ الأول لا يصح أن يؤخذ بإطلاقه في الفريضة.

(39) بلا خلاف نصّا و فتوى في رجحانها، و إنّما الخلاف في الوجوب و عدمه و استدل على الوجوب تارة: بالاحتياط، و أخرى: بالإجماع الذي صرح به السيد قدّس سره. و فيه: أنّه لا وجه للاحتياط في الشبهة الوجوبية، لما ثبت في محلّه، و الإجماع موهون بدعوى الإجماع على الخلاف و نسبة الاستحباب إلى المشهور.

و ثالثة: بجملة من الأخبار:

منها: موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا رفعت رأسك في السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثمَّ قم» (3).

و خبر النرسي عن أبي الحسن عليه السلام: «إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس جلسة، ثمَّ بادر بركبتيك إلى الأرض قبل يديك، و ابسط يديك بسطا، و اتّك عليهما، ثمَّ قم، فإنّ ذلك وقار المؤمن الخاشع لربه، و لا تطش من سجودك مبادرا إلى القيام، كما يطيش هؤلاء

ص: 20


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الركوع حديث: 5.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الركوع حديث: 6.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 3.

..........

______________________________

الأقشاب (1)» (2).

و عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام: «اجلسوا في الركعتين حتّى تسكن جوارحكم، ثمَّ قوموا، فإنّ ذلك من فعلنا» (3).

و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إذا كان في الركعة الأولى و الثالثة فرفعت رأسك من السجود فاستتم جالسا حتّى ترجع مفاصلك، فإذا نهضت فقل: بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد، فإنّ عليا عليه السلام هكذا كان يفعل» (4).

و عن الأصبغ قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا رفع رأسه من السجود قعد حتّى يطمئن، ثمَّ يقوم، فقيل له: يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر و عمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض الإبل، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس إنّ هذا من توقير الصلاة» (5).

و فيه: أنّ العمدة موثق أبي بصير و وروده مورد توهم الحظر يمنع عن استفادة الوجوب منه، و قرائن الاستحباب ظاهرة في البقية الأولى: قوله عليه السلام: «هذا من توقير الصلاة». الثانية: قوله عليه السلام: «وقار المؤمن الخاشع لربه». الثالثة: «فإنّ ذلك من فعلنا». الرابعة: «فإنّ عليا كان يفعل ذلك»، إذ لم يعهد من المعصومين عليهم السلام التعبير عن الواجب بذلك.

الخامسة: عدم تعرض المعصومين عليهم السلام للفروع المتفرعة على هذا الواجب العام البلوى، و عدم تعرض الرواة للسؤال عن ذلك و عدم الإشارة في صحيح حماد إليه.

ص: 21


1- الطيش: السرعة و الخفة و عدم المهلة. و الأقشاب جمع قشب: من لا خير فيه من الرجال.
2- مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 4.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 9.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 5.
مسألة 5: لو نسيها رجع إليها، ما لم يدخل في الركوع

(مسألة 5): لو نسيها رجع إليها، ما لم يدخل في الركوع (40).

______________________________

و أما صحيح ابن عواض: «أنّه رأى أبا عبد اللّه عليه السلام إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتّى يطمئنّ ثمَّ يقوم» (1).

فهو فعل مجمل يحتمل الاستحباب أيضا، مع أنّه معارض بصحيح زرارة:

«رأيت أبا جعفر عليه السلام و أبا عبد اللّه عليه السلام إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا و لم يجلسا» (2).

و إمكان حمله على التقية بعيد جدا بالنسبة إلى الإمامين عليهما السلام و مثل زرارة، و إطلاقه يقتضي عدم حضور أحد من العامة عند صلاة الإمامين عليه السلام، مع أنّ خبر رحيم نصّ في جواز الترك: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: جعلت فداك أراك إذا صلّيت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الأولى و الثالثة فتستوي جالسا ثمَّ تقوم فتصنع كما تصنع؟ فقال عليه السلام: لا تنظروا إلى ما أصنع أنا، اصنعوا ما تؤمرون» (3).

و حمله على التقية بعيد جدا. قال الفقيه الهمداني رحمه اللّه:

«إطلاق الأمر به رعاية للتقية مع عدم مسيس الحاجة إليها إلا أحيانا، و كذا عدم تعارفه و اشتهاره في عصر الرضا عليه السلام بين من يأتمر بأوامره من أقوى الشواهد على أنّه ليس من المهمات التي لا يجوز الإخلال بها بلا ضرورة تلجئه إليه، بل هو من الآداب التي ينبغي رعايتها مهما أمكن».

فما عليه المشهور من الفقهاء قدّس سرهم و أعاظمهم، كالمحققين و الشهيدين رحمهم اللّه من الاستحباب هو المستظهر من مجموع أخبار الباب و طريق الاحتياط واضح.

(40) لقاعدة أنّ كلّ جزء منسيّ يتدارك ما لم يدخل في الركن اللاحق، و لكن لو قصد هنا الرجاء لكان أحوط و أولى.

ص: 22


1- الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب السجود حديث: 6.
فصل في سائر أقسام السجود
اشارة

(فصل في سائر أقسام السجود)

مسألة 1: يجب السجود للسهو

(مسألة 1): يجب السجود للسهو، كما سيأتي مفصلا في أحكام الخلل.

مسألة 2: يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع في السور الأربع

(مسألة 2): يجب السجود على من قرأ إحدى آياته الأربع (1) في السور الأربع (2)، و هي: الم تنزيل عند قوله: (فصل في سائر أقسام السجود)

______________________________

(1) نصوصا و إجماعا، و عن الذكرى: إجماع العترة المرضية عليهم السلام، و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الرجل يعلم السورة من العزائم فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد، قال عليه السلام:

عليه أن يسجد كلّما سمعها، و على الذي يعلمه أيضا أن يسجد» (1).

و في صحيح الحلبي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: يقرأ الرجل السجدة و هو على غير وضوء، قال عليه السلام: يسجد إذا كانت من العزائم»(2).

و غير ذلك من الأخبار.

(2) نصّا و إجماعا، ففي صحيح ابن سرحان: «إنّ العزائم الأربع: اقرأ باسم ربّك الذي خلق، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة» (3).

و مثله غيره.

ص: 23


1- الوسائل باب: 45 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث 6.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث 7.

وَ هُمْ لٰا يَسْتَكْبِرُونَ و حم فصِّلت، عند قوله تَعْبُدُونَ، و (النجم و العلق)- و هي سورة اقرأ باسم- عند ختمهما (3)، و كذا يجب على المستمع لها (4)، بل السامع على الأظهر (5).

______________________________

(3) للإجماع، و أصالة عدم عروض الوجوب إلا فيما هو المجمع عليه عند الأصحاب، و لموثق سماعة: «من قرأ: اقرأ باسم ربّك، فإذا ختمها فليسجد» (1).

(4) إجماعا و نصوصا يأتي بعضها.

(5) لإجماع السرائر، و لكنّه موهون و معارض بإجماع الخلاف، و العلامة على العدم.

و استدل أيضا بالإطلاقات، كقول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير:

«إذا قرئ بشي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، و إن كنت على غير وضوء» (2).

و كخبر ابن جعفر عن أخيه: «عن الرجل يكون في صلاة جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال عليه السلام: يومئ برأسه» (3).

و فيه: أنّهما مع إمكان حملهما على التقية- إذ الوجوب على السامع مذهب جمع من العامة- مقيدان بصحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل سمع السجدة تقرأ، قال عليه السلام: لا يسجد إلا أن يكون منصتا لقراءته مستمعا لها، أو يصلّي بصلاته. فأما أن يكون يصلّي في ناحية و أنت تصلّي في ناحية أخرى فلا تسجد لما سمعت» (4).

و أشكل عليه أولا: بأنّ في طريقه محمد بن عيسى عن يونس، و قد استثناه القميون عن نوادر الحكمة. و فيه: أنّه لم يثبت ذلك، و على فرضه لا بد من

ص: 24


1- الوسائل باب: 37 من أبواب القراءة في الصلاة حديث. 2.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
4- الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

و يستحب في أحد عشر موضعا (6): في الأعراف عند قوله:

وَ لَهُ يَسْجُدُونَ، و في الرعد عند قوله وَ ظِلٰالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ

______________________________

النظر إلى وجه استثنائهم، إذ لم ينسبوا إليه إلا الغلوّ و لا دليل لهم على أصل النسبة، و على فرض الصحة لا دليل على منع الغلوّ عن اعتبار الراوي خصوصا بناء على ما استقر عليه المذهب من أنّ خبر الثقة حجة و لو كان فاسقا من جهة أخرى.

و ثانيا: باشتماله على تقرير قراءة الإمام للسجدة، و هو خلاف الإجماع، و التفصيل بين المأموم و السامع و غيره و لا قائل به. و فيه: أنّ العمل ببعض الحديث و طرح البعض الآخر لا بأس به و لا يضر بالحجية، مع أنّه يمكن حمل قراءة الإمام على المخالف و حمل التفصيل على أنّ المأموم السامع يحصل منه الاستماع غالبا بخلاف غيره فيكون من مجرد السماع فقط. فلا دليل يعتمد عليه لوجوبها على السامع، مع أنّ مقتضى الأصل عدمه. نعم، هو الأحوط. ثمَّ إنّ ظاهرهم الاتفاق على الاستحباب مع عدم الوجوب.

(6) أما عدم الوجوب فللأصل، و الإجماع، و خبر أبي بصير: «إذا قرئ شي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنبا، و إن كانت المرأة لا تصلّي، و سائر القرآن أنت فيه بالخيار، إن شئت سجدت، و إن شئت لم تسجد» (1).

و أما الاستحباب فيدل عليه- مضافا إلى الإجماع و خبر أبي بصير، إذ لم يرد به الإباحة المطلقة قطعا- خبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«العزائم: الم تنزيل، و حم السجدة، و النجم، و اقرأ باسم ربك، و ما عداها في جميع القرآن مسنون و ليس بمفروض» (2).

و أما المواضع المذكورة فلإجماع الفقهاء، و إرسالهم إرسال المسلّمات الفقهية، و في المدارك أنّها مقطوع بها في كلام الأصحاب.

ص: 25


1- الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب قراءة القرآن حديث: 9.

، و في النحل عند قوله وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ و في بني إسرائيل عند قوله وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً، و في مريم عند قوله:

خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا، و في سورة الحج في موضعين عند قوله:

إِنَّ اللّٰهَ يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ، و عند قوله افْعَلُوا الْخَيْرَ، و في الفرقان عند قوله وَ زٰادَهُمْ نُفُوراً و في النمل عند قوله رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، و في ص عند قوله وَ خَرَّ رٰاكِعاً وَ أَنٰابَ، و في الإنشقاق عند قوله وَ إِذٰا قُرِئَ. بل الأولى السجود عن كلِّ آية فيها أمر بالسجود (7).

مسألة 3: يختص الوجوب و الاستحباب بالقارئ، و المستمع، و السامع للآيات

(مسألة 3): يختص الوجوب و الاستحباب بالقارئ، و المستمع، و السامع للآيات (8)، فلا يجب على من كتبها أو تصوّرها، أو شاهدها مكتوبة، أو أخطرها بالبال (9).

مسألة 4: السبب مجموع الآية فلا يجب بقراءة بعضها

(مسألة 4): السبب مجموع الآية فلا يجب بقراءة بعضها و لو

______________________________

(7) لأنّ الحصر في الموارد المذكورة ليس حصرا لأصل الاستحباب فيها، بل لأهم مواردها، فمحبوبية أصل السجود عند التعرض له في كلام حضرة المعبود مما تطابق عليها النقل و العقل، ففي خبر العلل عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ أبي عليّ بن الحسين عليه السلام ما ذكر نعمة اللّه عليه إلا سجد، و لا قرأ آية من كتاب اللّه تعالى عز و جل فيها سجدة إلا سجد .. إلى أن قال عليه السلام: فسمّي السجاد لذلك»(1).

(8) لظاهر الأدلة، و إجماع فقهاء الملة.

(9) للأصل و الإجماع. ثمَّ إنّ التصور ماله ثبوت ذهني في الجملة و الخطور ما يعرض و يزول و لو صدفة و بلا التفات.

ص: 26


1- الوسائل باب: 44 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

لفظ السجدة منها (10).

مسألة 5: وجوب السجدة فوريّ

(مسألة 5): وجوب السجدة فوريّ (11)، فلا يجوز التأخير، نعم، لو نسيها أتى بها إذا تذكر، بل، و كذلك لو تركها عصيانا (12).

مسألة 6: لو قرأ بعض الآية و سمع بعضها الآخر

(مسألة 6): لو قرأ بعض الآية و سمع بعضها الآخر، فالأحوط

______________________________

(10) للأصل، و الإجماع، و المتيقن من الأدلة إذ الإطلاقات في مقام بيان أصل الوجوب في الجملة، و لا يصح التمسك بها لأزيد من ذلك، و إيجاب جميع الآية له معلوم و غيره مشكوك فيرجع فيه إلى البراءة، و يمكن دعوى ظهور النصوص فيه أيضا، فإنّ قولهم عليهم السلام: «يقرأ الرجل السجدة، و سمعها، أو استمعها، ظاهر في آياتها عرفا، كما أنّ البقرة و الأنعام مثلا ظاهرتان في سورتها كذلك. نعم، قد تطلق السجدة على سورة السجدة أيضا، لكنّه غير مراد في المقام قطعا فهذا الاحتمال ساقط هنا رأسا.

(11) للإجماع، و ظواهر الأدلة مثل ما ورد في النهي عن قراءة العزيمة في الفريضة: «بأنّ السجود زيادة في المكتوبة» (1)، و ما دل على الإيماء لو سمعها فيها (2) فإنّ ظهورها في الفورية مما لا ينكر، و أما موثق عمار (3) فأسقطه عن الاعتبار مخالفته للإجماع و إعراض المشهور عنه.

(12) للنص و الإجماع، و استصحاب الوجوب، و في خبر ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد، قال عليه السلام: يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم»(4).

و ظاهره أنّ الفورية من باب تعدد المطلوب فتجري في مورد العصيان أيضا.

ص: 27


1- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 39 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

الإتيان بالسجدة (13).

مسألة 7: إذا قرأها غلطا، أو سمعها ممن قرأها غلطا فالأحوط السجدة أيضا

(مسألة 7): إذا قرأها غلطا، أو سمعها ممن قرأها غلطا فالأحوط السجدة أيضا (14).

مسألة 8: يتكرّر السجود مع تكرر القراءة أو السماع أو الاختلاف

(مسألة 8): يتكرّر السجود مع تكرر القراءة أو السماع أو الاختلاف (15)، بل و إن كان في زمان واحد بأن قرأها جماعة أو قرأها

______________________________

(13) مقتضى ظواهر الأدلة اختصاص الوجوب بعنوان القراءة أو السماع أو الاستماع، و المركب من الاثنين منهما ليس من أحدهما، إلا أن يقال: إنّ مقتضى الإطلاق في كلّ واحد منها الوجوب في البسيط و المركب معا، أو إنّ المركب منهما يلحق بالبسيط حكما و إن لم يكن منه موضوعا. و يمكن الخدشة في كلّ منهما، و منه يظهر وجه الاحتياط.

(14) لاحتمال إطلاق الأدلة حتّى من هذه الجهة، و لكن المنساق منها العربية المتعارفة، كما في جميع الموارد، و الشك في الإطلاق يكفي في عدم الوجوب و الرجوع إلى البراءة. نعم، هو الأحوط.

(15) لإطلاق الأدلة، و أصالة عدم التداخل، و ما تقدم من صحيح ابن مسلم من قوله عليه السلام: «عليه أن يسجد كلّما سمعها»(1).

هذا مع تخلل السجود بعد كلّ سبب: و أما لو تركت السجدة نسيانا، أو عصيانا مع تعدد الموجب، أو تكرر الموجب من سنخ واحد، أو مع الاختلاف في آن واحد أو لا، فمقتضى القاعدة كفاية سجدة واحدة، لعدم ظهور الأدلة إلا في وجوب إيجاد حقيقة السجدة بعد تحقق الموجب، و هي تحصل بالواحدة و الزائد عليها يحتاج إلى دليل و هو مفقود، فالمقام نظير موجبات الوضوء- و إن كان التشبيه من سوء الأدب- راجع [المسألة 5] من (فصل الوضوءات المستحبة).

ص: 28


1- الوسائل باب: 45 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

شخص حين قراءته على الأحوط (16).

مسألة 9: لا فرق في وجوبها بين السماع من المكلّف أو غيره

(مسألة 9): لا فرق في وجوبها بين السماع من المكلّف أو غيره كالصغير و المجنون إذا كان قصدهما قراءة القرآن (17).

مسألة 10: لو سمعها في أثناء الصلاة أو قرأها أومأ للسجود

(مسألة 10): لو سمعها في أثناء الصلاة أو قرأها أومأ للسجود و سجد بعد الصلاة و أعادها (18).

مسألة 11: إذا سمعها أو قرأها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ثمَّ الوضع

(مسألة 11): إذا سمعها أو قرأها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ثمَّ الوضع، و لا يكفي البقاء بقصده بل و لا الجرّ إلى مكان آخر (19).

مسألة 12: الظاهر عدم وجوب نيته حال الجلوس أو القيام

(مسألة 12): الظاهر عدم وجوب نيته حال الجلوس أو القيام

______________________________

(16) وجه الاحتياط دعوى شمول الإطلاق لكلّ واحد من المتعدد في المقام أيضا أي كلّ واحد في عرض الآخر، و لكنه مشكل، إذ المنساق من الأدلة صرف الطبيعة المنطبق على الواحد و المتعدد، كما مر في الوضوء، و يأتي في كفارات الصوم و الإحرام، و موجبات الضمان في الأموال و النفوس ما ينفع المقام، و المسألة لها نظائر كثيرة في الفقه.

(17) كلّ ذلك للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(18) تقدم التفصيل في [مسألة 4] من (فصل القراءة) فراجع.

(19) لأنّ المنساق من الأدلة وجوب إحداث السجدة عند موجبها و لا يصدق الإحداث بذلك. و لكن يمكن أن يقال: إنّ الواجب إنّما هو حدوث هيئة السجود عن قصد و التفات، و هو يصدق مع الإحداث المسبوق بالعدم أو الإبقاء المسبوق بالوجود، و يصح أن يقال: إنّه حين حدوث السجدة منه كانت له إرادتان طوليتان إحداهما للسجدة الأولى، و الأخرى للسجدة الثانية بإبقاء السجدة الأولى بقصد الثانية، و قد مر نظير ذلك في سجدة العزيمة مع سجدة الصلاة بإتيان سجدة واحدة بإرادتين طوليتين مقدار منها لسجدة الصلاة و بعد تمام الذكر تكون من سجدة العزيمة قصدا فعليا حادثا عن الإرادة الطولية السابقة.

ص: 29

ليكون الهويّ إليه بنيته، بل يكفي نيته قبل وضع الجبهة بل مقارنا له (20).

مسألة 13: الظاهر أنّه يعتبر في وجوب السجدة كون القراءة بقصد القرآنية

(مسألة 13): الظاهر أنّه يعتبر في وجوب السجدة كون القراءة بقصد القرآنية (21)، فلو تكلّم، شخص بالآية لا بقصد القرآنية لا يجب السجود بسماعه (22) و كذا لو سمعها ممن قرأها حال النوم، أو سمعها من صبيّ غير مميّز، بل و كذا لو سمعها من صندوق حبس الصوت و إن كان الأحوط السجود في الجميع (23).

______________________________

(20) لأنّ المناط إحداث السجدة، و هو يحصل بحدوث النية مقارنا لوضع الجبهة أيضا بحيث يصدق عرفا أنّه نوى السجود فوضع الجبهة، و لا يقال وضع الجبهة فنوى السجدة. هذا بناء على أنّ المدار على الإحداث، و أما بناء على كفاية كون هيئة السجود عن إرادة و اختيار فتكفي النية حين الوضع أيضا، مع أنّ هذا البحث ساقط عن أصله بناء على أنّ النية هو الداعي و لا وقت له و لا زمان.

(21) لتوقف قراءة القرآن عليه عرفا، و في غيره يرجع إلى الأصل بعد عدم صحة التمسك في الصدق، و يكفي القصد الارتكازي، و لا يعتبر العلمي التفصيلي، للأصل.

(22) للأصل بعد عدم دلالة الدليل عليه أو الشك في دلالته بشرط إحراز عدم القصد الارتكازي، كأن يكون في مقام الاستهزاء- و العياذ باللّه- و أما النائم و المجنون فيمكن دعوى ثبوت القصد الارتكازي فيهما. و أما الصبيّ غير المميز فالظاهر اختلافه باختلاف كيفية تعليمه. و أما الراديو فإن لم يكن الصوت من المسجل يجب السجود به، للإطلاقات و العمومات. و أما المسجل، و صندوق حبس الصوت فيحتمل انصراف الأدلة عن مثلهما.

(23) لاحتمال أن يكون مفاد الأدلة وجوب السجود عند كلّ ما صح انطباق قراءة القرآن عليه قهرا، و إن لم يكن قصديا، لكنّه من مجرد الاحتمال بلا دليل عليه و إن كان عظمة المسجود له بلا نهاية تقتضي ذلك.

ص: 30

مسألة 14: يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات

(مسألة 14): يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات، فمع سماع الهمهمة لا يجب السجود (24) و إن كان أحوط (25).

مسألة 15: لا يجب السجود لقراءة ترجمتها أو سماعها

(مسألة 15): لا يجب السجود لقراءة ترجمتها أو سماعها و إن كان المقصود ترجمة الآية (26).

مسألة 16: يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه مضافا إلى النية- إباحة المكان

(مسألة 16): يعتبر في هذا السجود بعد تحقق مسماه مضافا إلى النية- إباحة المكان (27)، و عدم علوّ المسجد بما يزيد على أربعة أصابع (28). و الأحوط وضع سائر المساجد و وضع الجبهة على ما يصح

______________________________

(24) لأنّ ظواهر الأدلة سماع الآية و لا يصدق ذلك إلا بالتمييز. نعم، لو كان المدار على مطلق السماع لصدق على سماع الهمهمة أيضا، و لكن الدليل لا يثبته و الأصل ينفيه.

(25) لأنّ الاحتياط حسن على كلّ حال.

(26) لأنّ المنساق من الأدلة قراءة نفس القرآن المنزل من السماء، و لذا لا يجري على الترجمة سائر الأحكام من حرمة المسّ بلا طهارة و نحوها، و مقتضى الأصل عدم ترتيب جميع آثار القرآن على الترجمة إلا ما خرج بالدليل و هو مفقود في المقام.

(27) أما النية- أي القصد إلى السجود- فاعتباره تكوينيّ لا يحتاج إلى بيان، لأنّ كلّ فعل اختياري يتوقف عليها. و أما القربة فالظاهر عدم اعتبارها لأنّ العمل بذاته قربيّ و عبادة. نعم، يضر قصد الرياء بلا إشكال. و أما إباحة المكان فلأنّ الغصب معصية للّه تعالى و السجود عبادة، و لا يعبد اللّه تعالى من حيث يعصى، كما يشهد به العقل و النقل. و كذا إباحة ما مع الساجد و يصح السجود مع الجهل بالغصبية أو نسيانها، لعدم فعلية النهي حينئذ.

(28) بناء على أنّ المراد بالسجود في المقام هو السجود الصلاتي لا إشكال في اعتباره و اعتبار وضع المساجد، و كذا كلّ ما كان معتبرا في سجود الصلاة إلا ما خرج بالدليل. و أما إن كان المراد السجود العرفي فمقتضى الأصل

ص: 31

السجود عليه، و لا تعتبر فيه الطهارة من الحدث و لا من الخبث (29)، فتسجد الحائض وجوبا عند سببه، و ندبا عند سبب الندب (30)، و كذا الجنب (31).

______________________________

عدم اعتبار شي ء فيه إلا الصدق العرفي للسجود، و مقتضى الجمود على الإطلاق هو الأخير، و إن كان المنساق إلى الأذهان لدى المتشرعة هو الأول، و منه يعلم الوجه في وجوب وضع المساجد، و لعلّ وجه جزمه قدّس سره بالفتوى في الأول و الاحتياط في الأخير احتمال أن يكون عدم العلو تحديدا شرعيا لأصل السجود مطلقا، بخلاف وضع سائر المساجد فإنّها خارجة عن حقيقته.

(29) إجماعا فيهما، و نصوصا أيضا في الأخير، ففي خبر أبي بصير:

«إذا قرئ بشي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنبا، و إن كانت المرأة لا تصلّي» (1).

و نحوه غيره. و من إطلاقه في الجنب و المرأة يمكن أن يستفاد حكم الخبث أيضا لملازمة الجنابة و الحيض له غالبا. و أما صحيح عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد السجدة إذا سمعت، قال عليه السلام: تقرأ و لا تسجد» (2).

فمحمول على غير العزائم جمعا، و يكون النهي عن السجود حينئذ لمجرد الكراهة في العبادة التي لا تنافي مطلوبيتها وجوبا أو ندبا، و لكن ضبطه في الاستبصار: «لا تقرأ و لا تسجد» (3)، و على فرض الصحة يمكن حمله على مطلق المرجوحية بالنسبة إلى غير العزائم التي لا تنافي أصل المطلوبية في الجملة.

(30) لإطلاق ما دل على السببية من غير تقييد، و يمكن أن يستفاد حكم السجدة المندوبة مما ورد في العزيمة بالفحوى.

(31) لما تقدم من ذكره بالخصوص في النص، و هو و إن ورد في العزيمة،

______________________________

(1)

(2)

(3)

ص: 32


1- الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الحيض حديث: 4.
3- الاستبصار ج: 1 صفحة: 320 حديث: 1193.

و كذا لا يعتبر فيه الاستقبال (32)، و لا طهارة موضع الجبهة، و لا ستر العورة فضلا عن صفات الساتر: من الطهارة و عدم كونه حريرا أو ذهبا أو جلد ميتة (33). نعم، يعتبر أن لا يكون لباسه مغصوبا إذا كان السجود يعدّ تصرفا فيه (34).

مسألة 17: ليس في هذا السجود تشهد و لا تسليم و لا تكبير افتتاح

(مسألة 17): ليس في هذا السجود تشهد و لا تسليم و لا تكبير افتتاح (35). نعم، يستحب التكبير للرفع منه (36)، بل الأحوط عدم

______________________________

لكن يستفاد منه حكم السجدات المندوبة بالفحوى.

(32) للأصل و الإطلاق و الاتفاق، و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الرجل يقرأ السجدة و هو على ظهر دابته، قال عليه السلام: يسجد حيث توجهت به، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يصلّي على ناقته و هو مستقبل القبلة» (1).

و العمدة هو الإجماع، و إلا فالمنساق منه حال الضرورة بقرينة ذيله.

(33) كلّ ذلك للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(34) لاشتماله على المبغوض حينئذ و هو ينافي العبادية، و المراد بالتصرف العرفي منه لا الدقي العقلي، لأنّه يصح فرض عدم التصرف في السجود مع الثوب الغصبي، لأنّ الهويّ خارج عنه و بعد وضع الجبهة لا تصرف، و لكن العرف يرى الساجد متصرّفا في الثوب المغصوب الملبوس و لو حين السجود.

(35) كلّ ذلك للأصل و الإطلاق و الإجماع و السيرة الفتوائية و العملية بين المسلمين.

(36) مقتضى الأصل عدم وجوب التكبير بعد الرفع أيضا، و لكن في صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قرأت شيئا من العزائم يسجد فيها، فلا تكبير قبل سجودك، و لكن تكبّر حين ترفع رأسك» (2).

ص: 33


1- الوسائل باب: 49 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.

تركه (37).

مسألة 18: يكفي فيه مجرد السجود

(مسألة 18): يكفي فيه مجرد السجود، فلا يجب فيه الذكر (38) و إن كان يستحب (39) و يكفي في وظيفة الاستحباب كلّما كان (40). و لكن الأولى أن يقول: «سجدت لك يا ربّ تعبدا و رقّا، لا مستكبرا عن عبادتك و لا مستنكفا و لا مستعظما بل أنا عبد ذليل خائف مستجير» (41)، أو يقول: «لا إله إلا اللّه حقا حقا لا إله إلا اللّه إيمانا و تصديقا، لا إله إلا

______________________________

المحمول على الندب لموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال عليه السلام: ليس فيها تكبير إذا سجدت و لا إذا قمت، و لكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود» (1).

(37) خروجا عن خلاف ما نسب إلى ظاهر بعض الفقهاء من الوجوب.

(38) للأصل و الإطلاق، و الإجماع، كما في المستند. و ما في بعض الأخبار من قولهم عليهم السلام: «فليقل ..» (2) لا بد بقرينة غيره (3) من حمله على الندب.

(39) للإجماع، و يظهر من بعض الكلمات الوجوب لكنه محمول على الندب، لما مر من دعوى الإجماع من المستند على عدم الوجوب، فيكون أصل الرجحان مسلّما بين الكلّ.

(40) لأصالة عدم اعتبار ذكر معيّن فيه، و اختلاف الروايات الواردة الكاشف عن الاستحباب، بل في صحيح معاوية بن عمار المتقدم جواز الاقتصار على ذكر السجدة الصلاتية أيضا.

(41) قاله أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح الحذاء(4).

ص: 34


1- الوسائل باب: 46 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 46 من أبواب قراءة القرآن.
3- الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
4- الوسائل باب: 46 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

اللّه عبودية و رقا، سجدت لك يا ربّ تعبدا و رقا، لا مستنكفا و لا مستكبرا بل أنا عبد ذليل ضعيف خائف مستجير» (42)، أو يقول: «إلهي آمنا بما كفروا، و عرفنا منك ما أنكروا، و أجبناك إلى ما دعوا إلهي فالعفو العفو» (43)، أو يقول ما قاله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في سجود سورة العلق و هو: «أعوذ برضاك من سخطك، و بمعافاتك من عقوبتك، و أعوذ بك منك، لا احصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».

مسألة 19: إذا سمع القراءة مكرّرا و شك بين الأقلّ و الأكثر

(مسألة 19): إذا سمع القراءة مكرّرا و شك بين الأقلّ و الأكثر يجوز له الاكتفاء في التكرار بالأقلّ (45). نعم، لو علم العدد و شك في الإتيان بين الأقلّ و الأكثر وجب الاحتياط بالبناء على الأقلّ أيضا (46).

______________________________

(42) كما في مرسل الفقيه (1).

(43) كما في مرسل الذكرى (2).

(44) كما في مرسل الغوالي (3). هذا و في موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل إذا قرأ العزائم .. إلى أن قال عليه السلام: و لكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود» (4).

فهذه روايات خمسة في ذكر سجود التلاوة، و ظاهرها و إن كان الوجوب و لكن الاختلاف في متنها، و إرسال الاستحباب لدى الفقهاء إرسال المسلّمات بحيث لا يظهر قائل صريح بالوجوب يوهن الأخذ بالظاهر مع قصور السند في أكثرها.

(45) لأصالة البراءة، لأنّ المسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر.

(46) لأصالة الاشتغال بعد العلم بأصل اشتغال الذمة.

ص: 35


1- الوسائل باب: 46 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
2- الذكرى: المسألة السادسة من مسائل سجدة التلاوة.
3- مستدرك الوسائل باب: 39 من أبواب القراءة في غير الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 46 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
مسألة 20: في صورة وجوب التكرار يكفي في صدق التعدد رفع الجبهة عن الأرض

(مسألة 20): في صورة وجوب التكرار يكفي في صدق التعدد رفع الجبهة عن الأرض ثمَّ الوضع للسجدة الأخرى (47) و لا يعتبر الجلوس ثمَّ الوضع، بل و لا يعتبر رفع سائر المساجد (48) و إن كان أحوط.

______________________________

(47) لأنّ قوام السجود بوضع الجبهة، و قوام تعدده بتعدد الوضع و قد حصل كلّ منهما، و قد مر سابقا كفاية إبقاء هيئة السجود بقصد سجدة أخرى.

(48) للأصل بعد عدم دليل عليه.

ص: 36

فصل في سجدة الشكر
اشارة

(فصل في سجدة الشكر)

مسألة 21: يستحب السجود للشكر لتجدد نعمة، أو دفع نقمة

(مسألة 21): يستحب السجود للشكر لتجدد نعمة، أو دفع نقمة، أو تذكرهما مما كان سابقا، أو للتوفيق لأداء فريضة أو نافلة، أو فعل خير و لو مثل الصلح بين اثنين. فقد روي عن بعض الأئمة عليهم السلام: أنّه كان إذا صالح بين اثنين أتى بسجدة الشكر (1)، (فصل في سجدة الشكر)

______________________________

(1) كلّ ذلك لقول أبي جعفر عليه السلام: «إنّ أبي عليّ بن الحسين عليهما السلام ما ذكر للّه عز و جل نعمة عليه إلّا سجد، و لا قرأ آية من كتاب اللّه فيها سجود إلا سجد، و لا دفع اللّه عنه سوء يخشاه أو كيد كائد إلا سجد، و لا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، و لا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد- الحديث» (1).

و الظاهر أنّ كلّ ذلك من باب المثال، فيشمل فعل كلّ خير، و ترك كلّ معصية، مع أنّ النعمة شاملة لفعل الطاعات و ترك المعاصي، و فعل كلّ خير، و ترك كلّ شر، مضافا إلى أنّ الشكر- قولا كان أو عملا- له محبوبية عند الكلّ، و في خبر مرازم عن الصادق عليه السلام: «سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم تتم بها صلاتك، و ترضي بها ربّك، و تعجب الملائكة منك- الحديث» (2).

و منه يستفاد استحبابه بعد كلّ صلاة و لو كانت نافلة، بل يأتي في [المسألة 23] استحبابه من دون سبب أيضا، للإطلاقات المرغبة إليه، و لأنّ له عبادية ذاتية.

ص: 37


1- الوسائل باب: 7 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 8.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 5.

و يكفي في هذا السجود مجرد وضع الجبهة مع النية (2).

نعم، يعتبر فيه إباحة المكان (3) و لا يشترط فيه الذكر (4)، و إن كان يستحب أن يقول: «شكرا للّه»، أو «شكرا شكرا» و «عفوا عفوا» مائة مرة، أو ثلاث مرات، و يكفي مرة واحدة أيضا (5)، و يجوز

______________________________

(2) أما الأول: فلتقوّم السجود به، و أما الأخير: فلتقوّم كلّ فعل اختياري به، و أما عدم اعتبار شي ء آخر فللأصل و الإطلاق و الإجماع.

(3) لما تقدم في سجدة التلاوة، و تقدم إباحة اللباس أيضا.

(4) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(5) أما مائة مرة شكرا شكرا أو عفوا عفوا، فلخبر المروزي قال: «كتب إليّ أبو الحسن الرضا عليه السلام: قل في سجدة الشكر مائة مرة شكرا شكرا، و إن شئت عفوا عفوا»(1).

و الظاهر أنّ ترك لفظ (للّه) إنّما هو للتسهيل و الترخيص لا لتعبد خاص، لوروده في رواية الثلاث، كما يأتي. و أما ثلاث مرات، فلقول أبي الحسن الرضا عليه السلام في خبر العلل: «أدنى ما يجزي فيها من القول أن يقال: شكرا للّه شكرا للّه ثلاث مرات» (2).

و أما الواحدة فللإطلاقات خصوصا مثل خبر مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام حكاية عن اللّه عز و جل: «لأشكرنّه كما شكرني و أقبل إليه بفضلي».

بعد حمل ما ورد من العدد المطلوب بحسب مراتبه، كما هو عادة الفقهاء (قدس سرهم) في مثل هذه المندوبات، و قد ثبت في محلّه عدم المفهوم للعدد مطلقا إلا إذا ثبتت العلية التامة المنحصرة له.

ص: 38


1- الوسائل باب: 6 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 3.

الاقتصار على سجدة واحدة، و يستحب مرتان (6)، و يتحقق التعدد بالفصل بينهما بتعفير الخدين أو الجبينين، أو الجميع (7) مقدما للأيمن

______________________________

(6) أما جواز الاقتصار على سجدة واحدة فلوقوع التعبير بلفظ السجدة في جملة من الأخبار(1). و أما استحباب المرتين فلوقوع التعبير بسجدتي الشكر في بعض الأخبار (2)، و لا ريب في أنّه من زيادة الفضل فيكون أفضل لا محالة، و السجود للّه تعالى خير محض قلّ أو كثر.

(7) يتحقق التعدد برفع الرأس في الجملة ثمَّ الوضع، كما مر في [مسألة 11] من سجود التلاوة، و لا إشكال في تحققه بالتعفير- و هو من العفر، أي التراب.

و الأخبار الواردة على أقسام ثلاثة: (الأول): ما يظهر منه استحبابه النفسي كمرسل ابن يقطين عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أوحى اللّه تعالى إلى موسى أ تدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال: يا ربّ و لم ذلك؟! فأوحى اللّه عز و جل إليه يا موسى: إنّي قلبت عبادي ظهرا لبطن فلم أجد فيهم أحدا أذلّ لي نفسا منك، يا موسى إنّك إذا صلّيت وضعت خديك على التراب، أو قال على الأرض» (3).

و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين سبق سجود الشكر و عدمه، و في موثق إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كان موسى بن عمران عليه السلام إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خده الأيمن بالأرض و خده الأيسر بالأرض» (4).

ص: 39


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 1 و 2 و 4.
2- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 6.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 1.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 2.

..........

______________________________

بل يظهر من خبر يونس بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام (1) أنّه يكفي ذلك في الشكر و لا يحتاج إلى وضع الجبهة، فقال عليه السلام. «إذا ذكر أحدكم نعمة اللّه عز و جل فليضع خده على التراب شكرا للّه- الحديث-»، و في خبر إسحاق بن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إذا ذكرت نعمة اللّه عليك و كنت في موضع لا يراك أحد فألصق خدك بالأرض» (2).

(الثاني): ما هو صريح في الجمع بينه و بين السجود، كخبر محمد بن سليمان عن أبيه قال: «خرجت مع أبي الحسن موسى عليه السلام إلى بعض أمواله فقام إلى صلاة الظهر فلما فرغ خرّ للّه ساجدا .. إلى أن قال: ثمَّ ألصق خده الأيمن بالأرض فسمعته و هو يقول بصوت حزين: «بؤت إليك بذنبي، عملت سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي». ثلاث مرات، ثمَّ ألصق خده الأيسر بالأرض و سمعته يقول: «ارحم من أساء و اقترف و استكان و اعترف» ثلاث مرات، ثمَّ رفع رأسه» (3).

(الثالث): ما هو صريح في وقوع التعفير بين سجدتي الشكر مثل ما يأتي من خبر عبد اللّه بن جندب عن موسى بن جعفر عليه السلام (4). و يمكن الحمل على مراتب الفضل، فالأفضل هو الأخير، ثمَّ الوسط، ثمَّ الأول. ثمَّ إنّ وضع الخد قد ورد في جملة من الأخبار، كما مر. و أما الجبينان فيدل عليه مضافا إلى ظهور الإجماع، المرسل المشهور: «إنّ من علامات المؤمن تعفير الجبين» (5).

و استظهر في الحدائق: أنّ المراد به الجبهة بقرينة إفراده بالذكر. و فيه:

أنّه يمكن أن يراد به الجنس الشامل للجبينين.

و أما تقديم الأيمن على الأيسر، فقد تقدم في خبر محمد بن سليمان، و خبر عبد اللّه بن جندب، و يشهد له تقديم الميامن على المياسر في التكاليف المتعلقة

ص: 40


1- الوسائل باب: 7 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 3.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 5.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 5.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 1.
5- مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب سجدة الشكر حديث: 1.

منهما على الأيسر ثمَّ وضع الجبهة ثانيا (8)، و يستحب فيه افتراش الذراعين و إلصاق الجؤجؤ و الصدر و البطن بالأرض (9) و يستحب أيضا أن يمسح موضع سجوده بيده ثمَّ إمرارها على وجهه و مقاديم بدنه (10).

و يستحب أن يقرأ في سجوده ما ورد في حسنة عبد اللّه بن جندب عن موسى بن جعفر عليه السلام: «ما أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال عليه السلام: قل و أنت ساجد: اللهم إنّي أشهدك و أشهد ملائكتك و أنبيائك و رسلك و جميع خلقك أنّك أنت اللّه ربّي، و الإسلام ديني، و محمّد نبيّي، و عليّ و الحسن و الحسين ..

إلى آخرهم .. أئمتي عليهم السلام بهم أتولى و من أعدائهم أتبرأ.

______________________________

بهما وجوبا أو ندبا.

(8) تقدم ما يتعلق به، و أنّه لم يذكر إلا في خبر ابن جندب.

(9) لخبر ابن خاقان قال: «رأيت أبا الحسن الثالث عليه السلام سجد سجدة الشكر فأفرش ذراعيه و ألصق جؤجؤه و صدره و بطنه بالأرض فسألته عن ذلك، فقال عليه السلام: كذا يجب» (1). كما في الكافي، و «كذا نحب» كما في التهذيب. و الجؤجؤ كهدهد: الصدر، فيكون العطف للتوكيد، أو من عطف العام على الخاص بناء على كون الجؤجؤ مقدم الصدر.

(10) لما روي عن الصادقين عليهم السلام: «أنّهم قالوا إنّ العبد إذا سجد امتد من عنان السماء عمود من نور إلى موضع سجوده، فإذا رفع أحدكم رأسه من السجود فليمسح بيده موضع سجوده ثمَّ يرفعها فيمسح بها وجهه و صدره، فإنّها لا تمر بداء إلا نفته إن شاء اللّه تعالى».

ص: 41


1- الوسائل باب: 4 من أبواب سجدتي الشكر حديث: 2.

اللهم إنّي أنشدك دم المظلوم «ثلاثا» اللهم إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنّهم بأيدينا و أيدي المؤمنين، اللهم إنّي أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنّهم بعدوّك و عدوّهم أن تصلّي على محمد و على المستحفظين من آل محمد «ثلاثا». اللهم إنّي أسألك اليسر بعد العسر «ثلاثا».

ثمَّ تضع خدّك الأيمن على الأرض و تقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب، و تضيق عليّ الأرض بما رحبت، يا بارئ خلقي رحمة بي و قد كنت عن خلقي غنيا، صلّ على محمد و على المستحفظين من آل محمد.

ثمَّ تضع خدّك الأيسر و تقول: يا مذلّ كلّ جبار، و يا معزّ كلّ ذليل، قد و عزّتك بلغ مجهودي «ثلاثا»، ثمَّ تقول: يا حنان يا منان يا كاشف الكرب العظام.

ثمَّ تعود للسجود فتقول مائة مرة: شكرا شكرا، ثمَّ تسأل حاجتك إن شاء اللّه».

و الأحوط وضع الجبهة في هذه السجدة أيضا على ما يصح السجود عليه (11)، و وضع سائر المساجد على الأرض، و لا بأس بالتكبير قبلها و بعدها لا بقصد الخصوصية و الورود (12).

______________________________

(11) لاحتمال أن يكون هذا السجود عين السجود الصلاتي فيعتبر فيه كلّ ما اعتبر فيه، و منه يظهر وجه الاحتياط في الآتي.

(12) إذ لا دليل يمكن الاعتماد عليه على اعتبار ما هو خارج عن حقيقة السجود الصلاتي في سجدة الشكر، و لا ريب في عدم اعتبار التكبير في سجود الصلاة.

ص: 42

مسألة 22: إذا وجد سبب سجود الشكر و كان له مانع من السجود على الأرض

(مسألة 22): إذا وجد سبب سجود الشكر و كان له مانع من السجود على الأرض فليوم برأسه و يضع خدّه على كفّه فعن الصادق عليه السلام:

«إذا ذكر أحدكم نعمة اللّه عزّ و جل فليضع خده على التراب شكرا للّه، و إن كان راكبا فلينزل فليضع خده على التراب، و إن لم يقدر على النزول للشهرة فليضع خده على قربوسه، فإن لم يقدر فليضع خده على كفّه ثمَّ ليحمد اللّه على ما أنعم عليه» (13).

و يظهر من هذا الخبر تحقق السجود بوضع الخد فقط من دون الجبهة.

مسألة 23: يستحب السجود بقصد التذلل أو التعظيم للّه تعالى

(مسألة 23): يستحب السجود بقصد التذلل أو التعظيم للّه تعالى، بل من حيث هو راجح و عبادة، بل من أعظم العبادات و آكدها، بل ما عبد اللّه بمثله. و ما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجدا، لأنّه أمر بالسجود فعصى، و هذا أمر به فأطاع و نجى. و أقرب ما يكون العبد إلى اللّه و هو ساجد. و أنّه سنة الأوابين.

و يستحب إطالته، فقد سجد آدم ثلاثة أيام بلياليها و سجد عليّ بن الحسين عليهما السلام على حجارة خشنة حتّى احصي عليه ألف مرة:

«لا إله إلا اللّه حقا حقا لا إله إلا اللّه تعبدا و رقا لا إله إلا اللّه إيمانا و تصديقا».

و كان الصادق عليه السلام يسجد السجدة حتّى يقال إنّه راقد، و كان موسى بن جعفر عليه السلام يسجد كلّ يوم بعد طلوع الشمس إلى

______________________________

(13) روي هذا الخبر في الكافي عن يونس بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام (1).

ص: 43


1- الوسائل باب: 7 من أبواب سجدتي الشكر: حديث: 3.

وقت الزوال (14).

مسألة 24: يحرم السجود لغير اللّه تعالى

(مسألة 24): يحرم السجود لغير اللّه تعالى (15)، فإنّه غاية

______________________________

(14) جملة مما ذكره (قدس سره) في هذه المسألة متون الأخبار، كما لا يخفى على من راجعها.

(15) و يظهر من الدعاء الوارد بعد زيارة أمير المؤمنين عليه السلام أنّ الركوع أيضا لا يجوز لغير اللّه أيضا: (اللهم لك صلّيت و لك ركعت و لك سجدت وحدك لا شريك لك لأنه لا تجوز الصلاة و الركوع و السجود إلا لك» (1).

و لنشر إلى بعض ما قلناه في السجود و سجود الملائكة و ما يتعلق بالإنسان الكامل، و قد فصّلنا القول في ذلك كلّه بما لا مزيد عليه في التفسير نسأل اللّه التيسير.

سرّ العبوديّة للمعبود يظهر في الإتيان بالسّجود

و هو مقام شامخ للسّاجد أفضل فعل للمصلّي العابد

قد مدح السّجود في القرآن مدحا بليغا ظاهر البيان

وضع الوجوه الغرّ في ترب الفلا تخضّعا لربّ الأرض و السّما

غاية قرب العبد للّه العلي إفاضة الخفيّ منه و الجلي

و لو رأى قلبك حال الأوليا من راكع أو ساجد أو في الدّعاء

رأيت فيهم شرفا عظيما و منبتا- طاب لهم- كريما

تجلّت الأنوار في قلوبهم و النّور و السّيماء في وجوههم

و أخلصوا نيّاتهم من ريب و رابطوا بجهدهم بالغيب

جارية دموعهم في الخدّ يطالبون ربّهم بالجدّ

في حال عبرة و خوف و بكا تخفيف أهوال ترى يوم الجزا

ص: 44


1- الوسائل باب: 65 من أبواب المزار حديث: 4.

الخضوع فيختص بمن هو في غاية الكبرياء و العظمة، و سجدة الملائكة لم تكن لآدم بل كان قبلة لهم، كما أنّ سجدة يعقوب و ولده لم تكن ليوسف بل للّه تعالى شكرا حيث رأوا ما أعطاه اللّه من الملك. فما يفعله سواد الشيعة من صورة السجدة عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام و غيره من الأئمة عليهم السلام مشكل إلا أن يقصدوا به سجدة الشكر لتوفيق اللّه تعالى لهم لإدراك الزيارة. نعم، لا يبعد جواز تقبيل العتبة الشريفة.______________________________

قنوتهم في ظلمات اللّيل له هدير كهدير السّيل

أنينهم يرفع للسّماء دموعهم تجري من البكاء

اضطربوا بكلّ معنى القول لما يلاقي الخلق يوم الهول

قد أنحلوا أبدانهم بالطّاعة أدهشهم خوف قيام السّاعة

حالاتهم داعية إلى اللّه أحوالهم حاكية عن اللّه

فلو نظرت نحو أطراف الفلك ترى سجودا فرقا من الملك

لا يرفعون رأسهم إلى الأبد تخضّعا للواحد الفرد الصّمد

أنفاسهم تسبيح أو تقديس شعارهم يا نور يا قدّوس

أشواقهم خارجة عن حدّ حالاتهم مشوبة بالوجد

لقد تفانوا في حريم الكبريا فاكتشفوا بذاك سرّ الأوليا

نشاطهم من عالم السّرور لا كنشاط عالم الغرور

تغشاهم الجذبة من نور الأحد و هي عناية بهم من غير حد

إنّ السّجود مع ما فيه اعتبر أعظم باب لحوائج البشر

حبوا الى أوسع باب الرّحمة و كان ذاك من علوّ الهمّة

أفضل حال لاستجابة الدّعاء حال السّجود فاستمع لمن وعى

و حقّقوا حاجاتكم في السّجدة فإنّها لذاك نعم العدّة

فكم دعاء استجيب فيه و نال جمع فيه ما يرضيه

فاغتنموا حال السّجود مطلقا الى مقام القرب منه يرتقى

ص: 45

فصل في التشهد

اشارة

(فصل في التشهد) و هو واجب في الثنائية مرة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الثانية، و في الثلاثية و الرباعية مرتين الأولى كما ذكر، و الثانية بعد رفع الرأس من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة (1)، و هو واجب (فصل في التشهد)

______________________________

(1) لإجماع الإمامية و بضرورة المذهب بل الدّين في ذلك كلّه، و لنصوص تأتي الإشارة إليها، و يظهر من كثرة اهتمام المعصومين عليهم السلام ببيان أحكامه و خصوصياته أنّ أصل وجوبه كان ضروريا لديهم أيضا، و إن أطلق عليه السنة في كلماتهم الشريفة، كقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «التشهد سنة و لا تنقض السنة الفريضة» (1).

و قول أحدهما عليهما السلام في صحيح ابن مسلم: «إنّما التشهد سنة في الصلاة» (2).

إلى غير ذلك، فيكون المراد بالسنة ما ثبت وجوبه بغير القرآن: و ما يظهر منه خروجه عن الصلاة، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهد، قال عليه السلام:

ينصرف فيتوضأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء قعد فيتشهد ثمَّ يسلّم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (3).

ص: 46


1- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب التشهد حديث: 1.

غير ركن (2) فلو تركه عمدا بطلت الصلاة (3) و سهوا أتى به ما لم يركع و قضاه بعد الصلاة إن تذكر بعد الدخول في الركوع مع سجدتي السهو (4).

______________________________

و موثق عبيد بن زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال عليه السلام: تمت صلاته، و أما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ و يجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد» (1).

مخالف للمشهور، و معارض لما دل على انحصار تحليل الصلاة في التسليم، فلا بد من رده إلى أهله أو حمله على بعض المحامل، و يأتي التفصيل في الخلل إن شاء اللّه تعالى.

(2) للنصوص الدالة على أنّ تركه سهوا لا يوجب البطلان (2)، مضافا إلى الإجماع، و يأتي التفصيل في الخلل في حكم قضاء الأجزاء المنسية إن شاء اللّه تعالى.

(3) للإجماع، و لأنّه لا معنى للوجوب إلا أنّ تركه العمدي يوجب البطلان و إلا لخرج الواجب عن وجوبه. نعم، في بعض واجبات الحج ورد الدليل على أنّ تركه العمدي لا يوجب بطلان الحج على ما يأتي التفصيل في محلّه.

(4) للنص و الإجماع، ففي صحيح ابن خالد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين، فقال عليه السلام:

إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتّى يركع فليتم الصلاة حتّى إذا فرغ فليسلّم و ليسجد سجدتي السهو» (3).

و يأتي في [مسألة 18] من (فصل الخلل)، الأجزاء المنسية ما ينفع المقام فراجع.

ص: 47


1- الوسائل باب: 13 من أبواب التشهد حديث: 2.
2- راجع الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 3.

و واجباته سبعة:

(الأول): الشهادتان (5).

(الثاني): الصلاة على محمد و آل محمد (6) فيقول: «أشهد أن

______________________________

(5) للنص و الإجماع، و الضرورة المذهبية بل الدينية، و في صحيح محمد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: التشهد في الصلوات، قال عليه السلام: مرتين. قال: قلت: كيف مرتين؟ قال عليه السلام: إذا استويت جالسا، فقل: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله ثمَّ تنصرف» (1).

و أما صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما يجزي من القول في التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال عليه السلام: أن تقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، فقلت: فما يجزي من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟

فقال عليه السلام: الشهادتان» (2).

فمخالف للنص و الإجماع و لم يعمل به إلا الجعفي، فلا بد من رد علمه إلى أهله، و كذا غيره مما هو مخالف لما هو المجمع عليه بين الإمامية، مع إمكان حملها على ما هو المندوب في التشهد لا ما هو الواجب فيه خصوصا مثل خبر بكر بن حبيب قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن التشهد. فقال: لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا، إنّما كان القوم يقولون: أيسر ما يعلمون إذا حمدت اللّه أجزأ عنك» (3).

مع أنّ بعضها مطلقات قابلة للحمل على ما ذكر و ليس واردا في مقام البيان من كلّ جهة حتّى يصح التمسك به في نفي اعتبار شي ء في مقابل صحيح محمد.

هذا مع قصور سند بعضها و وهنه بالإعراض.

(6) للإجماعات المستفيضة نقلها، بل الضرورة الفقهية إن لم تكن مذهبية أو دينية.

ص: 48


1- الوسائل باب: 4 من أبواب التشهد حديث: 4.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب التشهد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب التشهد حديث: 3.

..........

______________________________

و استدل أيضا بأمور أخر: كلّها مخدوشة:

منها: قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (1).

بضميمة الإجماع على عدم الوجوب في غير الصلاة. و فيه: بعد تسليم هذا الإجماع يمكن حمل الأمر على الاستحباب، لئلا ينافي الإجماع.

و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر أبي بصير: «إنّ الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من تمام الصلاة، إذا تركها متعمدا فلا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله» (2).

و فيه: مضافا إلى أنّ سياقه أعمّ من الوجوب- أنّ الظاهر أنّه ملخص ما رواه الشيخ رحمه اللّه بعين السند عن أبي بصير و زرارة جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّه قال: من تمام الصوم إعطاء الزكاة كما أنّ الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من تمام الصلاة، و من صام و لم يؤدها فلا صوم له إن تركها متعمدا، و من صلّى و لم يصلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ترك ذلك متعمدا فلا صلاة له إنّ اللّه تعالى بدأ بها فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى» (3).

- و على هذا فهو على خلاف المطلوب أدل، لأنّه بترك الصوم لا تبطل الزكاة إجماعا، و مقتضى المشابهة أن تكون الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أيضا كذلك. ثمَّ إنّه على فرض تعدد الرواية الأولى مع الثانية تحمل الأولى على نفي الكمال بقرينة الأخيرة.

و منها: النبوي: «من صلّى و لم يذكر الصلاة عليّ و على آلي سلك به غير طريق الجنة» (4).

و فيه: مضافا إلى قصور السند أنّ ظهوره في الندب مما لا ينكر، كقوله

ص: 49


1- سورة الأحزاب: 56.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب التشهد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب التشهد حديث: 2.
4- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب التشهد حديث: 3.

..........

______________________________

صلّى اللّه عليه و آله: «من ذكرت عنده فنسي و لم يصلّ الصلاة عليّ خطي به طريق الجنة» (1).

و منها: موثق الأحوال عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «التشهد في الركعتين الأوليتين الحمد للّه أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، اللهم صلّ على محمد و آل محمد، و تقبل شفاعته و ارفع درجته» (2).

و فيه: أنّ اشتماله على المندوبات يوهن التمسك به للوجوب. هذا مضافا إلى ما تقدم من صحيح محمد بن مسلم من قوله عليه السلام- بعد الشهادة الثانية-: «ثمَّ تنصرف» (3)، و صحيح زرارة: «و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (4).

و لكن لا مجال للعمل بمثلهما في مقابل الإجماع المستفيض نقله، بل المحقق إذ لم ينسب الخلاف إلا إلى الصدوق رحمه اللّه و والده و ابن الجنيد و خلاف الأولين غير ظاهر، لأنّه قال في الأمالي: «من دين الإمامية أنّه يجزي في التشهد الشهادتان و الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله».

فإن كان والده مخالفا لأشار إليه، و كلام الأخير ليس بأيدينا حتّى ننظر فيه، و على فرض الخلاف لا يضر بالإجماع، لأنّ للصدوق، و ابن الجنيد فتاوى نادرة مختصة بهما كما لا يخفى على الخبير. هذا مضافا إلى حصول القطع برأي المعصوم من هذا الاتفاق العظيم من عصر حضور المعصوم إلى هذه الأعصار، فلا وجه للمناقشة في المسألة إلا ممن دأبه المناقشة حتّى في الضروريات الفقهية.

ثمَّ إنّه بعد وجوب أصل الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا بد من ضم

ص: 50


1- الوسائل باب: 10 من أبواب التشهد حديث: 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب التشهد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب التشهد حديث: 4.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب التشهد حديث: 1.

لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله اللهم صلّ على محمد و آل محمد»، و يجزي على الأقوى (7) أن يقول:

______________________________

الآل إليه، لإجماع الإمامية هنا، و أخبار كثيرة يستفاد منها أنّ الاقتصار على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الصلاة عليه ليس مرضيا عند اللّه و رسوله.

منها: قوله عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من صلّى عليّ و لم يصلّ على آلي لم يجد ريح الجنة و إنّ ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام» (1).

و منها: قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا تصلّوا عليّ صلاة مبتورة، بل صلوا إليّ أهل بيتي و لا تقطعوهم فإنّ كلّ نسب و سبب يوم القيامة منقطع إلا نسبي» (2).

و منها: ما عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أيضا- في حديث-: «و إذا صلّى عليّ و لم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها و بين السماوات سبعون حجابا، و يقول اللّه تبارك و تعالى: لا لبيك و لا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا أن يلحق بالنبيّ عترته، فلا يزال محجوبا حتّى يلحق بي أهل بيتي» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار.

ثمَّ إنّ المشهور في الصلاة عليه هو: (اللهم صلّ على محمد و آل محمد) كما في النبويّ: «قولوا: اللهم صلّ على محمد و آل محمد» (4).

و لكن مقتضى الإطلاقات كفاية كلّ ما يصدق عليه الصلاة عليه و آله بأيّ صيغة كانت المسألة من باب التعيين و التخيير و المشهور فيها هو الأول.

(7) نسب ذلك إلى المشهور تارة: و إلى الأشهر أخرى، لإطلاق خبر ابن

ص: 51


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الذكر حديث: 7.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الذكر حديث: 17.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب الذكر حديث: 10.
4- سنن أبي داود الجزء الأول، باب الصلاة على النبيّ بعد التشهد حديث: 976.

«أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه اللهم صلّ على محمد و آل محمد».

(الثالث): الجلوس بمقدار الذكر المذكور (8).

______________________________

كليب قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن أدنى ما يجزي من التشهد، قال:

الشهادتان» (1).

و لكن الإطلاق ليس واردا في مقام البيان حتّى يصح الأخذ به، مع أنّه مقيد بما تقدم من صحيح ابن مسلم (2) و أما خبر ابن الجهم قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال: إن كان قال أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه فلا يعد، و إن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد» (3).

فلا يصح الأخذ به، لاشتماله على ما لا نقول به من صحة الصلاة مع الحدث إلا أن يقال إنّ صحيح ابن مسلم محمول على الكامل من الشهادة بالرسالة بقرينة غيره و اشتمال خبر ابن الجهم على ما لا نقول به لا يضر بعد صحة التفكيك في جملات الحديث، لكنه مردود لما ورد من كثرة الاهتمام بضمّ الآل و قد ورد في موثق ابن أذينة- الوارد في بدء الصلاة و علل تشريعها-: «يا محمد صل عليك و على أهل بيتك» (4).

(8) للإجماع، بل الضرورة بين المسلمين، و نصوص كثيرة:

منها: قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلا اللّه» (5).

ص: 52


1- الوسائل باب: 4 من أبواب التشهد حديث: 6.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب التشهد حديث: 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 10.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب التشهد الحديث 4.

(الرابع): الطمأنينة فيه (9).

(الخامس): الترتيب بتقديم الشهادة الأولى على الثانية، و هما على الصلاة على محمد و آل محمد كما ذكر (10).

(السادس): الموالاة بين الفقرات و الكلمات و الحروف بحيث لا يخرج عن الصادق (11).

(السابع): المحافظة على تأديتها على الوجه الصحيح العربي في الحركات و السكنات و أداء الحروف و الكلمات.

مسألة 1: لا بد من ذكر الشهادتين و الصلاة بألفاظها المتعارفة

(مسألة 1): لا بد من ذكر الشهادتين و الصلاة بألفاظها المتعارفة، فلا يجزي غيرها و إن أفاد معناها، مثل ما إذا قال بدل «أشهد» «أعلم» أو «أقر» أو «أعترف» و هكذا في غيره (12).

______________________________

و قوله عليه السلام: «إنّما التشهد في الجلوس و ليس المقعي بجالس»(1).

(9) لأصالة اعتبار الطمأنينة في أفعال الصلاة كلّها إلا ما خرج بالدليل مضافا إلى الإجماع، و ما تقدم من صحيح ابن مسلم: «إذا استويت جالسا».

(10) للإجماع، و ظواهر الأخبار(2)، و يشهد له الاعتبار و السيرة المستمرة في جميع الأعصار بين المسلمين.

(11) لظهور الأدلة في وجوب الإتيان به على الطريقة المعهودة في المحاورات المتعارفة بين الناس و منه يظهر الوجه فيما يأتي من الشرط السابع إذ الدليل في الجميع واحد يشمل القراءة و الأذكار و التشهد.

(12) لظاهر الأخبار المتقدمة، و إجماع الفقهاء، فلا وجه للتمسك

ص: 53


1- الوسائل باب: 1 من أبواب التشهد الحديث 1.
2- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب القواطع حديث: 6.
مسألة 2: يجزئ الجلوس فيه بأيّ كيفية كان

(مسألة 2): يجزئ الجلوس فيه بأيّ كيفية كان و لو إقعاء (13). و إن كان الأحوط تركه (14).

مسألة 3: من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم

(مسألة 3): من لا يعلم الذكر يجب عليه التعلم (15)، و قبله يتبع غيره فيلقنه (16)، و لو عجز و لم يكن من يلقنه أو كان الوقت ضيقا أتى بما يقدر (17) و يترجم الباقي (18)، و إن لم يعلم شيئا يأتي بترجمة

______________________________

بالأصل، مع أنّه يمكن أن يقال كما أنّ لألفاظ القرآن موضوعية خاصة كذلك ألفاظ الصلاة بقراءتها و أذكارها و تشهدها و سلامها عند التمكن منها.

(13) لإطلاق الأدلة الشامل للجميع، و تقدم ما يدل على كراهة الأخير في [المسألة 1] من (فصل مستحبات السجود).

(14) خروجا عن خلاف من حرمه و إن كان لا دليل له.

(15) لحكم كلّ فطرة سليمة بذلك، فهذا الوجوب فطريّ عقلائيّ، مع أنّه إجماعيّ.

(16) لقاعدة المقدمية، مضافا إلى الإجماع.

(17) لقاعدة الميسور، و ظهور الإجماع، و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر مسعدة: «إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح» (1).

و إطلاقه يشمل المقام تبعيضا و لحنا مع عدم القدرة.

(18) لقاعدة الميسور، و الإجماع، و يمكن الاستدلال بالإطلاقات بناء على أنّ الواجب إنّما هو معنى الشهادة و الصلاة و الألفاظ الخاصة لها موضوعية عند التمكن منها فقط، و مع عدمه لا يسقط أصل المعنى المقدور و ذات ما هو الميسور.

ص: 54


1- الوسائل باب: 67 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

الكلّ (19)، و إن لم يعلم يأتي بسائر الأذكار بقدره (20)، و الأولى التحميد إن كان يحسنه (21)، و إلا فالأحوط الجلوس قدره (22) مع الإخطار بالبال إن أمكن (23).

مسألة 4: يستحب في التشهد أمور
اشارة

(مسألة 4): يستحب في التشهد أمور:

الأول أن يجلس الرجل متوركا

(الأول): أن يجلس الرجل متوركا على نحو ما مر في الجلوس بين السجدتين (24).

الثاني: أن يقول قبل الشروع في الذكر: «الحمد للّه»،

(الثاني): أن يقول قبل الشروع في الذكر: «الحمد للّه»، أو

______________________________

(19) لما مر في سابقة من غير فرق من حيث ظهور الإجماع و غيره.

(20) لإطلاق قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان: «إنّ اللّه فرض من الصلاة الركوع و السجود، ألا ترى لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلّي» (1).

و الظاهر أنّ قراءة القرآن من باب المثال لا الخصوصية. هذا مع دلالة قاعدة الميسور أيضا.

(21) لكونه من مندوبات التشهد و آدابه، فهو أولى بالرعاية عند عدم التمكن من الشهادة.

(22) فإنّه ميسور التشهد المعسور، فتشمله القاعدة شرعا، مع عدم الخلاف فيه.

(23) لكونه ميسورا حينئذ، فتشمله القاعدة، و الإشكال بأنّ النية مباينة للفظ لا أن تكون ميسورة يمكن دفعه بأنّ ثبوت نحو اتحاد بين المنوي و اللفظ الحاكي جعلها من الميسور.

(24) لما تقدم في الخامس عشر من (فصل من مستحبات السجود) فراجع.

ص: 55


1- الوسائل باب: 3 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.

يقول: «بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه و خير الأسماء للّه أو الأسماء الحسنى كلها للّه» (25).

الثالث: أن يجعل يديه على فخذيه

(الثالث): أن يجعل يديه على فخذيه منضمة الأصابع (26).

الرابع: أن يكون نظره إلى حجره

(الرابع): أن يكون نظره إلى حجره (27).

الخامس: أن يقول بعد قوله: «و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله»: «أرسله بالحق بشيرا

(الخامس): أن يقول بعد قوله (28): «و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله»: «أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة و أشهد أنّ ربّي نعم الربّ، و أنّ محمدا نعم الرسول»، ثمَّ يقول: «اللهم صلّ ..».

السادس: أن يقول بعد الصلاة: «و تقبّل شفاعته و ارفع درجته»

(السادس): أن يقول بعد الصلاة: «و تقبّل شفاعته و ارفع درجته» في التشهد الأول (29)، بل في الثاني ........

______________________________

(25) ذكر الأول فيما تقدم من موثق الأحول (1) و الثاني فيما يأتي من موثق أبي بصير (2)، و ورد الثالث في الفقه الرضوي (3).

(26) للإجماع، و تقدم في السجود أيضا فراجع (4).

(27) للفقه الرضوي(5)و هو يكفي للاستحباب تسامحا خصوصا مع فتوى جمع من الفقهاء في المقام.

(28) يستفاد ذلك من مجموع النصوص الواردة في التشهد و لم نظفر على دليل عليه بالخصوص بهذا التفصيل و هذا النحو من الاستفادة يكفي في الاستحباب تسامحا، و الأولى قصد الرجاء.

(29) تقدم في موثق الأحول، و يأتي في موثق أبي بصير أيضا.

ص: 56


1- الوسائل باب: 3 من أبواب التشهد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب التشهد حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب التشهد حديث: 3 و 9.
4- راجع المورد العشرين من مستحبات السجود صفحة: 10.
5- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب التشهد حديث: 2.

أيضا (30)، و إن كان الأولى عدم قصد الخصوصية في الثاني.

السابع: أن يقول في التشهد الأول و الثاني ما في موثقة أبي بصير

(السابع): أن يقول في التشهد الأول و الثاني ما في موثقة أبي بصير، و هي قوله عليه السلام: «إذا جلست في الركعة الثانية فقل:

بسم اللّه و باللّه، و الحمد للّه و خير الأسماء للّه، أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الربّ و أنّ محمدا نعم الرّسول، اللهم صلّ على محمد و آل محمد، و تقبل شفاعته في أمته و ارفع درجته، ثمَّ تحمد اللّه مرتين أو ثلاثا، ثمَّ تقوم.

فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللّه و باللّه و الحمد للّه، و خير الأسماء للّه، أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الربّ، و أنّ محمدا نعم الرسول، التحيات للّه و الصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات ما طاب و زكى و طهر و خلص و صفا فللّه، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله أرسله بالحق بشيرا و نذيرا بين يدي الساعة، أشهد أن ربّي نعم الرّبّ، و أنّ محمدا نعم الرّسول، و أشهد أنّ الساعة آتية لا ريب فيها و أنّ اللّه يبعث من في

______________________________

(30) لخبر إسحاق- الحاكي لصلاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليلة المعراج-: «اللهم تقبل شفاعته (في أمته) و ارفع درجته» (1) و لكن تلك الصلاة كانت ثنائية و الظاهر عدم الفرق بينها و بين غيرها من الثلاثية و الرباعية، مع أنّ الخبر قاصر سندا لا يصلح للحكم إلا بناء على التسامح.

ص: 57


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 11.

القبور، الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه، الحمد للّه رب العالمين، اللّهم صلّ على محمد و آل محمد، و بارك على محمد و آل محمد، و سلّم على محمد و آل محمد، و ترحم على محمد و آل محمد، كما صلّيت و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهم صلّ على محمد و آل محمد و اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوف رحيم، اللهم صلّ على محمد و آل محمد و امنن عليّ بالجنة، و عافني من النار، اللهم صلّ على محمد و آل محمد و اغفر للمؤمنين و المؤمنات و لا تزد الظالمين إلا تبارا، ثمَّ قل السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته، السلام على أنبياء اللّه و رسله، السلام على جبريل و ميكائيل و الملائكة المقربين، السلام على محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين لا نبيّ بعده و السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، ثمَّ تسلّم».

الثامن: أن يسبّح سبعا 31 بعد التشهد الأول

(الثامن): أن يسبّح سبعا (31) بعد التشهد الأول بأن يقول:

«سبحان اللّه سبحان اللّه»- سبعا- ثمَّ يقوم.

التاسع: أن يقول 32: «بحول اللّه و قوته ..»

(التاسع): أن يقول (32): «بحول اللّه و قوته ..» حين القيام عن التشهد الأول.

______________________________

(31) لخبر عمر بن حريث قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: «قل في الركعتين الأولتين بعد التشهد قبل أن تنهض سبحان اللّه، سبع مرات» (1).

(32) لصحيح ابن مسلم «إذا جلست في الركعتين الأولتين فتشهدت ثمَّ قمت فقل بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد»(2).

ص: 58


1- الوسائل باب: 11 من أبواب التشهد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب التشهد حديث: 1.
العاشر: أن تضم المرأة فخذيها حال الجلوس للتشهد

(العاشر): أن تضم المرأة فخذيها حال الجلوس للتشهد (33).

مسألة 5: يكره الإقعاء حال التشهد

(مسألة 5): يكره الإقعاء حال التشهد على نحو ما مر في الجلوس بين السجدتين، بل الأحوط تركه كما عرفت (34).

______________________________

(33) لصحيح زرارة «فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض» (1) و تقدم في الثامن و العشرين من مستحبات السجود ما ينفع المقام.

(34) راجع [المسألة 1] من (فصل مستحبات السجود).

ص: 59


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 4.

فصل في التسليم

اشارة

(فصل في التسليم) و هو واجب على الأقوى،

______________________________

(فصل في التسليم) و هو من أهمّ المسائل الخلافية بين الفقهاء من خاصتهم و عامتهم، و الخلاف فيه في الموضوع كمية و كيفية و من سائر الجهات، و في الحكم أيضا حتّى أنّ الشهيد مع شدة تبحره و حسن وصوله إلى المطالب الغامضة اضطرب عليه المقام و قال: «إنّ هذه المسألة من مهمات مسائل الصلاة».

و عمدة البحث فيه من جهات ستة:

الأولى: في أصل وجوبه. و الثانية: في جزئيته. و الثالثة: أنّه محلّل للمنافيات. و الرابعة: في أنّه ليس بركن. و الخامسة: في تعيين صيغته.

و السادسة: في أنّه مخرج عن الصلاة قهرا.

أما الأولى: فلا مورد له في هذه الأعصار، لاستقرار المذهب على وجوبه منذ قرون كثيرة، فالبحث ساقط من هذه الجهة، و عن كثير من القدماء ذلك أيضا، و نسب إلى أهل الطبقة الثانية أيضا و عن السيد في الناصريات دعوى الإجماع عليه، و عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية، و حمل قول من نسب إليه الندب على السلام المندوب، فيصير النزاع بذلك لفظيا بين القائلين بالوجوب و الندب كما صرح بذلك جمع.

و استدل للوجوب بوجوه: منها: أصالة الوجوب في كلّ ما صدر بيانا للواجب إلا مع القرينة على الخلاف.

ص: 60

..........

______________________________

و منها: اهتمام الشارع و المتشرعة به نحو اهتمامهم بواجبات الصلاة في كلّ عصر و زمان من أول زمان تشريع الصلاة، فلا يفرّقون بينه و بين تكبيرة الإحرام من هذه الجهة.

و منها: المستفيضة، بل المتواترة بين الخاصة و العامة: «تحريم الصلاة التكبير و تحليلها التسليم» (1) أو «تحريمها التكبير و تحليلها التسليم» (2)، أو ما يقرب من هذا التعبير، و ظهورها في جزئية التكبيرة و التسليمة و وجوبهما مما لا ينكر، لأنّ آخر المركب و أوله يكون منه موضوعا و حكما. نعم، لهما جهة برزخية بين الدخول و الخروج و هذه الجهة هي التي أوجبت الخلاف كما لا يخفى.

و نوقش فيها تارة: بقصور السند. و فيه: أنّه لا وجه له مع الاستفاضة أو التواتر، و أخرى: بقصور الدلالة فإنّها لا تفيد الحصر، فيمكن حصول التحليل بالتشهد و لو من دون السلام كما يظهر من بعض الأخبار (3)، فيكون الخبر أخص من المبتدأ كما في قولك: (حيوان كاتب، أو حيوان ضاحك)، فلا يدل على الحصر قهرا.

و فيه أولا: أنّ المتفاهم العرفي في هذه التعبيرات التي وردت للتحديد و جعل القاعدة إنّما هو الحصر.

و ثانيا: أنّ «التحليل» إن كان خبرا مقدّما فالمعروف بين الأدباء أنّ تقديم الخبر يفيد الحصر، و إن كان مبتدئا فالمعروف بينهم أنّ المصدر المضاف يفيد العموم، و الحكم لازم لموضوعه، و اللازم إما مساو أو أعمّ و على كلّ منهما يستفاد الحصر لا محالة.

ص: 61


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 8.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 1.
3- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب التشهد حديث: 4 و باب: 64 من صلاة الجماعة حديث: 2.

..........

______________________________

و ثالثا: ما دل على أنّ آخر الصلاة التسليم، أو أنّ ختامها التسليم (1) قرينة على استفادة الحصر و التحديد الحقيقي لآخر الصلاة، لأنّ جميع تلك الأخبار تنطق عن لسان واحد، فالمناقشة في مثل هذه الأمور من قبيل المناقشة في الواضحات.

و منها: الأخبار المصرّحة بأنّ آخر الصلاة التسليم كقوله تعالى لعيسى بن مريم في وصف صلاة سيد المرسلين: «و يفتتح بالتكبير و يختم بالتسليم» (2).

و قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إن آخر الصلاة التسليم» (3).

و منها: الأخبار الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرقة المشتملة على الأمر بالسلام إما بصيغة الأمر، أو بالجملة الخبرية الواردة في أبواب الخلل و الشكوك (4)، و صلاة الاحتياط، و النوافل (5)، و الجماعة (6) الظاهرة في الجزئية و الوجوب مثل صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد قال عليه السلام: يسلّم من خلفه و يمضي لحاجته إن أحبّ»(7).

و هذه الأخبار كثيرة جدّا يأتي التعرض لها في محالّها و هي لا تقتصر عن الأخبار الواردة في سائر الأجزاء التي استفادوا منها الوجوب و ليس لأحد إنكار ذلك، بل الخصم لا ينكره أيضا.

و منها: قاعدة الاحتياط، و استصحاب كونه في الصلاة ما لم يأت بالسلام. و فيه: أنّه مع عدم تمامية الدليل على الوجوب و الجزئية، فالمرجع البراءة كما ثبت في محلّه.

ص: 62


1- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 4.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 3 و باب 2 و 8 من أبواب الخلل حديث 3.
5- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 3 و غيره من الأحاديث.
6- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجماعة.
7- الوسائل باب: 64 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3 و باب: 1 من التسليم حديث: 6.

..........

______________________________

و منها: أنّه لو لم يجب التسليم لما بطلت صلاة المسافر بالإتمام، لخروجه عن الصلاة بعد الفراغ من التشهد، فالزيادة تقع خارج الصلاة لا فيها و التالي باطل، فالمقدم مثله، و الملازمة ظاهرة. و فيه: أنّ الزيادة القصدية المبطلة أعم من وقوعها في أثناء الصلاة أو بعدها إن صدق أنّه زاد في فرض اللّه تعالى، و لا فرق فيه بين كون السلام جزءا أم لا، واجبا أم لا.

نعم، لو كانت سهوا أو غفلة و قصد الخروج بالسلام فكون مثل هذه الزيادة مبطلة مشكل، بل ممنوع و الحق أنّ هذه المسألة لا تحتاج إلى هذا الإطناب و يكفي فيها ما تقدم من أخبار الباب.

و استدل للندب بأمور: منها: أصالة البراءة عن الوجوب. و فيه: أنّها محكومة بما تقدم من الأدلة.

و منها: الأخبار المشتملة على الانصراف بعد التشهد مثل ما تقدم من صحيح ابن مسلم(1)، و صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل يكون خلف الإمام فيطوِّل الإمام بالتشهد فيأخذ الرجل البول، أو يتخوّف على شي ء يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال عليه السلام: يتشهد هو و ينصرف و يدع الإمام» (2).

و قول أبي جعفر في صحيح الفضلاء: «إذا فرغ الرجل من الشهادتين فقد مضت صلاته فإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه» (3). و فيه: أنّ المراد بالانصراف في مثل هذه الأخبار الانصراف بالتسليم في مقابل ما ورد من المندوبات و الآداب و التشهدات المفصّلة(4) بدليل قول

ص: 63


1- الوسائل باب: 4 من أبواب التشهد حديث: 6.
2- الوسائل باب: 64 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 5.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب التشهد، و باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

..........

______________________________

الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كلّ ما ذكرت اللّه عزّ و جل به و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصلاة و إن قلت:

السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت» (1).

و خبر أبي كهمس (2) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيها للتشهد و أنا جالس السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته انصراف هو؟ قال عليه السلام: لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، فهو الانصراف» فقد شرح الإمام عليه السلام الانصراف بمثل هذه الأخبار، فلا وجه للتمسك بالأخبار الأولى مع قطع النظر عن هذه الأخبار، و قد نقل صحيح الحلبي في بعض نسخ التهذيب: «يسلّم و ينصرف» فراجع.

و منها: المستفيضة الدالة على عدم بطلان الصلاة بإيجاد المنافي قبل التسليم كخبر ابن الجهم عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجل صلّى الظهر و العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، فقال عليه السلام: إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه فلا يعد، و إن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد» (3).

و قريب منه غيره. و فيه أولا: أنّه يمكن أن يراد به التشهد مع السلام الواجب، لإطلاقه على المجموع عند المتشرعة.

و ثانيا: أنّ إطلاق مثل هذه الأخبار موافق للعامة و معرض عنها عند أساطين الفقهاء، خصوصا بعضها المشتمل على عدم قادحية الحدث قبل التشهد أيضا فلا يصح الاعتماد عليها و إن صح سندها.

و ثالثا: يمكن أن يراد بالسلام السلام المندوب. فما استقر عليه الفتوى منذ قرون كثيرة من وجوب السلام هو الموافق لما يستفاد من الأدلة.

ص: 64


1- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.

و جزء من الصلاة (1)، فيجب فيه جميع ما يشترط فيها: من الاستقبال، و ستر العورة، و الطهارة، و غيرها (2)، و مخرج منها، و محلل للمنافيات المحرمة بتكبيرة الإحرام (3) و ليس ركنا فتركه عمدا مبطل (4) لا سهوا، فلو سها عنه و تذكر بعد إتيان شي ء من المنافيات عمدا و سهوا أو بعد

______________________________

(1) هذه هي الجهة الثانية من البحث في السلام، و تدل عليه أصالة الجزئية فيما اعتبر في العمل المركب، إلا أن يدل دليل على الوجوب النفسي الاستقلالي و هو مفقود، مضافا إلى ظهور قوله عليه السلام: «آخر الصلاة التسليم» (1) في الجزئية. و عن جمع إنّه مطلوب نفسيّ استقلالي، لما دل على عدم بطلان الصلاة بوقوع الحدث قبل التسليم(2).

و فيه: ما تقدم من أنّ المراد به التسليم المندوب لا الواجب، و على فرض ثبوت الإطلاق لا بد من رد علمه إلى أهله لموافقته للتقية و وهنه بإعراض أساطين فقهاء الخاصة، و قد تقدم أنّ الجزء الأول و الآخر للمركب له جهة برزخية بين الخروج و الدخول و هذه الجهة صارت منشأ النزاع.

(2) إذ لا معنى للجزئية إلا ذلك فتشمله جميع الإطلاقات و العمومات الدالة على اعتبار جميع تلك الأمور في الصلاة.

(3) هذه هي الجهة الثالثة، و تدل عليها النصوص و الإجماع:

منها: خبر القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: افتتاح الصلاة الوضوء، و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم» (3).

و نحوه غيره مما هو كثير.

(4) إذ لا معنى لوجوب شي ء إلا أنّ تركه العمدي موجب للبطلان ما لم يدل

ص: 65


1- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 4.
2- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب التسليم حديث: 6 و غيره.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 1.

فوات الموالاة لا يجب تداركه (5) نعم عليه سجدتا السهو

______________________________

دليل على الخلاف و أما عدم الركنية- و هي الجهة الرابعة- فهو من المسلّمات بالنسبة إلى الزيادة السهوية نصّا و فتوى، بل بالنسبة إلى النقيصة السهوية أيضا عند جمع، كما يأتي. و أما بالنسبة إلى النقيصة العمدية فقد تقدم حكمها، و جميع الأجزاء الواجبة يصح إطلاق الركن عليها من حيث البطلان بالترك العمدي فتصح دعوى أصالة الركنية في الترك العمدي.

(5) كما عن جمع من الفقهاء (قدس سرهم)، و استدل عليه تارة: بعدم الدليل على مبطلية المنافي المطلق في الأثناء بنحو الإطلاق و المسلّم منها إنما هو قبل تمامية الأركان، و يشهد له صحيح زرارة (1)الدال على أنّ من أحدث بعد السجدة الأخيرة قبل التشهد يتطهّر و يطلب مكانا نظيفا للتشهد لأنّ التشهد سنة، و منه يستفاد حكم المنافي المطلق قبل التسليم أيضا.

و فيه: أنّه خلاف إطلاق أدلة مبطلية المبطلات، و الصحيح موهون بإعراض المشهور. و أخرى: بحديث «لا تعاد» (2)، فإنّ مقتضاه نفي جزئية السلام عند السهو عنه، و عدم إمكان تداركه فيكون المبطل قد وقع خارج الصلاة لا في أثنائها حتّى يوجب البطلان.

و فيه أولا: أنّ مورد جريان حديث «لا تعاد» ذوات الأجزاء غير المعنونة بعنوان آخر غير الجزئية المحضة و التكبير و التسليم معنونان بعنواني التحريمية و التحليلية، فلا تجري فيهما القاعدة، و لا أقلّ من الشك فيه فلا يصح التمسك به، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.

إلا أن يقال: إنّ إطلاق الحديث و كونه واردا مورد الامتنان يشمل التسليم أيضا، و في التكبير ورد الدليل بالخصوص على بطلان الصلاة مع نسيانه، فلا وجه لحديث «لا تعاد» (3)حينئذ و لم يرد مثله في التسليم فلا وجه لمقايسة أحدهما بالآخر.

ص: 66


1- الوسائل باب: 13 من أبواب التشهد حديث: 1، و قد تقدم ذكره في صفحة: 46.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.

للنقصان بتركه (6)، و إن تذكر قبل ذلك أتى به و لا شي ء عليه (7) إلا أن يتكلم فيجب عليه سجدتا السهو (8). و يجب فيه الجلوس، و كونه مطمئنا (9) و له صيغتان هما (10): «السلام علينا و على

______________________________

و ثانيا: أنّ حصر التحليل في السلام و أنّه آخر الصلاة، كما في الأخبار يقتضي عدم الخروج عن الصلاة بدونه فالمنافي وقع في الأثناء فيكون مبطلا إلا إذا كان حديث «لا تعاد» ناظرا إلى تنزيل التشهد منزلة السلام في كونه محللا و آخرا للصلاة و هو مشكل بل ممنوع، و لا ملازمة بين سقوط الجزئية لأجل النسيان و التنزيل المذكور. و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنّ معنى سقوط السلام عن الجزئية و إغماض الشارع عنه هو الفراغ عن المأمور به و سقوط أمره و هو عبارة أخرى عن تمام الصلاة و لا موضوعية للآخرية و التحليل، بل هما طريقان لإتمام العمل و الفراغ منه فوقع المنافي بعد تمام العمل و الفراغ فلا أثر له، فيكون كما لو وقع بعد السلام، هذا غاية ما يمكن أن يقال: في عدم وجوب التدارك، و لكن المسألة مع ذلك مشكلة، و نسب إلى الأكثر بطلان الصلاة بتخلل المنافي قبل السلام فلا يترك الاحتياط.

(6) بناء على وجوبهما لكلّ نقيصة.

(7) لأنّه أتى بالمأمور به و هو يقتضي الإجزاء.

(8) راجع فصل موجبات سجود السهو.

(9) إجماعا فيهما، و تقتضيه السيرة القطعية الدالة على التزام الناس بواجبات التشهد و مندوباته في السلام و يرونه جزءا من التشهد الأخير.

(10) هذه هي الجهة الخامسة من البحث و الكلام فيها تارة: بحسب الأصل، و أخرى: بحسب الأخبار، و ثالثة: بحسب الإجماع.

أما الأول: فالمسألة من صغريات التعيين و التخيير، لأنّه بعد العلم بوجوب أصل السلام في الجملة يتردد الأمر بين كفاية مطلقة، أو تعين الإتيان بالصيغة الخاصة، و المشهور فيها هو التعيين، مع أنّه بعد ورود النص على التعيين لا وجه للتمسك بالأصل.

ص: 67

..........

______________________________

و أما الثاني: فمجموع أخبار المقام على ثلاثة أقسام-:

الأول: المطلقات المشتملة على التسليم مثل قوله عليه السلام:

«تحريمها التكبير و تحليلها التسليم» (1).

و قوله عليه السلام: «آخر الصلاة التسليم» (2).

و قوله عليه السلام: «يسلّم من خلفه و يمضي في حاجته» (3).

إلى غير ذلك من المطلقات، و مقتضاها صحة الاكتفاء بكلّ سلام و لو كان هو التسليم المندوب، كما نسب إلى الجعفي و لكنه مخالف للإجماع و لم ينسب إلى غيره، مع أنّ احتمال انصرافها إلى التسليم المعهود بين المتشرعة قريب جدا، مع أنّ قول الصادق عليه السلام: «كلّما ذكرت اللّه عز و جل به و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت»(4).

ظاهر، بل نصّ في أنّ السلام على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليس سلاما مخرجا، و كذا ما عنه عليه السلام: «بعد أن سئل عن أنّ (السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته) انصراف هو؟ قال عليه السلام: لا» (5).

فلا وجه للتمسك بها من هذه الجهة أيضا.

الثاني: جملة من الأخبار التي علق الحكم فيها على (السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين)، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فقد انصرفت» (6).

و خبره الآخر عنه عليه السلام: «و تقول: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة» (7).

ص: 68


1- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 6.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 1.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 1.
6- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 2.
7- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 8.

..........

______________________________

و في خبر أبي كهمس عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته انصراف هو؟ فقال عليه السلام: لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فهو الانصراف» (1).

و في خبر الأعمش عن الصادق عليه السلام: «و لا يقال في التشهد الأول: السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، لأنّ تحليل الصلاة هو التسليم و إذا قلت هذا فقد سلّمت» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار، و ظاهرها أنّ تحليل الصلاة و التسليم المخرج عنها إنّما هو السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، فيتعيّن الخروج به فلا يكون غيره محللا و مخرجا. و لكن يوهن ذلك موثق أبي بصير الطويل: «و السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، ثمَّ تسلّم» (3).

لأنّه نصّ في عدم تعيّن الخروج بالسلام علينا، بل عدم الاجتزاء به، و لكنه لا بد من حمله على الندب بقرينة غيره.

الثالث: جملة من الأخبار التي يظهر منها تعيّن السلام عليكم، كخبر سيف بن عميرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قلت له: إنّي أصلّي بقوم، فقال عليه السلام: سلّم واحدة و لا تلتفت، قل: السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته، السلام عليكم» (4).

و بعد ما تقدم من النص و الإجماع على عدم الخروج بالأولى يتعيّن الخروج بالأخيرة، و عن عليّ بن جعفر: «رأيت إخوتي موسى و إسحاق و محمد بني جعفر عليه السلام يسلّمون في الصلاة عن اليمين و الشمال السلام عليكم و رحمة اللّه،

ص: 69


1- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 9.

..........

______________________________

السلام عليكم و رحمة اللّه» (1).

و عن عبد اللّه بن أبي يعفور: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن تسليم الإمام و هو مستقبل القبلة، قال عليه السلام: يقول السلام عليكم»(2).

و في حديث المعراج: «السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار، و ظاهرها تعيّن هذه الصيغة، بل قد يقال بظهور إطلاقات التسليم في خصوص هذه الصيغة، و هو قريب لشيوعه بين المصلّين من المسلمين في جميع الأعصار و الأمصار.

و في البيان للشهيد (قدس سره): «ان السلام علينا لم أر أحدا يوجبه من القدماء»، و في الدروس: «و صورته السلام عليكم، و عليه الموجبون»، و عن الوحيد البهبهاني: «المعروف بين الخاصة و العامة ان التسليم يراد به السلام عليكم، و هو الظاهر من الاخبار»، و عن المدارك و الحدائق: «القائلون بوجوب التسليم قائلون بتعيين الخروج بالسلام عليكم» و لكن هذه الكلمات ما لم تبلغ الإجماع المعتبر لا اعتبار بها، و يمكن أن يراد بما في البيان الوجوب العيني، كما أنّ معروفية السلام عليكم بين العامة و الخاصة لا تنافي وجوب السلام علينا تخييرا. و قول المدارك و الحدائق مجرد استظهار منهما من الكلمات بحسب اجتهادهما، و المناط على الاجتهاد في الأخبار لا الكلمات خصوصا مع اضطرابها، كما هو معلوم؟.

ثمَّ إنّه يمكن الجمع بين القسم الثاني من الأخبار و القسم الأخير بوجوه: منها: الحمل على التخيير، كما نسب إلى المشهور. و أشكل عليه تارة: بأنّه خلاف ما تقدم من موثق أبي بصير من قوله عليه السلام: «ثمَّ تسلّم».

و فيه: أنّه يمكن حمله على الندب، كما مر.

ص: 70


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 11.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 10.

..........

______________________________

و أخرى: بما تقدم من البيان و غيره من أنّ القائل بوجوب السلام علينا غير موجود من القدماء. و فيه: أنّه ليس بإجماع معتبر و إنّما هو نحو استظهار حصل لهم و ليست استظهاراتهم حجة علينا، و كم قد ثبت الخطأ فيها.

و منها: حمل القسم الثاني على الإشراف على الخروج من الصلاة لا الخروج الحقيقي بقرينة ما تقدم من موثق أبي بصير و ما تقدم من الكلمات.

و فيه: أنّه خلاف الظاهر مع إمكان حمل الموثق و الكلمات على ما تقدم.

و منها: طرح القسم الثاني لإعراض المشهور عنه. و فيه: أنّ مثل هذا الإعراض على فرض ثبوته لا اعتبار به، لأنّه حصل من اجتهاداتهم لا مما وصل إليهم و لم يصل إلينا، فالمتعيّن هو حملها على التخيير، كما نسب إلى المشهور.

و أما ما عن الشهيد في الذكرى من أنّه «قول حدث في زمان المحقق فيما أظنه أو قبله بيسير، و قال في موضع آخر: إنّه قويّ متين إلا أنّه لا قائل به من القدماء».

و فيه أولا: أنّه قدس سره اختار في الألفية و اللمعة التخيير.

و ثانيا: أنّه بعد الإجماع على عدم وجوب «السلام عليك أيّها النبيّ»، و النص و الإجماع على عدم وجوب الجمع بين الصيغتين الأخيرتين، و عدم ظهور النصوص بعد رد بعضها إلى بعض في التعيين، فيتعيّن التخيير لا محالة. و لعلّ من سكت عن الحكم به إما لأجل ظهوره لديه، أو لعدم الإحاطة بالأدلة حقها ورد بعضها إلى بعض و أخذ المتحصّل من المجموع.

و ثالثا: لو فرض أنّه لم تثبت شهرة قدمائية على التخيير، فالمتحصّل من مجموع الأدلة بحسب القواعد المعتبرة حجة لنا ما لم يتحقق إجماع على الخلاف و لم يدّع أحد الإجماع على عدم التخيير.

إن قيل: نعم، و لكن نسبة تعين السلام عليكم إلى المشهور ملازم لنفي نسبة التخيير إليهم.

ص: 71

عباد اللّه الصالحين» (11)، و «السلام عليكم و رحمة اللّه ......

______________________________

يقال: أصل الخروج عن الصلاة ب (السلام عليكم) معلوم من كلماتهم.

و أما تعينه بإثبات الشهرة عليه مشكل في هذه المسألة المضطربة فيها الأقوال غاية الاضطراب.

و أما الثالث- أي الإجماعات المربوطة بالمسألة- فقد تكرر في كلماتهم دعوى الإجماع على عدم وجوب السلام على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أنّه من الأجزاء المندوبة للتشهد، فلا وجه لما نسب إلى الجعفي من وجوبه، لأنّه مسبوق بالإجماع و ملحوق به، مضافا إلى الأصل المستفاد من النصوص (1) من أصالة عدم وجوب شي ء من السلام إلا ما كان به انصراف.

و عن الجواهر: «الإجماع بقسميه على عدم وجوب الجمع بينهما»، بل ظاهر النصوص ذلك أيضا، فلا وجه لما قيل من وجوب الجمع بينهما، و عن صاحب الجواهر دعوى الإجماع و القطع على أنّه بالأولى يحصل الانصراف و تحل المنافيات. فلا وجه لما قيل من حصول الانصراف و بقاء حرمة المنافيات إلى الإتيان بالأخيرة.

و عن ظاهر الأصحاب و النصوص أنّ التسليم كسائر أجزاء الصلاة أمر بسيط يتصف بالوجود و العدم، فلا وجه لما يقال من أنّه من الأمور المشككة يصح فيه الاكتفاء بجميع ما ورد من الهيئات الطويلة و القصيرة، و قد تقدم استفاضة النصوص على كون «السلام علينا» مخرجا فلا وجه لما نسب إلى المشهور من تعين الصيغة الثانية، فلا مناص إلا من التخيير بينهما بعد التأمل في الأدلة ورد بعضها إلى بعض، ثمَّ الحكم بالمتحصّل منها، كما هو شأن كلّ اجتهاد في كلّ فرع.

(11) لما ورد ذلك فيما استفاض من النصوص فلا وجه لما يقال من صحة الاكتفاء بمجرد «السلام علينا» تمسكا بالإطلاقات.

ص: 72


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم.

و بركاته» (12). و الواجب إحداهما فإن قدم الصيغة الأولى كانت الثانية مستحبة (13)، بمعنى كونها جزءا مستحبا لا خارجا (14).

______________________________

(12) لم يذكر لفظ «و بركاته» إلا في حديث المعراج (1) مع خلو النصوص الواردة في مقام البيان عنه.

(13) بلا خلاف و لا إشكال فيه من أحد، و الجمع بينهما بهذه الكيفية من ضروريات المذهب بل الدّين، و قد ورد الجمع بينهما في موثق أبي بصير الطويل (2)، و تقدم نسبة وجوب الأخيرة إلى المشهور، فالأحوط عدم تركها من هذه الجهة.

(14) استحباب الصيغة الأخيرة بعد الصيغة الأولى يتصوّر على وجوه:

الأول: الاستحباب الاستقلالي كالتعقيب. و فيه: أنّه خلاف المستفاد من الأدلة الدالة على أنّها من الأجزاء الصلاتية.

الثاني: أن يكون جزءا صلاتيا في عرض سائر الأجزاء، و هو خلاف المستفيضة الدالة على حصول التحلل و الفراغ و الانصراف ب «السلام علينا».

الثالث: أن يكون جزء الجزء لا جزءا صلاتيا، و تكون جزئيته للجزء بنحو الجزئية الفضلية لا التقومية، و الظاهر في المقام هو الأخير فلا يكون خارجا عن الصلاة، لكونه جزء جزئها و لا تحرم المنافيات فيه لحصول التحلل قبله و أنّه جزء فضليّ لا تقوميّ.

إن قيل: بعد حصول الفراغ و الانصراف لا وجه لتصور الجزئية. يقال:

نعم، بالنسبة إلى الجزئية الصلاتية أو الجزء للجزء إن كان مقوّما. و أما إذا كان جزءا للجزء و فضليا محضا فيصح ذلك. ثمَّ إنّه ظهر مما مر أنّ الأحوط عدم ترك الثانية.

ص: 73


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 10.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 8.

و إن قدم الثانية اقتصر عليها (15)، و أما «السلام عليك أيّها النبيّ» فليس من صيغ السلام، بل هو من توابع التشهد، و ليس واجبا بل هو مستحب (16) و إن كان الأحوط عدم تركه لوجود القائل بوجوبه (17)، و يكفي في الصيغة الثانية: «السلام عليكم» بحذف قوله: «و رحمة اللّه و بركاته» (18) و إن كان الأحوط ذكره (19) بل الأحوط

______________________________

(15) لعدم دليل على استحباب سلام آخر بعدها من نصّ أو إجماع و ما يظهر من المحقق و الشهيد (قدّس سرّهما) من أنّه بأيّهما بدأ كان الثاني مستحبا يصح في ما لو بدأ ب «السلام علينا» كما مر دون العكس إلا أن يتسامح في المستحب حتّى بالنسبة إلى فتوى الفقيه، و هو مشكل.

(16) للأصل و الإجماع، كما مر.

(17) نسب ذلك إلى الجعفي، و لكنه مسبوق بالإجماع و ملحوق به، كما مر، و لا بأس بالاحتياط خروجا عن خلافه.

(18) للأصل و الإطلاق و العموم، و خصوص جملة من الأخبار المقتصر فيها على «السلام عليكم» فقط، كخبر الحضرمي (1) و ابن أبي يعفور (2) و أبي بصير (3) و يونس بن يعقوب (4)، و حملها على الاكتفاء من الكلّ بذكر البعض خلاف الظاهر. نعم، فيما تقدم من صحيح ابن جعفر زيادة «و رحمة اللّه» (5)، و في خبر المعراج (6) إضافة (و بركاته) و الأول حكاية فعل قاصر عن إفادة الوجوب، و الثاني مشتمل على جملة من المندوبات يشكل استفادة الوجوب منه مع دعوى العلامة الإجماع على عدم وجوب لفظ (و بركاته).

(19) لذهاب جمع إلى الوجوب، و للسيرة المستمرة قديما و حديثا على

ص: 74


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 9.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 11.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 8.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب التسليم حديث: 5.
5- تقدم ذكرهما في صفحة: 70.
6- تقدم ذكرهما في صفحة: 70.

الجمع بين الصيغتين بالترتيب المذكور (20).

و يجب فيه المحافظة على أداء الحروف و الكلمات على النهج الصحيح مع العربية و الموالاة (21). و الأقوى عدم كفاية قوله، «سلام عليكم» بحذف الألف و اللام (22).

مسألة 1: لو أحدث أو أتى ببعض المنافيات الأخر قبل السلام بطلت الصلاة

(مسألة 1): لو أحدث أو أتى ببعض المنافيات الأخر قبل السلام بطلت الصلاة (23). نعم، لو كان ذلك بعد نسيانه بأن اعتقد

______________________________

الإتيان. و لكن الأول بلا دليل، بل ادعي الإجماع على استحبابه، و الثاني أعم من الوجوب.

(20) خروجا عن خلاف من أوجب الجمع بينهما كذلك، مضافا إلى استمرار السيرة بين المسلمين عليه.

(21) تقدم الوجه في اعتبار ذلك كلّه في القراءة و التشهد، فراجع فإنّ الدليل واحد و إن تعددت الصغريات و الفروع.

(22) لأنّه خروج عن ظاهر النصوص بلا دليل عليه بالخصوص، و ورود «سلام عليكم» في القرآن (1)، و كون التنوين عوضا عن اللام فلا يعارض الظاهر الذي تطابقت عليه النصوص، مع استمرار عمل المسلمين على الإتيان بهما و عدم حذفهما، فلا وجه لما عن المعتبر و التذكرة من الإجزاء.

(23) الأقسام خمسة:

الأول: وقوع المنافي الذي يكون سهوه و عمده موجبا للبطلان قبل السلام سهوا و لا ريب في البطلان حينئذ لما مر من أنّ السلام جزء و قد وقع المنافي المطلق في أثناء الصلاة.

الثاني: وقوع المنافي المطلق قبل السلام عمدا و لا ريب في البطلان أيضا.

ص: 75


1- راجع سور الأنعام: 54، و الأعراف: 46، و الرعد: 24، و النحل: 22.

خروجه من الصلاة لم تبطل، و الفرق أنّ مع الأول يصدق الحدث في الأثناء، و مع الثاني لا يصدق لأنّ المفروض أنّه ترك نسيانا جزءا غير ركنيّ فيكون الحدث خارج الصلاة.

مسألة 2: لا يشترط فيه نية الخروج من الصلاة

(مسألة 2): لا يشترط فيه نية الخروج من الصلاة بل هو مخرج قهرا (24) و إن قصد عدم

______________________________

الثالث: وقوع المنافي الذي يختص بحال العمد فقط سهوا قبل السلام و تصح صلاته و لا شي ء عليه غير سجدتي السهو في بعض الموارد.

الرابع: وقوع المنافي المطلق بعد نسيان السلام عمدا أو سهوا، تقدم ما يتعلق به في أول الفصل فراجع.

الخامس: وقوع المنافي الذي يختص بحال العمد سهوا بعد نسيان السلام، و يظهر حكمه من سابقة بالأولى.

فروع- (الأول): نسيان السلام تارة: يكون استمراريا بمعنى أنّه لا يتذكره المكلّف أصلا. و أخرى: يتذكره و على الأخير إما أن يمكن تداركه أم لا كما إذا تخلّل المنافي أو الفصل الطويل و يجب التدارك فيما أمكن، لأدلة وجوبه.

(الثاني): لو نسي السلام و دخل في صلاة أخرى مرتبة و تذكر في أثنائها، فالظاهر فوت محلّ التدارك.

(الثالث): لو نسي السلام و دخل في صلاة مندوبة، فمقتضى الأصل وجوب الإتيان، بل يمكن أن يقال بذلك: فيما إذا دخل في الصلاة المرتبة أيضا، للأصل بعد الشك في كون الإتيان بمثل هذا السلام مبطل للصلاة.

(24) هذه هي الجهة السادسة من البحث، و يدل عليه الأصل و الإطلاق و ظواهر الأدلة خصوصا مثل قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إذا قلت السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فهو الانصراف» (1).

ص: 76


1- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 2.

الخروج (25)، لكن الأحوط عدم قصد عدم الخروج (26)، بل لو قصد ذلك فالأحوط إعادة الصلاة.

مسألة 3: يجب تعلم السلام على نحو ما مر في التشهد

(مسألة 3): يجب تعلم السلام على نحو ما مر في التشهد (27) و قبله يجب متابعة الملقّن إن كان، و إلا اكتفى بالترجمة، و إن عجز فبالقلب ينويه مع الإشارة باليد على الأحوط. و الأخرس يخطر ألفاظه بالبال و يشير إليها باليد أو غيرها.

مسألة 4: يستحب التورك في الجلوس حاله

(مسألة 4): يستحب التورك في الجلوس حاله على نحو ما

______________________________

و ما دل على الإتيان ب «السلام علينا» في التشهد الأول يوجب البطلان (1).

(25) لأنّ الخروج به من الصلاة من التوليديات التي لا يضر به قصد العدم كما لو قصد عدم رفع الحدث بالوضوء مع تحقق القربة، أو قصد عدم نقض الطهارة بالحدث الصادر منه، مضافا إلى قوله عليه السلام: «شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم- إلى أن قال- قول الرجل السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» (2).

فإنّ قصدهم عدم الخروج و مع ذلك حكم عليه السلام بفساد الصلاة، و لكن يمكن أن يكون البطلان لأجل التشريع، فلا يدل على ما نحن فيه حينئذ.

(26) خروجا عن خلاف من أوجب قصد الخروج كالشهيد في الذكرى فعدم القصد يوجب البطلان، فكيف يقصد العدم، و لكنه لا دليل له قدّس سرّه على ما ذكره فراجع الأخبار و تأمل فيها بعين الاعتبار.

(27) راجع [المسألة 32] من القراءة، [و مسألة 3] من التشهد، فيجري في المقام عين ما تقدم فيهما حرفا بحرف.

ص: 77


1- راجع الوسائل باب: 12 من أبواب التشهد.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب التشهد حديث: 1.

مر، و وضع اليدين على الفخذين، و يكره الإقعاء (28).

مسألة 5: الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة

(مسألة 5): الأحوط أن لا يقصد بالتسليم التحية حقيقة (29) بأن يقصد السلام على الإمام أو المأمومين أو الملكين.

______________________________

(28) تقدم ما يتعلّق بهذه المسألة في التشهد و الجلوس بين السجدتين فراجع، و السلام من توابع التشهد، فيجري فيه ما يجري في التشهد بلا فرق بينهما أصلا، و الكبرى واحدة و إن تعددت المصاديق و الصغريات.

(29) و قد صرّح في نجاة العباد بالمنع عنه و ما استدل عليه وجوه:

الأول: إنّ المأمور به هو إيجاد اللفظ فقط و لا يمكن قصد اللفظ مستقلا مع قصد المعنى كذلك. و فيه: أنّ المأمور به قصد اللفظ بما هو طريق إلى المعنى كما في جميع الموارد فيصح تعلق القصد إجمالا بكلّ منهما وجدانيا كما هو واضح، و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم الفرق بين السلام و سائر الأذكار و الأقوال الواجبة في الصلاة، فكلّ ما يجري فيها يجري فيه أيضا.

الثاني: السلام بقصد التحية كلام آدميّ فهو مبطل للصلاة، فلا يجوز قصدها. و فيه: أنّه كذلك إذا وقع في الأثناء لا ما إذا كان ختاما و آخر الصلاة كما صرّح به في بعض الأخبار، كخبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام:

«كان تحليلها كلام المخلوقين و الانتقال عنها و ابتداء المخلوقين في الكلام أولا بالتسليم» (1).

و كخبر المفضّل عن الصادق عليه السلام: «لأنّه تحية الملكين»(2).

الثالث: أنّه دعاء و الدعائية تنافي التحية. و فيه: أنّه لا منافاة بينهما، لأنّ التحية أيضا نحو دعاء.

الرابع: الشك في حصول التسليم الواجب مع قصد التحية، فمقتضى

ص: 78


1- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 10.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم: حديث: 15.

نعم، لا بأس بأخطار ذلك بالبال (30)، فالمنفرد يخطر بباله الملكين الكاتبين حين السلام الثاني (31)، و الإمام يخطرهما مع المأمومين (32) و المأموم يخطرهما مع الإمام (33)، و في «السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين» يخطر بباله الأنبياء و الأئمة و الحفظة عليهم السلام (34).

مسألة 6: يستحب للمنفرد و الإمام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه، بمؤخر عينه أو بأنفه

(مسألة 6): يستحب للمنفرد و الإمام الإيماء بالتسليم الأخير إلى يمينه، بمؤخر عينه أو بأنفه أو غيرهما على وجه لا ينافي الاستقبال (35).

______________________________

قاعدة الاشتغال عدم قصدها. و فيه: أنّه كذلك لو لا الإطلاقات، و أصالة عدم المانعية عن هذا القصد، فمقتضى الصناعة جواز قصد التحية بالنسبة إلى الإمام و المأموم و الملكين و طريق الاحتياط واضح.

(30) للأصل، و الإطلاق، و ظهور التسالم، و ما يأتي من الأخبار و المراد بالإخطار القصد الإجمالي، و لا فرق بينه و بين ما سبق إلا بالإجمال و التفصيل.

(31) لقول الصادق عليه السلام في خبر الهاشمي: «و هو واقع من المصلّي عن ملكي اللّه الموكلين» (1).

و قريب منه قوله عليه السلام في خبر المفضّل.

(32) لخبر المفضّل عنه عليه السلام: «قلت: فتسليم الإمام على من يقع؟ قال عليه السلام: على ملكيه و المأمومين».

(33) لخبر المفضّل عنه عليه السلام أيضا: «و يكون- أي السلام- عليه- أي الإمام- و على ملكيه».

(34) لتضمن نفس صيغة السلام ذلك، كما لا يخفى.

(35) لقول الصادق عليه السلام في صحيح عبد الحميد: «إن كنت تؤم

ص: 79


1- الوسائل باب: 1 من أبواب التسليم حديث: 13.

و أما المأموم فإن لم يكن على يساره أحد فكذلك (36)، و إن كان

______________________________

قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، و إن كنت مع إمام فتسليمتين، و إن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة» (1).

و قوله عليه السلام أيضا في خبر أبي بصير: «إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك» (2).

و دفع التنافي بين قوله عليه السلام: «و إن كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك.

و قوله عليه السلام فيما مر: «و إن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة».

بوجوه:

الأول: حمل اليمين على ما لا ينافي الاستقبال العرفي.

الثاني: التخيير بينهما.

الثالث: حمله على الإيماء بمؤخر العين أو الأنف، كما في خبر المفضل و هو يرجع إلى القسم الأول أيضا. و مقتضى الجمع بين مثل هذه الأخبار و دليل اعتبار الاستقبال في تمام الصلاة من بدئها إلى ختامها حمل هذه الأخبار على الالتفات اليسير غير المنافي للاستقبال، و لو فرض عدم صدق الاستقبال عرفا حتّى مع الالتفات اليسير، فتخصيص دليل الاستقبال- بالنسبة إلى هذا الخبر المستحب الواقع في آخر الصلاة بعد الفراغ عن واجباتها- لا محذور فيه بعد عدم قصور في دليل المخصص.

نعم، لو تمَّ سند خبر المفضّل لا بد من تقييدها به، لكنه قاصر سندا و معرض عنه لدى الأصحاب.

(36) لجملة من النصوص المتفقة المضمون عليه:

منها: صحيح منصور: «الإمام يسلّم واحدة، و من وراءه يسلّم اثنتين،

ص: 80


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث: 12.

على يساره بعض المأمومين فيأتي بتسليمة أخرى موميا إلى يساره، و يحتمل استحباب تسليم آخر للمأموم بقصد الإمام، فيكون ثلاث مرات (37).

مسألة 7: قد مر سابقا في الأوقات أنّه إذا شرع في الصلاة قبل الوقت و دخل عليه

(مسألة 7): قد مر سابقا في الأوقات أنّه إذا شرع في الصلاة قبل الوقت و دخل عليه و هو في الصلاة صحت صلاته و إن كان قبل

______________________________

فإن لم يكن عن شماله أحد يسلّم واحدة» (1).

و منها: صحيح أبي بصير: «إذا كنت في صف فسلّم تسليمة عن يمينك و تسليمة عن يسارك، لأنّ عن يسارك من يسلّم عليك» (2).

و نحوهما غيرهما.

(37) مقتضى الأصل و ظواهر الأدلة عدم استحباب هذا السلام، و لكن قال في الفقيه: «إن كنت خلف إمام تأتم به فسلّم تجاه القبلة واحدة ردا على الإمام، و تسليمة عن يمينك واحدة، و على يسارك واحدة إلا أن لا يكون على يسارك إنسان فلا تسلّم على يسارك إلا أن تكون بجنب حائط» (3).

و حينئذ يشكل الفتوى بالاستحباب إلا إذا كان هذا خبرا و لو ضعيفا أو اكتفينا بفتوى الفقيه في الاستحباب تسامحا. و الأول مشكل و الثاني أشكل، و طريق الاحتياط قصد الرجاء مع مراعاة أن لا يتحقق الالتفات المرجوح.

فروع- (الأول): لا يترتب على قصد التحية إحكام سلام التحية مطلقا، للأصل بعد انصراف ما يأتي من أحكام سلام التحية عن المقام.

(الثاني): لو كان بانيا حين الصلاة أن يقصد جميع ما قرره الشارع له، فالظاهر كفايته عن الإخطار لو كان غافلا حين السلام.

(الثالث): يكفي في الخطور مجرد الإجماليّ منه و لا يلزم التفصيل.

ص: 81


1- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب التسليم حديث 1.
3- من لا يحضره الفقيه ج: 1 صفحة: 210 من طبعة النجف.

السلام أو في أثنائه، فإذا أتى بالسلام الأول و دخل عليه في أثنائه تصح صلاته. و أما إذا دخل بعده قبل السلام الثاني أو في أثنائه ففيه إشكال و إن كان يمكن القول بالصحة، لأنّه و إن كان يكفي الأول في الخروج عن الصلاة، لكن على فرض الإتيان بالصيغتين يكون الثاني أيضا جزءا، فيصدق دخول الوقت في الأثناء (38)، فالأحوط إعادة الصلاة مع ذلك.

______________________________

(38) مقتضى انتفاء المشروط بانتفاء شرطه حدوثا و بقاءا بطلان الصلاة مطلقا إلا مع إحراز صدق الدليل، و الشك في الصدق بالنسبة إلى هذا الجزء يكفي في عدم تمامية الدليل، لأنّ التمسك به حينئذ تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فيكون المرجع قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه. و لكن يمكن التمسك بالدليل عرفا بعد بقاء التلبس بالصلاة عند المتشرعة لبقاء جزء منها بعد فيصدق دخول الوقت في الأثناء.

ص: 82

فصل في الترتيب

اشارة

(فصل في الترتيب) يجب الإتيان بأفعال الصلاة على حسب ما عرفت من الترتيب (1) بأن يقدم تكبيرة الإحرام على القراءة، و القراءة على الركوع و هكذا.

فلو خالفه عمدا بطل ما أتى به مقدّما، و أبطل من جهة لزوم الزيادة، سواء كان ذلك في الأفعال أو الأقوال، و في الأركان أو غيرها. و إن كان سهوا فإن كان في الأركان بأن قدم ركنا على ركن، كما إذا قدم السجدتين على الركوع فكذلك، و إن قدم ركنا على غير الركن كما إذا (فصل في الترتيب)

______________________________

(1) الترتيب معروف في الكتب الفقهية الاستدلالية و الفتوائية بل المجامع الحديثية، فيبدأون في بيان أحكام الصلاة بالتكبيرة و يختمون بالتسليمة. و الترتيب من ضروريات المذهب، بل الدّين في الجملة بين المسلمين، و لعلّ عدم التعرض لذكره مستقلا في الكتب الاستدلالية لوضوحه بعد التعرض لما يجب فيه الترتيب مفصّلا، و يأتي تفصيل الكلام في مبحث الخلل إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنّ وجوب الترتيب و الموالاة ليس نفسيا، بل و لا غيريا، و لا قصديا التفاتيا، و إنّما هو نحو وجوب من باب الوصف بحال المتعلق، أي إتيان العمل جامعا لما اعتبر فيه من غير تخلل مانع في البين، و خلاف الترتيب، إما بتقديم غير الركن على غير الركن، أو بتقديم الركن عليه، أو بتقديم غير الركن على الركن، أو بالعكس، و الكلّ أما عمدي أو سهوي أو مع الجهل، فهذه اثنتا عشرة قسما، و يمكن التصوير أكثر من ذلك من صور الاختلاف، و يأتي التعرض لها في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 83

قدم الركوع على القراءة، أو قدم غير الركن على الركن، كما إذا قدم التشهد على السجدتين، أو قدم غير الأركان بعضها على بعض كما إذا قدم السورة- مثلا- على الحمد فلا تبطل الصلاة إذا كان ذلك سهوا.

و حينئذ فإن أمكن التدارك بالعود بأن لم يستلزم زيادة ركن وجب.

و إلا فلا. نعم، يجب عليه سجدتان لكلّ زيادة أو نقيصة تلزم من ذلك.

مسألة 1: إذا خالف الترتيب في الركعات سهوا كأن أتى بالركعة الثالثة في محلّ الثانية

(مسألة 1): إذا خالف الترتيب في الركعات سهوا كأن أتى بالركعة الثالثة في محلّ الثانية، بأن تخيل بعد الركعة الأولى أنّ ما قام إليه ثالثة فأتى بالتسبيحات الأربع و ركع و سجد، و قام إلى الثالثة و تخيل أنّها ثانية فأتى بالقراءة و القنوت لم تبطل صلاته، بل يكون ما قصده ثالثة ثانية، و ما قصده ثانية ثالثة قهرا، و كذا لو سجد الأولى بقصد الثانية، و الثانية بقصد الأولى (2).

______________________________

(2) كلّ ذلك لأنّ الأولية و الثانوية انطباقية قهرية لا أن تكون قصدية، بل الظاهر عدم البطلان لو تعمد ذلك مع عدم تحقق الإخلال بشي ء من الواجبات و لو تحقق التشريع، لأن يجاب مثل هذا التشريع للبطلان ممنوع، بل مقتضى أصالة عدم المانعية عدم البطلان.

ص: 84

فصل في الموالاة

اشارة

(فصل في الموالاة) قد عرفت سابقا وجوب الموالاة في كلّ من القراءة و التكبير و التسبيح، و الأذكار بالنسبة إلى الآيات و الكلمات و الحروف و أنّه لو تركها عمدا على وجه يوجب محو الاسم بطلت الصلاة بخلاف ما إذا كان سهوا فإنّه لا تبطل الصلاة (1) و إن بطلت تلك الآية أو الكلمة (2) فيجب إعادتها. نعم، إذا أوجب فوات الموالاة فيها محو اسم الصلاة بطلت (3). و كذا إذا كان ذلك في تكبيرة الإحرام، فإنّ فوات الموالاة فيها سهوا بمنزلة نسيانها (4).

و كذا في السلام، فإنّه بمنزلة عدم الإتيان به، فإذا تذكر ذلك (فصل في الموالاة)

______________________________

(1) لحديث «لا تعاد» (1) و الإجماع.

(2) لأنّها أتي بها على غير الوجه المعتبر فيها فلا وجه للإجزاء، و لا بد من الإعادة لوجود المقتضي و فقد المانع.

(3) يأتي التفصيل في الثامن من (فصل مبطلات الصلاة)، فراجع.

(4) لأنّ ترك شرطها المعتبر فيها سهوا كترك ذاتها كذلك، و لا وجه لجريان حديث «لا تعاد» (2) بالنسبة إليها، لأنّها تجري فيما إذا تحقق الدخول في الصلاة، و المفروض عدم تحقق الدخول فيما بعد، و حينئذ يكون التمسك بحديث «لا تعاد» للدخول فيها تمسك بالعام لإثبات أصل الموضوع و هو باطل.

ص: 85


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.

و مع ذلك أتى بالمنافي بطلت صلاته (5)، بخلاف ما إذا أتى به قبل التذكر، فإنّه كالإتيان به بعد نسيانه (6).

و كما تجب الموالاة في المذكورات تجب في أفعال الصلاة، بمعنى عدم الفصل بينها على وجه يوجب محو صورة الصلاة (7)، سواء كان عمدا أو سهوا مع حصول المحو المذكور، بخلاف ما إذا لم يحصل المحو المذكور فإنّه لا يوجب البطلان.

مسألة 1: تطويل الركوع، أو السجود، أو إكثار الأذكار، أو قراءة السور الطوال، لا تعدّ من المحو

(مسألة 1): تطويل الركوع، أو السجود، أو إكثار الأذكار، أو قراءة السور الطوال، لا تعدّ من المحو (8) فلا إشكال فيها.

______________________________

(5) لأنّه من الإتيان بالمنافي عمدا في أثناء الصلاة حينئذ، و لا ريب في أنّه يوجب البطلان.

(6) قد تقدم ما يتعلق به في (فصل التسليم)، فراجع.

(7) لأنّ الصلاة وحدة صورية اتصالية عرفية و شرعية بل لغوية أيضا تمحى تلك الصورة و الوحدة الاعتبارية بالفصل الطويل و تخلل المنافي بين الأجزاء، و العرف لا يفرّق فيه بين العمد و السهو، و الأدلة الشرعية منزلة على تلك المرتكزات، و تشهد له الصلوات البيانية، كما في صحيح حماد (1) و غيره، و يأتي في الثامن من (مبطلات الصلاة) ما ينفع المقام فراجع.

ثمَّ إنّه تارة يصدق المحو عند المتشرعة، و أخرى لا يصدق، و ثالثة يشك فيه، و الأول يوجب البطلان بخلاف الأخيرين، لأصالة الصحة و عدم المانعية.

(8) لأنّ كلّ ذلك من سنخ الصلاة لا أن يكون منافيا له، و المحو يكون بالمنافي لا المسانخ، مع أنّه قد ورد: «كلّما ذكرت اللّه عز و جل به و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصلاة» (2).

ص: 86


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 1.
مسألة 2: الأحوط مراعاة الموالاة العرفية

(مسألة 2): الأحوط مراعاة الموالاة العرفية بمعنى متابعة الأفعال بلا فصل (9)، و إن لم يمح معه صورة الصلاة و إن كان الأقوى عدم وجوبها. و كذا في القراءة و الأذكار.

مسألة 3: لو نذر الموالاة بالمعنى المذكور

(مسألة 3): لو نذر الموالاة بالمعنى المذكور فالظاهر انعقاد نذره لرجحانها و لو من باب الاحتياط، فلو خالف عمدا عصى. لكن الأظهر عدم بطلان صلاته (10).

______________________________

(9) للموالاة مراتب متفاوتة، الدقية العقلية، و الدقية في متعارف المتشرعة، و المسامحية لديهم و عدم محو الصورة، و الأولى غير معتبرة قطعا لدعم استناد الشرعيات على الدقيات العقلية، و مقتضى الأصل عدم اعتبار الثانية أيضا، لعدم دليل عليه فيجزي صدق الموالاة عند المتشرعة و لو بالمسامحة ما لم يصل إلى محو الصورة، و لكن الأحوط مراعاة المعنى الثاني بل لا يترك.

(10) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف كيفية النذر، فتارة ينذر الموالاة في الصلاة بنحو وحدة المطلوب، و أخرى بنحو تعدده، و ثالثة بنحو الإطلاق، و في الأول تبطل الصلاة، و في الثاني لا تبطل، و في الثالث مقتضى أصالة الصحة عدم البطلان أيضا.

ص: 87

فصل في القنوت

اشارة

(فصل في القنوت) و هو مستحب في جميع الفرائض اليومية، و نوافلها (1)، بل في

______________________________

(فصل في القنوت) و هو في اللغة ما فيه مظهر من مظاهر عبودية اللّه تعالى، كطاعته و السكون له و الدعاء و القيام في الصلاة، و عند المتشرعة دعاء في الصلاة بكيفية خاصة.

(1) نصوصا و إجماعا:

منها: قول الصادق عليه السلام في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج:

«القنوت في كلّ صلاة فريضة و نافلة» (1).

و قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم: «القنوت في كلّ صلاة في الفريضة و التطوع» (2).

و في خبر الأعمش: «و القنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع و بعد القراءة» (3).

و في خبر الفضل بن شاذان في كتاب الرضا عليه السلام إلى المأمون:

«و القنوت سنة واجبة في الغداة و الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة» (4).

المحمول كلّ ذلك على تأكد الندب، لقول الرضا عليه السلام في صحيح البزنطي قال: «قال أبو جعفر عليه السلام في القنوت: إن شئت فاقنت و إن شئت فلا تقنت. قال أبو الحسن عليه السلام: و إذا كانت التقية فلا تقنت و أنا أتقلد هذا» (5).

ص: 88


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 8.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 12.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 6.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 4.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب القنوت حديث: 1.

جميع النوافل (2)، حتّى صلاة الشفع على الأقوى (3) و يتأكد في الجهرية من الفرائض خصوصا في الصبح، و الوتر و الجمعة (4)، بل الأحوط

______________________________

فإنّه كالنص في جواز الترك لا لتقية، فلا وجه لما يظهر من بعضهم من الوجوب استنادا إلى ما ظاهره ذلك. نعم، لا إشكال في تأكد استحبابه خصوصا في بعض الصلوات، ففي صحيح وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «القنوت في الجمعة و المغرب و العتمة و الوتر و الغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له» (1).

و في صحيح سعد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «سألته عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلّها أم فيما يجهر فيه بالقراءة؟ فقال عليه السلام: ليس القنوت إلا في الغداة و الجمعة و الوتر و المغرب» (2).

و في موثق سماعة: «سألته عن القنوت في أيّ صلاة هو؟ فقال عليه السلام: كلّ شي ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت» (3).

و مثل هذه الأخبار محمولة على تأكد الاستحباب جمعا بينها و بين غيرها.

(2) لما تقدم من قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم:

«القنوت في كلّ صلاة في الفريضة و التطوع».

و قريب منه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج و غيره.

(3) لما تقدم في [المسألة 1] من (فصل أعداد الفرائض و نوافلها)، فراجع.

(4) لما مر من النصوص المحمولة على تأكد الاستحباب بقرينة غيرها كموثق ابن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن القنوت في الصلوات الخمس؟ فقال عليه السلام: اقنت فيهنّ جميعا، قال: و سألت أبا عبد اللّه عليه السلام بعد ذلك عن القنوت فقال عليه السلام لي: أمّا ما جهرت به فلا شك» (4).

ص: 89


1- الوسائل باب: 20 من أبواب القنوت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب القنوت حديث: 6.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب القنوت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 7.

عدم تركه في الجهرية، بل في مطلق الفرائض.

و القول بوجوبه في الفرائض، أو في خصوص الجهرية منها، ضعيف (5)، و هو في كلّ صلاة مرة قبل الركوع من الركعة .....

______________________________

و في موثق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «القنوت في كلّ الصلوات، قال محمد بن مسلم: فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال عليه السلام:

أمّا ما لا يشك فيه فما جهر فيه بالقراءة» (1).

و أما موثق أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القنوت، فقال عليه السلام: فيما يجهر فيه بالقراءة، فقلت له: إنّي سألت أباك عليه السلام عن ذلك فقال عليه السلام: في الخمس كلّها، فقال عليه السلام: رحم اللّه أبي عليه السلام إنّ أصحاب أبي أتوه فأخبرهم بالحق، ثمَّ أتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية» (2).

فالظاهر أنّه ليس المراد بالتقية به التقية الاصطلاحية، و يمكن أن يراد بها أنّهم استفادوا من قول الباقر عليه السلام مساواة الجهرية مع غيرها فدفع الصادق عليه السلام ذلك و أطلق عليه التقية.

ثمَّ إنّ المغرب مثل الصبح أيضا في تأكد القنوت فيها، كما في النص و لم يعلم وجه عدم تعرض الماتن لها.

(5) نسب القول الأول إلى الصدوق (قدس سره) و حكي عن الفقيه:

«القنوت سنة واجبة و من تركها متعمدا في كلّ صلاة فلا صلاة له، قال اللّه عز و جل وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ. و نسب في الذكرى القول الثاني في ابن أبي عقيل، و هما خلاف ما تقدم من صحيح البزنطي: «إن شئت فاقنت، و إن شئت فلا تقنت».

ص: 90


1- الوسائل باب: 2 من أبواب القنوت حديث: 4 و 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القنوت حديث: 10.

الثانية (6)، و قبل الركوع في صلاة الوتر (7)، إلا في صلاة العيدين، ففيها في الركعة الأولى خمس مرات و في الثانية أربع مرات.

______________________________

بل و خلاف الإجماع أيضا. و أما الآية الكريمة (1) فقد فسرت بالإطاعة و الرغبة و الدعاء، و كلّ ذلك أعم من القنوت المعهود كما ذكرنا في التفسير.

(6) نصّا و إجماعا، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:

«القنوت في كلّ صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع» (2).

و في صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: «ما أعرف قنوتا إلا قبل الركوع» (3).

و في صحيح يعقوب بن يقطين: «سألت عبدا صالحا عليه السلام- إلى أن قال-: قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك» (4).

و أما خبر معمر بن يحيى عن أبي جعفر عليه السلام: «القنوت قبل الركوع و إن شئت فبعده» (5).

فأسقطه عن الاعتبار قصور السند، و هجران الأصحاب، فلا وجه لاعتماد المحقق (قدّس سره) في المعتبر عليه، مع أنّه ادعى الإجماع على أنّه قبل الركوع.

(7) نصّا و إجماعا، ففي صحيح ابن عمار: «أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن القنوت في الوتر، قال عليه السلام: قبل الركوع» (6).

ثمَّ إنّه قد روي عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام: «إنّه كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر، قال: هذا مقام من حسناته نعمة منك و شكره ضعيف، و ذنبه عظيم، و ليس لذلك إلا رفقك و رحمتك، فإنّك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلّى اللّه عليه و آله كٰانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مٰا يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحٰارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

ص: 91


1- سورة البقرة الآية: 238.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب القنوت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب القنوت حديث: 6.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب القنوت حديث: 5.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب القنوت حديث: 4.
6- الوسائل باب: 18 من أبواب القنوت حديث: 5.

و إلا في صلاة الآيات، ففيها مرتان مرة قبل الركوع الخامس، و مرة قبل الركوع العاشر، بل لا يبعد استحباب خمسة قنوتات فيها في كلّ زوج من الركوعات.

و إلا في الجمعة، ففيها قنوتان في الركعة الأولى قبل الركوع و في الثانية بعده (8).

و لا يشترط فيه رفع اليدين (9)، و لا ذكر ..........

______________________________

طال و اللّه هجوعي، و قلّ قيامي، و هذا السحر و أنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يملك لنفسه ضرّا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا، ثمَّ يخر ساجدا» (1).

و لا ريب في أنّه دعاء و هو أعم من القنوت، فلا وجه لما نسب إلى المعتبر و تبعه غيره من أنّ في الوتر قنوتين أحدهما قبل الركوع، و الثاني بعده، كما في الجمعة، إلا أن يريدوا بالثاني القنوت بالمعنى اللغوي فيصير النزاع لفظيا.

(8) يأتي الكلام فيه، و في سابقيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

(9) للأصل و بعض الإطلاقات، و لكن مقتضى مرتكزات المتشرعة قديما و حديثا دخول رفع اليد في مفهوم القنوت، فلا يتحقق القنوت المعهود بدونه، و هو الذي تقتضيه التعبيرات الواردة في النصوص الظاهرة في جعل القنوت ظرفا للدعاء، كقول أبي جعفر عليه السلام: «تقول في قنوت الفريضة في الأيام كلّها ..» (2).

و قول الصادق عليه السلام: «تقول في القنوت لا إله إلا اللّه ..» (3).

و عن إسماعيل بن الفضل: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القنوت و ما يقال فيه؟ قال عليه السلام: ما قضى اللّه على لسانك- الحديث-»(4).

ص: 92


1- مستدرك الوسائل باب: 16 من أبواب القنوت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 4.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب القنوت حديث: 1.

مخصوص (10) بل يجوز ما يجري على لسانه من الذكر و الدعاء و المناجاة،

______________________________

بل يستفاد منه أنّ القنوت شي ء و الدعاء فيه شي ء آخر، و يدل عليه أيضا خبر عليّ بن محمد بن سليمان: «كتبت إلى الفقيه أسأله عن القنوت، فقال عليه السلام: إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين، و قل ثلاث مرات: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» (1).

و ما في موثق عمار: «أخاف أن أقنت و خلفي مخالفون، فقال عليه السلام: رفعك يديك يجزي- يعني رفعهما كأنّك تركع-» (2).

مضافا إلى أنّ نفس رفع اليد نحو ابتهال و مسكنة، و الإطلاقات منصرفة إلى ما هو المعهود. و حمل رفع اليد على تعدد المطلوب، كما هو الشأن في جميع قيود المندوبات فهو مشكل في المقام، كما مر من أنّه مقوّم للقنوت المعهود.

(10) للأصل و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و صحيح إسماعيل بن الفضل قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القنوت و ما يقال فيه؟ قال عليه السلام: ما قضى اللّه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئا موقتا» (3).

و صحيح الحلبي «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القنوت في الوتر، هل فيه شي ء موقت يتبع و يقال؟ فقال عليه السلام: لا، أثن على اللّه عزّ و جل، و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و استغفر لذنبك العظيم، ثمَّ قال عليه السلام: كلّ ذنب عظيم»(4).

و في خبر ابن بزيع عن أبي جعفر عليه السلام: «سبعة مواطن ليس فيها دعاء موقت الصلاة على الجنائز و القنوت، و المستجار، و الصفا و المروة، و الوقوف بعرفات، و ركعتا الطواف» (5).

ص: 93


1- الوسائل باب: 12 من أبواب القنوت حديث: 3.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب القنوت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب القنوت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب القنوت حديث: 2.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب القنوت حديث: 5.

و طلب الحاجات (11)، و أقلّه «سبحان اللّه» خمس مرات، أو ثلاث مرات، أو «بسم اللّه الرحمن الرحيم» ثلاث مرات، أو «الحمد للّه» ثلاث مرات (12) بل يجزي «سبحان اللّه»، أو سائر ما ذكر مرة واحدة.

كما يجزي الاقتصار على الصلاة على النبيّ و آله صلّى اللّه عليه و آله، و مثل قوله: «اللهم اغفر لي» و نحو ذلك (13). و الأولى أن يكون جامعا للثناء على اللّه تعالى، و الصلاة على محمد و آله، و طلب المغفرة له و للمؤمنين و المؤمنات (14).

______________________________

(11) للإطلاقات، و أنّ كلّ ذلك مما قضى اللّه على اللسان، فيشملها الإطلاق و الاتفاق.

(12) لشمول الإطلاقات للجميع. و يدل على الأول: خبر حريز:

«يجزيك من القنوت خمس تسبيحات في ترسل» (1).

و مثله خبر أبي بصير (2)، و على الثاني: قول الصادق عليه السلام في خبر ابن أبي السماك: «يجزي من القنوت ثلاث تسبيحات» (3).

و على الثالث: ما تقدم من خبر عليّ بن محمد بن سليمان. و أما الأخير:

فلخبر ابن أبي السماك بعد حمل التسبيح على المثال، مضافا إلى كفاية الإطلاقات للجميع.

(13) كلّ ذلك لإطلاق قوله عليه السلام فيما تقدم: «لا أعلم فيه شيئا موقتا» و ما تقدم من خبر الحلبي.

(14) لما تقدم من خبر الحلبي، و لأنّ الثناء على اللّه تعالى و الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الاستغفار للمؤمنين من موجبات الاستجابة، كما في الأخبار.

ص: 94


1- الوسائل باب: 6 من أبواب القنوت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب القنوت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب القنوت حديث: 3.

مسألة 1: تجوز قراءة القرآن في القنوت

(مسألة 1): تجوز قراءة القرآن في القنوت (15) خصوصا الآيات المشتملة على الدعاء (16) كقوله تعالى رَبَّنٰا لٰا تُزِغْ قُلُوبَنٰا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنٰا وَ هَبْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ و نحو ذلك.

مسألة 2: تجوز قراءة الأشعار المشتملة على الدعاء و المناجاة

(مسألة 2): تجوز قراءة الأشعار المشتملة على الدعاء و المناجاة، مثل قوله:

إلهي عبدك العاصي أتاكا مقرّا بالذنوب و قد دعاكا

و نحوه.

مسألة 3: يجوز الدعاء فيه بالفارسية و نحوها من اللغات

(مسألة 3): يجوز الدعاء فيه بالفارسية و نحوها من اللغات غير العربية (17)، و إن كان لا تتحقق وظيفة القنوت إلا بالعربي، و كذا في

______________________________

(15) لما دل على نفي التوقيت، و ما تقدم من خبر ابن سليمان.

(16) لفضلها من حيث الإضافة إلى اللّه جلّ جلاله، و اشتمال القنوتات المروية على جملة من الأدعية القرآنية (1).

(17) نسب ذلك إلى المشهور، و حكي عن جامع المقاصد: «عدم القائل بالمنع سوى سعد بن عبد اللّه» و استدل لذلك بصحيح ابن مهزيار: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي به ربّه عزّ و جل؟ قال عليه السلام: نعم» (2).

و صحيح الحلبي: «كلّما ذكرت اللّه عز و جل به و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصلاة» (3).

و بما تقدم من نفي التوقيت في القنوت (4)، و بمرسل الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام: «لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي به

ص: 95


1- راجع الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب القنوت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب التسليم حديث: 1.
4- تقدم في صفحة: 93.

سائر أحوال الصلاة و أذكارها.

نعم، الأذكار المخصوصة لا يجوز إتيانها بغير العربي (18).

مسألة 4: الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمة

(مسألة 4): الأولى أن يقرأ الأدعية الواردة عن الأئمة صلوات

______________________________

ربه عز و جل» (1). ثمَّ قال بعد هذا الخبر: «لو لم يرد هذا الخبر لكنت أجيزه بالخبر الذي روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «كلّ شي ء مطلق حتّى يرد فيه نهي» و النهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود، و الحمد للّه».

و الكلّ مخدوش: لأنّ المنساق من مثل المرسل إنّما هو التعميم من حيث المضمون لا من حيث اللغة، و لو شك في تعميمها من هذه الجهة لا يصح التمسك بها أيضا، و المنصرف من أدلة القنوت و سائر مندوبات الصلاة إنّما هو العربية، كما استقرت عليه سيرة المتشرعة قديما و حديثا، بل يستنكرون إتيان القنوت أو سائر الأذكار المندوبة بغير العربية، فلا تتحقق وظيفة القنوت بغير العربي، كما عن جمع من الفقهاء، للأصل بعد عدم دليل على الخلاف، و انسباق العربية من الإطلاقات.

و أما الدعاء بغير العربية في حالات الصلاة من القيام، و الركوع، و السجود فمقتضى أصالة عدم المانعية، و عدم صدق كلام الآدمي عليه و إن كان هو الجواز لكنه مع ذلك مشكل أيضا، لالتزام الفقهاء و المتشرعة على تركه نحو التزامهم على ترك المبطلات، و منه تظهر الخدشة في التمسك ب «كلّ شي ء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (2)، لأنّ انسباق العربية من الأدلة و السيرة المستمرة عليها بمنزلة ورود النهي.

(18) جمودا على ظاهر ما ورد من الأدلة فيها مضافا إلى الإجماع بل الضرورة.

ص: 96


1- الوسائل باب: 19 من أبواب القنوت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب القنوت حديث: 3.

اللّه عليهم (19)، و الأفضل كلمات الفرج (20) و هي: «لا إله إلا اللّه الحليم الكريم، لا إله إلا اللّه العليّ العظيم، سبحان اللّه ربّ السموات السبع، و ربّ الأرضين السبع، و ما فيهنّ، و ما بينهنّ، و ربّ العرش العظيم، و الحمد للّه ربّ العالمين» (21).

______________________________

(19) لأنّهم عليهم السلام أعرف بخصوصيات الدعاء و آدابه في الصلاة و غيرها.

(20) نسبه المجلسي (قدّس سرّه) في البحار إلى الأصحاب، و في مرسل السيد و الحلي: «روي أنّها (أي كلمات الفرج) أفضله» و لم يرد نص بالخصوص إلا في قنوت الوتر و الجمعة و بإلقاء الخصوصية و المرسل و الشهرة يمكن إثبات الاستحباب في مطلق القنوتات تسامحا، مضافا إلى الرضوي: «قل في قنوتك بعد فراغك من القراءة قبل الركوع: اللّهم أنت اللّه لا إله إلّا أنت الحليم الكريم لا إله إلا أنت العليّ العظيم سبحانك ربّ السماوات السبع و ربّ الأرضين السّبع و ما فيهن و ما بينهنّ و ربّ العرش العظيم ليس كمثله شي ء، صلّ على محمد و آل محمد و اغفر لي و لوالديّ و لجميع المؤمنين و المؤمنات إنّك على كلّ شي ء قدير، ثمَّ اركع» (1).

(21) قد اختلفت النصوص في كلمات الفرج كما و كيفا:

فمنها: ما تقدم عن الفقه الرضوي.

و منها: ما في المتن، و هو موافق لصحيح زرارة (2)، و خبر القداح (3) الوارد في تلقين المحتضر، و فيه تقديم «العليّ العظيم» على «الحليم الكريم».

و منها: خبر أبي بصير الوارد في قنوت الجمعة (4)، و فيه إبدال (سبحان اللّه ربّ السماوات السبع) ب (لا إله إلا اللّه ربّ السماوات السبع) (5).

ص: 97


1- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب القنوت حديث: 4.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 3.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 4.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 4.

و يجوز أن يزيد بعد قوله: «و ما بينهنّ» «و ما فوقهنّ و ما تحتهنّ» (22) كما يجوز أن يزيد بعد قوله: «العرش العظيم»:

«و سلام على المرسلين» (23).

______________________________

و منها: فقه الرضوي الوارد في التلقين المشتمل على جملة (و سلام على المرسلين) (1)، و ذكره الصدوق في الفقيه أيضا.

(22) لفظ (ما تحتهنّ) مذكور في صحيح الحلبي في نسخة التهذيب (2) و لم أظفر عاجلا على خبر يشتمل على لفظ (ما فوقهنّ). و لكن هذه الألفاظ (و ما بينهنّ، و ما فوقهنّ، و ما تحتهنّ) مذكورة في جملة من الدعوات المعتبرة، كما لا يخفى على من راجع الدعوات المفصّلة من البحار فيمكن أن يكون المقام من باب الاكتفاء بذكر البعض عن الكلّ.

ثمَّ إنّه يمكن القول بالتخيير بين الجميع، لأنّ الكلّ مشتمل على التوحيد و التمجيد و لو فرض العمل بالترجيح، فهو مع ما في المتن من حيث السند و من حيث الشهرة.

(23) نسبه في الذكرى إلى جماعة من الأصحاب منهم المفيد و ابن البراج و ورد في الفقه الرضوي، و ذكره الصدوق في الفقيه أيضا. و عن بعض التمسك بوروده في القرآن، و الأولى الإتيان به بعنوان القرآنية. و أما احتمال أنّه من السلام المحلّل فلا ينبغي الاعتناء به، لأنّ المحلّل غير هذه الصيغة على ما عرفت. كما أنّ كونه من كلام الآدمي أيضا لا وجه له لانصراف كلام الآدمي عنه، لأنّه دعاء للمرسلين و سلام عليهم و أما الخبر المروي عن أبي الحسن الثالث عليه السلام:

«لا تقل في صلاة الجمعة في القنوت و سلام على المرسلين» (3).

فهو ساقط لقصوره عن الحجية.

ص: 98


1- مستدرك الوسائل باب: 28 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
2- البحار ج: 85 صفحة: 206.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 1.

و الأحسن أن يقول بعد كلمات الفرج (24): «اللهم اغفر لنا و ارحمنا، و عافنا، و اعف عنا، إنّك على كلّ شي ء قدير».

مسألة 5: الأولى ختم القنوت بالصلاة على محمد و آله بل الابتداء بها أيضا

(مسألة 5): الأولى ختم القنوت بالصلاة على محمد و آله بل الابتداء بها أيضا (25)، أو الابتداء في طلب المغفرة، أو قضاء الحوائج بها، فقد روي (26): «إنّ اللّه سبحانه و تعالى يستجيب الدعاء للنبيّ

______________________________

(24) لأنّه دعاء مختصر جامع، و يستحب الدعاء بعد تمجيد اللّه و الثناء عليه تعالى، و قد ورد عن الصادق عليه السلام الدعاء به في القنوت في صحيح سعد ابن أبي خلف (1)، و عنه عليه السلام أيضا في قنوت الوتر و قد قنت به نفسه عليه السلام في الفجر، كما في خبر ابن أبي السماك (2). و أما النص على أنّه بالخصوص مندوب بعد كلمات الفرج فلم أظفر به عاجلا.

(25) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح أبان: «إذا دعا أحدكم فليبدأ بالصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فإنّ الصلاة على النبيّ مقبولة، و لم يكن اللّه تعالى ليقبل بعض الدعاء و يرد بعضا» (3).

و عنه عليه السلام أيضا في صحيح صفوان: «كلّ دعاء يدعى اللّه عز و جل به محجوب عن السماء حتّى يصلّى على محمد و آله» (4).

و الأخبار في ذلك كثيرة.

(26) لقول الصادق عليه السلام في مرسل ابن أبي جمهور: «من كانت له إلى اللّه عزّ و جل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد و آله، ثمَّ يسأل حاجته ثمَّ يختم بالصلاة على محمد و آل محمد، فإنّ اللّه عزّ و جل أكرم من أن يقبل الطرفين و يدع الوسط إذا كانت الصلاة على محمد و آل محمد لا تحجب عنه» (5).

ص: 99


1- الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 5.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 6.
3- الوسائل: 36 من أبواب الدعاء حديث: 14.
4- الوسائل باب: 36 من أبواب الدعاء حديث: 1.
5- الوسائل باب: 36 من أبواب الدعاء حديث: 11.

صلّى اللّه عليه و آله بالصلاة، و بعيد من رحمته أن يستجيب الأول و الآخر و لا يستجيب الوسط» فينبغي أن يكون طلب المغفرة و الحاجات بين الدعاءين للصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

مسألة 6: من القنوت الجامع الموجب لقضاء الحوائج

(مسألة 6): من القنوت الجامع الموجب لقضاء الحوائج- على ما ذكره بعض العلماء (27)- أن يقول: «سبحان من دانت له السموات و الأرض بالعبودية، سبحان من تفرد بالوحدانية، اللهم صلّ على محمد و آل محمد، و عجل فرجهم اللهم اغفر لي و لجميع المؤمنين و المؤمنات، و اقض حوائجي و حوائجهم بحق حبيبك محمد و آله الطاهرين صلّى اللّه عليه و آله أجمعين».

مسألة 7: يجوز في القنوت الدعاء الملحون مادة أو إعرابا

(مسألة 7): يجوز في القنوت الدعاء الملحون مادة أو إعرابا (28)، إذا لم يكن لحنه فاحشا، و لا مغيّرا للمعني، لكن الأحوط الترك.

______________________________

و خبر ابن القداح عنه عليه السلام أيضا: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا تجعلوني كقدح الراكب .. إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله: اجعلوني في أول الدعاء و في وسطه و في آخره» (1).

و هذه النصوص و إن وردت في الدعاء إلا أنّ المتفاهم منها عرفا كلّ ما يراد أن يتقرب به إلى اللّه تعالى من الأقوال و الأذكار في القنوت أو في غيره.

ثمَّ إنّ مقتضى هذه الأخبار استحباب الصلاة على محمد و آله في أول الدعاء و وسطه و آخره، فلا وجه لتعبيره (قدّس سره) بالأولى، كما لا وجه لإهمال الوسط.

(27) لأنّه متخذ من القنوتات المفصّلة، و مع اختصاره مشتمل على التمجيد و الثناء، و الصلاة على محمد و آله و طلب المغفرة فهو جامع لجملة من شرائط الدعاء.

(28) لما تقدم في الدعاء بالفارسية، فإنّ جميع ما تقدم هناك يجري هنا

ص: 100


1- الوسائل باب: 36 من أبواب الدعاء حديث: 7.

مسألة 8: يجوز في القنوت الدعاء على العدو بغير ظلم و تسميته

(مسألة 8): يجوز في القنوت الدعاء على العدو بغير ظلم و تسميته، كما يجوز الدعاء لشخص خاص مع ذكر اسمه (29).

مسألة 9: لا يجوز الدعاء لطلب الحرام

(مسألة 9): لا يجوز الدعاء لطلب الحرام (30).

______________________________

أيضا من غير فرق، و تقدم هناك الإشكال في الجواز فكذا هاهنا أيضا، مع أنّه قد ورد في المقام أنّ الدعاء الملحون لا يصعد (1).

(29) كلّ ذلك للأصل و الإطلاق، و أدلة خاصة:

منها: صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «تدعو في الوتر على العدو، و إن شئت سميتهم و تستغفر»(2).

و في مكاتبة إبراهيم بن عقبة عن أبي الحسن عليه السلام: «جعلت فداك قد عرفت بعض هؤلاء الممطورة فأقنت عليهم في صلاتي قال عليه السلام:

نعم، اقنت عليهم في صلاتك» (3).

و في خبر ابن هلال عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد قنت و دعا على قوم بأسمائهم و أسماء آبائهم و عشائرهم و فعله عليّ عليه السلام» (4).

و في الذكرى: «إنّه صلّى اللّه عليه و آله قال في قنوته: اللهم أنج الوليد بن الوليد، و سلمة بن هشام، و العباس بن ربيعة، و المستضعفين من المؤمنين» (5) و لكن لا بد و أن يعلم أنّه إذا ظلم مؤمن أحدا لا بد من إرشاده و نصيحته لا المبادرة في الدعاء عليه ففي صحيح ابن سالم: «إنّ العبد ليكون مظلوما فلا يزال يدعو حتّى يكون ظالما» (6).

(30) لأنّه تجرّ بالنسبة إلى اللّه تعالى، مع ظهور الإجماع على الحرمة، بل

ص: 101


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الدعاء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب القنوت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب القنوت حديث: 3.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب القنوت حديث: 2.
5- الذكرى المبحث: 11.
6- الوسائل باب: 53 من أبواب الدعاء حديث: 1.

مسألة 10: يستحب إطالة القنوت خصوصا في صلاة الوتر

(مسألة 10): يستحب إطالة القنوت خصوصا في صلاة الوتر، فعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف»، و في بعض الروايات قال صلّى اللّه عليه و آله: «أطولكم قنوتا في الوتر في دار الدنيا ..»،

و يظهر من بعض الأخبار أنّ إطالة الدعاء في الصلاة أفضل من إطالة القراءة (31).

مسألة 11: يستحب التكبير قبل القنوت و رفع اليدين حال التكبير

(مسألة 11): يستحب التكبير قبل القنوت و رفع اليدين حال التكبير (32)، و وضعهما ثمَّ رفعهما حيال الوجه (33) و بسطهما جاعلا

______________________________

لا يبعد بطلان الصلاة بذلك، و لكنه مشكل لانصراف كلام الآدمي عنه فينحصر وجه البطلان بالزيادة العمدية إن أتى به بعنوان الجزئية، و هو أيضا مشكل لاحتمال شمول إطلاق: «كلّما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام» (1).

له أيضا و إن كان حراما، إلا أنّ دعوى الانصراف عنه صحيح.

(31) ففي صحيح ابن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجلان افتتحا الصلاة في ساعة واحدة فتلا هذا القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه، و دعا هذا فكان دعاؤه أكثر من تلاوته، ثمَّ انصرفا في ساعة واحدة أيّهما أفضل؟ قال عليه السلام: كلّ فيه فضل كلّ حسن، فقلت: إنّي قد علمت أنّ كلا حسن.

و أنّ كلا فيه فضل، فقال عليه السلام: الدعاء أفضل- الحديث-» (2).

(32) راجع فصل تكبيرة الإحرام [المسألة 14]، و أنّ التكبيرات المندوبة منه لرفع اليد.

(33) تقدم الكلام في أصل رفع اليد. و أما كونه حيال الوجه فهو المشهور بين الأصحاب، لصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ترفع يديك

ص: 102


1- الوسائل باب: 19 من أبواب القنوت حديث: 4.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب التعقيب حديث: 1.

باطنهما نحو السماء و ظاهرهما نحو الأرض (34)، و أن يكونا منضمتين مضمومتي الأصابع (35) إلا الإبهامين (36)، و أن يكون نظره إلى كفيه (37)، و يكره أن يجاوز بهما ..........

______________________________

في الوتر حيال وجهك» (1).

و الظاهر أنّه من باب المثال لا الخصوصية.

(34) على المعروف بين الأصحاب فتوى و عملا، و هو المنساق من رفع اليد عرفا، و يشهد له قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن سنان السابق:

«و تتلقى بباطنهما السماء».

بناء على كونه من قوله عليه السلام، و لكن قيل: إنّه من عبارة المحقق في المعتبر، و على فرض الأخير فإرسال المحقق له إرسال المسلّمات يكشف عن وجود دليل عليه لديه. و أما ما حكي عن عليّ بن الحسين عليهما السلام من أنّه يقول في آخر وتره: «ربّ إنّي .. الدعاء، ثمَّ يبسط يديه قدام وجهه و يقول:» (2) فهو فعل مجمل لم يعلم منه كيفية جعل اليد من أول القنوت.

(35) على المعروف بين الأصحاب و لم يعرف مستند لكلّ من ضم اليدين و ضم الأصابع، إلا أن يقال: إنّه متعارف عند السؤال باليدين فتنزل الأدلة عليه، أو إنّه نحو تفأل لأن تمتلئ اليدان من الرحمة و لا يصب شي ء منها على الأرض.

و يأتي في الدعاء إن شاء اللّه تعالى ما ينفع المقام.

(36) نقله غير واحد و لم يظفر على مستند له أيضا.

(37) على المشهور بين الأصحاب و لم يعلم له مستند أيضا، و قد يعلل بأنّه مقتضى الجمع بين ما يدل على رفعهما حيال الوجه، و ما يدل على النهي عن النظر إلى السماء (3)، و ما دل على النهي عن التغميض في الصلاة (4)، و هو كما ترى.

ص: 103


1- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب القنوت حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 16 من أبواب القنوت حديث: 6.
3- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب القيام.
4- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب القواطع.

الرأس (38). و كذا يكره أن يمرّ بهما على وجهه و صدره عند الوضع (39).

مسألة 12: يستحب الجهر بالقنوت

(مسألة 12): يستحب الجهر بالقنوت، سواء كانت الصلاة

______________________________

(38) لموثق أبي بصير: «لا ترفع يديك في الدعاء بالمكتوبة تجاوز بهما رأسك» (1).

و هذا يختص بالمكتوبة فلا يشمل النافلة. و مقتضى إطلاقات جواز رفع اليد في الدعاء (2) مطلقا بجواز رفعهما في النافلة و إن تجاوز الرأس. لكن مقتضى قاعدة إلحاق النافلة بالفريضة إلا ما خرج بالدليل كون النافلة مثل الفريضة في ذلك أيضا.

(39) لخبر الحميري عن صاحب الزمان عجل اللّه تعالى فرجه:

«يسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه أن يرد يديه على وجهه و صدره للحديث الذي روي أنّ اللّه جل جلاله أجلّ من أن يرد يدي عبد صفرا بل يملأها من رحمته أم لا يجوز؟ فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّه عمل في الصلاة، فأجاب عليه السلام: رد اليدين من القنوت على الرأس و الوجه غير جائز في الفرائض، و الذي عليه العمل فيه إذا رجع يده في قنوت الفريضة و فرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه على صدره تلقاء ركبتيه على تمهل، و يكبّر و يركع، و الخبر صحيح و هو في نوافل النهار و الليل دون الفرائض» (3).

أقول: الخبر المذكور فيه هو ما عن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«ما أبرز عبد يده إلى اللّه العزيز الجبار إلا استحى اللّه عز و جل أن يردها صفرا حتّى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتّى يمسح على وجهه و رأسه» (4).

ص: 104


1- الوسائل باب: 12 من أبواب القنوت حديث: 4.
2- راجع الوسائل باب: 12 من أبواب الدعاء.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب القنوت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الدعاء الحديث: 1.

جهرية أو إخفاتية (40)، و سواء كان إماما أو منفردا بل أو مأموما (41) إذا لم يسمع الإمام صوته (42).

مسألة 13: إذا نذر القنوت في كلّ صلاة أو صلاة خاصة وجب

(مسألة 13): إذا نذر القنوت في كلّ صلاة أو صلاة خاصة وجب لكن لا تبطل الصلاة بتركه (43) سهوا، بل و لا بتركه عمدا أيضا على الأقوى.

______________________________

ثمَّ إنّ مقتضى ما مر من خبري أبي بصير و الحميري اختصاص الكراهة بقنوت الفريضة دون النافلة إلا أن يتمسك بقاعدة الإلحاق.

(40) على المشهور، لقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة:

«القنوت كلّه جهار» (1).

و هذا التعبير يشمل جميع الصلوات، فما نسب إلى السيد و الجعفي و الحلي من أنّه تابع للفريضة لا وجه له إلا ما ورد من أنّ صلاة النهار عجماء (2)، و هو على فرض اعتبار سنده مقيد بصحيح زرارة، هذا مع ظهور الإجماع إلا منهم (قدّس سرّهم).

(41) للإطلاق الشامل للجميع.

(42) نسب ذلك إلى المشهور، لما ورد من أنّه: «لا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمع الإمام» (3).

و فيه: أنّه يمكن تخصيصه بصحيح زرارة إلا أن يقال: إنّ مراعاة جانب الإمام و الإمامة أولى من مراعاة هذا المندوب، و هو كذلك كما لا يخفى على أهله.

(43) أما الوجوب فلعموم ما دل على وجوب الوفاء بالنذر. و أما عدم

ص: 105


1- الوسائل باب: 21 من أبواب القنوت الحديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 1: من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 52 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

مسألة 14: لو نسي القنوت

(مسألة 14): لو نسي القنوت فإن تذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع قام و أتى به (44)، و إن تذكر بعد الدخول في الركوع قضاه بعد الرفع منه (45)، و كذا لو تذكر بعد الهويّ للسجود قبل وضع الجبهة (46)

______________________________

البطلان بالترك فهو صحيح إن كان النذر بنحو تعدد المطلوب. و أما إذا كان بنحو التقييد الحقيقي و وحدة المطلوب فالظاهر البطلان في صورة العمد و لا ريب في ثبوت الكفارة على كلّ تقدير في صورة العمد.

(44) لإطلاق دليل استحبابه و بقاء محلّه، و لقول الصادق عليه السلام في موثق عمار: «إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما، و ليقنت، ثمَّ ليركع، و إن وضع يديه على الركبتين فليمض في صلاته و ليس عليه شي ء» (1).

(45) نصوصا و إجماعا، ففي صحيح ابن مسلم و زرارة: «سألنا أبا جعفر عليه السلام عن الرجل ينسى القنوت حتّى يركع، قال عليه السلام: يقنت بعد الركوع، فإن لم يذكر فلا شي ء عليه» (2).

و أما مثل صحيح معاوية بن عمار: «سألته عن الرجل ينسى القنوت حتّى يركع أ يقنت؟ قال عليه السلام: لا» (3).

فلا بد من حمله على عدم تأكد الندب أو طرحه لوهنه بالمعارضة أو الأعراض.

(46) لبقاء المحلّ القضائي، و إطلاق قوله عليه السلام فيما تقدم من صحيح ابن مسلم: «يقنت بعد الركوع». و لكن يمكن الإشكال في الأخير بأنّ المنساق منه للقيام بعد الركوع، و في الأول بأنّ المتيقن منه صورة عدم الدخول في الغير خصوصا بعض المراتب الأخيرة من الهويّ، و لعلّ وجه احتياطه في ترك العود ذلك.

ص: 106


1- الوسائل باب: 15 من أبواب القنوت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب القنوت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب القنوت حديث: 3.

و إن كان الأحوط ترك العود إليه، و إن تذكر بعد الدخول في السجود أو بعد الصلاة قضاه بعد الصلاة و إن طالت المدة (47)، و الأولى الإتيان به إذا كان بعد الصلاة جالسا مستقبلا و إن تركه عمدا في محلّه أو بعد الركوع فلا قضاء (48).

مسألة 15: الأقوى اشتراط القيام في القنوت مع التمكن منه

(مسألة 15): الأقوى اشتراط القيام في القنوت مع التمكن منه (49) إلا إذا كانت الصلاة من جلوس، أو كانت نافلة حيث يجوز

______________________________

و أما صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في من سها عن القنوت قال عليه السلام: «قنت بعد ما ينصرف و هو جالس» (1).

فالظاهر منه التذكر بعد الصلاة لا بعد الركوع فلا يصلح شاهدا للمقام، كما صرح به جمع من الأعلام.

(47) لإطلاق صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل نسي القنوت فذكر و هو في بعض الطريق، فقال عليه السلام: يستقبل القبلة ثمَّ ليقله» (2).

و منه يظهر وجه اعتبار الاستقبال. و أما الجلوس فيمكن أن يستفاد مما تقدم من صحيح أبي بصير إن لم يحمل على الغالب، و على أيّ حال فالظاهر أنّ اعتبارهما من باب الفضل لا القيدية، فيصح قائما و ماشيا أيضا.

(48) للأصل بعد اختصاص أدلة القضاء بمورد الترك السهوي، و لكن لا بأس بالإتيان رجاء، لأنّه خير محض.

(49) لظواهر الأدلة المشتملة على أنّه بعد القراءة و قبل الركوع، فإنّ المنساق منها عرفا أنّه كالقراءة و الركوع عن قيام يكون في حالة القيام هذا مع التزام المصلّين من الفقهاء و غيرهم خلفا عن سلف بإتيانه في حالة القيام بحيث يعدّ

ص: 107


1- الوسائل باب: 16 من أبواب القنوت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب القنوت حديث: 1.

الجلوس في أثنائها كما يجوز في ابتدائها اختيارا (50).

مسألة 16: صلاة المرأة كالرجل في الواجبات و المستحبات

(مسألة 16): صلاة المرأة كالرجل في الواجبات و المستحبات (51) إلا في أمور قد مرّ كثير منها في تضاعيف ما قدمنا من المسائل و جملتها:

أنّه يستحب لها الزينة حال الصلاة بالحليّ و الخضاب (52)،

______________________________

القنوت في الفريضة جالسا مع التمكن من القيام مستنكرا لديهم، و تقدم في فصل القيام ما ينفع المقام.

(50) لإطلاق ما دل على جواز الجلوس في النافلة، فيشمل الحدوث و الاستدامة، و لأصالة عدم المانعية، فيصح في النافلة إتيان القراءة قائما ثمَّ الجلوس و إتيان القنوت جالسا ثمَّ الركوع كذلك أو عن قيام، كما يجوز تبعيض القيام و الجلوس في القنوت الواحد، فيقوم كلّما نشط و يجلس كلّما تعب، لأنّها مبنية على المسامحة في جميع أطوارها و شؤونها.

(51) للإطلاقات و العمومات الشاملة لها أيضا، مضافا إلى قاعدة إلحاقها بالرجال في جميع التكاليف إلا ما صرّح بالاختصاص، و مدرك هذه القاعدة إجماع الإمامية، بل المسلمين.

(52) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «و كره للمرأة أن تصلّي بلا حليّ» (1).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «و لا تصلّي إلا و هي مختضبة، فإن لم تكن مختضبة فلتمسح مواضع الحناء بخلوق» (2).

و في خبر غياث عن جعفر عن أبيه عليه السلام عن عليّ عليه السلام: «لا تصلّي المرأة عطلاء» (3).

ص: 108


1- مستدرك الوسائل باب: 40 من أبواب المصلّي حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 40 من أبواب المصلّي حديث: 2.
3- الوسائل باب: 58 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

و الإخفات في الأقوال (53)، و الجمع بين قدميها حال القيام، و ضم ثدييها إلى صدرها بيديها حاله أيضا، و وضع يديها على فخذيها حال الركوع، و أن لا ترد ركبتيها حاله إلى وراء، و أن تبدأ بالقعود للسجود و أن تجلس معتدلة ثمَّ تسجد، و أن تجتمع و تضم أعضائها حال السجود، و أن تلتصق بالأرض بلا تجاف، و تفترش ذراعيها، و أن تنسل انسلالا إذا أرادت القيام أي تنهض بتأنّ و تدريج عدلا لئلا تبدو عجيزتها. و أن تجلس على إليتيها إذا جلست رافعة ركبتيها ضامة لهما (54).

مسألة 17: صلاة الصبيّ كالرجل

(مسألة 17): صلاة الصبيّ كالرجل و الصبية كالمرأة (55).

مسألة 18: قد مرّ في المسائل المتقدمة متفرقة حكم النظر و اليدين حال الصلاة

(مسألة 18): قد مرّ في المسائل المتقدمة متفرقة حكم النظر و اليدين حال الصلاة، و لا بأس بإعادته جملة: فشغل النظر حال القيام

______________________________

(53) لكثرة اهتمام الشارع بتسترهنّ حتّى في الصلاة، كما هو من المسلّمات، و هو ظاهر من الخبر الآتي.

(54) لقول أبي جعفر عليه السلام: «إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها و لا تفرج بينهما، و تضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فترتفع عجيزتها، فإذا جلست فعلى إليتيها ليس كما يجلس الرجل، و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود و بالركبتين قبل اليدين، ثمَّ تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض، و إذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا» (1).

(55) كلّ ذلك للاتفاق و الإطلاق، و قاعدة الإلحاق المتسالم عليها بين الإمامية بل المسلمين.

ص: 109


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 4.

أن يكون على موضع السجود، و حال الركوع بين القدمين، و حال السجود إلى طرف الأنف، و حال الجلوس إلى حجره (56)، و أما اليدان فيرسلهما حال القيام و يضعهما على الفخذين و حال الركوع على الركبتين مفرجة الأصابع و حال السجود على الأرض مبسوطتين مستقبلا بأصابعهما منضمة حذاء الأذنين، و حال الجلوس على الفخذين و حال القنوت تلقاء وجهه (57).

______________________________

(56) راجع للأول (فصل القيام) [المسألة 32] الخامس. و للثاني (فصل الركوع) [المسألة 26] السابع. و للثالث (فصل مستحبات السجود) السابع.

و للأخير (فصل التشهد) [المسألة 4] الرابع.

(57) انظر للأول (فصل القيام) [المسألة 32] الثاني و الثالث. و للثاني [المسألة 36] من (فصل الركوع) الثالث. و للثالث (فصل في مستحبات السجود) السادس. و الرابع (فصل في التشهد) [المسألة 4] الثالث. و للأخير [المسألة 11] من (فصل القنوت).

ص: 110

فصل في التعقيب

اشارة

(فصل في التعقيب) و هو الاشتغال عقيب الصلاة بالدعاء أو الذكر أو التلاوة أو غيرها من الأفعال الحسنة، مثل التفكر في عظمة اللّه و نحوه مثل البكاء لخشية اللّه أو للرغبة إليه و غير ذلك. و هو من السنن الأكيدة، و منافعه في الدّين و الدنيا كثيرة، و في رواية: «من عقب في صلاته فهو في صلاته»، و في الخبر: «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد».

______________________________

(فصل في التعقيب) ينبغي أن نشير إلى أمور:

الأول: إنّ التعقيب من المندوبات بعد الفرائض بإجماع المسلمين، بل ضرورة الدّين، و بالمستفيضة من نصوص المعصومين عليهم السلام، كما يأتي بعضها، و قد فسّر قوله تعالى فَإِذٰا فَرَغْتَ فَانْصَبْ- وَ إِلىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ أي: «إذا فرغت من الصلاة فاجتهد في الدعاء و ارغب إلى ربّك في المسألة» (1).

الثاني: قد ذكر في الأخبار لفظ (التعقيب)، و (بعد الصلاة) و (دبر الصلاة). و المراد بها المفاهيم العرفية، فكلّما صدق عرفا أنّه أتى به عقيب الصلاة و بعدها أو في دبرها يصدق عليه، و يضر الفصل الطويل المخل بالصدق، و مع الشك يجري الاستصحاب موضوعا و حكما. إلا أن يكون الفصل الطويل بما هو راجح شرعا فيكون بنفسه تعقيبا أيضا.

ص: 111


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب التعقيب حديث: 7.

و الظاهر استحبابه بعد النوافل أيضا (1) و إن كان بعد الفرائض آكد (2).

و يعتبر أن يكون متصلا بالفراغ منها (3)، غير مشتغل بفعل آخر ينافي صدقه (4) الذي يختلف بحسب المقامات من السفر و الحضر

______________________________

الثالث: يعتبر في التعقيب ما يعتبر في الصلاة: من الطهارة، و الاستقبال و نحوهما، و لكن كلّ ذلك من جهات الكمال لا الإجزاء، لإطلاقات أدلة التعقيب من غير ما يصلح للتقييد إلا المرسل: «ما يضر بالصلاة يضر بالتعقيب» (1).

و هو قاصر سندا عن إفادة الشرطية، و محمول على الجهات الفضلية.

الرابع: يمكن أن يكون ما ورد من الأذكار و الدعوات في التعقيب من باب الغالب و المثال لكلّ عبادة صالحة لأن تقع بعد الصلاة بعنوان التعقيب و يشهد له قول الصادق عليه السلام: «المؤمن معقّب ما دام على وضوئه» (2). فيحصل بالمصافحة و المعانقة و بمطالعة الأحاديث و الفقه و مدارستهما و نحوهما مما رغب فيه الشرع فيصح تعميم المتن على هذا.

(1) لإطلاقات الأدلة المشتملة على لفظ الصلاة الشامل لهما.

(2) لقول الصادق عليه السلام في خبر ابن المغيرة: «إنّ فضل الدعاء بعد الفريضة على الدعاء بعد النافلة كفضل الفريضة على النافلة» (3).

و في صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «الدعاء دبر المكتوبة أفضل من الدعاء دبر التطوع لفضل المكتوبة على التطوع» (4).

(3) اتصالا عرفيا لتنزل الأدلة على ذلك.

(4) لأنّه المنساق مما ورد في التعقيب، و يقتضيه مذاق المتشرعة في المشاغل الدنيوية. و أما القريبة المحضة- كالسعي في قضاء حاجة المؤمن

ص: 112


1- الوسائل باب: 17 من أبواب التعقيب حديث: 4.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب التعقيب حديث: 1.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب التعقيب حديث: 2.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب التعقيب حديث: 1.

و الاضطرار و الاختيار، ففي السفر يمكن صدقه حال الركوب أو المشي أيضا كحال الاضطرار، و المدار على بقاء الصدق و الهيئة في نظر المتشرعة، و القدر المتيقن في الحضر الجلوس مشتغلا بما ذكر من الدعاء و نحوه، و الظاهر عدم صدقه على الجلوس بلا دعاء (5) أو الدعاء بلا جلوس إلا في مثل ما مر.

و الأولى فيه الاستقبال و الطهارة و الكون في المصلّى. و لا يعتبر فيه كون الأذكار و الدعاء بالعربية (6) و إن كان هو الأفضل، كما أنّ الأفضل الأذكار و الأدعية المأثورة المذكورة في كتب العلماء و نذكر جملة منها تيمنا.

أحدها: أن يكبّر ثلاثا بعد التسليم

(أحدها): أن يكبّر ثلاثا بعد التسليم (7) رافعا يديه على هيئة غيره من التكبيرات.

الثاني: تسبيح الزهراء صلوات اللّه عليها

اشارة

(الثاني): تسبيح الزهراء صلوات اللّه عليها (8) و هو أفضلها على

______________________________

و مطالعة الأحاديث و الفقه- فالظاهر عدم المنافاة، بل يصير من أفضل التعقيب و أجمعه.

(5) إلا إذا كان الجلوس عبادة، كالجلوس في المسجد لانتظار الصلاة و اكتفينا في التعقيب بكلّ عبادة.

(6) للأصل و إطلاقات الأدلة الدالة على استحباب التعقيب الشاملة لغير العربي أيضا، و الانصراف إلى العربية في أذكار الصلاة مقيد، و كذا السيرة عليها خلفا عن سلف. و أما في المقام فهي من باب الأفضلية حتّى عند المتشرعة.

(7) نصوصا و إجماعا:

منها: خبر العلل: «إذا سلّمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثا» (1).

(8) النصوص فيه مستفيضة من الطرفين في الجملة.

ص: 113


1- الوسائل باب: 14 من أبواب التعقيب حديث: 2.

ما ذكره جملة من العلماء، ففي الخبر:

«ما عبد اللّه بشي ء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة، و لو كان شي ء أفضل منه لنحله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة» و في رواية: «تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام الذكر الكثير الذي قال اللّه تعالى اذْكُرُوا اللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً»، و في أخرى عن الصادق عليه السلام: «تسبيح فاطمة كلّ يوم في دبر كلّ صلاة أحب إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم».

و الظاهر استحبابه في غير التعقيب أيضا (9) بل في نفسه. نعم، هو مؤكد فيه و عند إرادة النوم لدفع الرؤيا السيئة (10)، كما أنّ الظاهر

______________________________

(9) قال في الجواهر:

«و كيف كان فالظاهر استحبابه في نفسه من دون اعتبار وصف التعقيب به و إن زاد الأجر بذلك، لإطلاق جملة من الأدلة أنّه من الذكر الكثير، و أنّه: «ما عبد اللّه بشي ء من التحميد أفضل منه» (1) و نحو ذلك، و ظهور الأخرى في الحث عليه و الترغيب فيه نفسه من دون ذكر التعقيب».

بل مطلق ما يقال في التعقيب من الدعوات و الأذكار هكذا أيضا تكون خصوصية التعقيب فيها من باب تعدد المطلوب لأنّها إما دعاء أو ذكر و كلّ منهما مطلوب مطلقا، سواء كان بعد الصلاة أم لا.

(10) لخبر ابن فرقد عن أخيه: «إنّ شهاب بن عبد ربه سألنا أن نسأل أبا عبد اللّه عليه السلام، و قال: قل له: إنّ امرأة تفزعني في المنام بالليل، فقال عليه السلام: قل له: اجعل مسباحا (أي تسبيحا) و كبّر اللّه أربعا و ثلاثين، و سبّح اللّه ثلاثا و ثلاثين، و احمد اللّه ثلاثا و ثلاثين- الحديث-» (2)

ص: 114


1- الوسائل باب: 9 من أبواب التعقيب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب التعقيب حديث: 9.

عدم اختصاصه بالفرائض بل هو مستحب عقيب كل صلاة (11).

و كيفيته (12): «اللّه أكبر» أربع و ثلاثون مرة، ثمَّ «الحمد للّه» ثلاث و ثلاثون ثمَّ «سبحان اللّه» كذلك فمجموعها مائة، و يجوز تقديم التسبيح على التحميد، و إن كان الأولى الأول.

______________________________

(11) لإطلاقات جملة من الأخبار الشاملة لجميع الصلوات.

(12) نسبت هذه الكيفية إلى المشهور. و النصوص بها كثيرة بل مستفيضة (1):

منها: صحيح محمد بن عذافر قال: «دخلت مع أبي على أبي عبد اللّه عليه السلام فسأله أبي عن تسبيح فاطمة عليها السلام فقال عليه السلام: اللّه أكبر حتّى أحصى أربعا و ثلاثين مرة، ثمَّ قال: الحمد للّه حتّى بلغ سبعا و ستين، ثمَّ قال: سبحان اللّه حتّى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة» (2).

و عن الصدوق و والده و ابن الجنيد و الشيخ: تقديم التسبيح على التحميد لجملة من الأخبار المشتملة على هذه الكيفية:

منها: خبر وهب بن عبد ربه عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من سبح تسبيح الزهراء فاطمة عليها السلام بدأ و كبّر اللّه عز و جل أربعا و ثلاثين تكبيرة، و سبحه ثلاثا و ثلاثين تسبيحة، و وصل التسبيح بالتكبير و حمد اللّه ثلاثا و ثلاثين تحميدة و وصل التحميد بالتسبيح- الحديث-» (3).

و نحوه خبر مفضّل بن عمر (4) فمنهم من جمع بين الأخبار بحمل القسم الثاني على التقية. و منهم من جمع بينهما بحمل القسم الأول على حالة النوم، و منهم من جمع بينهما بالحمل على التخيير و هو أوجه وجوه الجمع، و الأحوط ما هو المشهور.

ص: 115


1- الوسائل باب: 8 و باب: 10 من أبواب التعقيب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 و باب: 10 من أبواب التعقيب حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 19 من أبواب التعقيب حديث: 1.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب التعقيب حديث: 3.
مسألة 19: يستحب أن تكون السبحة بطين قبر الحسين صلوات اللّه عليه

(مسألة 19): يستحب أن تكون السبحة بطين قبر الحسين صلوات اللّه عليه، و في الخبر: إنّها تسبح إذا كانت بيد الرجل من غير أن يسبح و يكتب له ذلك التسبيح و إن كان غافلا.

مسألة 20: إذا شك في عدد التكبيرات أو التسبيحات أو التحميدات بنى على الأقل

(مسألة 20): إذا شك في عدد التكبيرات أو التسبيحات أو التحميدات بنى على الأقل إن لم يتجاوز المحلّ، و إلا بنى على الإتيان به، و إن زاد على الأعداد بنى عليها و رفع اليد عن الزائد (13).

(الثالث): «لا إله إلا اللّه، وحده وحده، أنجز وعده و نصر عبده و أعز جنده و غلب الأحزاب وحده، فله الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو حيّ لا يموت بيده الخير و هو على كلّ شي ء قدير» (14).

الرابع: «اللهم اهدني من عندك

(الرابع): «اللهم اهدني من عندك و أفض عليّ من فضلك و انشر عليّ من رحمتك و أنزل عليّ من بركاتك» (15).

الخامس: «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر»

(الخامس): «سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر» مائة مرة أو أربعين أو ثلاثين (16).

______________________________

(13) أما الأول: فلأصالة عدم الإتيان. و أما الثاني: فلقاعدة التجاوز.

و أما الأخير: فللإطلاقات و العمومات و أصالة عدم مانعية الزائد.

(14) في حديث المفضّل عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حين فتح مكة (1).

(15) عن أبي جعفر عليه السلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حديث شيبة الهذيل (2).

(16) قد ذكر ثلاثين مرة في جملة من الروايات:

ص: 116


1- الوسائل باب: 14 من أبواب التعقيب حديث: 2.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب التعقيب حديث: 10.

السادس: «اللهم صلّ على محمد و آل محمد

(السادس): «اللهم صلّ على محمد و آل محمد و أجرني من النار و ارزقني الجنة و زوّجني من الحور العين» (17).

السابع: أعوذ بوجهك الكريم

(السابع): أعوذ بوجهك الكريم و عزّتك التي لا ترام و قدرتك التي لا يمتنع منها شي ء من شرّ الدنيا و الآخرة من شرّ الأوجاع كلّها، و لا حول و لا قوة إلا باللّه العليّ العظيم» (18).

الثامن: قراءة الحمد، و آية الكرسي

(الثامن): قراءة الحمد، و آية الكرسي، و آية شَهِدَ اللّٰهُ أَنَّهُ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ .. و آية الملك (19).

التاسع: «اللهم إنّي أسألك من كلّ خير أحاط به علمك

(التاسع): «اللهم إنّي أسألك من كلّ خير أحاط به علمك و أعوذ بك من كلّ شرّ أحاط به علمك، اللهم إنّي أسألك عافيتك في

______________________________

منها: خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام (1)، و ذكر الأربعين في خبر النضري عنه عليه السلام أيضا (2). و أما مائة مرة فلم أظفر عليها عاجلا في الوسائل.

(17) ورد ذلك في خبر ابن أبي عمير عن عائذ الأحمسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام (3) و مثله ما رواه ابن فهد في عدة الداعي (4).

(18) عن ابن مهزيار: «كتب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن عليه السلام إن رأيت يا سيدي أن تعلّمني دعاء أدعو به في دبر صلاتي يجمع اللّه لي به خير الدنيا و الآخرة فكتب تقول: أعوذ بوجهك الكريم ..

- الحديث-» (5).

(19) كما رواه يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام (6).

ص: 117


1- الوسائل باب: 15 من أبواب التعقيب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب التعقيب حديث: 2 و 6.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب التعقيب حديث: 3.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب التعقيب حديث: 6.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب التعقيب حديث: 7.
6- الوسائل باب: 23 من أبواب التعقيب حديث: 1.

أمور كلّها، و أعوذ بك من خزي الدنيا و عذاب الآخرة» (20).

العاشر: «أعيذ نفسي و ما رزقني ربّي باللّه الواحد الأحد الصمد

(العاشر): «أعيذ نفسي و ما رزقني ربّي باللّه الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، و أعيذ نفسي و ما رزقني ربّي: بربّ الفلق من شرّ ما خلق .. (إلى آخر السورة) و أعيذ نفسي و ما رزقني ربّي: بربّ الناس ملك الناس .. إلى آخر السورة» (21).

الحادي عشر: أن يقرأ: قل هو اللّه أحد

(الحادي عشر): أن يقرأ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ اثني عشر مرة ثمَّ يبسط يديه و يرفعهما إلى السماء، و يقول: «اللهم إنّي أسألك باسمك المكنون المخزون الطهر الطاهر المبارك، و أسألك باسمك العظيم و سلطانك القديم أن تصلّي على محمد و آل محمد يا واهب العطايا يا مطلق الأسارى يا فكاك الرقاب من النار أسألك أن تصلّي على محمد و آل محمد و أن تعتق رقبتي من النار و تخرجني من الدنيا آمنا و تدخلني الجنة سالما و أن تجعل دعائي أوله فلاحا و أوسطه نجاحا و آخره صلاحا إنّك أنت علام الغيوب» (22).

الثاني عشر: الشهادتان و الإقرار بالأئمة عليهم السلام

(الثاني عشر): الشهادتان و الإقرار بالأئمة عليهم السلام (23).

______________________________

(20) قاله أبو جعفر عليه السلام في صحيح زرارة (1).

(21) كما رواه الواسطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام (2).

(22) روي ذلك عن عليّ عليه السلام (3)، و قد ورد في قراءة قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ في الجملة بعد الفرائض أخبار كثيرة (4).

(23) لخبر الديلمي عن الصادق عليه السلام (5).

ص: 118


1- الوسائل باب: 24 من أبواب التعقيب حديث: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب التعقيب حديث: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب التعقيب حديث: 1.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب التعقيب حديث: 1.
5- راجع الوسائل باب: 20 من أبواب التعقيب حديث: 1.

الثالث عشر: قبل أن يثني رجليه يقول ثلاث مرّات

(الثالث عشر): قبل أن يثني رجليه يقول ثلاث مرّات:

«أستغفر اللّه الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم ذو الجلال و الإكرام و أتوب إليه» (24).

الرابع عشر: دعاء الحفظ من النسيان

اشارة

(الرابع عشر): دعاء الحفظ من النسيان و هو: «سبحان من لا يعتدي على أهل مملكته، سبحان من لا يؤاخذ أهل الأرض بألوان العذاب سبحان الرؤوف الرّحيم، اللهم اجعل لي في قلبي نورا و بصرا و فهما و علما إنّك على كلّ شي ء قدير» (25).

مسألة 21: يستحب في صلاة الصبح أن يجلس بعدها في مصلاه

(مسألة 21): يستحب في صلاة الصبح أن يجلس بعدها في مصلاه إلى طلوع الشمس مشتغلا بذكر اللّه (26).

______________________________

(24) لخبر حسين بن حماد عن أبي جعفر عليه السلام: «غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر» (1).

(25) روى في المستدرك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لأمير المؤمنين عليه السلام: «إذا أردت أن تحفظ كلّما تسمع و تقرأ فادع بهذا الدعاء ..» (2).

(26) لنصوص كثيرة:

منها: قول الحسن بن عليّ عليهما السلام: «من صلّى فجلس في مصلاه إلى طلوع الشمس كان له سترا من النار» (3).

و منها: قول الصادق عليه السلام: «الجلوس بعد صلاة الغداة في التعقيب و الدعاء حتّى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض» (4). إلى غير ذلك من الأخبار.

ص: 119


1- راجع الوسائل باب: 24 من أبواب التعقيب حديث: 4.
2- مستدرك الوسائل باب: 22 من أبواب التعقيب حديث: 12.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب التعقيب حديث: 1.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب التعقيب حديث: 3.
مسألة 22: الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا

(مسألة 22): الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا (27)، و كذا الدعاء بعد الفريضة أفضل من الدعاء بعد النافلة.

يستحب سجود الشكر بعد كلّ صلاة

(مسألة 23): يستحب سجود الشكر بعد كلّ صلاة فريضة كانت أو نافلة، و قد مرّ كيفيته سابقا.

______________________________

(27) لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا» (1).

و في صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّه سأله عن رجلين قام أحدهما يصلّي حتّى أصبح و الآخر جالس يدعو أيّهما أفضل؟ قال عليه السلام: الدعاء أفضل» (2).

فروع- (الأول): قد تقدم في [المسألة 19] استحباب كون السبحة من طين قبر الحسين عليه السلام، و لا فرق فيه بين المطبوخ و غيره، لإطلاق الأخبار و ظهور بعضها في ذلك، فعن الصادق عليه السلام أنّه قال: «من أدار الحجر من تربة الحسين عليه السلام فاستغفر به مرة واحدة كتب اللّه له سبعين مرة» (3).

ثمَّ بعد تربة الحسين عليه السلام التسبيح بالأصابع أولى من سائر التسبيحات، لما في النبويّ لبعض نسائه: «اعقدن بالأنامل فإنّهنّ مسؤولات و مستنطقات» (4).

و عن بعض أنّ التسبيح بطين قبر حمزة عليه السلام أفضل بعد طين قبر الحسين عليه السلام، لأنّه كان تسبيحا قبل شهادة سيد الشهداء عليه السلام (5).

(الثاني): قد تقدم في [المسألة 22] أنّ الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا، و الظاهر اختصاص ذلك بغير النوافل اليومية، لكثرة ما ورد فيها من

ص: 120


1- الوسائل باب: 5 من أبواب التعقيب حديث: 2.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب التعقيب حديث: 3.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب التعقيب حديث: 6.
4- مجمع البيان ج: 1 صفحة: 11.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب التعقيب حديث: 1.

..........

______________________________

الترغيب، هذا إذا دار الأمر بين أصل الإتيان بها و بين الدعاء. و أما لو دار الأمر بين الإتيان بها في أول وقت الفضيلة و ترك الدعاء و تأخيرها إلى آخر وقت الفضيلة لا يبعد أولوية الإتيان بالدعاء حينئذ.

(الثالث): لو فرغ من فريضة و شرع في أخرى بلا فصل لا يبعد جواز الإتيان بالتعقيب في الصلاة الأخرى لأنّه من ذكر اللّه، سواء كان تركه عمدا أم سهوا، و إن كان الأحوط الترك.

(الرابع): يصح نذر التعقيب و يترتب على مخالفته الكفارة لأنّه راجح شرعا.

(الخامس): لا بأس بالتبرع عن الغير في التعقيب بل و الاستنابة فيه و الأحوط قصد إهداء الثواب.

(السادس): يشترط في صحة تعقيب الزوجة عدم المزاحمة لحق الزوج، إذ لا تزاحم بين الواجب و المستحب.

(السابع): لو ترك التعقيب عمدا أو لعذر لا بأس بقضائه رجاء.

ص: 121

فصل في الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله

اشارة

(فصل في الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله) تستحب الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله حيث ما ذكر (1) أو (فصل يستحب الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله)

______________________________

(1) بضرورة من الدّين في أصل الرجحان، و ادعي الإجماع على عدم الوجوب في التذكرة و الخلاف، و لكن نسب القول بالوجوب إلى جمع منهم الصدوق و المقداد و الحدائق و الكاشاني و المازندراني في شرح أصول الكافي و البحراني، و لم يستبعده في المدارك، و استدلوا عليه تارة بقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (1). و فيه: أنّها تدل على صرف طبيعة الوجوب و يكفي فيها الصلوات في التشهدات.

و أخرى بقوله تعالى لٰا تَجْعَلُوا دُعٰاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً (2). و فيه: أنّه أجنبيّ عن المقام و إنّما هو في مقام التفريق بين دعاء سائر الناس و دعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بلزوم مراعاة الأدب في دعائه صلّى اللّه عليه و آله.

و ثالثة: بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره» (3).

و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه

ص: 122


1- سورة الأحزاب: 56.
2- سورة النور: 63.
3- الوسائل باب: 42 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 1.

..........

______________________________

عليه و آله: من ذكرت عنده فنسي أن يصلّي عليّ خطا اللّه تعالى به طريق الجنة» (1).

و خبر محمد بن هارون: «من ذكرت عنده و لم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده اللّه تعالى» (2).

و خبر أبي بصير: «إذا ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأكثروا من الصلاة عليه، فإنّه من صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله صلاة واحدة صلّى اللّه تعالى عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة و لم يبق شي ء مما خلق اللّه تعالى إلا صلّى على ذلك العبد لصلاة اللّه تعالى و صلاة ملائكته فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ اللّه تعالى منه و رسوله و أهل بيته» (3).

و فيه: أنّ الأخير قاصر سندا، مع أنّه في الإكثار من الصلاة و لا ريب في استحبابه، و يمكن حمل قوله عليه السلام: «قد برئ اللّه تعالى منه و رسوله و أهل بيته» على ترك ذلك عنادا.

و خبر هارون لا يدل على أنّ ترك الصلاة عليه صلّى اللّه عليه و آله موجب للدخول في النار، بل لو دخل النار لجهة أخرى يكون ترك الصلاة موجبا للبعد عن اللّه تعالى، و هو يتحقق بترك بعض المندوبات أيضا، لأنّ كلّ ما يكون فعله موجبا للتقرب يكون تركه موجبا للبعد من هذه الجهة. و الصحيح سياقه الآداب و المندوبات، كما لا يخفى على من راجع تمامه، مع أنّه لو كان واجبا لشاع و بان في هذا الأمر العام البلوى لجميع الأمة، مضافا إلى أنّ في الأخبار قرائن ظاهرة في الندب، كقوله صلّى اللّه عليه و آله:

«البخيل حقّا من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» (4).

ص: 123


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الذكر حديث: 3.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب التشهد: 3.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب الذكر حديث: 4.
4- الوسائل باب: 42 من أبواب الذكر حديث: 9.

ذكر عنده و لو كان في الصلاة، و في أثناء القراءة (2)، بل الأحوط عدم تركها لفتوى جماعة من العلماء بوجوبها. و لا فرق بين أن يكون ذكره باسمه العلمي، كمحمد و أحمد أو بالكنية و اللقب، كأبي القاسم و المصطفى و الرسول و النبي أو بالضمير (3)، و في الخبر الصحيح:

«و صلّ على النبي كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره»، و في رواية: «من ذكرت عنده و نسي أن يصلي علي خطا اللّه به طريق الجنة».

مسألة 1: إذا ذكر اسمه صلّى اللّه عليه و آله مكرّرا يستحب تكرارها

(مسألة 1): إذا ذكر اسمه صلّى اللّه عليه و آله مكرّرا يستحب تكرارها و على القول بالوجوب يجب (4). نعم، ذكر بعض القائلين بالوجوب تكفي مرة إلا إذا ذكر بعدها فتجب إعادتها، و بعضهم على أنّه يجب في كلّ مجلس مرّة (5).

______________________________

مع خلوّ القرآن و كثير من الدّعوات و الخطب المأثورة عن الصّلوات عند ذكر اسمه الشريف، مضافا إلى الأصل بعد عدم الدليل على الوجوب.

(2) أما ذكره صلّى اللّه عليه و آله عنده فلورود النص فيه بالخصوص، و قد تقدم في صحيح زرارة. و أما الأخير فلإطلاق الأدلة الشامل له.

(3) كلّ ذلك لإطلاق قوله عليه السلام:

«كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك» (1).

إذ لا ريب في صدق ذكره صلّى اللّه عليه و آله على ذلك كلّه عرفا.

(4) لإطلاق السببية المقتضي لتعدد المسبب، سواء قيل بالندب أم بالوجوب.

(5) لا دليل لكلّ من القولين، و كلّ منهما مخالف لأصالة عدم التداخل.

ص: 124


1- تقدم في صفحة: 122.

مسألة 2: إذا كان في أثناء التشهد فسمع اسمه لا يكتفي بالصلاة التي تجب للتشهد

(مسألة 2): إذا كان في أثناء التشهد فسمع اسمه لا يكتفي بالصلاة التي تجب للتشهد (6). نعم، ذكره في ضمن قوله: «اللهم صلّ على محمد و آل محمد» لا يوجب تكرارها و إلا لزم التسلسل (7).

مسألة 3: الأحوط عدم الفصل الطويل بين ذكره و الصلاة عليه

(مسألة 3): الأحوط عدم الفصل الطويل (8) بين ذكره و الصلاة عليه بناء على الوجوب و كذا بناء على الاستحباب في إدراك فضلها و امتثال الأمر النّدبي، فلو ذكره أو سمعه في أثناء القراءة في الصلاة لا يؤخر إلى آخرها إلا إذا كان في أواخرها (9).

مسألة 4: لا تعتبر كيفية خاصة في الصلاة

(مسألة 4): لا تعتبر كيفية خاصة في الصلاة (10)، بل يكفي في الصلاة عليه كل ما يدل عليها مثل «صلّى اللّه عليه» و «اللهم صل

______________________________

(6) لإطلاق السببية، و لأصالة عدم التداخل، كما ثبت في محلّه.

(7) هذا فيما إذا ذكره بنفسه، و لكن يمكن دعوى انصراف الأخبار عنه أيضا. و أما إذا ذكره الغير، فمقتضى الإطلاقات الصلاة عليه إلا أن يدّعى الانصراف عنه أيضا.

(8) لاحتمال استفادة الفورية من الأدلة لا مطلق السببية كيفما تحققت و أما قوله عليه السلام فيما تقدم من خبر أبي بصير: «فنسي أن يصلّي عليّ ..» لا يدل على التوقيت، إذ المراد بالنسيان مطلق الترك لا النسيان المعهود، و إلا فلا وجه لترتب المنقصة عليه، لأنّه غير اختياري. نعم، يصح أن يقال: إنّ المنصرف من النصوص، الفورية المتعارفة.

(9) أو كانت قراءته سريعة، و لو كان في أوائلها بحيث لا ينافي الفورية العرفية.

(10) لإطلاق الأدلة الشامل لجميع الكيفيات، و قد ورد بعض الكيفيات في النصوص (1) و لكنه محمول على الفضل.

ص: 125


1- راجع الوسائل باب: 34 و باب: 35 و باب: 36 من أبواب الذكر.

عليه» و الأولى ضم الآل إليه (11).

مسألة 5: إذا كتب اسمه صلّى اللّه عليه و آله يستحب أن يكتب الصلاة عليه

(مسألة 5): إذا كتب اسمه صلّى اللّه عليه و آله يستحب أن يكتب الصلاة عليه (12).

مسألة 6: إذا تذكره بقلبه فالأولى أن يصلّي عليه

(مسألة 6): إذا تذكره بقلبه فالأولى أن يصلّي عليه لاحتمال شمول قوله عليه السلام: «كلّما ذكرته ..» لكن الظاهر إرادة الذكر اللساني دون القلبي (13).

مسألة 7: يستحب عند ذكر سائر الأنبياء و الأئمة عليهم السلام أيضا ذلك

(مسألة 7): يستحب عند ذكر سائر الأنبياء و الأئمة عليهم السلام أيضا ذلك (14). نعم، إذا أراد أن يصلّي على الأنبياء أولا

______________________________

(11) بل المتعيّن، كما تقدم في التشهد، إذ المستفاد منها أنّ ضم الآل من قيود أصل الصلاة عليه.

(12) إلحاقا للكتابة بالذكر، و تأسيا بالأسلاف الصالحين، و للمرسل:

«من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب» (1).

و الكلّ قابل للمناقشة لو لا كون الاستحباب قابلا للمسامحة.

(13) و يشهد له قوله عليه السلام: «أو ذكره عندك ذاكر» فإنّه نص في الذكر اللفظي.

(14) لأنّ الظاهر أنّ المناط كون المصلّي عليه داعيا إلى اللّه جلّ جلاله قولا و عملا مع عصمة ربانية حافظة له عن الزلل، و ذلك موجود في الأئمة عليهم السلام و سائر الأنبياء عليهم السلام و إن كان في نبينا أعظم و أكمل من كلّ جهة، و ذلك لا يوجب الاختصاص و إن أوجب الأهمية، و قد ورد في القرآن الكريم السلام على جمع كثير من الأنبياء، و كذا في الدعوات المعتبرة كدعاء أم داود، و الصحيفة السجادية و غيرهما مما لا يحصى، بل ورد السلام و الصلاة على المؤمنين و أتباع الرسل أيضا.

ص: 126


1- الأنوار النعمانية ج: 3 صفحة: 373 من الطبعة الحديثة.

يصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ عليهم (15) إلا في ذكر إبراهيم (16) ففي الخبر عن معاوية بن عمار قال: «ذكرت عند أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام بعض الأنبياء فصلّيت عليه فقال عليه السلام: «إذا ذكر أحد من الأنبياء فابدأ بالصلاة على محمد و آله ثمَّ عليه».

______________________________

(15) لكن في جملة كثيرة من الدعوات المعتبرة ذكر الصلاة عليهم السلام من دون ذكر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله راجع دعاء السمات و غيره، بل في القرآن الكريم سلّم اللّه تعالى على بعض أنبيائه مع عدم التعرض لخاتم الأنبياء حين السلام عليهم.

(16) للمرسل: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله جلس ليلا يحدّث أصحابه في المسجد فقال: يا قوم إذا ذكرتم الأنبياء الأولين فصلّوا عليّ ثمَّ صلّوا عليهم و إذا ذكرتم أبي إبراهيم فصلّوا عليه ثمَّ صلّوا عليّ ..» (1).

و لكن في جملة من الدعوات المعتبرة: «صلّ عليه كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم»، أو «كأفضل ما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم».

ص: 127


1- لم أظفر على مصدره إلا في مجمع البحرين مادة: شيع.

فصل في قراءة القرآن

اشارة

(فصل في قراءة القرآن)

مسألة 1: يجب تعلّم القرآن و تعليمه كفاية

(مسألة 1): يجب تعلّم القرآن و تعليمه كفاية (1)، و يستحب (فصل في القرآن و الدعاء و الذكر)

______________________________

(1) إجماعا و نصّا، فعن عليّ عليه السلام:

«تعلّموا القرآن فإنّه ربيع القلوب، و استشفوا بنوره فإنّه شفاء الصدور، و أحسنوا تلاوته فإنّه أحسن القصص، فإنّ العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، و الحسرة له ألزم و هو عند اللّه ألوم» (1).

و في خبر شعيب بن واقد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام:

«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ألا و من تعلّم القرآن ثمَّ نسيه لقي اللّه يوم القيامة مغلولا يسلّط اللّه عليه بكلّ آية منها حيّة تكون قرينه إلى النار إلا أن يغفر له» (2).

و في وصيّة عليّ عليه السلام لابنه محمد ابن الحنفية: «و عليك بقراءة القرآن و العمل بما فيه و لزوم فرائضه و شرائعه و حلاله و حرامه و أمره و نهيه و التهجد به و تلاوته في ليلك و نهارك فإنّه عهد من اللّه تبارك و تعالى إلى خلقه فهو واجب على كلّ مسلم أن ينظر كلّ يوم في عهده و لو خمسين آية، و اعلم أنّ درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: اقرأ و ارق فلا يكون في الجنة بعد النبيين و الصديقين أرفع درجة منه» (3).

ص: 128


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قراءة القرآن حديث: 7.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب قراءة القرآن حديث: 8.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب جهاد النفس حديث: 7.

كلّ منهما عينا (2).

مسألة 2: يستحب التفكر في معاني القرآن و أمثاله

(مسألة 2): يستحب التفكر في معاني القرآن و أمثاله، و وعده و وعيده، و الاتعاظ به، و سؤال الجنة و التعوذ من النار عند قراءة آياته (3). و يتأكد تعلمه بالنسبة إلى

______________________________

و مثل هذه الأخبار و إن كانت ظاهرة في الوجوب العيني التعييني لكنّها محمولة على الوجوب الكفائي بقرينة الإجماع، هذا في غير ما يتعلق بالصلاة.

و أما هو فيكون واجبا عينيا تعيينيا، كما تقدم.

ثمَّ إنّ هذه الأخبار لا يستفاد منها أزيد من أصل الوجوب في الجملة، و يأتي في كتاب البيع و الإجارة أنّه يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن.

(2) لنصوص كثيرة منها قول الصادق عليه السلام:

«ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتّى يتعلم القرآن، أو أن يكون في تعليمه» (1).

و في خبر النعمان بن سعد عن عليّ عليه السلام:

«إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: خياركم من تعلّم القرآن و علمه» (2).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إذا قال المعلّم للصبيّ: قل: بسم اللّه الرحمن الرحيم فقال الصبيّ: بسم اللّه الرحمن الرحيم كتب اللّه براءة للصبيّ و براءة لأبويه و براءة للمعلّم» (3).

(3) ففي خبر الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام ألا أخبركم بالفقيه حقا؟! من لم يقنّط الناس من رحمة اللّه، و لم يؤمنهم من عذاب اللّه، و لم يؤيسهم من روح اللّه، و لم يرخص في معاصي اللّه، و لم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر» (4).

ص: 129


1- الوسائل باب: 1 من أبواب القرآن حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القرآن حديث: 6.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب القرآن حديث: 16.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب قراءة القرآن حديث: 7.

الولدان (4). و يستحب لحاملي القران ملازمة الصّفات الحسنة و مكارم الأخلاق أكثر من غيرهم (5).

______________________________

و في موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ينبغي لمن قرأ القرآن، إذا مرّ بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف أن يسأل عند ذلك خير ما يرجو و يسأله العافية من النار و من العذاب» (1).

و عن عليّ عليه السلام في وصف المتقين: «و إذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم و أبصارهم، فاقشعرت منها جلودهم و وجلت قلوبهم، فظنوا أنّ صهيل جهنم و زفيرها و شهيقها في أصول آذانهم، و إذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا و تطلعت أنفسهم إليها شوقا، و ظنوا أنّها نصب أعينهم» (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فاسأل اللّه الجنة، و إذا مررت بآية فيها ذكر النار فتعوذ باللّه من النار» (3).

(4) لخبر الأصبغ بن نباتة قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنّ اللّه ليهم بعذاب أهل الأرض جميعا حتّى لا يحاشي منهم أحدا إذا عملوا بالمعاصي و اجترحوا السيئات، فإذا نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات، و الولدان يتعلّمون القرآن رحمهم فأخر ذلك عنهم» (4).

و في خبر منهال القصاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من قرأ القرآن و هو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه و دمه، و جعله اللّه مع السفرة الكرام البررة، و كان القرآن حجيزا عنه يوم القيامة» (5).

(5) لنصوص كثيرة: منها- خبر عمرو بن جميع عن أبي عبد اللّه

ص: 130


1- الوسائل باب: 3 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب قراءة القرآن حديث: 6.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب قراءة القرآن حديث: 8.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

مسألة 3: يكره ترك القرآن تركا يؤدّي إلى النسيان

(مسألة 3): يكره ترك القرآن تركا يؤدّي إلى النسيان (6)، بل

______________________________

عليه السلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«إنّ أحقّ الناس بالتخشع في السرّ و العلانية لحامل القرآن، و إنّ أحق الناس في السرّ و العلانية بالصلاة و الصوم لحامل القرآن، ثمَّ نادى بأعلى صوته يا حامل القرآن تواضع به يرفعك اللّه، و لا تعزز به فيذلك اللّه، يا حامل القرآن تزين به للّه يزينك اللّه به، و لا تزين به للناس فيشينك اللّه به- الحديث-» (1).

و منها: صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «القراء ثلاثة: قارئ قرأ القرآن ليستدر به الملوك و يستطيل به على الناس فذلك من أهل النار، و قارئ قرأ القرآن فحفظ حروفه، و ضيع حدوده فذلك من أهل النار، و قارئ قرأ القرآن فاستتر به تحت برنسه فهو يعمل بمحكمه و يؤمن بمتشابهه و يقيم فرائضه و يحلّ حلاله و يحرّم حرامه فهذا ممن ينقذه اللّه من مضلات الفتن، و هو من أهل الجنة و يشفع فيمن يشاء» (2).

(6) لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«ألا و من تعلّم القرآن ثمَّ نسيه لقي اللّه يوم القيامة مغلولا يسلّط اللّه عليه بكلّ آية منها حية تكون قرينه إلى النار إلا أن يغفر له» (3).

المحمول على الكراهة بقرينة غيره، مضافا إلى قصور سنده. نعم، لا ريب في أنّ ذلك موجب لفوات مراتب من الثواب عنه، لنصوص مستفيضة تدل عليه كصحيح الأحمر:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام جعلت فداك إنّه أصابتني عموم و أشياء لم يبق شي ء من الخير إلا و قد تفلّت منّي منه طائفة حتّى القرآن لقد تفلّت منّي طائفة منه، قال: ففزع عند ذلك حين ذكرت القرآن، ثمَّ قال عليه السلام: إنّ الرجل

ص: 131


1- الوسائل باب: 8 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب قراءة القرآن حديث: 5.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب قراءة القرآن حديث: 8.

الأحوط عدم تركه كذلك (7).

مسألة 4: تستحب الطهارة لقراءة القرآن

(مسألة 4): تستحب الطهارة لقراءة القرآن (8). و الاستعاذة عند التلاوة (9)، و أن يقرأ في كلّ يوم خمسين آية

______________________________

لينسى السورة من القرآن فتأتيه يوم القيامة حتّى تشرف عليه من درجة من بعض الدّرجات فتقول: السلام عليك، فيقول: و عليك السلام من أنت؟ فتقول: أنا سورة كذا و كذا ضيعتني و تركتني، أما لو تمسكت بي لبلغت بك هذه الدرجة، ثمَّ أشار بإصبعه، ثمَّ قال عليه السلام: عليكم بالقرآن فتعلّموه- الحديث-» (1).

(7) خروجا عن خلاف من حرّم ذلك، هذا إذا كان للتقصير و التهاون. و أما مع عدمهما فالظاهر عدم الكراهة فضلا عن الحرمة، و يدل على ذلك صحيح الأعرج:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقرأ القرآن ثمَّ ينساه، ثمَّ يقرأه ثمَّ ينساه، أ عليه فيه حرج؟ فقال: عليه السلام: لا» (2).

(8) إجماعا و نصوصا، ففي صحيح محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام:

«سألته أقرأ المصحف ثمَّ يأخذني البول فأقوم فأبول و أستنجي و أغسل يدي و أعود إلى المصحف فأقرأ فيه؟ قال عليه السلام: لا حتّى تتوضأ للصلاة» (3).

و عن عليّ عليه السلام: «لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتّى يتطهر» (4).

المحمول على الكراهة بمعنى قلّة الثواب بقرينة غيره.

(9) للآية الكريمة فَإِذٰا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ (5).

و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن التعوذ من الشيطان

ص: 132


1- الوسائل باب: 12 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب قراءة القرآن حديث: 6.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
5- سورة النحل: 98.

فصاعدا (10) و تستحب قراءته في المنزل، بل يكره تعطيله عن الصّلاة و القراءة و ذكر اللّه تعالى (11). و تستحب قراءته في المساجد (12) و تتأكد

______________________________

عند كلّ سورة يفتتحها، قال: نعم، فتعوّذ باللّه من الشيطان الرّجيم» (1).

المحمول كلّ ذلك على الندب إجماعا.

(10) لما ورد في صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «القرآن عهد اللّه إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، و أن يقرأ منه في كلّ يوم خمسين آية»(2).

و في خبر ابن خلاد عن الرضا عليه السلام: «ينبغي للرجل إذا أصبح أن يقرأ بعد التعقيب خمسين آية» (3).

(11) لجملة من الأخبار: منها- صحيح ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: البيت الذي يقرأ فيه القرآن و يذكر اللّه عز و جل فيه تكثر بركته، و تحضره الملائكة، و تهجره الشيطان، و يضي ء لأهل السماء كما تضي ء الكواكب لأهل الأرض، و إنّ البيت الّذي لا يقرأ فيه القرآن و لا يذكر اللّه عز و جل فيه تقل بركته، و تهجره الملائكة و تحضره الشياطين» (4).

و عن الرضا عليه السلام: «قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: اجعلوا لبيوتكم نصيبا من القرآن، فإنّ البيت إذا قرئ فيه القرآن تيسّر على أهله، و كثر خيره، و كان سكانه في زيادة، و إذا لم يقرأ فيه القرآن ضيّق على أهله، و قلّ خيره، و كان سكانه في نقصان» (5).

و نحوهما غيرهما.

(12) لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إنّما نصبت المساجد للقرآن»(6).

ص: 133


1- الوسائل باب: 14 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب قراءة القرآن حديث: 5.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.

قراءته في كلّ ليلة و لو عشر آيات (13)، و الإكثار من تلاوته في شهر رمضان (14)، و ختمه بمكة (15).

مسألة 5: تستحب قراءته في المصحف و إن كان يحفظ القرآن

(مسألة 5): تستحب قراءته في المصحف و إن كان يحفظ القرآن (16)، و يستحب النظر فيه و لو من غير قراءة (17)، و أن يكون في

______________________________

(13) لما رواه سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين» (1).

و إطلاقه يشمل قراءة الحمد و السورة في الصلاة أيضا.

(14) لخبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام:

«لكلّ شي ء ربيع، و ربيع القرآن شهر رمضان» (2).

(15) لصحيح أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام:

«من ختم القرآن بمكة من جمعة إلى جمعة أو أقلّ من ذلك أو أكثر و ختمه في يوم الجمعة كتب اللّه له من الأجر و الحسنات من أول جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون فيها، و إن ختمه في سائر الأيام فكذلك» (3).

(16) لجملة من الأخبار: منها: قول الصادق عليه السلام:

«من قرأ القرآن في المصحف متع ببصره، و خفف على والديه و إن كانا كافرين» (4).

و في صحيح إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قلت له:

«جعلت فداك إنّي أحفظ القرآن على ظهر قلبي أفضل أو أنظر في المصحف؟

قال عليه السلام: بل اقرأ و انظر في المصحف فهو أفضل، أما علمت أنّ النظر في المصحف عبادة» (5).

إلى غير ذلك من الأخبار.

ص: 134


1- الوسائل باب: 17 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.

البيت (18).

مسألة 6: يستحب الترتيل في قراءته

(مسألة 6): يستحب الترتيل في قراءته (19)، و تحسين الصوت بها (20)، و لا بأس بالقراءة جهرا و سرّا (21) و يستحب الإنصات

______________________________

(17) لقوله عليه السلام: «النظر إلى المصحف من غير قراءة عبادة» (1).

(18) لخبر حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه عليه السلام:

«إنّه ليعجبني أن يكون في البيت مصحف يطرد اللّه عزّ و جلّ به الشياطين» (2).

و في خبر آخر عنه عليه السلام عن أبيه عليه السلام أيضا: «أنّه كان يستحب أن يعلق المصحف في البيت يتقي به من الشياطين» (3).

(19) لما تقدم في مستحبات القراءة، فراجع.

(20) لجملة من الأخبار: منها: خبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: لكلّ شي ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن» (4).

و عن الرضا عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: حسنوا القرآن بأصواتكم فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا» (5).

و يحرم الغناء فيه، لما يأتي في المكاسب المحرّمة إن شاء اللّه تعالى.

(21) للأصل و الإطلاق، و قد روي في الصحيح:

كان عليّ بن الحسين عليه السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن كان يرفع

ص: 135


1- الوسائل باب: 19 من أبواب قراءة القرآن حديث: 6.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب قراءة القرآن حديث: 6.

لقراءة القرآن و الاستماع إليه (22)، و البكاء و التباكي عند سماعه (23).

مسألة 7: يجب أن يقرأ بالعربية الصحيحة مع القدرة

(مسألة 7): يجب أن يقرأ بالعربية الصحيحة مع القدرة

______________________________

صوته حتّى يسمعه أهل الدار، و إنّ أبا جعفر عليه السلام كان أحسن الناس صوتا بالقرآن، و كان إذا قام من الليل و قرأ رفع صوته فيمر به مار الطريق من الساقين و غيرهم فيقومون فيستمعون إلى قراءته» (1).

و في وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر: «يا أبا ذر اخفض صوتك عند الجنائز، و عند القتال و عند القرآن» (2).

(22) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام:

يجب الإنصات للقرآن في الصلاة و غيرها» (3).

و في رواية عبد اللّه بن أبي يعفور عنه عليه السلام أيضا: «قلت له: الرجل يقرأ القرآن أ يجب على من سمعه الإنصات له و الاستماع؟ قال عليه السلام: نعم إذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات و الاستماع» (4).

المحمول على الندب في غير الصلاة، للإجماع.

(23) لقول الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتى شابا من الأنصار فقال: إنّي أريد أن أقرأ عليكم فمن بكى فله الجنة، فقرأ آخر الزمر وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً .. إلى آخر السورة، فبكى القوم جميعا إلا شابا، فقال: يا رسول اللّه قد تباكيت فما قطرت عيني قال صلّى اللّه عليه و آله: إنّي معيد عليكم فمن تباكى فله الجنة، فأعاد عليهم فبكى القوم و تباكى الفتى فدخلوا الجنة جميعا» (5).

و المنساق منه عند الآيات المشتملة على الوعيد، و يمكن التعميم و إن كان فيها آكد.

ص: 136


1- الوسائل باب: 23 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

عليها، و مع عدمها يجزي بما أمكن (24).

مسألة 8: لا يجب مراعاة ما ذكره أهل التجويد بعد صحة القراءة بالعربية الصحيحة

(مسألة 8): لا يجب مراعاة ما ذكره أهل التجويد بعد صحة القراءة بالعربية الصحيحة (25).

مسألة 9: يستحب ختم القرآن في كلّ شهر مرّة

(مسألة 9): يستحب ختم القرآن في كلّ شهر مرّة، و في كلّ سبعة أيام، أو في خمسة، أو في ثلاث ليال (26).

______________________________

(24) إجماعا و نصوصا: منها: ما رواه عمرو بن جميع، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«تعلّموا القرآن بعربيته، و إياكم و النبز فيه يعني الهمز، قال الصادق عليه السلام: الهمز زيادة في القرآن إلا الهمز الأصلي، مثل قوله أَلّٰا يَسْجُدُوا لِلّٰهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْ ءَ، و قوله لَكُمْ فِيهٰا دِفْ ءٌ، و قوله:

فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا (1).

و عن الصادق عليه السلام أيضا: «تعلموا العربية فإنّها كلام اللّه الذي كلّم به خلقه و نطق به للماضين- الحديث-» (2).

و أما رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ الرجل الأعجميّ من أمتي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته» (3).

فهي محمولة على عدم التمكن و القصور.

(25) للأصل و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و لا يبعد كون بعضها من المحسنات.

(26) ففي خبر محمد بن عبد اللّه: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: اقرأ

ص: 137


1- الوسائل باب: 30 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.

مسألة 10: يستحب إهداء ثواب قراءة القرآن إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام

(مسألة 10): يستحب إهداء ثواب قراءة القرآن إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السلام (27) و إلى المؤمنين و المؤمنات

______________________________

القرآن في ليلة؟ فقال عليه السلام: لا يعجبني أن تقرأه في أقلّ من شهر» (1).

و في خبر حسين بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام أيضا: «قلت له:

في كم أقرأ القرآن؟ فقال عليه السلام: اقرأه أخماسا، أو اقرأه أسباعا، أما إنّ عندي مصحفا مجزّى أربعة عشر جزوا» (2).

و عن ابن أبي حمزة قال: «سأل أبو بصير أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر فقال له: جعلت فداك أقرأ القرآن في ليلة؟ فقال عليه السلام: لا، قال: ففي ليلتين؟ فقال عليه السلام: لا، حتّى بلغ ست ليال فأشار بيده، فقال: ها، ثمَّ قال: يا أبا محمد إنّ من كان قبلكم من أصحاب محمد كان يقرأ القرآن في شهر و أقلّ، إنّ القرآن لا يقرأ هذرمة، و لكن يرتّل ترتيلا، إذا مررت بآية فيها ذكر النار وقفت عندها و تعوّذت باللّه من النار، فقال أبو بصير: أقرأ القرآن في رمضان في ليلة؟ فقال عليه السلام: لا، فقال: في ليلتين؟ فقال عليه السلام: لا، فقال: ففي ثلاث؟ فقال: ها، و أومأ بيده، نعم، شهر رمضان لا يشبهه شي ء من المشهور، له حق و حرمة، أكثر من الصلاة ما استطعت» (3).

أقول: و يأتي في المسألة التالية ما يظهر منه غير ذلك.

(27) لخبر ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قال: «قلت له: إنّ أبي سأل جدك عن ختم القرآن في كلّ ليلة، فقال له جدّك عليه السلام: في كلّ ليلة، فقال له: في شهر رمضان، فقال له جدك: في شهر رمضان فقال له أبي:

نعم ما استطعت، فكان أبي يختمه أربعين ختمة في شهر رمضان، ثمَّ ختمته بعد أبي، فربما زدت و ربما نقصت على قدر فراغي و شغلي و نشاطي و كسلي، فإذا كان في يوم الفطر جعلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ختمة و لعليّ عليه السلام

ص: 138


1- الوسائل باب: 27 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب قراءة القرآن حديث: 3.

الأحياء و الأموات (28).

______________________________

أخرى، و لفاطمة عليها السلام أخرى، ثمَّ للأئمة عليهم السلام حتّى انتهيت إليك فصيّرت لك واحدة منذ صرت في هذه الحال، فأيّ شي ء لي بذلك؟ قال عليه السلام: لك بذلك أن تكون معهم يوم القيامة قلت: اللّه أكبر فلي بذلك؟

قال عليه السلام: نعم ثلاث مرات» (1).

(28) لجواز إهداء الثواب إلى كلّ أحد نصّا (2) و إجماعا.

هذا يسير من كثير مما يتعلق بالقرآن، و قد تعرضنا لجملة كثيرة مما يتعلق بسوره و آياته في التفسير نسأل اللّه تعالى التيسير.

ص: 139


1- الوسائل باب: 28 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 34 من أبواب الدفن.

فصل في الدعاء

اشارة

(فصل في الدعاء)

مسألة 1: يستحب الدعاء استحبابا مؤكدا

(مسألة 1): يستحب الدعاء استحبابا مؤكدا (1).

(فصل في الدعاء)

______________________________

(1) يدل على رجحان الدعاء الأدلة الأربعة: فمن الكتاب آيات:

منها: قوله تعالى ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (1)، و قوله تعالى قُلْ مٰا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لٰا دُعٰاؤُكُمْ (2).

و من السنة نصوص متواترة من الفريقين:

منها: صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الدعاء يرد القضاء بعد ما أبرم إبراما، فأكثر من الدعاء، فإنّه مفتاح كلّ رحمة، و نجاح كلّ حاجة، و لا ينال ما عند اللّه عزّ و جل إلا بالدعاء، و إنّه ليس باب يكثر قرعه إلا يوشك أن يفتح لصاحبه» (3).

و عن أبي جعفر عليه السلام: «أفضل العبادة الدعاء» (4).

و عنه عليه السلام أيضا: «ما من شي ء أفضل عند اللّه عزّ و جل من أن يسأل و يطلب مما عنده» (5).

ص: 140


1- سورة غافر: 60.
2- سورة الفرقان: 77.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الدعاء حديث: 7.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الدعاء حديث: 1.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الدعاء حديث: 2.

..........

______________________________

إلى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي بعضها.

و من الإجماع: إجماع المسلمين، بل جميع المليين و قد ورد عن أئمتنا المعصومين عليهم السلام في الدعاء دعوات كثيرة و لهم المنة في فتح باب المعارف الإلهية، و الارتباط مع العوالم الغيبية بالدعوات الصادرة عنهم، صلّى اللّه عليهم ما دعا للّه داع.

و من العقل حكمه الفطري برجحان الاستعانة بالعظيم و القدير من كلّ جهة في تمشية الأمور و قضائها، مع أنّ مكالمة الشخص مع مالك الملوك توجب نحو كمال و صفاء لنفسه، و إنّه من أعظم الارتباطات إلى عالم الغيب التي هي أجلّ مقامات الإنسانية و أعلاها، و قد أثبت ذلك أعاظم حكماء المسلمين و غيرهم في كتبهم، و قد كتب صدر المتألهين (قدّس سره) رسالة مستقلة في ذلك من شاء فليراجعها، و كذا غيره من كبار العرفاء و الحكماء و قد تعرضنا لأهم الجوانب من الدعاء في تفسيرنا (مواهب الرّحمن) عند قوله تعالى وَ إِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ (1).

و لا بد من بيان أمور:

الأول: لا ريب في احتياج الممكن إلى اللّه تعالى حدوثا و بقاء، و قد ثبت ذلك بالأدلة العقلية في محلّه، و لا تختص الحاجة إليه تعالى بجهة دون أخرى، بل تعم الجهات الممكنة لفرض الإمكان فيها، و هو مناط الحاجة مطلقا، و كلّما كان الممكن أشرف كان احتياجه إليه عزّ و جل أكثر و كانت عنايته تعالى له أكثر و أشد، فالإنسان محتاج إليه تعالى بجميع ما يتعلق به من الجهات و الخصوصيات، و عناية اللّه به أكثر من عنايته لسائر مخلوقاته، و قد فتح عزّ شأنه باب الدعاء عليه، و رغّب إليه لإظهار حاجاته، و إراءة عناياته و ألطافه بالنسبة إليه.

الثاني: الحاجة إليه سبحانه إما تكوينية غير التفاتية، و هي عبارة عن حيثية الإمكان التي عمت الموجودات بالسوية، و إما التفاتية- شخصية كانت أو نوعية- و الدعاء ينفع لجميع ذلك، كما تأتي الإشارة إلى دليله و تفصيله، مع أنّ في

ص: 141


1- سورة البقرة الآية: 186 و راجع المجلد الثالث من (مواهب الرّحمن في تفسير القرآن).

..........

______________________________

الوجدان غنى عن إقامة البرهان، و يمكن أن يقال: إنّ الدعاء في الجملة فطريّ لكلّ محتاج إلى شي ء مع اعتقاده الإجمالي بقدرة اللّه على كلّ شي ء.

الثالث: أجلّ المقامات الممكنة للإنسانية مقام العبودية الحقة الواقعية الذي أتى به الأنبياء عليهم السلام لأممهم لا سيّما خاتمهم صلّى اللّه عليه و آله الذي شرحه و بسطه بما أمكنه من الشرح و التفصيل فقد ربط الإنسان بربه و خالقه و معبوده ربطا منظما محكما متقنا، و الدعاء من إحدى طرق ذلك الربط، لأنّ له أهمية في توجيه النفس إلى المبدإ الغنيّ المطلق، و نحو انقطاع إليه تعالى، و هذا التوجه و الانقطاع من طرق استكمال النفس في المعنويات، بل من أهمّها، و لكن له مراتب متفاوتة حسب مراتب انقطاعات الدّاعين و توجهاتهم.

الرابع: لا ريب في أنّ لكلّ حادث من الحوادث أسباب خاصة، و لا يتصوّر حدوث حادث بلا سبب، و الدعاء من جملة أسباب حدوث المطلوب، جعله اللّه تعالى سببا عاما تسهيلا على عباده، و امتنانا عليهم، و نسبته إلى المطلوب نسبة الدواء إلى الشفاء بأنواعه الشتى، فكما أنّ لكلّ داء دواء خاص، و هناك دوام عام ينفع لجملة كثيرة من الأدواء، كذلك الدعاء أيضا، و كما أنّ الدواء مقتض و يحتاج إلى صيرورته علّة تامة منحصرة إلى انضمام جهات أخرى يكون الدعاء هكذا أيضا، و صيرورته علّة تامة يحتاج إلى جملة أمور ذكر بعضها في الأخبار و لم تذكر جملة أخرى منها لإمكان كونها من الأسرار التي لا يمكن أن يطلع عليها غير علام الغيوب، و الحكيم العليم لا بد و أن يستجيب الدعاء على وفق الحكمة الواقعية لا على وفق ما يقتضيه الداعي و إن كان على خلاف الحكمة، فإنّه نقص بالنسبة إليه تعالى.

الخامس: الدعوات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام مشتملة على أعظم المعارف الربوبية التي حرص الأئمة عليهم السلام على بيانها بأسهل بيان و هذا أحسن تدبير في إشاعة المعارف الحقة، و بيانها للناس مقتبس من تدبير القرآن فتشتمل على التوحيد و نفي الشرك مطلقا، و بيان الصفات الثبوتية و السلبية و الأسماء الحسنى و ما يتفرّع منها، و القضاء و القدر إلى غير ذلك من الربوبيات، و لعلّ هذا من إحدى جهات فضل الدعاء على سائر المندوبات، كفضل علم

ص: 142

..........

______________________________

الربوبيات على سائر العلوم.

و من نظر إلى دعوات الأنبياء السابقين، كمزامير داود و صحف إدريس يجد الفرق بينهما أوسع مما بين السماء و الأرض. قال صدر المتألهين فيما كتبه في الدعاء:

«الأدعية المأثورة عن أئمتنا و سادتنا الهاشميين الأكابر و المعصومين من الذنوب الصغائر فضلا عن الكبائر، كثيرة شائعة بين جميع الأمم، ذائعة بين طوائف العالم المؤالف و المخالف، و لم يوجد مثلها في شي ء من الملل و الأديان، و لم ير عين الأعيان نظيرها من أحد من أئمة القرون و الأزمان، يعرف صحة هذا الكلام المستغني عن البيان، و يشهد لصدق هذه الدعوى الغنية عن البرهان من تتبع آثارهم و اقتفى منارهم».

و قال (قدّس سرّه) أيضا: «الدعاء من أعظم مقامات العارفين و إنّه شعار الصالحين و أدب الأنبياء و المرسلين، و الفرقان ناطق بصحته عن الصدّيقين، و الأحاديث مشحونة بالأدعية المأثورة عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته عليهم السلام بحيث لا مساغ للإنكار و لا مجال للعناد، و إن شئت فانظر إلى الصحيفة الملكوتية المنسوبة إلى سيد العابدين عليّ بن الحسين عليهما السلام .. إلى أن قال (قدّس سرّه): و من فوائد الدعاء إظهار شعار الذل و الانكسار و الإقرار بسمة العجز و الافتقار و تصحيح نسبة العبودية و الانغماس في غمرات النقصان الإمكاني، و الإفلاس عن ذروة الترفع، و الاستغناء إلى حضيض الاستكانة و الفقر و الفاقة».

السادس: نسبة الدعاء إلى الداعي كنسبة التوبة إلى التائب، فكما أنّ توبة التائب مسبوقة بتوبة اللّه تعالى، كما قال عز و جل ثُمَّ تٰابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا (1) و ملحوقة بقبوله تعالى لها، كذلك دعاء الدّاعي مسبوق بعناية اللّه تعالى له و توفيقه للدعاء و إذنه له في قرع بابه و الورود في ساحة جنابة ثمَّ بعد الدعاء يستجيب، فالدعاء منه تعالى و الاستجابة منه أيضا، و كما في سائر الخيرات فهو

ص: 143


1- سورة التوبة: 118.

..........

______________________________

الذي يعطي ثمَّ يستقرض بقوله وَ أَقْرَضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً (1)، ثمَّ هو الذي يثيب على ذلك فمنشأ كلّ خير يصدر من العبد منه عز و جل، مع أنّ الإثابة على كلّ خير منه تعالى أيضا. فلا وجه لما يتوهم من أنّ العلة لا تتأثر عن المعلول، لأنّ العلة هو الذي شاء ذلك و أراد و حقق مقتضاه.

السابع: لا ريب في أنّ تغير القضاء و القدر بإرادة اللّه تعالى و اختياره كما في مقتضياتنا و مقدراتنا فما لم يتحقق مورد مشيته و إرادته عزّ و جل في الخارج يكون قابلا للتغير، بل و بعد الوقوع في الخارج أيضا في الجملة، كما يأتي. و يدل عليه مضافا إلى الوجدان، و المستفيضة الواردة في البداء و أنّه يدخل في جميع أسباب الفعل، قول الصادق عليه السلام:

«إنّ الدعاء يرد القضاء و قد نزل من السماء و قد أبرم إبراما» (2).

و عنه عليه السلام أيضا: «إنّ الدعاء يرد القضاء، ينقضه كما ينقض السلك و قد أبرم إبراما» (3).

و عن أبي الحسن عليه السلام: «إنّ الدعاء يرد ما قد قدّر و ما لم يقدّر، قلت: و ما قد قدّر قد عرفته، فما لم يقدّر؟ قال عليه السلام: حتّى لا يكون» (4).

أقول: يعني أنّ الدعاء يزاحم جميع مراتب أسباب الفعل من القضاء و القدر و المشية و غير ذلك من الأسباب التي هي مذكورة في الكافي باب: أسباب الفعل، فراجع.

و عنه عليه السلام: «إنّ الدعاء يدفع البلاء النازل و ما لم ينزل»(5).

و بالجملة: إنّ الدعاء ينفع لدفع البلاء و لرفعه أيضا من حيث الكمية و الكيفية و سائر الجهات.

الثامن: المدافعة مع المكاره و المؤذيات بأيّ نحو أمكن من الأمور الفطرية، و مكاره الإنسان و خطراته أكثر و أعظم من كلّ موجود، لأنّه من أعجب

ص: 144


1- سورة الحديد (57) الآية: 18.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الدعاء حديث: 3.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الدعاء حديث: 4.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الدعاء حديث: 5.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب الدعاء حديث: 8.

..........

______________________________

خلق اللّه تعالى و أعظمه، و قد ركب فيه قوى كثيرة جسمانية و روحانية، دنيوية و أخروية، فهو الهدف الوحيد لجميع سهام البلايا و الرزايا مع أنّه معركة الجيشين العظيمين جيوش العقل و جيوش الجهل، و قد أعيا الأنبياء عليهم السلام و الأطباء الروحانيين عن إطفاء هذه المعركة و إخماد نارها و لن تخمد.

و لا يجدي لدفع تلك المكاره التي حفت بالإنسان شي ء إلا الدعاء، و ذلك لأنّ جميع ما في عالم الشهادة منبعث عن عالم الغيب، و الدعاء تصرّف غيبيّ في سلسلة علل الأشياء بأنواعها، و لذا ترى الأنبياء و القائمين مقامهم لا يسلكون سبيلا في قضاء حوائجهم جزئية و كلية إلا بالدعاء، فسبحان من أظهر في عالم الشهادة أمورا من عالم الغيب ليستكمل إيمان عباده ليسوقهم إلى الجنة زمرا و أفواجا. و قال نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله:

«إلا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم، و يدر أرزاقكم!! قالوا:

بلى، قال صلّى اللّه عليه و آله تدعون ربّكم بالليل و النهار، فإنّ سلاح المؤمن الدعاء» (1).

و قال عليّ عليه السلام: «إذا اشتد الفزع فإلى اللّه المفزع» (2).

و قال الصادق عليه السلام: «الدعاء أنفذ من السنان الحديد» (3).

و قال الرضا عليه السلام: «عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل: ما سلاح الأنبياء؟ قال عليه السلام: الدعاء» (4).

و الأخبار في هذا المعنى كثيرة جدّا من الفريقين.

التاسع: الدعاء مع أنّه مطلوب مقدّمي لإنجاح الحوائج و نيل المقاصد، مطلوب نفسي أيضا في كلّ حين و زمان، و حال و مكان، و لا تختص مطلوبيته بحال دون حال، و أي مطلوب نفسي أعظم منه مع كونه من الانقطاع إلى اللّه و مظهر العبودية المحضة للّه تعالى، و يدل على ما قلناه الأدلة الأربعة:

فمن الكتاب: الإطلاقات المرغبة إلى الدعاء بعبارات شتّى، كقوله

ص: 145


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الدعاء حديث: 5.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الدعاء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الدعاء حديث: 1.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب الدعاء حديث: 6.

.....

______________________________

تعالى فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (1)، و قوله تعالى في مدح أوليائه:

إِنَّهُمْ كٰانُوا يُسٰارِعُونَ فِي الْخَيْرٰاتِ وَ يَدْعُونَنٰا رَغَباً وَ رَهَباً (2)، بل ذم قوما اقتصروا في دعائهم على وقت الحاجة فقط، كقوله تعالى وَ إِذٰا مَسَّ الْإِنْسٰانَ الضُّرُّ دَعٰانٰا لِجَنْبِهِ أَوْ قٰاعِداً أَوْ قٰائِماً (3)، و قوله تعالى فَإِذٰا مَسَّ الْإِنْسٰانَ ضُرٌّ دَعٰانٰا ثُمَّ إِذٰا خَوَّلْنٰاهُ نِعْمَةً مِنّٰا قٰالَ إِنَّمٰا أُوتِيتُهُ عَلىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لٰا يَعْلَمُونَ (4).

و من الإجماع: إجماع المسلمين.

و من العقل ما مر من حكمه الفطري بحسن الانقطاع إلى اللّه تعالى مطلقا و قبح تركه كذلك.

و من السنة أخبار مستفيضة: منها: قول الصادق عليه السلام في موثق سماعة: «من سرّه أن يستجاب له في الشدّة، فليكثر الدعاء في الرخاء» (5).

و قوله عليه السلام: «من تقدم في الدعاء استجيب له إذا نزل به البلاء، و قيل: صوت معروف و لم يحجب عن السماء، و من لم يتقدم في الدعاء لم يستجب له إذا نزل به البلاء، و قالت الملائكة: إنّ ذا الصوت لا نعرفه» (6).

و عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان جدّي يقول: تقدموا في الدعاء فإنّ العبد إذا كان دعّاء فنزل به البلاء فدعا، قيل:

صوت معروف، و إذا لم يكن دعّاء فنزل به البلاء فدعا قيل: أين كنت قبل اليوم؟!» (7).

ص: 146


1- سورة غافر: 65.
2- سورة الأنبياء: 90.
3- سورة يونس: 12.
4- سورة الزمر: 49.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب الدعاء حديث: 3.
6- الوسائل باب: 9 من أبواب الدعاء حديث: 1.
7- الوسائل باب: 9 من أبواب الدعاء حديث: 4.

..........

______________________________

و في خبر إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن عليّ عليه السلام أنّه كان يقول: «ما من أحد ابتلي و إن عظمت بلواه أحقّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء» (1).

و عن عبد اللّه بن ميمون عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال الفضل بن العباس: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده أمامك، تعرّف إلى اللّه في الرخاء يعرفك في الشدّة» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار.

العاشر: الدعاء من الأمور المتقوّمة بإضافتين، إضافة إلى الداعي، و إضافة إلى المدعوّ، و هو بالنسبة إلى الأولى من كمالاته المعنوية استجيب له أولا، لأنّ التوجه إلى اللّه تعالى و بثّ الحاجة إليه بذاته شرف للنفس الإنسانية، و قال أبو جعفر عليه السلام: «أفضل العبادة الدعاء» (3).

و بالنسبة إلى الثانية فهو جلال اللّه تعالى و قدرته لعباده، لأنّه إذا عرف الداعي أنّ تقدير الأمور على طبق مشية اللّه تعالى يعترف بكمال قدرته و جلاله.

الحادي عشر: ما يرجى فيه استجابة الدعاء إما من جهة الزمان، أو المكان، أو الفعل، أو حالة الدّاعي، أو الآداب التي لا بد و أن يؤتى بها قبل الدعاء أو حينه أو بعده، و سنشير إلى بعض ما ذكرناه في المسائل الآتية.

ثمَّ إنّه قد ورد في الأخبار جمع ممن يستجاب دعاؤهم، و جمع ممن لا يستجاب لهم:

فمن الأول: دعاء الوالد لولده إذا برّه و عليه إذا عقّه (4)، و كذا الوالدة (5)، و المظلوم على ظالمه و لمن انتصر له (6)، و المؤمن المحتاج لأخيه إذا وصله و عليه إذا قطعه (7) مع التمكن من صلته و احتياجه إليه، و من لا يعتمد في حوائجه إلا إلى

ص: 147


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الدعاء حديث: 8.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الدعاء حديث: 9.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الدعاء حديث: 1.
4- راجع الوسائل باب: 44 من أبواب الدعاء، و باب: 52 من أبواب الدعاء.
5- راجع الوسائل باب: 44 من أبواب الدعاء، و باب: 52 من أبواب الدعاء.
6- راجع الوسائل باب: 44 من أبواب الدعاء، و باب: 52 من أبواب الدعاء.
7- الوسائل باب: 41 من أبواب الدعاء حديث: 9.

مسألة: 2 يستحب اختيار الدعاء على غيره من العبادات

(مسألة 2): يستحب اختيار الدعاء على غيره من العبادات

______________________________

اللّه عزّ و جل (1)، و الإمام المقسط (2)، و التقديم في الدعاء لأربعين (3)، و من طيّب مأكله و مكسبه (4)، و من اتقى اللّه تعالى حقّ تقاته (5).

و من الثاني: كلّ من ترك الأسباب الظاهرية التي جعلها اللّه عزّ و جل لأمور خاصة، كمن ترك التكسب و هو يقدر عليه و جلس في بيته و دعا لطلب الرزق (6)، و من دعا على جار يؤذيه و هو يقدر على التحول عن جواره (7)، و المصرّ على المعصية (8)، و المحتمل لتبعات المخلوقين (9)، و آكل الحرام (10)، و من دعا بقلب قاس أو ساه (11)، و من دعا و ظنه عدم الإجابة (12) إلى غير ذلك مما هو كثير مذكور في محلّه و تأتي الإشارة إلى بعض أدلتها. و لكن مع ذلك كلّه لا بد و أن لا يتحقق اليأس عن رحمة اللّه تعالى، و لا يخفى أنّ هذه الآداب المستفادة من الأخبار كلّها من باب تعدد المطلوب لا القيدية الحقيقية، لأنّ قدرة اللّه تعالى و ألطافه و عناياته الخفية و الجلية و رأفته بخلقه خصوصا عباده غير متناهية، و أسرار استجابة الدّعوات غير معلومة لغيره تعالى، و البداء جار في الجميع، و اللّه تعالى هو العليم الحكيم.

ص: 148


1- راجع الوسائل باب: 65 من أبواب الدعاء.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب الدعاء.
3- راجع الوسائل باب: 45 من أبواب الدعاء.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب الدعاء.
5- الوسائل باب: 67 من أبواب الدعاء.
6- الوسائل باب: 50 من أبواب الدعاء.
7- الوسائل باب: 50 من أبواب الدعاء.
8- الوسائل باب: 48 من أبواب جهاد النفس.
9- الوسائل باب: 68 من أبواب الدعاء.
10- الوسائل باب: 67 من أبواب الدعاء حديث: 4.
11- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب الدعاء.
12- الوسائل باب: 15 و باب: 16 من أبواب الدعاء.

المندوبة (2)، و يستحب في الحاجات الصغيرة أيضا (3)، بل يكره تركه استصغارا لها (4).

مسألة 3: يستحب تسمية الحاجة بالخصوص

(مسألة 3): يستحب تسمية الحاجة بالخصوص، و طلب الحوائج العظام خصوصا قبل طلوع الشمس و قبل غروبها (5) و يكره ترك

______________________________

(2) لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «أفضل العبادة الدعاء» (1).

و عن حنان بن سدير عن أبيه: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: أي العبادة أفضل؟ فقال عليه السلام: ما من شي ء أفضل عند اللّه عزّ و جل من أن يسأل و يطلب مما عنده» (2).

و يأتي أيضا ما يدل عليه.

(3) لقول الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«ليس شي ء أحبّ إلى اللّه عزّ و جل من أن يسأل، فلا يستحي أحدكم أن يسأل اللّه من فضله و لو شسع نعل» (3).

(4) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «عليكم بالدعاء فإنّكم لا تتقربون بمثله و لا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار» (4).

(5) لصحيح الفراء عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ اللّه تبارك و تعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه، و لكنّه يحبّ أن تبث إليه الحوائج، فإذا دعوت فسمّ حاجتك» (5).

و عن فضيل: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أوصني، قال

ص: 149


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الدعاء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الدعاء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الدعاء حديث: 2.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب الدعاء حديث: 1.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب الدعاء حديث: 1.

الدعاء اتكالا على القضاء (6).

مسألة 4: يستحب رفع اليدين حين الدعاء

(مسألة 4): يستحب رفع اليدين حين الدعاء (7) و مسح الوجه

______________________________

عليه السلام: أوصيك بتقوى اللّه، و صدق الحديث، و أداء الأمانة، و حسن الصحابة لمن صحبك، و إذا كان قبل طلوع الشمس و قبل الغروب فعليك بالدعاء و اجتهد، و لا يمنعك من شي ء تطلبه من ربّك، و لا تقول: هذا ما لا أعطاه، و ادع فإنّ اللّه يفعل ما يشاء» (1).

(6) لما رواه صفوان عن ميسر بن عبد العزيز عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«يا ميسر ادع و لا تقل: إنّ الأمر قد فرغ منه، إنّ عند اللّه عزّ و جلّ منزلة لا تنال إلا بمسألة- الحديث-» (2).

و في صحيح حماد عنه عليه السلام أيضا: «ادعه و لا تقل قد فرغ من الأمر، فإنّ الدعاء هو العبادة، إنّ اللّه عزّ و جل يقول إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبٰادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰاخِرِينَ، و قال ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (3).

أقول: يمكن أن يستفاد من استدلاله عليه السلام بالآية الكريمة الحرمة، لأنّ إيعاد النار إنّما يكون بالنسبة إلى الحرام.

(7) تأسيا بالنبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله فإنّه كان يرفع يديه إذا ابتهل و دعا، كما يستطعم المسكين، و في صحيح محمد بن مسلم قال:

«سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عز و جل فَمَا اسْتَكٰانُوا لِرَبِّهِمْ وَ مٰا يَتَضَرَّعُونَ قال عليه السلام: الاستكانة هي الخضوع، و التضرع رفع اليدين و التضرع بهما» (4).

و الظاهر أنّه من باب تعدد المطلوب و ليس مقوّما له.

ص: 150


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الدعاء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الدعاء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الدعاء حديث: 4.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب الدعاء حديث: 1.

و الرأس عند الفراغ منه (8)، و أن يكون مع حسن النية و الظن بالإجابة (9).

مسألة 5: يكره الاستعجال في الدعاء

(مسألة 5): يكره الاستعجال في الدعاء و في الاستجابة (10)

______________________________

ثمَّ إنّ وظائف اليد حال الدعاء خمسة ذكرت في صحيح محمد بن مسلم قال:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: مرّ بي رجل و أنا أدعو في صلاتي بيساري، فقال: يا عبد اللّه بيمينك، فقلت: يا عبد اللّه إنّ اللّه تبارك و تعالى جعل حقا على هذه كحقه على هذه، و قال: الرغبة تبسط يديك و تظهر باطنهما و الرهبة: تظهر ظهرهما، و التضرع: تحرّك السبابة اليمنى يمينا و شمالا، و التبتل: تحرّك السبابة اليسرى ترفعها في السماء رسلا و تضعها، و الابتهال تبسط يدك و ذراعك إلى السماء، و الابتهال: حين ترى أسباب البكاء» (1).

(8) لقول الصادق عليه السلام: «ما أبرز عبد يده إلى اللّه العزيز الجبار إلا أستحيي اللّه عزّ و جل أن يردها صفرا حتّى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتّى يمسح على وجهه و رأسه» (2).

أقول: هذا مخصوص بغير الفريضة.

(9) لما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «أدعوا اللّه و أنتم موقنون بالإجابة» (3).

و عن الصادق عليه السلام: «إذا دعوت فأقبل بقلبك و ظنّ حاجتك بالباب» (4).

(10) لقول الصادق عليه السلام: «إنّ العبد إذا دعا لم يزل اللّه تبارك

ص: 151


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الدعاء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الدعاء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الدعاء حديث: 4.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الدعاء حديث: 2.

و يحرم القنوط عن رحمة اللّه تعالى (11).

مسألة 6: يعتبر في الدعاء الإتيان به بالنحو الصحيح

(مسألة 6): يعتبر في الدعاء الإتيان به بالنحو الصحيح، و التجنب عن اللّحن فيه (12)، و يستحب الإلحاح في الدعاء (13).

______________________________

و تعالى في حاجته ما لم يستعجل» (1).

و في صحيح أبي بصير عنه عليه السلام أيضا: «لا يزال المؤمن بخير و رجاء رحمة من اللّه عزّ و جل ما لم يستعجل فيقنط و يترك الدعاء، قلت له: كيف يستعجل؟ قال عليه السلام: يقول: قد دعوت منذ كذا و كذا و ما أرى الإجابة» (2).

هذا مع أنّ للمكالمة مع الحبيب المطلق موضوعية خاصة، كما هو معلوم.

(11) لعموم قوله تعالى لٰا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً (3)، بل هو من المعاصي الكبيرة، كما ثبت في محلّه.

(12) لقول أبي جعفر الجواد عليه السلام: «ما استوى رجلان في حسب و دين قط إلا كان أفضلهما عند اللّه عزّ و جل آدبهما، قلت: جعلت فداك قد علمت فضله عند الناس في النادي و المجالس، فما فضله عند اللّه عز و جل؟ قال عليه السلام: بقراءة القرآن كما أنزل، و دعائه اللّه عزّ و جل من حيث لا يلحن، و ذلك أنّ الدعاء الملحون لا يصعد إلى اللّه عزّ و جل» (4).

(13) لأخبار مستفيضة:

منها: موثق ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: رحم اللّه عبدا طلب من اللّه عزّ و جل حاجة فألح في الدعاء استجيب له أو لم يستجب- الحديث-» (5).

ص: 152


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الدعاء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الدعاء حديث: 2.
3- سورة الزمر: 53.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب الدعاء حديث: 1.
5- الوسائل باب: 20 من أبواب الدعاء حديث: 4.

و معاودة الدعاء و تكراره مطلقا (14).

مسألة 7: يستحب أن يكون الدعاء سرّا و خفية

(مسألة 7): يستحب أن يكون الدعاء سرّا و خفية (15).

______________________________

و في موثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سل حاجتك و ألح في الطلب فإنّ اللّه يحب إلحاح الملحين من عباده المؤمنين» (1).

و في خبر الوليد بن عقبة عن أبي جعفر عليه السلام: «و اللّه لا يلح عبد مؤمن على اللّه في حاجته إلا قضاها له» (2).

(14) لجملة من النصوص: منها: صحيح أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام: «إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول: إنّ المؤمن ليسأل اللّه عزّ و جل حاجة فيؤخر عنه تعجيل إجابته حبّا لصوته و استماع نحيبه، ثمَّ قال عليه السلام: و اللّه ما أخر اللّه عزّ و جل عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم عما تعجل لهم منها، و أيّ شي ء الدنيا، إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحوا من دعائه في الشدة، ليس إذا أعطي فتر، فلا تملّ الدعاء فإنّه من اللّه عزّ و جل بمكان» (3).

و في صحيح ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ العبد الوليّ للّه ليدعو اللّه عزّ و جل في الأمر ينويه، فيقال للملك الموكل به: اقض لعبدي حاجته و لا تعجلها فإنّي أشتهي أن أسمع صوته و نداءه، و إنّ العبد العدوّ للّه عزّ و جل يدعو اللّه عزّ و جل في الأمر ينويه، فيقال للملك الموكل به: اقض حاجته و عجلها فإنّي أكره أن أسمع صوته و نداءه، قال عليه السلام: فيقول الناس ما أعطي هذا إلا لكرامته، و لا منع هذا إلا لهوانه» (4).

(15) لقوله تعالى ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً (5)، و قول الرضا

ص: 153


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الدعاء حديث: 8.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الدعاء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب الدعاء حديث: 1.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب الدعاء حديث: 4.
5- سورة الأعراف: 55.

مسألة 8: يتأكد استحباب الدعاء عند هبوب الرّياح و زوال الشمس

(مسألة 8): يتأكد استحباب الدعاء عند هبوب الرّياح و زوال الشمس، و نزول المطر، و قتل الشهيد، و قراءة القرآن و الأذان، و ظهور الآيات، و بعد الصّلوات، و عند دعوة المظلوم، و طلوع الفجر (16) و بعد تقديم الصدقة، و شمّ الطّيب، و الرّواح إلى

______________________________

عليه السلام: «دعوة العبد سرّا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية» (1). و لأنّه أبعد عن تدخل الشيطان، و قد تقدم أنّ إتيان العبادات المندوبة سرّا أفضل من إتيانها جهرا.

(16) لجملة من الأخبار:

منها: خبر زيد الشحام قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «اطلبوا الدعاء في أربع ساعات: عند هبوب الرياح، و زوال الأفياء، و نزول القطر، و أول قطرة من دم القتيل المؤمن، فإنّ أبواب السماء تفتح عند هذه الأشياء» (2).

و في خبر السكوني قال أمير المؤمنين عليه السلام: «اغتنموا الدعاء عند أربع: عند قراءة القرآن، و عند الأذان، و عند نزول الغيث، و عند التقاء الصفين للشهادة» (3).

و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن آبائه عن عليّ عليه السلام فيما علم أصحابه: «تفتح أبواب السماء في خمسة مواقيت: عند نزول الغيث، و عند الزحف، و عند الأذان، و عند قراءة القرآن، و مع زوال الشمس، و عند طلوع الفجر» (4).

و في خبر المنصوري عن عليّ بن محمد الهادي عليه السلام عن آبائه عن الصادق عليه السلام: «ثلاثة أوقات لا يحجب فيها الدعاء عن اللّه عز و جل: في

ص: 154


1- الوسائل باب: 22 من أبواب الدعاء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الدعاء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الدعاء حديث: 2.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب الدعاء حديث: 6.

المسجد (17)، و في السحر و في الوتر، و ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (18) و قبل

______________________________

أثر المكتوبة، و عند نزول القطر، و ظهور آية معجزة للّه في أرضه» (1).

و في خبر السكوني عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن: عند قراءة القرآن، و عند الأذان، و عند نزول الغيث، و عند التقاء الصفين للشهادة، و عند دعوة المظلوم فإنّها ليس لها حجاب دون العرش» (2).

(17) للتأسي، و لموثق معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدم شيئا فتصدّق به و شمّ شيئا من طيب، و راح إلى المسجد، و دعا في حاجته بما شاء اللّه» (3).

(18) لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «خير وقت دعوتم اللّه فيه الأسحار و تلا هذه الآية في قول يعقوب عليه السلام سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي، قال: أخرهم إلى السحر» (4).

و في خبر أبي الصباح الكناني عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ اللّه عزّ و جل يحبّ من عباده المؤمنين كلّ دعّاء، فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس، فإنّها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، و تقسم فيها الأرزاق و تقضى فيها الحوائج العظام» (5).

و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «أطولكم قنوتا في الوتر في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف» (6).

ص: 155


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الدعاء حديث: 9.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الدعاء حديث: 5.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الدعاء حديث: 1.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب الدعاء حديث: 2.
5- الوسائل باب: 25 من أبواب الدعاء حديث: 3.
6- الوسائل باب: 22 من أبواب القنوت حديث: 1.

غروبها (19)، و عند رقة القلب و الخوف من اللّه تعالى و البكاء (20) و إن لم يكن بكاء فيستحب التباكي (21) و تقديم تمجيد اللّه و الثناء عليه

______________________________

(19) لقول الصادق عليه السلام في قول اللّه عزّ و جل وَ ظِلٰالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ:

«هو الدعاء قبل طلوع الشمس و قبل غروبها، و هي ساعة إجابة» (1).

و في رواية أبي خديجة عنه عليه السلام: «إنّ الدعاء قبل طلوع الشمس و قبل غروبها سنّة واجبة مع طلوع الشمس و المغرب» (2).

(20) لما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا رق أحدكم فليدع، فإنّ القلب لا يرق حتّى يخلص» «(3).

و في رواية عليّ بن حديد عنه عليه السلام أيضا: «إذا اقشعر جلدك و دمعت عيناك فدونك دونك، فقد قصد قصدك» (4).

(21) لخبر ابن يسار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي أتباكى في الدعاء و ليس لي بكاء قال عليه السلام: نعم، و لو مثل رأس الذباب» (5).

و في خبر آخر عنه عليه السلام قال: «إن لم تكن بكاء فتباك» (6).

و لا يعتبر أن يكون البكاء للدعاء، بل لو كان لفراق الأهل لكفى أيضا، لموثق عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أكون أدعو فأشتهي البكاء و لا يجيئني و ربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق و أبكي، فهل يجوز ذلك؟

فقال عليه السلام: نعم، فتذكر فإذا رققت فابك و ادع ربّك تبارك و تعالى» (7).

و إذا كان البكاء لمصايب أهل البيت عليهم السلام فالظاهر الجواز أيضا،

ص: 156


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الدعاء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الدعاء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الدعاء حديث: 1.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الدعاء حديث: 3.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب الدعاء حديث: 3.
6- الوسائل باب: 29 من أبواب الدعاء حديث: 2.
7- الوسائل باب: 29 من أبواب الدعاء حديث: 1.

و الإقرار بالذنب و الاستغفار قبل الدعاء (22).

مسألة 9: يستحب الدعاء للمؤمن بظهر الغيب

(مسألة 9): يستحب الدعاء للمؤمن بظهر الغيب (23)، بل

______________________________

بل يضاعف الثواب.

(22) لجملة من الأخبار:

منها: موثق معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: إنّما هي المدحة ثمَّ الثناء، ثمَّ الإقرار بالذنب، ثمَّ المسألة إنّه و اللّه ما خرج عبد من ذنب إلا بالإقرار» (1).

و في صحيح العيص قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربّه و ليمدحه، فإنّ الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان هيّأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة فمجدوا اللّه العزيز الجبار و امدحوه و أثنوا عليه- الحديث-» (2).

و في خبر ابن المغيرة قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربّه شيئا من حوائج الدنيا و الآخرة حتّى يبدأ بالثناء على اللّه عزّ و جل، و المدح له، و الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ يسأل اللّه حوائجه» (3).

و عنه عليه السلام أيضا: «قلت: ما جهة الدعاء؟ قال عليه السلام: تبدأ فتحمد اللّه و تذكر نعمته عندك ثمَّ تشكره، ثمَّ تصلّي على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ تذكر ذنوبك فتقرّ بها، ثمَّ تستغفر منها، فهذا جهة الدعاء» (4).

(23) لصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق و يدفع المكروه» (5).

و في صحيح الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام: «أوشك دعوة و أسرع إجابة دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب» (6).

ص: 157


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الدعاء حديث: 5.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الدعاء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الدعاء حديث: 1.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب الدعاء حديث: 7.
5- الوسائل باب: 41 من أبواب الدعاء حديث: 1.
6- الوسائل باب: 41 من أبواب الدعاء حديث: 2.

ينبغي اختيار الإنسان الدعاء للمؤمن على الدعاء لنفسه (24).

مسألة 10: الظاهر أنّ الدّعوات الواردة في الأوقات الخاصة يصح قراءتها في مطلق الأوقات أيضا

(مسألة 10): الظاهر أنّ الدّعوات الواردة في الأوقات الخاصة يصح قراءتها في مطلق الأوقات أيضا (25).

مسألة 11: يستحب الدعاء للمؤمنين و المسلمين

(مسألة 11): يستحب الدعاء للمؤمنين و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات (26).

______________________________

و في خبر آخر عنه عليه السلام أيضا: «أسرع الدعاء نجحا للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل به: آمين و لك مثلاه» (1).

(24) لجملة من الأخبار:

منها: خبر عبد اللّه بن جندب عن أبي الحسن موسى عليه السلام: «إنّ من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش: و لك مائة ألف ضعف» (2).

و نحوه غيره.

(25) لأنّ التقييد فيها من باب تعدد المطلوب، كما هو بناء الفقهاء (قدّس سرّهم) في مطلق المندوبات.

(26) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح صفوان عن أبي الحسن الأول عليه السلام إنّه كان يقول:

«من دعا لإخوانه من المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات وكل اللّه به عن كلّ مؤمن ملكا يدعو له» (3).

و في صحيحه الآخر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «ما من مؤمن يدعو للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات إلا كتب اللّه له بكلّ مؤمن و مؤمنة حسنة منذ بعث اللّه آدم إلى أن تقوم الساعة» (4).

ص: 158


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الدعاء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الدعاء حديث: 1.
3- الوسائل باب: 43 من أبواب الدعاء حديث: 5 و 6.
4- الوسائل باب: 43 من أبواب الدعاء حديث: 6.

فصل في الذكر

اشارة

(فصل في الذكر)

مسألة 1: يستحب الذكر ذكر اللّه تعالى في كلّ حال

(مسألة 1): يستحب (الذكر) ذكر اللّه تعالى في كلّ حال (1)، (فصل في الذكر)

______________________________

(1) للأدلة الأربعة الدالة على رجحانه مطلقا، فمن الكتاب آيات:

منها: قوله تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لٰا تَكْفُرُونِ 5(1).

و أما الإجماع فقد أجمع المسلمون بل الملّيون على رجحانه.

و من العقل فلأنّه نحو شكر للمنعم و حسنه العقلي مما لا ينكره أحد. و من السنة فتدل عليه أخبار مستفيضة بل متواترة:

منها: ما رواه الصدوق (قدّس سرّه) عن أنس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «لذكر اللّه بالغدوّ و الآصال خير من حطم السيوف في سبيل اللّه- الحديث-» (2).

و في صحيح أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام:

«لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر اللّه عزّ و جل، قائما كان أو جالسا أو مضطجعا، إنّ اللّه عزّ و جل يقول الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ- الآية-» (3).

و في صحيحه الآخر عنه عليه السلام قال: «مكتوب في التوراة التي لم

ص: 159


1- سورة غافر: 65.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الذكر حديث: 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الذكر حديث: 5.

بل يكره تركه (2)، و يستحب إكثاره (3)، و لا حدّ لكثرته (4).

مسألة 2: يستحب ذكر اللّه في الخلوة و الملاء

(مسألة 2): يستحب ذكر اللّه في الخلوة و الملاء (5)، و في

______________________________

تتغيّر: أنّ موسى سأل ربّه فقال: يا ربّ أ قريب أنت منّي فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ فأوحى اللّه عزّ و جل إليه: يا موسى أنا جليس من ذكرني، فقال موسى عليه السلام: فمن في سترك يوم لا ستر إلا سترك؟ قال: الذين يذكرونني فأذكرهم و يتحابون فيّ فأحبها، فأولئك الّذين إن أردت أن أصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم) (1).

(2) لخبر السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أوحى اللّه عز و جل إلى موسى: يا موسى لا تفرح بكثرة المال، و لا تدع ذكري على كل حال فإنّ كثرة المال تنسي الذنوب، و إنّ ترك ذكري يقسي القلوب» (2).

(3) لقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً (3) و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رسالته إلى أصحابه قال عليه السلام: «و أكثروا ذكر اللّه ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل و النهار، فإنّ اللّه أمر بكثرة الذكر، و اللّه ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، و اعلموا أنّ اللّه لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير» (4)، و الأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا من الفريقين.

(4) للإطلاقات، و قول الصادق عليه السلام: «ما من شي ء إلا و له حدّ ينتهي إليه إلا الذكر فليس له حدّ ينتهي إليه» (5).

(5) لما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «شيعتنا الّذين إذا خلوا ذكروا اللّه كثيرا» (6).

ص: 160


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الذكر حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الذكر حديث: 1.
3- سورة الأنبياء: 90.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الذكر حديث: 7.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب الذكر حديث: 2.
6- الوسائل باب: 6 من أبواب الذكر حديث: 1.

البيت و المسجد (6).

مسألة 3: لذكر اللّه تعالى مراتب

(مسألة 3): لذكر اللّه تعالى مراتب أهمّها تذكّر عظمة اللّه تعالى عند الإشراف على مخالفته، ثمَّ الارتداع عنها (7).

______________________________

و في خبر بشير الدهان عنه عليه السلام أيضا: قال اللّه عزّ و جل يا ابن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، يا ابن آدم اذكرني في خلاء أذكرك في خلاء، يا ابن آدم اذكرني في ملإ أذكرك في ملإ خير من ملإك، و قال: ما من عبد ذكر اللّه في ملإ من الناس إلا ذكره اللّه في ملإ من الملائكة» (1).

و الذكر في النفس أفضل من الذكر علانية، لقول الصادق عليه السلام في صحيح زرارة:

«لا يكتب الملك إلا ما سمع، و قال اللّه عز و جل وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً، فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير اللّه لعظمته» (2).

(6) لقول الصادق عليه السلام في موثق ابن القداح: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: البيت الذي يقرأ فيه القرآن و يذكر اللّه عزّ و جل فيه تكثر بركته و تحضره الملائكة، و تهجره الشياطين، و يضي ء لأهل السماء كما تضي ء الكواكب لأهل الأرض- الحديث-» (3).

و عنه عليه السلام: «جاء رجل إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: أكثرهم للّه ذكرا» (4).

(7) لجملة من الأخبار: منها: قول أبي جعفر عليه السلام: «ثلاث من أشدّ ما عمل العباد:

ص: 161


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الذكر حديث: 4.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الذكر حديث: 1.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب الذكر حديث: 1.

مسألة 4: سيد الأذكار و أفضلها الكلمة المباركة «لا إله إلا اللّه»

(مسألة 4): سيد الأذكار و أفضلها الكلمة المباركة «لا إله إلا اللّه» (8)

______________________________

إنصاف المرء من نفسه، و مواساة المرء أخاه، و ذكر اللّه على كلّ حال قلت:

أصلحك اللّه و ما وجه ذكر اللّه على كلّ حال؟ قال عليه السلام: و هو أن يذكر اللّه عزّ و جل عند المعصية يهمّ بها فيحول ذكر اللّه بينه و بين تلك المعصية» (1).

(8) بالأدلة الأربعة:

فمن الكتاب الآيات المشتملة على هذه اللفظة المباركة أو ما يراد منها و هي كثيرة كقوله تعالى اللّٰهُ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ لَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ (2)و قوله تعالى:

حَسْبِيَ اللّٰهُ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ (3).

و من العقل: إنّها مظهر التوحيد الذي هو أعظم الأشياء.

و من الإجماع: إجماع المسلمين، بل جميع الموحدين.

و من السنة: نصوص مستفيضة من الفريقين:

منها: قول أبي جعفر عليه السلام: «ما من شي ء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلا اللّه، إنّ اللّه عزّ و جل لا يعد له شي ء و لا يشركه في الأمور أحد» (4).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «خير العبادة قول: لا إله إلا اللّه» (5).

و قول الصادق عليه السلام: «قول لا إله إلا اللّه ثمن الجنة» (6).

و عن أبي جعفر عليه السلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «ليس شي ء إلا و له شي ء يعدله إلا اللّه فإنّه لا يعدله شي ء، و لا إله إلا اللّه فإنّه لا يعد لها شي ء»(7).

و عن الصادق عليه السلام: «سيد كلام الأولين و الآخرين: لا إله إلا اللّه» (8).

ص: 162


1- الوسائل باب: 23 من أبواب جهاد النفس حديث: 15.
2- سورة طه (20) الآية: 18.
3- سورة التوبة (9) الآية: 129.
4- الوسائل باب: 44 من أبواب الذكر حديث: 1.
5- الوسائل باب: 44 من أبواب الذكر حديث: 8.
6- الوسائل باب: 44 من أبواب الذكر حديث: 11.
7- الوسائل باب: 44 من أبواب الذكر حديث: 5.
8- مستدرك الوسائل باب: 36 من أبواب الذكر حديث: 3.

و لكن قال أبو عبد اللّه عليه السلام في الصحيح: «من قال: لا إله إلا اللّه مخلصا دخل الجنة، و إخلاصه أن يحجزه لا إله إلا اللّه عما حرّم اللّه عليه» (9).

______________________________

إلى غير ذلك من الأخبار.

(9) أقول: و في مثله تزل أقدام الرجال، و تحطّ فيه الرحال و من اللّه الاعتصام في كلّ حال. و يمكن أن يكون معنى المستفيضة بين الفريقين عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن اللّه تعالى: «لا إله إلا اللّه حصني- الحديث-» (1) ذلك أيضا، أي حصني في عدم مخالفة تكاليفي لا سيّما بعد ما ورد من الرضا عليه السلام: «بشرطها و شروطها» (2).

هذا قليل من كثير مما يتعلق بالمقام، و لنختم المقال في ذلك فإنّ البحث في ذلك كلّه خارج عن الفقه.

ص: 163


1- مستدرك الوسائل باب: 36 من أبواب الذكر حديث: 13.
2- مستدرك الوسائل باب: 36 من أبواب الذكر حديث: 9.

فصل في مبطلات الصلاة

اشارة

(فصل في مبطلات الصلاة) و هي أمور:

أحدها: فقد بعض الشرائط في أثناء الصلاة

(أحدها): فقد بعض الشرائط في أثناء الصلاة، كالستر، و إباحة المكان، و اللباس، و نحو ذلك مما مرّ في المسائل المتقدّمة (1).

الثاني: الحدث الأكبر أو الأصغر

(الثاني): الحدث الأكبر أو الأصغر فإنّه مبطل أينما وقع فيها و لو قبل الآخر بحرف، من غير فرق بين أن يكون عمدا، أو سهوا، أو اضطرارا (2) عدا ما مرّ في حكم المسلوس و المبطون و المستحاضة.

(فصل في مبطلات الصلاة)

______________________________

(1) تقدم ما يتعلق به مفصّلا، فراجع.

(2) بضرورة المذهب في جميع ذلك، و يدل عليه جملة من الأخبار كصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«ليس يرخص في النوم في شي ء من الصلاة» (1).

و صحيح الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام و أبي عبد اللّه عليه السلام أنّهما كانا يقولان: «لا يقطع الصلاة إلا أربعة: الخلاء و البول، و الريح، و الصوت» (2).

و معتبرة أبي نصر عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أحسّ الرجل أنّ بثوبه بللا و هو يصلّي فليأخذ ذكره بطرف ثوبه فليمسحه بفخذه، و إن كان بللا يعرف

ص: 164


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

..........

______________________________

فليتوضأ و ليعد الصلاة، و إن لم يكن بللا فذلك من الشيطان» (1).

و صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال:

«سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيعلم أنّ ريحا قد خرجت فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها، قال عليه السلام: يعيد الوضوء و الصلاة، و لا يعتد بشي ء مما صلّى إذا علم ذلك يقينا» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار. و بإزائها جملة أخرى من الأخبار دالة على عدم بطلان الصلاة بالحدث الواقع في أثنائها في الجملة:

منها: صحيح الفضيل بن يسار قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام:

أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا، فقال عليه السلام:

انصرف ثمَّ توضأ و ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا، و إن تكلّمت ناسيا قلت: و إن قلب وجهه عن القبلة؟ قال عليه السلام:

نعم و إن قلب وجهه عن القبلة» (3).

و منها: خبر القماط قال: «سمعت رجلا يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول و هو في صلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، فقال عليه السلام إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثمَّ ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلّي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بالكلام، قال: قلت: و إن التفت يمينا أو شمالا أو ولّى عن القبلة؟ قال عليه السلام: نعم، كلّ ذلك واسع، إنّما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة في المكتوبة، فإنّما عليه أن يبني على صلاته، ثمَّ ذكر سهو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله» (4).

و فيه: أنّ إطلاقهما مخالف للإجماع، و النصوص المتقدمة، و مرتكزات المؤمنين قديما و حديثا و لو نسب إلى فقيه التعرض لهما فإنّما هو في مقام البحث و الاستدلال لا الفتوى فلا بد من رد علمه إلى أهله، أو حمله على التقية.

ص: 165


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 9.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 11.

..........

______________________________

و منها: الأخبار الواردة في المتيمم الذي أصاب الماء في أثناء الصلاة، كصحيح زرارة:

«إنّه سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل دخل في الصلاة و هو متيمم فصلّى ركعة ثمَّ أحدث فأصاب ماء، قال عليه السلام: يخرج و يتوضأ ثمَّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمم» (1).

و مثله غيره، و أفتى بمضمونها المفيد (قدّس سرّه) في المقنعة، و الشيخ قدّس سرّه في النهاية و المبسوط، ففصّلا بين التيمم و غيره و نسب ذلك إلى ابن أبي عقيل أيضا و قواه في المعتبر على ما حكي.

و فيه: أنّ إعراض المشهور عنها، و حملها على محامل- مع صحة سندها- أوهنها و أسقطها عن الاعتبار.

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهد قال عليه السلام: يتصرّف فيتوضأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثمَّ يسلّم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (2).

و نحوه أخبار أخرى.

و فيه: أنّ كونه في مقام بيان الحكم الواقعي بعيد جدّا عن مذاق المعصومين عليه السلام فلا بد من رد علمه إلى أهله أيضا.

إن قلت: فليحمل مثل هذه الأخبار على صورة السهو أو الاضطرار جمعا بينها و بين القسم الأول.

قلت: نعم، لو لا مسلّمية مضادة الحدث للصلاة عند المعصومين عليهم السلام و غيرهم، قال في الجواهر:

«المصلحة اقتضت بإيداع مثل زرارة و محمد بن مسلم و نحوهما من أكابر الرواة الحكم. بعد بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها الذي قد عرفت

ص: 166


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 10.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب التشهد حديث: 1.

نعم، لو نسي السلام ثمَّ أحدث فالأقوى عدم البطلان، و إن كان الأحوط الإعادة أيضا (3).

الثالث: التكفير

(الثالث): التكفير (4). بمعنى وضع إحدى اليدين على

______________________________

موافقته للعامة للتستر على الشيعة و حفظا لدمائهم، بل لعلّ الفقيه مع التأمل في جميع ما ذكرناه سابقا، و معروفية بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها بين أطفال الشيعة حتّى عد الحكم بالصحة مع ذلك من منكرات العامة و بدعهم يجزم أنّ هذه النصوص جميعها خرجت هذا المخرج».

ثمَّ إنّ إطلاق القسم الأول من الأخبار يشمل وقوع الحديث و لو قبل الأخير بحرف.

(3) قد تقدم حكم المسلوس و المبطون في الوضوء في (فصل في حكم دائم الحدث)، و حكم المستحاضة، و حكم نسيان التسليم في (فصل التسليم) فراجع.

(4) و يسمى تكتفا أيضا. و البحث فيه من جهات: الأولى: في حكمه، و المعروف بين الفقهاء (قدّس سرّهم) إنّما هو الحرمة الوضعية و استدل عليها تارة: بالإجماع. و فيه: أنّه غير متحقق، و على فرضه فهو مدركيّ لا تعبديّ، فلا اعتبار به.

و أخرى: بقاعدة الاحتياط. و فيه: أنّه قد تحقق في محلّه أنّ المرجع في مشكوك الشرطية و المانعية البراءة دون الاحتياط.

و ثالثة: بأنّه من الفعل الكثير. و فيه: أنّه ممنوع صغرى و كبرى أما الأولى فلأنّه لا فرق بين التكفير و بين وضع اليدين على الفخذين أو على الرأس مثلا أو غيرهما، و لم يقل أحد بأنّ ذلك من الفعل الكثير. و أما الثانية: فلأنّه لم يرد لفظ الفعل الكثير في الأخبار، و إنّما هو مصطلح الفقهاء و لا دليل لهم على ذلك، و المناط كلّه فعل ما يوجب محو صورة الصلاة، و لا ريب في أنّ التكفير لا يوجب المحو عند المتشرعة.

ص: 167

..........

______________________________

و رابعة: و هو العمدة- بالأخبار:

منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قلت: «الرجل يضع يده في الصلاة و حكى اليمنى على اليسرى، فقال عليه السلام: ذلك التكفير لا يفعل» (1).

و منها: خبر حريز عن أبي جعفر عليه السلام: «و لا تكفّر فإنّما يصنع ذلك المجوس» (2).

و في قرب الإسناد عن عليّ بن الحسين عليهما السلام: «وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل و ليس في الصلاة عمل» (3).

و عن عليّ عليه السلام: «لا يجمع المسلم يديه في الصلاة و هو قائم بين يدي اللّه عزّ و جل يتشبه بأهل الكفر، يعني المجوس» (4).

و عن عليّ بن جعفر عليه السلام: «سألته عن الرجل يكون في صلاته أ يضع إحدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه؟ قال عليه السلام: لا يصلح ذلك، فإنّ فعل فلا يعود له» (5).

و هذه الأخبار تحتمل وجوها: المنع الغيري، و النفسي، و الكراهة.

و مقتضى الصناعة بعد رد بعضها إلى بعض هو الأخير، لأنّ العمدة فيها إنّما هو صحيح ابن مسلم، و مقتضى ما هو المتسالم بين الفقهاء (قدّس سرّهم) من أنّ الأصل في النهي المتعلق بالمركب- سواء كان متعلقا بنفسه أو بشرطه أو بكيفيته- هو المانعية و البطلان. و لكن يوهن ذلك بوجوه:

منها: ذكر ذلك في عداد المكروهات.

و منها: قوله عليه السلام في خبر ابن جعفر عليه السلام: «لا يصلح ذلك» فإنّ ظهوره في الكراهة مما لا ينكر.

و منها: التعليل في بعض الأخبار بأنّ ذلك «عمل و لا عمل في الصلاة»، و هو مجمل إذ يحتمل العمل المحرّم و العمل المكروه و العمل التشريعي.

ص: 168


1- الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.

الأخرى (5) على النحو الذي يصنعه غيرنا إن كان عمدا لغير ضرورة.

فلا بأس به سهوا (6) و إن كان الأحوط الإعادة معه أيضا (7)، و كذا لا بأس به مع الضرورة (8)، بل لو تركه حالها أشكلت الصحة و إن كانت أقوى (9).

______________________________

و منها: التعليل في بعض الأخبار بأنّه من فعل المجوس.

و منها: عدم التصحيح بالبطلان.

و منها: عدم التشديد في دفعه لو كان من المحرّمات مع اشتهاره بين العامة.

و منها: غير ذلك مما هو مذكور في الجواهر.

و أما نفي الحرمة النفسية و هي الجهة الثانية فيكفي فيه عدم ذكر العقاب لفعله في شي ء من الأخبار، و مجرد التشبه بالمجوس أعم من الحرمة كما لا يخفى، فالعمدة في المقام الشهرة، و دعوى الإجماع عن جمع، مع أنّ جملة من هذه الموهنات قابلة للمنع، فلا بأس بالاعتماد على الصحيح.

(5) هذه هي الجهة الثالثة و الظاهر أنّه من الأمور التشكيكية، فأعلاه وضع اليد اليمنى على كتف اليسرى و وضع اليد اليسرى على كتف اليمنى، و هو المسمّى بالتكتف، و أوسطه وضعهما كذلك على الصدر، و أدناه عند السرّة أو أنزل منها.

(6) للإجماع، و حديث «لا تعاد» (1)، و هذه هي الجهة الرابعة.

(7) لاحتمال كونه كالحدث من الموانع القهرية، و لكنه احتمال ضعيف جدّا.

(8) لعمومات التقية، و لأنّه «ما من شي ء حرمة اللّه تعالى إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه»(2)لشموله للحرمة الغيرية أيضا.

(9) البطلان و عدمه عند إتيان الواقع في التقية و غيرها من الضرورات مبنيّ

ص: 169


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.

و الأحوط عدم وضع إحدى اليدين على الأخرى بأيّ وجه كان في أيّ حالة من حالات الصّلاة و إن لم يكن متعارفا بينهم (10). لكن بشرط أن يكون بعنوان الخضوع و التأدب (11)، و أما إذا كان لغرض آخر كالحكّ و نحوه فلا بأس به مطلقا (12) حتّى على الوضع المتعارف.

الرابع: تعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف أو إلى اليمين أو اليسار

(الرابع): تعمد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف أو إلى اليمين أو اليسار، بل و إلى ما بينهما على وجه يخرج عن الاستقبال (13). و إن

______________________________

على أنّ مثل هذه الضرورات توجب انقلاب الواقع مطلقا- ملاكا و خطابا- فلا وجه للصحة حينئذ، أو أنّها توجب الترخيص في تركه فقط و مقتضى الأصل بقاء الملاك إلا أن يدل دليل على الخلاف، و لا يصح التمسك بعمومات التقية و نحوها لذلك، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، و يمكن التمسك بإطلاق قوله عليه السلام: «لا دين لمن لا تقية له» (1)، بانقلاب الواقع ملاكا و خطابا حيث عدّ التقية من الدّين، و خلافه خلاف الدّين، و لا ريب في عدم الملاك و الخطاب في غير الدّين. و لكن يمكن القول بالتفصيل بحسب موارد التقية و الضرورات، و المسألة سيالة و قد تقدم في الوضوء و غيره أيضا.

(10) للإطلاقات إن لم نقل بانصرافها إلى المتعارف المعهود، و لم يكن المتعارف متفاوتا لديهم أيضا، و مع الشك فمجمع القيود حرام، و المرجع في غيره البراءة. نعم، لو كان بعنوان التشريع يحرم الكلّ و يوجب البطلان بناء على أنّ التشريع في الكيفية يوجبه.

(11) لكون التكفير الممنوع متقوّما به عرفا و لغة.

(12) لأصالة البراءة بعد أن كان المحرّم ما قصد فيه التخضع و التأدب.

(13) للإجماع، و لأنّه لا ريب في اعتبار القبلة في جميع حالات الصلاة و أنّها مقيدة بأن يؤتى بكلّ جزء منها مستقبل القبلة، بل يعتبر الاستقبال في الأكوان المتخللة بين أجزائها، كما يأتي، فلا موضوعية للالتفات عن القبلة و الانحراف

ص: 170


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حديث: 2.

..........

______________________________

عنها حتّى يبحث عنهما، بل المناط كلّه خلوّ الصلاة عن الاستقبال عند المتشرعة فيكفي في بطلان الصلاة مع فقد الاستقبال نفس أدلة اعتبار القبلة في الصلاة و لا نحتاج إلى دليل آخر غيرها، لأنها تدل على اعتبار كون المصلّي متوجها إلى القبلة في صلاته فتكون الصلاة مقيدة بذلك، و لا معنى لهذا التقييد إلا أنّ الانحراف و الالتفات عنها قاطع للصلاة ما لم يدل دليل على الخلاف، و يشهد له قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة:

«استقبل القبلة بوجهك و لا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك» «1».

فجعل القاطعية عبارة أخرى عن شرطية الاستقبال.

إن قيل: إذا كان هذا مستفادا من أصل الشرطية فلا وجه لما دل على القاطعية.

قلت: كثرة الاهتمام مع كثرة الابتلاء بالمسألة أوجب الاهتمام به و التأكيد عليه، كما في الطهارة و نحوها.

ثمَّ إنّ مجموع الأدلة على أقسام ثلاثة:

الأول: أدلة اعتبار القبلة في الصلاة مثل قوله عليه السلام: «لا صلاة إلا إلى القبلة» «2»، و قد تقدم أنّ نفس هذه الأدلة تكفي في بطلانها مع فقد الاستقبال.

الثاني: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه» «3».

و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح الحلبي: «إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا» «4».

و في حديث الأربعمائة عن عليّ عليه السلام: «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة» «5».

______________________________

(1) الوسائل باب: 12 من أبواب القبلة الحديث: 3.

(2) ورد مضمونه في بعض الأخبار راجع الوسائل باب: 1 من أبواب القبلة.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7.

ص: 171

لم يصل إلى أحدهما، و إن لم يكن الالتفات حال القراءة أو الذّكر (14)، بل الأقوى ذلك في الالتفات بالوجه إلى الخلف (15)

______________________________

و المراد بالكلّ و الفاحش ما ينافي الاستقبال عرفا، فليس مفاد هذه الأخبار شيئا زائدا وراء مفاد نفس الأدلة الأولية.

الثالث: خبر عبد الملك: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الالتفات في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ فقال عليه السلام: لا، و ما أحب أن يفعل» (1).

و لا بد من حمله على ما إذا لم يكن منافيا للاستقبال عرفا جمعا بينه و بين ما تقدم في القسم الثاني، و مقتضى إطلاق القسم الثاني عدم الفرق بين ما إذا كان الالتفات و الانحراف في أفعال الصلاة أو أكوانها، و لا بين كونه عمدا أو سهوا، أو جهلا و غفلة، و لا بين كونه بحيث يخرج عما بين المشرق و المغرب أم لا. و لكن هناك أخبار أخرى تكون حاكمة عليها في مورد الخطإ و السهو و النسيان، تقدمت في (فصل الخلل في القبلة) فراجع، و يشهد لكون الاستقبال شرطا في الأكوان الصلاتية جملة من الأخبار، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرجل يصيبه الرعاف و هو في الصلاة، فقال عليه السلام: إن قدر على ماء عنده يمينا و شمالا أو بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثمَّ ليصلّ ما بقي من صلاته، و إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (2).

و مثله صحيح ابن أذينة (3).

(14) لما تقدم من أنّ الاستقبال شرط حال الأكوان الصلاتية، كالطهارة و تعمد الكلام و نحوها فضلا عن أفعالها و أذكارها.

(15) لما ورد في موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة» (4).

ص: 172


1- الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6 و 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6 و 1.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.

مع فرض إمكانه (16)، و لو بميل البدن على وجه لا يخرج عن الاستقبال.

و أما الالتفات بالوجه يمينا و يسارا مع بقاء البدن مستقبلا فالأقوى كراهته (17)، مع عدم كونه

______________________________

المحمول على الانصراف الفاحش بقرينة غيره، و في صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام:

«عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال عليه السلام:

إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلّى و لا يعتد به، و إن كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود» (1).

و إطلاقه يشمل الالتفات بالوجه إلى الخلف أيضا- مع أنّه المشهور- و عدم العمل بذيله لا يضر الاستدلال به، لصحة التفكيك في العمل بالخير، كما ثبت في محلّه.

(16) لا ريب في أنّ للالتفات مراتب متفاوتة لا دليل على قاطعيته بتمام مراتبه، بل ظاهر الأدلة المشتملة على قوله عليه السلام: «بكلّه»، أو «فاحشا» عدم قاطعية مطلق الالتفات، و حيث إنّ الموضوع من الأمور التشكيكية فلا بد للشارع من تحديد مورد الحرمة و مورد الكراهة. و المحرّم و ما هو القاطع ما كان فاحشا، و بكلّه، و المناط صدق الخروج عن القبلة عند المتشرعة بتمام البدن أو بالوجه خاصة، لأنّ الاستقبال و الاستدبار يلحظ عند العرف بالنسبة إلى الوجه خاصة أيضا، كما يلحظ بالنسبة إلى تمام البدن، يقال: أقبل فلان عليّ بوجهه و أعرض عنّي بوجهه، و احتمال أن يكون المراد بالوجه تمام البدن كما في قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ (2) خلاف الظاهر.

(17) على المشهور، لما تقدم من خبر عبد الملك بناء على إرادة مطلق المرجوحية منه فيحمل بالنسبة إلى الفاحش على الحرمة، و بالنسبة إلى غيره على

ص: 173


1- الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 8.
2- سورة البقرة: 245.

فاحشا (18) و إن كان الأحوط اجتنابه أيضا (19) خصوصا إذا كان طويلا (20) و سيّما إذا كان مقارنا لبعض أفعال الصلاة (21)، خصوصا الأركان سيّما تكبيرة الإحرام، و أما إذا كان فاحشا ففيه إشكال (22)، فلا

______________________________

الكراهة بتعدد الدال و المدلول.

(18) لأنّه قاطع حينئذ بلا إشكال، و مع الشك في كونه فاحشا أم لا فالمرجع أصالة الصحة و عدم المانعية.

(19) لما نسب إلى فخر المحققين (قدّس سرّه) من القول بحرمة الالتفات بالوجه مطلقا و لو لم يكن فاحشا، إلا أنّ الكل متفقون على خلافه، كما قيل.

(20) لما نسب إلى الذخيرة، لاحتمال انصراف ما دل على كراهة الالتفات عن الطويل.

(21) لأنّ احتمال الانصراف المتقدم في سابقة معتد به حينئذ في الجملة و منه يعلم الوجه فيما إذا كان في الأركان أو في التكبيرة مما لا يفعله المتشرعة.

(22) منشأه أنّه يحتمل أن يكون قوله عليه السلام: «بكلّه» عبارة أخرى عن قوله عليه السلام: «فاحشا» فيحرم و يبطل حينئذ، لفرض كونه فاحشا و يحتمل أن يكون قيدا مستقلا في مقابل الفاحش، و قيدا له أيضا، تعني أنّ الالتفات المبطل ما كان فاحشا و بكلّه فلا يكون الالتفات بالوجه مع بقاء البدن مستقبلا للقبلة مبطلا و إن كان فاحشا، إذ ليس بكلّه، و لاستظهار الأول وجه عرفي، لأنّ للوجه خصوصية خاصة عند العرف عند الاستقبال إلى شي ء و التوجه إليه.

و أما صحيح ابن جعفر عليه السلام: «عن الرجل يكون في صلاته فيظن أنّ ثوبه قد انخرق أو أصابه شي ء هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسه؟ قال عليه السلام: إن كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، و إن كان في مؤخره فلا

ص: 174

يترك الاحتياط حينئذ، و كذا تبطل مع الالتفات سهوا فيما كان عمده مبطلا (23) إلا إذا لم يصل إلى حدّ اليمين و اليسار، بل كان فيما بينهما فإنّه غير مبطل إذا كان سهوا و إن كان بكلّ البدن (24).

الخامس: تعمد الكلام

اشارة

(الخامس): تعمد الكلام (25) بحرفين و لو مهملين غير مفهمين

______________________________

يلتفت فإنّه لا يصلح» (1).

فلا دلالة فيه على أنّ الالتفات إلى جانبه من الالتفات الفاحش مع جريان العادة على رفع الثوب للنظر فيه في هذه الأمور، فيكون مثل المقدم حينئذ.

(23) لعمومات وجوب الاستقبال و كلّما دل على قاطعية الالتفات الفاحش و لحديث: «لا تعاد الصلاة» (2) حيث إنّ القبلة من المستثنى، و لا حاكم عليها إلا ما دل على صحة الصلاة مع النسيان و الغفلة و الخطإ في الاعتقاد إن كان الانحراف إلى اليمين و اليسار (3)، و لا ربط له بالمقام، كما تقدم في (فصل الخلل في القبلة).

و بالجملة: إنّ الالتفات يكون قاطعا مطلقا إلا ما تقدم في أحكام الخلل في القبلة، فلا وجه للصحة مع السهو، كما نسب إلى جمع لإطلاق ما دل على أنّه يتم لو سلّم على نقص، و لحديث الرفع (4)، لأنّ الأول محمول على ما إذا لم يتخلل قاطع في الصلاة، و الثاني لا وجه له مع وجود إطلاق الدليل في البين.

(24) لما تقدم في فصل (أحكام الخلل في القبلة).

(25) للإجماع، بل الضرورة في الجملة، و لنصوص مستفيضة:

منها: صحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام: «و ابن على ما مضى

ص: 175


1- الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب القبلة.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

للمعنى (26) أو بحرف واحد بشرط كونه مفهما للمعنى (27) نحو: «ق»

______________________________

من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا، و إن تكلّمت ناسيا فلا شي ء عليك» (1).

و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إن تكلّمت أو صرفت وجهك على القبلة فأعد الصلاة» (2).

و في صحيحه الآخر عنه عليه السلام: «في الرجل يصيبه الرعاف، قال عليه السلام: إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف لوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (3).

و نحو ذلك من الأخبار.

(26) للإطلاق و الاتفاق، هذا إذا كان مشتملا على قصد الحكاية- و لو إجمالا- كما هو المتفاهم من الكلام في المحاورات. و أما لو لم يكن كذلك ففي كونه مبطلا ما لم ينطبق عليه عنوان آخر إشكال، للشك في صدق التكلم بالنسبة إليه حينئذ فيكون المرجع أصالتي الصحة و عدم المانعية.

(27) لأنّه كلام في اصطلاح العربية، لاشتماله على الإسناد، و لكن تنزيل الأدلة الشرعية عليه مع ما يقال: من اتفاق كلمة الأصحاب على عدم حصول الكلام بحرف واحد عرفا و لغة مشكل. و لذا التجأ بعضهم إلى الإلحاق الحكمي لا الدخول الموضوعي، و هو أيضا مشكل، لأنّه بعد عدم شمول الأخبار له موضوعا، فالإلحاق الحكمي يحتاج إلى دليل و هو منحصر في الإجماع، و هو مخدوش لأنّه حاصل مما بأيدينا من الأخبار فلا اعتبار به، فيكون المرجع أصالتي الصحة و عدم المانعية.

و لكن يمكن أن يقال: إنّه بعد فرض كونه كلاما في متعارف العربية فتشمله الإطلاقات لا محالة، إذ الموضوع عرفي و الانطباق قهري. و أما الاتفاق على عدم حصول الكلام بالحرف الواحد، فهو مخدوش.

ص: 176


1- الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.

فعل أمر من «وقى» بشرط أن يكون عالما بمعناه و قاصدا له (28)، بل أو غير قاصد أيضا مع التفاته إلى معناه على الأحوط (29).

مسألة 1: لو تكلّم بحرفين حصل ثانيهما من إشباع حركة الأول بطلت

(مسألة 1): لو تكلّم بحرفين حصل ثانيهما من إشباع حركة الأول بطلت (30) بخلاف ما لو لم يصل الإشباع إلى حدّ حصول حرف آخر (31).

مسألة 2: إذا تكلّم بحرفين من غير تركيب

(مسألة 2): إذا تكلّم بحرفين من غير تركيب، كأن يقول:

______________________________

أما أولا: فلعدم ثبوته، قال في الجواهر: «هو- أي الحرف الواحد المفهم للمعنى- كلام عند أهل العربية فضلا عن اللغة و العرف، و كونه لحنا لوجوب إلحاق هاء السكت حال عدم وصله لا ينافي ذلك، لأنّ المقدار على صدق الاسم الذي لا يعتبر فيه الصحة ..» فيستفاد من إرساله ذلك إرسال المسلّمات عدم تحقق الإجماع.

و أما ثانيا: فلأنّ المتيقن من هذا الاتفاق- على فرض ثبوته- إنّما هو فيما إذا لم يكن مفهما للمعنى، إذ كيف يمكن تحقق الاتفاق على عدم كونه كلاما مع اتفاق أهل العربية على كونه كلاما، و الموضوع إنّما هو عرفيّ لغويّ لا أن يكون تعبديا شرعيا حتّى يتعبد بالاتفاق.

(28) لأنّ هذا هو المتيقن من اتفاق أهل العربية على كونه كلاما، و الأدلة الشرعية منزلة عليه أيضا.

(29) لاحتمال أن يكون الإفهام انطباقيا قهريا لا قصديا، كما لا يبعد ذلك.

(30) لصدق التركب من الحرفين بالنسبة إليه حينئذ، إلا أن يدعى الانصراف عن مثل هذا التركب و هو ممنوع.

(31) لأنّه حينئذ حرف واحد مهمل فلا تشمله الأدلة، لما تقدم من اعتبار كونه مركبا من الحرفين و إن كان مهملا، و حينئذ فالمرجع أصالتي الصحة و عدم المانعية.

ص: 177

«ب ب» مثلا ففي كونه مبطلا أو لا، وجهان (32) و الأحوط الأول (33).

مسألة 3: إذا تكلّم بحرف واحد غير مفهم للمعنى

(مسألة 3): إذا تكلّم بحرف واحد غير مفهم للمعنى لكن وصله بإحدى كلمات القراءة أو الأذكار أبطل من حيث إفساد تلك الكلمة إذا خرجت تلك الكلمة عن حقيقتها (34).

مسألة 4: لا تبطل بمدّ حرف المدّ و اللّين و إن زاد فيه بمقدار حرف آخر

(مسألة 4): لا تبطل بمدّ حرف المدّ و اللّين و إن زاد فيه بمقدار حرف آخر، فإنّه محسوب حرفا واحدا (35).

مسألة 5: الظاهر عدم البطلان بحروف المعاني

(مسألة 5): الظاهر عدم البطلان بحروف المعاني (36) مثل

______________________________

(32) منشأهما صدق التركب و لو بنحو الانطباق القهري الخارجي فتبطل، و من أنّ المنساق من التركيب في قولهم، التركيب المتعارف، لا مثل ذلك. و مع الشك فالمرجع أصالة الصحة و عدم المانعية.

(33) جمودا على صدق التركيب، و انسباق المتعارف إنّما هو من باب الغالب لا التقوم الحقيقي.

(34) فتكون حينئذ من الزيادة العمدية الموجبة للبطلان.

(35) و لم يخرج عن حقيقتها، و إلا فيكون مثل المسألة السابقة.

(36) حروف المباني: ما تتركب منها الكلمة، كالباء و التاء و اللام مثلا، و حروف المعاني: ما تستعمل في الكلام للإشارة إلى معنى خاص كالباء في مررت بزيد، و واو العطف، و لام التمليك و نحوها، و جزم في الجواهر بعدم البطلان بالثانية، لعدم الفهم منها وضعا.

و فيه: أنّها موضوعة تلك المعاني، كما ثبت في محلّه. نعم، لا يستفاد منها تلك المعاني إلا بعد انضمام تلك الألفاظ مع غيرها فيشملها إطلاق قولهم:

إنّ الحرف الواحد المفيد يوجب البطلان، إذ ليس المدار في الكلام و التكلم على التأليف بل على الأعم منه و من المفيد، فمهما تحقق أحد الأمرين يتحقق البطلان، و على هذا لو جعل لفظ (ز) إشارة إلى زيد كلّما قال: (ز) يفهم

ص: 178

«ل» حيث إنّه لمعنى التعليل أو التمليك أو نحوهما، و كذا مثل «و» حيث يفيد معنى العطف أو القسم، و مثل «ب» فإنّه حرف جر و له معان، و إن كان الأحوط البطلان مع قصد هذه المعاني (37)، و فرق واضح بينها و بين حروف المباني.

مسألة 6: لا تبطل بصوت التنحنح

(مسألة 6): لا تبطل بصوت التنحنح، و لا بصوت النفخ و الأنين، و التأوه و نحوها (38).

______________________________

المخاطب منه شخص زيد، فظاهر إطلاقهم أنّ الحرف الواحد المفيد مبطل أنّه يوجب البطلان أيضا. ثمَّ إنّه هل المراد بالإفهام النوعي أو يكفي الصنفي، بل و يكفي الشخصي أيضا؟ مقتضى الإطلاق الشمول للجميع حتى الأخير، لصدق اللفظ المفهم بالنسبة إليه أيضا، فعلى هذا لو كان لفظ خاص رمزا مفهما لمعنى خاص بين شخصين فقط و نطق أحدهما به في الصلاة يكون مبطلا، و كذا الرموز الخاصة الموضوعة لجملة من العلوم على ما حدث فيما قارب هذه الأعصار.

(37) إن حصل الإفهام العرفي فالظاهر البطلان لصدق التكلم عرفا، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، فمن قال بالبطلان أي فيما إذا كان مفهما و صح الاكتفاء به، و من قال بالعدم، أي إذا لم يكن كذلك، فإنّه مثل الحرف الواحد المهمل حينئذ.

(38) لأنّ كلّ ذلك ليس من سنخ اللفظ و الكلام بل هي أصوات خاصة لها ألفاظ مخصوصة، و الأصوات غير الألفاظ بلا إشكال، بل هي تكون بمنزلة المعاني لتلك الألفاظ، و الإتيان بالمعاني لا يوجب البطلان بخلاف الألفاظ.

و في موثق عمار: «سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسمع صوتا بالباب و هو في الصلاة فيتنحنح لتسمع جاريته أو أهله لتأتيه، فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو، فقال عليه السلام: لا بأس به» (1).

ص: 179


1- الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

نعم تبطل بحكاية أسماء هذه الأصوات (39) مثل: «أح» و «پف» و «أوه».

مسألة 7: إذا قال: «آه من ذنوبي» أو «آه من نار جهنم» لا تبطل الصلاة

(مسألة 7): إذا قال: «آه من ذنوبي» أو «آه من نار جهنم» لا تبطل الصلاة قطعا إذا كان في ضمن دعاء أو مناجاة (40) و أما إذا قال:

«آه» من غير ذكر المتعلق فإن قدره فكذلك (41) و إلا فالأحوط

______________________________

و في خبر إسحاق عن رجل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المكان يكون عليه الغبار أ فأنفخه إذا أردت السجود؟ فقال عليه السلام: لا بأس» (1).

و هو محمول على فعل النفخ لا التلفظ بلفظه.

و أما خبر طلحة بن زيد عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن عليّ عليه السلام:

«من أنّ في صلاته فقد تكلّم» (2).

فمحمول على الكراهة لقصور سنده عن إثبات الحرمة مع إمكان حمله على ما إذا حدث من الأنين حرفان.

(39) لأنّها ألفاظ بلا ريب فتشملها إطلاقات الأدلة.

(40) لعموم قوله عليه السلام: «لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي به ربّه عزّ و جل» (3).

(41) الاستكانة إلى اللّه عزّ و جل، سواء كانت من مكاره الدنيا و مصائبها، أو من مهالك الآخرة و متاعبها، أو شوق اللقاء كلّ ذلك نحو انقطاع إليه تعالى و عبادة له عزّ شأنه، و قد مدح تعالى خليله بأنّه أوّاه، و ليس تأوه هذا النبيّ العظيم إلا لبعض ما مر. و لا فرق في ذلك بين أن يقول: (آه من ذنوبي) أو (آه مما يرد

ص: 180


1- الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 3.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب القنوت حديث: 2.

اجتنابه (42) و إن كان الأقوى عدم البطلان (43) إذا كان في مقام الخوف من اللّه.

مسألة 8: لا فرق في البطلان بالتكلم بين أن يكون هناك مخاطب أم لا

(مسألة 8): لا فرق في البطلان بالتكلم بين أن يكون هناك مخاطب أم لا، و كذا لا فرق بين أن يكون مضطرا في التكلم أو مختارا (44). نعم، التكلم سهوا ليس مبطلا (45)، و لو كان بتخيل

______________________________

عليّ من الظلم)، أو (آه من تقصيري في عبادة ربّي) إلى غير ذلك، أو قدر المتعلق شيئا منها، لأنّ كلّ ذلك دعاء و انقطاع إليه تعالى. نعم، لو لم يكن في مقام الانقطاع و الاستكانة إليه تعالى فلا وجه للصحة و لو كان في ضمن الدعاء، لأنّه حينئذ مثل قراءة القرآن الذي لا يقصد به.

(42) خروجا عن خلاف من حرمه، و لأنّه حسن على كلّ حال.

(43) لأصالة الصحة و عدم المانعية بعد الشك في شمول الأدلة المانعة له.

(44) كلّ ذلك لإطلاق الأدلة، و اتفاق فقهاء الملة. نعم، يمكن القول بالصحة في مورد الاضطرار، لحديث الرفع (1) لأنّ وروده مورد التسهيل و الامتنان يقتضي رفع المانعية أيضا لا خصوص العقاب فقط.

(45) إجماعا و نصوصا:

منها: صحيح ابن الحجاج: «عن الرجل يتكلّم ناسيا في الصلاة يقول:

أقيموا صفوفكم، فقال عليه السلام: يتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتين» (2).

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلّم، فقال عليه السلام: يتم ما بقي من صلاته تكلّم أو لم يتكلّم و لا شي ء عليه» (3).

و غيرهما من الأخبار.

ص: 181


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 5.

الفراغ من الصلاة (46).

مسألة 9: لا بأس بالذكر و الدعاء في جميع أحوال الصلاة بغير المحرّم

(مسألة 9): لا بأس بالذكر و الدعاء في جميع أحوال الصلاة (47) بغير المحرّم، و كذا بقراءة القرآن (48) غير ما يوجب

______________________________

(46) على المشهور، لإطلاق ما تقدم في صحيح ابن الحجاج و غيره و عن جمع منهم الشيخ رحمه اللّه البطلان، لصدق العمد في الجملة بالنسبة إليه فتشمله الأدلة السابقة، و يأتي في (فصل موجبات سجود السهو) ما ينفع المقام، فراجع.

(47) لأصالة عدم المانعية، و عدم الخلاف بين الإمامية، و نصوص كثيرة:

منها: صحيح الحلبي: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كلّما ذكرت اللّه عزّ و جل و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فهو من الصلاة» (1).

و موثق عمار: «عن الرجل و المرأة يكونان في الصلاة فيريدان شيئا أ يجوز لهما أن يقولا: سبحان اللّه؟ قال عليه السلام: نعم، و يوميان إلى ما يريدان» (2).

و غير ذلك من الأخبار.

(48) لعمومات قراءة القرآن و إطلاقاتها، و لأصالة عدم المانعية، و ظهور الإجماع، و خصوص صحيح ابن وهب (3) المشتمل على قراءة عليّ عليه السلام في الركعة الثانية من الصبح فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لٰا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لٰا يُوقِنُونَ في جواب ابن الكواء حين قرأ وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ و يمكن أن يستفاد

ص: 182


1- الوسائل باب: 13 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

السجود (49). و أما الدعاء بالمحرّم، كالدعاء على مؤمن ظلما فلا يجوز بل هو مبطل للصلاة (50)، و إن كان جاهلا بحرمته (51). نعم، لا يبطل مع الجهل بالموضوع، كما إذا اعتقده كافرا فدعا عليه فبان أنّه مسلم (52).

مسألة 10: لا بأس بالذّكر و الدعاء بغير العربيّ أيضا

(مسألة 10): لا بأس بالذّكر و الدعاء بغير العربيّ أيضا (53) و إن كان الأحوط العربية.

مسألة 11: يعتبر في القرآن قصد القرآنية

(مسألة 11): يعتبر في القرآن قصد القرآنية (54)، فلو قرأ ما هو مشترك بين القرآن و غيره لا بقصد القرآنية و لم يكن دعاء أيضا أبطل (55)، بل الآية المختصة بالقرآن أيضا إذا قصد بها غير القرآن

______________________________

الجواز مما ورد في كراهة قراءة القرآن في الركوع و السجود (1)، بلا فرق بين أحكامه و قصصه و مواعظه و دعواته.

(49) على ما تقدم في (فصل القراءة).

(50) راجع [المسألة 9] من (فصل القنوت).

(51) لعدم اختصاص الأحكام بالعالمين بها، فالحرمة متحققة في الواقع حتّى مع الجهل بها.

(52) لعدم تنجز الحكم مع الجهل بالموضوع فلا حرمة حينئذ في البين حتّى يترتب عليه البطلان.

(53) راجع [المسألة 3] من (فصل القنوت).

(54) لتقوم القرآنية بقصد الإتيان بما نزل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لو إجمالا فلا يصدق القرآن بعدم قصده، فضلا عن قصد غيره أو قصد عدمه و يأتي ذكر الأقسام في مستقبل الكلام.

(55) لأنّه من التكلم العمدي فتشمله الأدلة الدالة على البطلان به، و كذا

ص: 183


1- راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الركوع.

أبطلت، و كذا لو لم يعلم أنّها قرآن (56).

مسألة 12: إذا أتى بالذّكر بقصد تنبيه الغير

(مسألة 12): إذا أتى بالذّكر بقصد تنبيه الغير (57) و الدلالة على أمر من الأمور، فإن قصد به الذّكر و قصد التنبيه برفع الصوت مثلا فلا إشكال في الصحة (58)، و إن قصد به التنبيه من دون قصد الذكر أصلا بأن استعمله في التنبيه و الدلالة فلا إشكال في كونه مبطلا (59)، و كذا إن قصد الأمرين معا على أن يكون له مدلولان و استعمله

______________________________

فيما إذا قصد غير القرآن و لم يكن دعاء.

(56) لعدم تحقق قصد القرآنية، لأنّ قصدها متوقف على العلم بها، و المفروض عدمه، كما أنّ المفروض أنّه ليس بدعاء حتّى يترتب عليه حكم الدعاء، فيكون من الكلام العمدي لا محالة.

(57) قصد تنبيه الغير بالذكر يتصوّر على أقسام ستة:

الأول: قصد الذكر استقلالا و تنبيه الغير برفع الصوت و نحوه.

الثاني: قصدهما معا و تبعية قصد الإفهام لقصد الذكر.

الثالث: قصدهما معا مع تبعية قصد الذكر لقصد الإفهام.

الرابع: قصد الذكر و كون الداعي إليه قصد الإفهام.

الخامس: عكس ذلك.

السادس: قصد كلّ منهما مستقلا في عرض واحد، أو على البدل على فرض إمكان الأول. و لا إشكال في شمول النصوص للأول و الرابع بل الثاني أيضا.

(58) هذا هو القسم الأول الذي تعرضنا له، و وجه الصحة وجود المقتضي لها و فقد المانع فيصح قهرا.

(59) لفرض عدم قصد الذكرية، فيكون من الكلام الآدمي المبطل، و هذا هو القسم الخامس الذي تعرضنا له.

ص: 184

فيهما (60)، و أما إذا قصد الذكر و كان داعيه على الإتيان بالذكر تنبيه الغير فالأقوى الصحة (61).

مسألة 13: لا بأس بالدعاء مع مخاطبة الغير

(مسألة 13): لا بأس بالدعاء مع مخاطبة الغير (62)، بأن يقول: «غفر اللّه لك» فهو مثل قوله: «اللّهمّ اغفر لي أو لفلان».

مسألة 14: لا بأس بتكرار الذّكر أو القراءة

(مسألة 14): لا بأس بتكرار الذّكر أو القراءة عمدا أو من باب

______________________________

(60) لأنّه على فرض إمكانه خلاف أدلة قراءة الذكر و الدعاء عرفا، إذ المنساق منها عدم قصد الغير مستقلا في عرضها، مع الشك في شمول ما تقدم من صحيح الحلبي، و موثق عمار لهذا القسم. و لكن يمكن أن يقال: بشمول إطلاق قراءة الذكر له، بل و إطلاق الصحيح و الموثق أيضا و مع الشك فالمرجع أصالة عدم المانعية، و هذا هو القسم السادس الذي تعرضنا له.

(61) للأصل و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و هذا هو القسم الثاني الذي تعرضنا له، و يمكن القول بشمول إطلاق صحيح الحلبي و موثق عمار للقسم الثالث أيضا.

و خلاصة القول: إنّ المرجع عمومات مبطلية التكلم إن صدق الكلام عليها عرفا و لا يكون حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كما لا تصل النوبة إلى أصالتي الصحة و عدم المانعية، لوجود الدليل اللفظي في البين. نعم، هي المرجع مع الشك في الصدق.

(62) بناء على شمول الدعاء له أيضا لا إشكال في الجواز. و قد أشكل عليه بعدم صدق أنّه مما ناجى به اللّه تعالى، أو كلّم اللّه تعالى، فمقتضى صدق الكلام عليه عرفا و عدم دخوله في عنوان المخصص، أو الشك في دخوله فيه هو البطلان.

و فيه: أنّ المراد بما ناجى به اللّه أو تكلّم اللّه تعالى إنّما هو ذكر اللّه تعالى و هو متحقق مطلقا، إنّما الكلام في أنّ مخاطبة الغير من ذلك أم لا، و مجرد الشك فيه يصلح لجريان أصالة عدم المانعية، و كذا الشك في صدق كلام الآدمي المبطل عليه فيرجع حينئذ إلى أصالة عدم المانعية و أصالة الصحة.

ص: 185

الاحتياط (63) نعم، إذا كان التكرار من باب الوسوسة فلا يجوز، بل لا يبعد بطلان الصلاة به (64).

مسألة 15: لا يجوز ابتداء السلام للمصلّي

(مسألة 15): لا يجوز ابتداء السلام للمصلّي، و كذا سائر التحيات مثل: «صبّحك اللّه بالخير» أو «مسّاك اللّه بالخير» أو «في أمان اللّه» أو «أدخلوها بسلام» إذا قصد مجرد التحية (65)، و أما إذا قصد الدعاء بالسلامة أو الإصباح و الإمساء بالخير و نحو ذلك فلا بأس به (66)، و كذا إذا قصد القرآنية (67) من نحو قوله «سَلٰامٌ عَلَيْكُمْ» أو «ادْخُلُوهٰا بِسَلٰامٍ» و إن كان الغرض منه السلام أو بيان المطلب بأن يكون من باب الداعي على الدعاء أو قراءة القرآن.

مسألة 16: يجوز رد سلام التحية في أثناء الصلاة

(مسألة 16): يجوز رد سلام التحية في أثناء الصلاة (68) بل

______________________________

(63) للأصل و الإطلاق و الاتفاق الشامل كلّ ذلك لصورة التكرار أيضا.

(64) لأنّ الوسوسة من إطاعة الشيطان و لا تجتمع مع إطاعة الرحمن، لما بينهما من المضادة بالوجدان.

(65) لصدق الكلام على جميع ذلك، و عدم صدق الدعاء و مناجاة اللّه عليها، بل يكفي الشك في صدق الدعاء و المناجاة عليها في عدم الجواز بعد صدق التكلّم عليها عرفا.

(66) بناء على جواز الدعاء مع مخاطبة الغير، و قد تقدم في [المسألة 13] ما يتعلق به.

(67) يجري جميع ما تقدم في [المسألة 12] هنا أيضا من الأقسام و الأحكام فلا وجه للتكرار.

(68) للإجماع، و النصوص المستفيضة تأتي الإشارة إليها، مع إمكان دعوى أهمية مراعاة الجواب عن حرمة كلام الآدمي في الصلاة، لأنّه من حقوق الناس.

ص: 186

يجب (69) و إن لم يكن السلام أو الجواب بالصيغة القرآنية (70) و لو عصى و لم يرد الجواب و اشتغل بالصلاة قبل فوات وقت الرد لم تبطل على الأقوى (71).

مسألة 17: يجب أن يكون الرد في أثناء الصلاة بمثل ما سلّم

(مسألة 17): يجب أن يكون الرد في أثناء الصلاة بمثل ما سلّم (72) فلو قال: «سلام عليكم» يجب أن يقول في الجواب:

______________________________

(69) لأنّ كلّ من قال: بالجواز قال: بالوجوب، و الظاهر أنّ من عبّر بالجواز أراد به الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب لا الجواز بالمعنى الأخص الذي يكون في مقابله، فراجع الكلمات، فيكون تعبيرهم بالجواز في مقابل توهم الحظر، أو من قال به من العامة.

(70) لإطلاق النصوص و الكلمات الشامل لكلّ ذلك.

(71) لعدم اقتضاء الأمر بالشي ء النّهي عن ضده، كما ثبت في محلّه و لو فاتت الفورية لصحت الصلاة على القولين إن لم يكن محذور آخر في البين.

(72) لصحيح ابن مسلم: «دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو في الصلاة، فقلت: السلام عليك. فقال عليه السلام: السلام عليك، فقلت:

كيف أصبحت؟ فسكت، فلما انصرف، قلت: أ يرد السلام و هو في الصلاة؟! قال عليه السلام: نعم مثل ما قيل له» (1).

و في صحيح منصور عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلّي، قال عليه السلام: ترد عليه خفيا كما قال» (2).

و مقتضى إطلاق المماثلة، المماثلة من كلّ جهة في الإفراد و الجمع و التعريف و التنكير، و تقديم الظرف و تأخيره. و لكن وردت رواية شارحة لمعنى المماثلة، فلا وجه للأخذ بإطلاق المماثلة، و هي موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

ص: 187


1- الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.

«سلام عليكم»- مثلا- بل الأحوط المماثلة في التعريف و التنكير و الإفراد و الجمع فلا يقول: «سلام عليكم» في جواب «السّلام عليكم» أو في جواب «سلام عليك»- مثلا- و بالعكس و إن كان لا يخلو من منع (73). نعم، لو قصد القرآنية في الجواب فلا بأس بعدم المماثلة (74).

______________________________

«سألته عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة، قال عليه السلام: يرد سلام عليكم و لا يقول: و عليكم السلام فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قائما يصلّي فمرّ به عمار بن ياسر فسلّم عليه عمار فرد عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هكذا» (1).

و صحيح آخر لابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا سلّم عليك مسلم و أنت في الصلاة فسلّم عليه، تقول: السلام عليك و أشر بإصبعك» (2).

و مثله خبر ابن جعفر عليه السلام المرويّ عن قرب الاسناد (3). فتكون هذه الأخبار مبينة لمعنى المماثلة فيسقط إطلاقها عن الحجية لا محالة فلا تنافي بين الأخبار حينئذ، إذ لا وجه لتوهم التنافي بين الشارح و المشروح.

(73) لما تقدم من أنّ المماثلة مفسرة في الروايات بتأخير الظرف عن السلام لا تقديمه عليه، مع إمكان أن يقال: إنّ المنساق من المماثلة عرفا ذلك أيضا، لأنّه المتعارف جدّا، و هذا هو الذي يكون مورد الاهتمام بين الناس غالبا، بل دائما، فيكون المراد من المماثلة تقديمه عليه أيضا في الجواب. و أما الجمع و الإفراد و التعريف و التنكير فليست بتلك المنزلة حتّى تلاحظ مستقلا، بل قد يكون مغفولا عنها.

(74) لانصراف أدلة المماثلة عنه حينئذ. و لكن لا بد من صدق قصد رد التحية في الجملة أيضا، بأنّ قصد القرآنية مطابقة، و قصد رد التحية أيضا بنحو

ص: 188


1- الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 7.
مسألة 18: لو قال المسلم: «عليكم السلام»

(مسألة 18): لو قال المسلم: «عليكم السلام» فالأحوط في الجواب أن يقول: «سلام عليكم» (75) بقصد القرآنية أو بقصد الدعاء.

______________________________

الكناية مع الالتفات إلى عدم مخاطبة الغير و التكلم معه، و إلا فلو قصد القرآنية محضا فلا يتحقق رد التحية، و لو قصد العكس كذلك لا تتحقق القرآنية، كما تقدم من اعتبار قصدها في الجملة.

(75) البحث في هذه المسألة من جهتين:

الأولى: إنّه لو قال المسلّم «عليكم السلام» هل يجب الجواب أم لا؟ عن جمع- منهم صاحب الحدائق- عدم الوجوب، للأصل و تنزل الأدلة على المتعارف- أي الصيغ المعهودة «سلام عليك»، و «سلام عليكم»، و «السلام عليك»، و «السلام عليكم»- و كما في النبويّ و قد سلّم عليه صلّى اللّه عليه و آله و قال: «عليك السلام يا رسول اللّه»، فقال صلّى اللّه عليه و آله:

«لا تقل عليك السلام فإنّ عليك السلام تحية الموتى إذا سلّمت فقل:

سلام عليك، يقول الراد: عليك السلام» (1).

و فيه: أنّ الأصل محكوم بإطلاق الأدلة، و تنزيلها على المتعارف لا يوجب سقوط الإطلاق لأنّه من باب الغالب. و النبوي قاصر سندا، مع ما ورد كثيرا من تقدم السلام على الظرف في تحية الأموات فراجع الزيارات المأثورة بالنسبة إلى المعصومين عليهم السلام و أولادهم، بل و المؤمنين عند حضور قبورهم فمقتضى الإطلاقات وجوب الرد و لو كانت التحية بصيغة «عليكم السلام» مع أنّ الرد من حقوق الناس لا يسقط إلا برضاه.

الثانية: إنّه لو كان ذلك في الصلاة، هل يسقط أصل الرد، أو يجب بمثله، أو يجب بتقديم السلام على الظرف؟ وجوه: منشأ الأول: ما تقدم من

ص: 189


1- سنن أبي داود باب كراهية أن يقول عليك السلام حديث: 509.
مسألة 19: لو سلّم بالملحون وجب الجواب صحيحا

(مسألة 19): لو سلّم بالملحون وجب الجواب صحيحا (76) و الأحوط قصد الدعاء أو القرآن (77).

مسألة 20: لو كان المسلّم صبيا مميّزا أو نحوه

(مسألة 20): لو كان المسلّم صبيا مميّزا أو نحوه أو امرأة أجنبية أو رجلا أجنبيا على امرأة تصلّي فلا يبعد، بل الأقوى جواز الرد بعنوان رد التحية (78)، لكن الأحوط قصد القرآن أو الدعاء (79).

______________________________

عدم وجوب الرد في مثل هذا النحو من السلام و تقدم ما فيه، و منشأ الثاني:

الجمود على ما تقدم في صحيح ابن مسلم من إطلاق المماثلة بعد حمل تقديم السلام على الظرف في التحية على الغالب، و وجه الأخير ما مر من إطلاق موثق سماعة بناء على شموله للمقام الذي قدم فيه الظرف على السلام في التحية فلا يجوز الجواب بعليكم السلام فيه أيضا. و الظاهر هو الأخير، لأنّ قوله عليه السلام: «و لا يقول: «و عليكم السلام» مطلق شامل لما إذا كانت التحية بهذه الصيغة أم لا فيجب الرد بتقديم السلام على الظرف مطلقا، و الأحوط قصد القرآنية بنحو ما مر في المسألة السابقة.

(76) لإطلاق ما دل على وجوب الرد الشامل لهذه الصورة أيضا، هذا إذا لم يخرجه اللحن عن كونه سلاما عرفا، و إلا ففي وجوب الرد إشكال، بل منع لظهور الأدلة في غيره.

(77) لاحتمال سقوط الرد مع كون التحية غلطا. و لكنّه ضعيف فيما إذا لم يخرجه عن كونه سلاما، و إن كان الاحتياط حسنا على كلّ حال بنحو ما مرّ.

(78) لعمومات وجوب رد التحية و إطلاقاتها الشاملة لجميع هذه الصور و عدم الفرق فيها بين ما إذا كان في غير الصلاة أو في أثنائها، و لا دليل على الخلاف إلا احتمال أنّ صوت الأجنبية عورة يحرم سماع الأجنبي له، و السلام المحرّم لا جواب له. و لكنه مردود صغرى و كبرى، كما أنّ احتمال الانصراف عن سلام المميز لا وجه له لظهور الإطلاق في الجميع.

(79) لما مر من الاحتمال في المسألة السابقة، و مر ضعفه.

ص: 190

مسألة 21: لو سلّم على جماعة منهم المصلّي

(مسألة 21): لو سلّم على جماعة منهم المصلّي، فرد الجواب غيره لم يجز له الرد (80). نعم، لو رده صبيّ مميز، ففي كفايته إشكال (81). و الأحوط رد المصلّي بقصد القرآن أو الدعاء.

مسألة 22: إذا قال: «سلام»، بدون «عليكم»

(مسألة 22): إذا قال: «سلام»، بدون «عليكم» وجب الجواب في الصلاة (82) إما بمثله، و يقدر «عليكم»، و إما بقوله:

«سلام عليكم». و الأحوط الجواب كذلك بقصد القرآن أو الدعاء.

مسألة 23: إذا سلّم مرات عديدة يكفي في الجواب مرّة

(مسألة 23): إذا سلّم مرات عديدة يكفي في الجواب مرّة (83). نعم، لو أجاب، ثمَّ سلّم يجب جواب الثاني .....

______________________________

(80) بدعوى عدم بقاء موضوع لرده مع رد غيره فيكون من الكلام المبطل حينئذ. و يمكن دفعه بشمول إطلاق جواز الرد للمصلّي لهذه الصورة أيضا، و لا مانع في البين إلا احتمال الانصراف عنها و هو ممنوع.

(81) منشأه احتمال انصراف ما دلّ على كفاية رد واحد من الجماعة عن رد المميز، و لكنّه باطل لمخالفته للإطلاقات و ترتيب الأثر على ذلك عرفا، بل يستحسن ذلك منه لدى المتشرعة.

(82) لأنّه سلام صحيح شرعي فتشمله الأدلة الدالة على وجوب رد السلام على المصلّي، هذا إذا أحرز أنّه أراد السلام المعهود في الشريعة بأن يكون لفظ الظرف مقدرا.

(83) لأنّ المعهود بين الناس أنّ التعدد في التحيات و المجاملات يكشف عن تحية واحدة، و اهتمام بها، لا أن يكون كلّ واحد موضوعا مستقلا للتحية و هذه قرينة على سقوط الإطلاق عن الظهور في التعدد، و جريان أصالة عدم التداخل، و يشهد له خبر دخول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على عليّ و فاطمة عليهما السلام و هما في لحافهما فسلّم صلّى اللّه عليه و آله عليهما عليهما السلام فاستحييا، فلم يجيبا، ثمَّ سلّم ثانيا فسكتا، ثمَّ سلّم ثالثا، فخافا إن لم يجيبا

ص: 191

أيضا (84) و هكذا، إلا إذا خرج عن المتعارف فلا يجب الجواب حينئذ (85).

مسألة 24: إذا كان المصلّي بين جماعة فسلّم واحد عليهم

(مسألة 24): إذا كان المصلّي بين جماعة فسلّم واحد عليهم فشك المصلّي في أنّ المسلّم قصده أيضا أم لا، لا يجوز له الجواب (86). نعم، لا بأس بقصد القرآن أو الدعاء.

مسألة 25: يجب جواب السلام فورا

(مسألة 25): يجب جواب السلام فورا (87)، فلو أخر عصيانا، أو نسيانا، بحيث خرج عن صدق الجواب لم يجب (88) و إن

______________________________

ينصرف فأجاب مرة (1).

(84) لظهور الإطلاق، و أصالة عدم التداخل و عدم قرينة على الخلاف و لكن الظاهر أنّه يختلف باختلاف الموارد و المقامات، فقد تكون قرينة معتبرة على التأكيد حتّى مع تخلل الجواب، و مع الشك في صدق الإطلاق فالمرجع أصالة عدم الوجوب، لأنّه من الشك في أصل التكليف.

(85) لأصالة البراءة بعد تنزل الأدلة على المتعارف.

(86) لأنّ التمسك للوجوب بالأدلة اللفظية تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فالمرجع إما أصالة عدم قصد المسلم له، أو أصالة البراءة عن وجوب الرد لو علم المصلّي إجمالا أنّه إما قصده أو قصد غيره، و يأتي في [المسألة 35] نظير المقام.

(87) لأنّ مقتضى المرتكزات في رد التحيات القولية إنّما هو الفورية و الأدلة الشرعية منزّلة عليها، مع أنّ ظاهرهم الاتفاق عليه، فلا وجه للتمسك بالإطلاق أو استصحاب بقاء الوجوب.

(88) لتقيد الوجوب بالفورية، و لا وجه لبقائه مع عدم قيده إلا إذا ثبت أنّه

ص: 192


1- الوسائل باب: 40 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

كان في الصلاة لم يجز (89) و إن شك في الخروج عن الصدق وجب و إن كان في الصلاة (90). لكن الأحوط حينئذ قصد القرآن أو الدعاء.

مسألة 26: يجب إسماع الرد

(مسألة 26): يجب إسماع الرد (91)، سواء كان في الصلاة

______________________________

واجب فورا ففورا و لم يثبت ذلك، بل الظاهر عدمه و قد يعد مستنكرا لدى العرف أيضا.

(89) لأنّه حينئذ من الكلام الآدمي الموجب للبطلان بعد عدم شمول دليل الجواز له.

(90) لأنّ المراد بالفورية: الفورية العرفية، و هي قابلة للتشكيك عرفا فيجري فيه الأصل ما لم يعلم بزواله، هذا إذا كان الشك في الشبهة الموضوعية، و أما إذا كان الشك في أصل الموضوع أو في المفهوم المردد، فلا وجه للاستصحاب فيهما، كما ثبت في محلّه، كما لا يجوز التمسك بإطلاق جواز الرد في الصلاة، و لا بإطلاق كونه من الكلام الآدمي، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، فتصل النوبة إلى أصالتي الصحة و عدم المانعية، و طريق الاحتياط ما ذكره في المتن.

(91) لأنّ المجاملات القولية متقومة بالإسماع- و لو تقديرا- عند متعارف الناس بلا فرق بين السلام و جوابه، و الأدلة الشرعية منزّلة على المتعارف أيضا.

و في خبر ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه، و لا يقول: سلّمت فلم يردوا عليّ، و لعلّه يكون قد سلّم و لم يسمعهم، فإذا رد أحدكم فليجهر برده و لا يقول المسلّم: سلّمت فلم يردوا عليّ» (1).

و إطلاقه يشمل حال الصلاة و غيره. و يظهر منهم الإجماع على وجوب الإسماع في غير الصلاة، و لم ينسب الخلاف إلا إلى الأردبيلي (قدّس سرّه)، بل

ص: 193


1- الوسائل باب: 38 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

أم لا، إلا إذا سلّم، و مشى سريعا، أو كان المسلّم أصمّ فيكفي الجواب على المتعارف (92) بحيث لو لم يبعد، أو لم يكن أصم كان يسمع.

مسألة 27: لو كانت التحية بغير لفظ السلام

(مسألة 27): لو كانت التحية بغير لفظ السلام، كقوله:

«صبّحك اللّه بالخير» أو: «مسّاك اللّه بالخير» لم يجب الرد (93) و إن

______________________________

و في الصلاة أيضا و لم يعرف الخلاف إلا ما نسب إلى المعتبر، و يكون الأردبيلي مخالفا فيها أيضا بالأولى.

و أما ما ورد في صحيح منصور المتقدم: «ترد خفيا»، و قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «و أشر بإصبعك» (1)، و في موثق عمار: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك» (2).

فالكل إما محمول على عدم المبالغة في رفع الصوت، أو على التقية، مع أنّه لم يعرف القول بوجوب إخفات الرد في الصلاة، بل لم يعرف جوازه عن أحد إلا ما نسب إلى المعتبر.

(92) لأصالة البراءة عن وجوب المبالغة في الجهر بعد تنزل الأدلة على المتعارف، بل قد يشك في وجوب الرد في الأول خصوصا إن كان المسلّم في مثل السيارة حين سرعة سيرها.

(93) للأصل، و السيرة، و ظهور الاتفاق و ما تقدم في صحيح ابن مسلم و عدم دليل على الوجوب إلا عموم قوله تعالى وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا (3). و هي مفسّرة بالسلام عند جمهور المفسرين و أهل اللغة،

ص: 194


1- تقدم الأول في ص 187 و الثاني في ص 188.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
3- سورة النساء: 86.

كان هو الأحوط (94). و لو كان في الصلاة فالأحوط الرد بقصد الدعاء.

مسألة 28: لو شك المصلّي في أنّ المسلّم سلّم بأيّ صيغة فالأحوط أن يرد بقوله: «سلام عليكم»

(مسألة 28): لو شك المصلّي في أنّ المسلّم سلّم بأيّ صيغة فالأحوط أن يرد بقوله: «سلام عليكم» بقصد القرآن أو الدعاء (95).

______________________________

و يكفي الشك في شمولها لغيرها في عدم جواز التمسك بها، لأنّه حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، مع أنّه لم يقل أحد بوجوب تعويض كلّ بر و إحسان، كما في الحدائق.

(94) خروجا عن شبهة احتمال وجوب التعميم الذي يشهد له ما عن تفسير القمي مرسلا إلى الصادقين عليهما السلام المراد بالتحية في الآية السلام و غيره من البر (1).

و في الخصال عن أبي جعفر عليه السلام عن آبائه عن عليّ عليه السلام:

«إذا عطس أحدكم فسمّتوه قولوا: يرحمكم اللّه، و يقول هو: يغفر اللّه لكم و يرحمكم، قال اللّه تعالى وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا(2).

و في المناقب: «جاءت جارية للحسن بطاقة ريحان، فقال عليه السلام لها: أنت حرة لوجه اللّه، فقيل له في ذلك، فقال عليه السلام: أدبنا اللّه تعالى، فقال وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا، و كان أحسن منها عتقها» (3).

و لكن قصور سندها و احتمال الاستدلال بالآية لمجرد أدنى المناسبة، و إعراض المشهور عنها أوهنها عن الاعتماد عليها.

(95) بناء على أنّ المماثلة المعتبرة في جواب المصلّي يكفي فيها مجرد

ص: 195


1- تفسير القمي ج: 1 صفحة: 145 من طبعة النجف.
2- الوسائل باب: 58 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.
3- البحار ج: 45 صفحة: 48.
مسألة 29: يكره السلام على المصلّي

(مسألة 29): يكره السلام على المصلّي (96).

مسألة 30: رد السلام واجب كفائي

(مسألة 30): رد السلام واجب كفائي (97)، فلو كان المسلّم عليهم جماعة، يكفي رد أحدهم. و لكن الظاهر عدم سقوط

______________________________

تقديم السلام على الظرف، كما مر، و لا تعتبر المماثلة من كلّ وجه، فلا يجب الاحتياط بقصد القرآن أو الدعاء، و إن كان ذلك حسنا بنحو ما مر.

(96) لخبر مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهم السلام قال: «لا تسلّموا على المصلّي، و ذلك لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يرد السلام، لأنّ التسليم من المسلم تطوع، و الرد فريضة» (1).

و في خبر ابن علوان عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: «كنت أسمع أبي يقول: إذا دخلت المسجد الحرام و القوم يصلون فلا تسلّم عليهم- الحديث-» (2).

و بهما تخصص العمومات و تقيد الإطلاقات، و ظاهرهم الإجماع على الكراهة أيضا.

و أما خبر البزنطي عن الباقر عليه السلام قال: «إذا دخلت المسجد و الناس يصلّون فسلّم عليهم، و إذا سلّم عليك فاردد فإنّي أفعله- الحديث-» (3).

فمحمول على أصل الجواز فلا تنافي بين الأخبار، كما لا وجه لما عن جامع المقاصد من عدم الكراهة، لما مر.

(97) نصّا و إجماعا، ففي خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم، و إذا رد واحد أجزأ عنهم» (4).

و مثله مرسل ابن بكير (5).

ص: 196


1- الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 46 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 46 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

الاستحباب بالنسبة إلى الباقين (98)، بل الأحوط رد كلّ من قصد به (99)، و لا يسقط برد من لم يكن داخلا في تلك الجماعة، أو لم يكن مقصودا (100). و الظاهر عدم كفاية رد الصبيّ المميز أيضا (101)، و المشهور على أنّ الابتداء بالسلام أيضا من المستحبات الكفائية (102)، فلو كان الداخلون جماعة يكفي سلام أحدهم و لا يبعد بقاء الاستحباب بالنسبة إلى الباقين أيضا (103)، و إن لم يكن مؤكدا.

مسألة 31: يجوز سلام الأجنبي على الأجنبية

(مسألة 31): يجوز سلام الأجنبي على الأجنبية، و بالعكس

______________________________

(98) لأنّه نحو مجاملة و تودد و تحبب، و لا ريب في رجحان ذلك كلّه هذا في غير الصلاة- و أما فيها فلا وجه للجواز بعد رد البعض، كما مر.

(99) خروجا عن احتمال وجوب الرد عينا لكلّ من قصد في التحية. و لكن الاحتمال ضعيف جدا، و النص و الاتفاق على خلافه.

(100) لعمومات وجوب الرد، و أصالة عدم السقوط عمن قصد.

(101) لاحتمال انصراف الأدلة عنه، و لأنّ عمده خطأ، و عباداته تمرينية.

و الكل باطل لشمول الإطلاقات له أيضا، و قضية عمده خطأ تختص بخصوص الجنايات، و الأخير باطل صغرى و كبرى، كما مرّ مرارا في هذا الكتاب، مع أنّ رد السلام من قبيل أداء الحقوق غير المختصة بأحد لا من العبادات، مع أنّه قد مر عدم اختصاص شرعيتها بالبالغين، فالمقتضي للكفاية موجود. و المانع عنها مفقود، فيكفي رده، و طريق الاحتياط واضح.

(102) لما مر في خبر غياث من قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم».

(103) لإطلاق قول أبي جعفر عليه السلام: «إنّ اللّه عزّ و جل يحب إفشاء السلام- الحديث-» (1).

مع أنّه نحو من الآداب الممدوح عقلا و شرعا.

ص: 197


1- الوسائل باب: 34 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

على الأقوى (104) إذا لم يكن هناك ريبة، أو خوف فتنة، حيث إنّ صوت المرأة من حيث هو ليس عورة (105).

مسألة 32: مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر

(مسألة 32): مقتضى بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر (106) إلا لضرورة (107) لكن يمكن الحمل على إرادة

______________________________

(104) للإطلاقات و العمومات، و في صحيح ربعي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسلّم على النساء، و يرددن عليه السلام، و كان أمير المؤمنين عليه السلام يسلّم على النساء، و كان يكره أن يسلّم على الشابة منهنّ و يقول عليه السلام: أتخوف أن يعجبني صوتها، فيدخل عليّ أكثر مما أطلب من الأجر» (1).

و أما خبر غياث: «لا تسلّم على المرأة» (2)، و في خبر آخر: «لا تبدأوا النساء بالسلام» (3).

فمحمول على تحقق الريبة جمعا و إجماعا.

(105) للأصل بعد عدم دليل عليها، و قد مرّ في [المسألة 25] من (فصل القراءة)، و يأتي في [المسألة 39] من كتاب النكاح ما يتعلق بصوت الأجنبية إن شاء اللّه تعالى.

(106) لخبر غياث: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تبدأوا أهل الكتاب بالتسليم، و إذا سلّموا عليكم فقولوا: و عليكم»(4).

و نحوه غيره.

(107) لأنّ الضرورات تبيح المحظورات، و «ما من شي ء حرّمه اللّه إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (5)، و يشهد له صحيح ابن الحجاج:

ص: 198


1- الوسائل باب: 48 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 131 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 2.
3- الوسائل باب: 131 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 2.
4- الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 39 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 2.

الكراهة (108).

و إن سلّم الذمي على مسلم فالأحوط الرد بقوله: «عليك» (109)

______________________________

«قلت لأبي الحسن عليه السلام: أرأيت إن احتجت إلى طبيب و هو نصراني أسلّم عليه و أدعو له؟ قال عليه السلام: نعم، إنّه لا ينفعه دعاؤك»(1).

و في خبر أبي بصير: «عن الرجل تكون له الحاجة إلى المجوسي، أو إلى اليهودي أو إلى النصراني، أو أن يكون عاملا دهقانا من عظماء أهل أرضه فيكتب له في الحاجة العظيمة أ يبدأ بالعلج و يسلّم عليه في كتابه، و إنّما يصنع ذلك لكي تقضى حاجته؟ فقال عليه السلام: اما أن تبدأ به فلا، و لكن تسلّم عليه في كتابك، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يكتب إلى كسرى و قيصر» (2).

و هذا الخبر و إن كان مورده الكتابة و لكن يشمل السلام القولي أيضا بل بالفحوى. و المراد بالضرورة الضرورات العرفية فتشمل المجاملات الأخلاقية.

(108) لأنّه إذا لم ينفعه السلام و الدعاء لا وجه للحرمة. نعم، حيث إنّ السلام نحو من الاعتناء بالمسلم عليه، و هو بمن يعادي اللّه و رسوله مرجوح لو لم يكن جهة راجحة في البين. و يمكن أن يقال: إنّ السلام على الكافر بل المسلم ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة بعروض الجهات الخاصة و المرجحات.

(109) أما أصل وجوب رد سلام الكافر فتدل عليه الإطلاقات و العمومات من الكتاب و السنة إلا أن يدعى الانصراف و أما كيفية الرد، ففي صحيح زرارة:

«إذا سلّم عليكم مسلم فقولوا: سلام عليكم، فإذا سلّم عليكم كافر فقولوا: عليك» (3).

و نحوه موثق بريد بن معاوية(4).

ص: 199


1- الوسائل باب: 53 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 54 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

أو بقوله: «سلام» دون «عليك» (110).

مسألة 33: المستفاد من بعض الأخبار: أنّه يستحب أن يسلّم الراكب على الماشي

(مسألة 33): المستفاد من بعض الأخبار: أنّه يستحب أن يسلّم الراكب على الماشي، و أصحاب الخيل على أصحاب البغال، و هم على أصحاب الحمير، و القائم على الجالس، و الجماعة القليلة على الكثيرة، و الصغير على الكبير (111). و من المعلوم أنّ هذا مستحب في مستحب (112)، و إلا فلو وقع العكس لم يخرج عن الاستحباب أيضا (113).

______________________________

(110) لخبر زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «تقول في الرد على اليهودي و النصراني: سلام» (1). و ظاهر هذه الأخبار هو الوجوب، إلا أن يقال:

إنّ كونها في مقام توهم الحظر يمنع عن استفادة الوجوب منها و منه يظهر وجه احتياط المصنف (قدّس سرّه).

(111) ففي رواية عنبسة بن مصعب عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«القليل يبدءون الكثير بالسلام، و الراكب يبدأ الماشي، و أصحاب البغال يبدءون أصحاب الحمير، و أصحاب الخيل يبدءون أصحاب البغال» (2).

و في خبر جراح عنه عليه السلام أيضا: «ليسلّم الصغير على الكبير، و المار على القاعد، و القليل على الكثير» (3).

و في المرسل «و إذا لقيت جماعة جماعة، سلّم الأقل على الأكثر، و إذا لقي واحد جماعة يسلم الواحد على الجماعة» (4).

(112) و يمكن أن يكون ذلك كلّه من تأكد الاستحباب، و لعلّه مراده (قدّس سرّه) ذلك أيضا.

(113) لما ثبت في محلّه من أنّ القيود في المندوبات من باب تعدد

ص: 200


1- الوسائل باب: 49 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 45 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 45 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.
مسألة 34: إذا سلّم سخرية أو مزاحا، فالظاهر عدم وجوب رده

(مسألة 34): إذا سلّم سخرية أو مزاحا، فالظاهر عدم وجوب رده (114).

مسألة 35: إذا سلّم على أحد شخصين و لم يعلم أنّه أيّهما أراد

(مسألة 35): إذا سلّم على أحد شخصين و لم يعلم أنّه أيّهما أراد، لا يجب الرد على واحد منهما (115)، و إن كان الأحوط في غير حال الصلاة الرد من كلّ منهما.

مسألة 36: إذا تقارن سلام شخصين

(مسألة 36): إذا تقارن سلام شخصين، كلّ على الآخر وجب على كلّ منهما الجواب (116)، و لا يكفي سلامه الأول، لأنّه لم يقصد الرد، بل الابتداء بالسلام.

مسألة 37: يجب جواب سلام قارئ التعزية و الواعظ و نحوهما من أهل المنبر

(مسألة 37): يجب جواب سلام قارئ التعزية و الواعظ و نحوهما من أهل المنبر. و يكفي رد أحد المستمعين (117).

______________________________

المطلوب مطلقا إلا ما ثبت خلافه.

(114) للأصل بعد انصراف الدليل عنه.

(115) لأصالة البراءة بعد عدم تنجز مثل هذا العلم الإجمالي، لخروج كلّ طرف عن مورد ابتلاء الآخر. و الاحتياط حسن في غير حال الصلاة. و أما فيها فمقتضى أدلة حرمة الكلام المنع و يصح الإتيان بعنوان القرآن و الدعاء.

(116) لإطلاق الأدلة و عمومها الشامل لكلّ واحد منهما بعد عدم صلاحية السلام الابتدائي لكونه جوابا.

(117) أما وجوب أصل الرد إذا قصد بالسلام التحية، فلعموم ما دل على وجوبه، و أما كفاية رد أحد المستمعين فلأنّه واجب كفائي حينئذ فيكتفى فيه برد الواحد، كما في كلّ واجب كفائي على جمع يجزي إتيان الواحد، و لكن لا يسقط عن الجميع إلا بالتحقق خارجا، فمع الشك في أنّه رد أحد أم لا، يبقى الوجوب على الجميع.

ص: 201

مسألة 38: يستحب الرد بالأحسن في غير حال الصلاة

(مسألة 38): يستحب الرد بالأحسن (118) في غير حال الصلاة بأن يقول في: «سلام عليكم»: «سلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته»، بل يحتمل ذلك فيها أيضا (119). و إن كان الأحوط الرد بالمثل.

مسألة 39: يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير و إن كان في الصلاة أن يقول: «الحمد للّه»

(مسألة 39): يستحب للعاطس و لمن سمع عطسة الغير و إن كان في الصلاة أن يقول: «الحمد للّه» أو يقول: «الحمد للّه و صلّى اللّه على محمّد و آله» (120) بعد أن يضع إصبعه على أنفه (121). و كذا

______________________________

(118) لقوله تعالى وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا (1).

المحمول على الندب إجماعا.

(119) بناء على ما تقدم من أنّ المراد بالمثل في ما مرّ من الأخبار مجرد تقديم السلام دون العكس، فيشمل دليل الاستحباب حال الصلاة أيضا.

(120) للنص و الإجماع، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا عطس الرجل في صلاته فليحمد اللّه تعالى» (2).

و خبر أبي بصير: «أسمع العطسة و أنا في الصلاة فأحمد اللّه تعالى و أصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله قال عليه السلام: نعم، و إذا عطس أخوك و أنت في الصلاة، فقل: الحمد للّه و صلّى اللّه على النبيّ و آله و إن كان بينك و بين صاحبك اليم» (3).

(121) ففي خبر مسمع: «عطس أبو عبد اللّه عليه السلام فقال: الحمد للّه ربّ العالمين، ثمَّ جعل إصبعه على أنفه، فقال عليه السلام: رغم أنفي للّه رغما داخرا»(4).

ص: 202


1- سورة النساء: 86.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 62 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

يستحب تسميت العاطس، بأن يقول له: «يرحمك اللّه»، أو «يرحمكم اللّه» (122)،

______________________________

و في خبر الحسن بن راشد عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «من عطس، ثمَّ وضع يده على قصبة أنفه، ثمَّ قال: الحمد للّه ربّ العالمين حمدا كثيرا كما هو أهله، و صلّى اللّه على محمد النبيّ و آله و سلّم، خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد و أكبر من الذباب، حتّى يصير تحت العرش يستغفر اللّه تعالى إلى يوم القيامة» (1).

(122) أما أصل الاستحباب، فتدل عليه نصوص كثيرة، و في بعضها إنّه من حق المؤمن (2). و أما التسميت- فيقرأ بالسين المهملة و بالشين، و عن أبي عبيدة أنّ الثاني أعلى في كلامهم و أكثر.

و أما الكيفية فيدل عليها مضافا إلى ظهور كلمات جمع من الفقهاء و اللغويين فيها، خبر ابن مسلم: «إذا سمعت الرجل فليقل: يرحمك اللّه و إذا رد فليقل:

يغفر اللّه لك و لنا، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سئل عن آية أو شي ء فيه ذكر اللّه، فقال صلّى اللّه عليه و آله كلّما ذكر اللّه عز و جل فيه فهو حسن» (3).

و نحوه خبر الخصال المتقدم (4). و الظاهر أنّ الكيفية الواردة في الأخبار من باب المثال بقرينة قوله صلّى اللّه عليه و آله: «كلّما ذكر اللّه عزّ و جل فيه فهو حسن».

فيتأدى الاستحباب بكلّ ما اشتمل على الترحم و اسم اللّه تعالى، و يشهد له خبر النصراني حيث عطس و سمت بقولهم: هداك اللّه في محضر الصادق عليه السلام و لم ينكر ذلك بل قال عليه السلام له: يرحمك اللّه (5).

ص: 203


1- الوسائل باب: 63 من أبواب أحكام العشرة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب أحكام العشرة.
3- الوسائل باب: 58 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
4- تقدم في صفحة: 195.
5- الوسائل باب: 65 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

و إن كان في الصلاة (123)، و إن كان الأحوط الترك حينئذ. و يستحب للعاطس كذلك أن يرد التسميت بقوله: «يغفر اللّه لكم» (124).

______________________________

(123) على المشهور بلا نقل خلاف فيه، للأصل بعد الشك في شمول أدلة قاطعية الكلام لمثله، و لإطلاق أدلة التسميت الشامل لحال الصلاة أيضا و أنّه من حق المؤمن، بل و إطلاق ما تقدم من خبر ابن مسلم الشامل لحال الصلاة أيضا. و احتمال المانعية من حيث مخاطبة الغير مدفوع بالأصل.

و أما خبر غياث عن الصادق عليه السلام: «في رجل عطس في الصلاة فسمته فقال عليه السلام: فسدت صلاة ذلك الرجل» (1).

فيمكن حمله على التقية، أو على أنّ التسميت لم يكن مشتملا على ذكر اللّه تعالى، و يشهد للتقية ما رواه العامة عن معاوية بن الحكم قال:

«صلّيت خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فعطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك اللّه، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: ما شأنكم تنظرون لي؟! فجعلوا يضربون أيديهم على أفخاذهم، فعلمت أنّهم يعنونني، فلما صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: إنّ هذه الصلاة لا يصح فيها كلام الناس إنّما هي تكبير و قراءة» (2).

(124) لخبر الخصال: «إذا عطس أحدكم فسمتوه، قولوا: يرحمكم اللّه، و هو يقول: يغفر اللّه تعالى لكم و يرحمكم. قال اللّه عز و جل وَ إِذٰا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهٰا أَوْ رُدُّوهٰا (3)».

و عن صاحب الحدائق الوجوب للآية الكريمة، و لا وجه له لما تقدم من سقوط عمومها لغير السلام بلا كلام.

ص: 204


1- الوسائل باب: 18 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.
2- سنن أبي داود ج: 1، صفحة: 336، الرقم: 93.
3- الوسائل باب: 58 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

السادس: تعمد القهقهة

(السادس): تعمد القهقهة (125) و لو اضطرارا (126)، و هي الضحك المشتمل على الصوت و المدّ و الترجيع (127). بل مطلق

______________________________

(125) نصوصا و إجماعا. ففي صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «القهقهة لا تنقض الوضوء، و تنقض الصلاة» (1).

و في موثق سماعة: «سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال عليه السلام: أما التبسم فلا يقطع الصلاة، و أما القهقهة فهي تقطع الصلاة» (2).

و في صحيح ابن أبي عمير: «إنّ التبسم في الصلاة لا ينقض الصلاة، و لا ينقض الوضوء: إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة» (3).

(126) لعموم الأدلة و إجماع الأجلة، مع أنّ الغالب في القهقهة إنّما هو حال الاضطرار. و توهم شمول حديث: «لا تعاد» (4)، و رفع الاضطرار للمقام فتصح الصلاة معه، باطل، لعدم شمول الأول لمورد الإكراه و الاضطرار بالإجماع، و كذا الثاني لا يشمل ما يتقوّم بالاضطرار تقوما عرفيا إذ المنساق منه عرفا ما كان اختياريا بذاته فعرضه الاضطرار، لا ما كان بذاته اضطراريا، مع أنّ الشك في شموله للمقام يكفي في عدمه.

و أما ما يقال: من أنّ حديث الرفع إنّما يرفع المؤاخذة فقط دون الأحكام الوضعية، فهو مخالف لظهور الإطلاق و سياق الرأفة و الامتنان، مع أنّه لو كان له أصل لظهر و بان في عصر الصادقين عليهم السلام لكثرة الابتلاء بهذا الحديث.

(127) القهقهة من المفاهيم المعروفة عند كلّ أحد، و ليست لها حقيقة شرعية بل و لا لغوية غير ما هو المتعارف بين الناس، و المرجع في المشكوك إنّما هو البراءة، كما هو كذلك في جميع الموضوعات التشكيكية. و إنّما الكلام في أنّ الضحك المشتمل على الصوت فقط ملحق بها حكما أم لا، قد يقال:

ص: 205


1- الوسائل باب: 7 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

الصوت، على الأحوط (128). و لا بأس بالتبسم (129) و لا بالقهقهة سهوا. نعم، الضحك المشتمل على الصوت تقديرا، كما لو امتلأ جوفه ضحكا، و احمر وجهه، لكن منع نفسه من إظهار الصوت حكمه حكم القهقهة (131).

______________________________

بالأول، لأنّ الإمام عليه السلام فصل في الجواب بين القهقهة و التبسم فحكم بإبطال الأول دون الأخير، فلا يكون هناك قسم ثالث في البين، فلا بد و أن يكون الضحك المشتمل على الصوت إما ملحق بالتبسم أو بالقهقهة، و الأول خلاف الظاهر فيتعيّن الأخير.

و فيه: أنّه من مجرد الدعوى لأنّه إن كان المراد الدخول الموضوعي فلا وجه له لتباينهما موضوعا، إذ ليس كلّ ضحك مشتمل على الصوت قهقهة عرفا، لأنّ للضحك المشتمل على الصوت مراتب متفاوتة جدّا. و إن كان المراد الإلحاق الحكمي فهو من الترجيح بلا مرجح بعد فقد الدليل على الإلحاق.

و ما يقال: إنّ إخراج التبسم يدل على أنّ كلّما ليس منه عرفا فهو قهقهة.

مردود: بأنّه ليس بأولى من دعوى العكس، بأن يقال: إنّ الحكم بإبطال القهقهة يدل على أنّ كلّما ليس منها فهو تبسم، و مع الشك في الدخول موضوعا أو الإلحاق حكما فالمرجع عدم المانعية.

(128) ظهر مما تقدم وجه الاحتياط.

(129) إجماعا و نصّا، كما تقدم.

(130) للإجماع، و حديث: «لا تعاد الصلاة»(1). و احتمال كون مبطليتها من الوضعيات غير المنوطة بالالتفات، كالحدث. مخالف لظواهر الأدلة.

(131) بناء على أنّ المراد بها الأعم من التحقيقي و التقديري، أو وجود

ص: 206


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

السابع: تعمد البكاء

(السابع): تعمد البكاء (132) المشتمل على الصوت، بل و غير المشتمل عليه (133)

______________________________

دليل على الإلحاق الحكمي. و لكنّه مشكل لفقد الدليل على الإلحاق، و المنساق من الأدلة التحقيقي دون التقديري، فالمرجع أصالة البراءة و الأحوط الإتمام و الإعادة.

(132) إجماعا و نصّا، ففي خبر أبي حنيفة المنجبر: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ فقال عليه السلام: إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان ذكر ميتا له فصلاته فاسدة» (1).

(133) كلما تقدم في القهقهة و الضحك يجري في البكاء المشتمل على الصوت و مجرد خروج الدمع من غير فرق. و المتيقن من الدليل الأول، و الأخير مشكوك فيجري فيه البراءة، مع أنّ مجرد خروج الدمع من العين ليس بشي ء يعتد به حتّى يكون مبطلا.

ثمَّ إنّه قد يستشهد بالخبر على أنّ المراد البكاء المشتمل على الصوت، لأنّ السائل ذكر البكاء ممدودا، و هو ما اشتمل على الصوت، كما عن بعض أهل اللغة.

و فيه أولا: أنّ قول بعض أهل اللغة مجرد استحسان لا دليل على اعتباره، لأنّه مبنيّ على أنّ زيادة المباني تدل على زيادة المعاني و ليست هذه قاعدة عقلية و لا عرفية و لا شرعية.

و ثانيا: أنّ الممدود و المقصور ليسا من الألفاظ الجامدة، بل مشتقان من المصدر- أي مادة: (ب ك ي) و لا إشكال في أنّ معنى المصدر سار مع جميع المشتقات من المبدإ، فإن كان معنى المادة مشتملا على الصوت يكون جميع المتفرعات منها كذلك، و إلا فكذلك أيضا بلا فرق فيه بين المقصور و الممدود،

ص: 207


1- الوسائل باب: 5 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

على الأحوط (134)، لأمور الدنيا (135). و أما البكاء للخوف من اللّه،

______________________________

و احتمال أن تكون المادة موضوعة لمعنيين و الممدود مأخوذ منها باعتبار أحدهما، و المقصور باعتبار الآخر خلاف الأصل مع عدم قرينة عليه، و لاستدلال بقول الشاعر:

بكت عيني و حق لها بكاها و ما يجدي البكاء و لا العويل

لا وجه له، لأنّ الممدود الذي جاء به في المصرع الأخير موافق مع الأول ظاهرا، و إنّما جي ء في الأول مقصورا، لأجل اتصال تاء التأنيث، كما في كلّ ممدود اتصلت التاء به.

و بالجملة هنا أمور كلّها محلّ التأمل:

الأول: هل للبكاء الممدود و المقصور أثر في الأخبار أو لا؟ و قد تفحصنا و لم نجد له أثرا.

الثاني: هل للفرق بينهما مدرك معتبر أو لا، لاختلاف أقوال أهل اللغة فيه، فبعضهم صرّح بأنّ الممدود ما كان مع الصوت، و المقصور ما كان بدونه، و بعضهم يقول: بصحة إطلاق كلّ منهما على كلّ منهما، و بعضهم يقول: إنّ البكاء ممدودا أو مقصورا ما كان مع الصوت، و ما لم يكن فيه صوت لا يسمّى بكاء أصلا؟ و قد تفحصنا فلم نجد فارقا يعتمد عليه.

الثالث: اختصاص الحرمة و المبطلية بخصوص الممدود بحسب الأدلة فإنّه لا دليل عليه إلّا من باب الاقتصار على المتيقن، و مقتضى الجمود على قوله عليه السلام: «إنّ بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان ذكر ميتا فصلاته فاسدة» (1) هو التعميم لكلّ من الممدود و المقصور، لأنّ الفعل يصدق على كلّ منهما، و لكنّه قاصر سندا لا يصح الاستناد عليه إلا في المتيقن من مورد الانجبار.

(134) ظهر وجه الاحتياط مما تقدم.

(135) لأنّ الظاهر أنّ قوله عليه السلام: «و إن كان ذكر ميتا ..» من

ص: 208


1- الوسائل باب: 5 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

و لأمور الآخرة فلا بأس به، بل هو من أفضل الأعمال (136) و الظاهر أنّ البكاء اضطرارا أيضا مبطل (137). نعم، لا بأس به إذا كان سهوا (138). بل الأقوى عدم البأس به إذا كان لطلب أمر دنيوي من اللّه فيبكي تذللا له تعالى ليقضي حاجته (139).

______________________________

باب المثال لكلّ ما يتعلق بالدنيا خصوصا بعد ذكره في مقابل ذكر الجنة و النار، و الظاهر أنّهما مثال أيضا لكلّ ما يتعلق بالآخرة.

(136) لما تقدم في خبر أبي حنيفة، و قد ورد الحث عليه في الصلاة، ففي خبر منصور بن يونس: «إنّه سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتّى يبكي، فقال عليه السلام: قرة عين و اللّه، و قال عليه السلام: إذا كان ذلك فاذكرني عنده» (1).

إلى غير ذلك من الأخبار.

(137) لإطلاق ما تقدم من خبر أبي حنيفة، خصوصا أنّ البكاء على الميت يحصل اضطرارا غالبا.

(138) لحديث: «لا تعاد» (2) كما تقدم في القهقهة.

(139) لأصالة البراءة بعد صحة دعوى أنّ المنصرف من دليل المنع، و المتيقن منه ما كان للدنيا من حيث هي خصوصا بعد ما ورد من الحث عليه، ففي خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«إن خفت أمرا يكون أو حاجة تريدها، فابدأ باللّه تعالى، فمجّده و أثن عليه كما هو أهله و صلّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و اسأل حاجتك و تباك، و لو مثل رأس الذباب إنّ أبي عليه السلام كان يقول: إنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللّه عزّ و جل و هو ساجد باك» (3).

ص: 209


1- الوسائل باب: 5 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب الدعاء حديث: 4.

الثامن: كلّ فعل ماح لصورة الصلاة قليلا كان أو كثيرا كالوثبة، و الرقص، و التصفيق، و نحو ذلك

(الثامن): كلّ فعل ماح لصورة الصلاة قليلا كان أو كثيرا كالوثبة، و الرقص، و التصفيق، و نحو ذلك مما هو مناف للصلاة (140)

______________________________

فروع- (الأول): البكاء على الميت تارة يكون لأجل فراقه و هجرانه، و أخرى يكون في مقام الاشتكاء إلى اللّه عزّ و جل لما وقع عليه من الظلم و الأذى- مثلا- و الظاهر جواز الأخير لانصراف دليل المنع عنه.

(الثاني): إذا صدر منه بكاء، و شك في أنّه من خوف اللّه أو للدنيا، فمقتضى أصالة عدم المانعية الصحة إن لم يكن أصل موضوعي في البين.

(الثالث): لو خرجت الدمعة لمرض أو نحوه ليس ذلك من البكاء.

(الرابع): البكاء عند التظلم إلى اللّه تعالى و الاشتكاء إليه عزّ و جل لا يقطع الصلاة.

(140) لأنّ للصلاة هيئة خاصة و صورة مخصوصة عند المتشرعة تلقّاها الأخلاف عن أسلافهم حتّى تنتهي إلى الشارع، فكلّما كان منافيا لتلك الهيئة و الصورة بحسب نظرهم و ارتكازهم يكون مبطلا لها، و هذا هو مورد الإجماع أيضا. و حينئذ فالفعل المأتيّ به إما أن يقطع بأنّه ماح للصورة بارتكاز المتشرعة، و إما أن يقطع بأنّه لا يمحوها، أو يشك في ذلك. و حكم الأولين معلوم، و المرجع في الأخير البراءة و أصالة الصحة.

ثمَّ إنّه قد اعترف غير واحد من الأساطين بأنّه لا اسم و لا أثر عن لفظ الفعل الكثير في الأخبار، فالمرجع صدق محو الصورة و عدمه.

و أما الاستدلال بما ورد من ترخيص جملة من الأفعال في الصلاة، كقتل الحية، و أخذ الغلام الآبق و نحوهما (1) مما تأتي الإشارة إليها، فلا يستفاد منها قاعدة كلية لا على الجواز و لا على المنع، بل لا بد من تطبيقها على سائر الأدلة،

ص: 210


1- الوسائل باب: 19 من أبواب قواطع الصلاة.

و لا فرق بين العمد و السهو (141). و كذا السكوت الطويل الماحي (142).

و أما الفعل القليل غير الماحي، بل الكثير غير الماحي، فلا بأس به مثل الإشارة باليد لبيان مطلب، و قتل الحية، و العقرب، و حمل

______________________________

مضافا إلى قصور سند بعضها.

(141) لأنّه مع فرض محو الصورة لا يجري حديث: «لا تعاد» (1) الذي موضوعه بقاء هيئة الصلاة عند المتشرعة.

و لكن نسب إلى المشهور عدم البطلان مع السهو، بل يظهر من التذكرة الإجماع عليه، لأنّ عمدة الدليل على البطلان الإجماع و لا إجماع مع السهو.

و فيه: أنّ المناط على مرتكزات المتشرعة، و الإجماع حاصل من تلك المرتكزات و مع حكمهم بمحو الصورة بارتكازهم حتّى مع السهو لا وجه للتمسك بالإجماع و الأخذ بالقدر المتيقن. نعم، لو تردد المتشرعة في محو الصورة مع السهو يصح التمسك بأصالة الصحة و بقاء الهيئة حينئذ.

و أما صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:

«عن رجل دخل مع الإمام في صلاته، و قد سبقه بركعة، فلما فرغ الإمام خرج مع الناس، ثمَّ ذكر أنّه قد فاتته ركعة. قال عليه السلام: يعيدها ركعة واحدة، يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة» (2).

فيمكن حمله على ما إذا لم تمح الصورة، كما يقتضيه قوله عليه السلام:

«إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة»، هذا مع أنّ إتيان ما يمحو الصورة عمدا نادر، فلو لم يكن سهوه مبطلا لما كان لهذه المسألة مورد إلا النادر.

(142) لأنّه بعد محو الصورة عند المتشرعة لا فرق بين أسبابه، إذ المناط كلّه على المحو بأيّ وجه حصل ذلك.

ص: 211


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

الطفل، و ضمه، و إرضاعه عند بكائه، و عدّ الركعات بالحصى، و عدّ الاستغفار في الوتر بالسبحة و نحوها مما هو مذكور في النصوص (143).

و أما الفعل الكثير، أو السكوت الطويل المفوّت للموالاة، بمعنى المتابعة العرفية، إذا لم يكن ماحيا للصورة، فسهوه لا يضرّ (144)، و الأحوط الاجتناب عنه عمدا (145).

التاسع: الأكل و الشرب الماحيان للصورة

(التاسع): الأكل و الشرب الماحيان للصورة، فتبطل الصلاة بهما، عمدا كانا أو سهوا (146). و الأحوط الاجتناب عما كان منهما

______________________________

(143) يأتي التعرض لها في [المسألة 2] من الفصل التالي، فراجع.

(144) لأصالة الصحة، و استصحاب بقاء الهيئة.

(145) راجع [المسألة 2] من (فصل الموالاة).

(146) لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق. ثمَّ إنّ الأكل و الشرب تارة:

ينطبق عليهما عنوان محو الصورة لدى المتشرعة، و أخرى: لا ينطبق، و ثالثة:

يشك فيه، فإن لم يكن للأكل و الشرب موضوعية خاصة في البطلان و كان ذلك لأجل كونهما من موارد محو الصورة فلا بطلان إلا في الصورة الأولى فقط. و أما إن قلنا بأنّ لهما موضوعية خاصة في مقابل محو الصورة فتبطل الصلاة بمجرد المسمّى مطلقا، و لكن لا دليل عليه من الخبر و لا من إجماع معتبر. نعم، ادعي أنّهما ينافيان حالة الإقبال و التوجه إلى اللّه تعالى في الصلاة فتبطل من هذه الجهة.

و فيه: أنّه ممنوع صغرى و كبرى إذ يمكن الإقبال عليه تعالى حين الأكل و الشرب أيضا إذ الإقبال عليه تعالى شي ء و الاشتغال بالأكل و الشرب شي ء آخر، و كم من آكل و شارب مقبل عليه تعالى حين الأكل و الشرب، و كم فارغ عنهما غير متوجه إليه عزّ و جل مع أنّ للإقبال عليه تعالى مراتب متفاوتة جدّا، و لا دليل على اعتبار جملة كثيرة من مراتبه بل يكفي مسماه، و هو إتيان العمل قربة إلى اللّه عزّ و جل و هو يجتمع مع مسمّى الأكل و الشرب أيضا.

ص: 212

مفوّتا للموالاة العرفية عمدا (147). نعم، لا بأس بابتلاع بقايا الطعام الباقية في الفم، أو بين الأسنان، و كذا بابتلاع قليل من السكر، الذي يذوب و ينزل شيئا فشيئا (148).

و يستثنى أيضا ما ورد في النصوص (149) بالخصوص من جواز شرب الماء لمن كان مشغولا بالدعاء، في صلاة الوتر، و كان عازما على الصوم في ذلك اليوم، و يخشى مفاجاة الفجر، و هو عطشان و الماء أمامه و محتاج إلى خطوتين أو ثلاثة، فإنّه يجوز له التخطّي و الشرب حتّى يروى، و إن طال زمانه (150) إذا لم يفعل غير ذلك من

______________________________

(147) منشأه الاحتياط في الموالاة العرفية، فيكون الإتيان بما ينافيها خلاف الاحتياط.

(148) كلّ ذلك لأصالة البراءة، و الصحة، و بقاء الهيئة بعد فقد الدليل على المنع.

(149) ففي خبر سعيد الأعرج: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي أبيت و أريد الصوم، فأكون في الوتر، فأعطش، فأكره أن أقطع الدعاء و أشرب، و أكره أن أصبح و أنا عطشان و أمامي قلة بيني و بينها خطوتان أو ثلاث، قال عليه السلام: تسعى إليها و تشرب منها حاجتك، و تعود في الدعاء» (1).

و في خبره الآخر المروي في الفقيه: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

جعلت فداك إنّي أكون في الوتر، و أكون قد نويت الصوم، فأكون في الدعاء، و أخاف الفجر، فأكره أن أقطع على نفسي الدعاء و أشرب الماء، و تكون القلة أمامي، قال: فقال عليه السلام لي: فاخط إليها الخطوة، و الخطوتين، و الثلاث، و اشرب و ارجع إلى مكانك، و لا تقطع على نفسك الدعاء» (2).

(150) لإطلاق ما مرّ من الخبر ما لم يخرج عن متعارف مثل هذا العمل.

ص: 213


1- الوسائل باب: 23 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

منافيات الصلاة (151). حتّى إذا أراد العود إلى مكانه رجع القهقرى، لئلا يستدبر القبلة.

و الأحوط الاقتصار على الوتر المندوب. و كذا على خصوص شرب الماء، فلا يلحق به الأكل و غيره (152). نعم، الأقوى عدم الاقتصار على الوتر، و لا على حال الدعاء، فيلحق به مطلق النافلة (153)، و غير حال الدعاء. و إن كان الأحوط الاقتصار.

العاشر: تعمد قول: «آمين» بعد تمام الفاتحة

(العاشر): تعمد قول: «آمين» بعد تمام الفاتحة (154)، لغير

______________________________

(151) لعموم أدلتها و إطلاقها الشامل لحال جواز شرب الماء في الوتر أيضا، و جواز الإتيان بمناف دلت عليه النصوص لا يلزم الإتيان بسائر المنافيات ما لم يدل عليها دليل بالخصوص.

(152) اقتصارا في الحكم المخالف للمشهور على خصوص المنصوص.

(153) بدعوى القطع بعدم الخصوصية للوتر، و كذا حال الدعاء مع غيره.

و لكنه مشكل، و منه يعلم وجه الاحتياط.

(154) إجماعا، كما عن جمع، و نصوصا:

منها: صحيح جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كنت خلف إمام، فقرأ الحمد، و فرغ من قراءتها، فقل أنت: الحمد للّه ربّ العالمين، و لا تقل: آمين» (1).

و مثله صحيحا الحلبي (2) و زرارة (3)، و في صحيح معاوية بن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أقول: آمين، إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم و لا الضالّين؟ قال عليه السلام: هم اليهود و النصارى، و لم يجب في هذا» (4).

فإنّ الإعراض عن الجواب مشعر بعدم الترخيص في مورد السؤال.

ص: 214


1- الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.

..........

______________________________

و أما صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: آمين. قال عليه السلام: ما أحسنها و اخفض الصوت بها» (1).

فهو مجمل لا يصلح دليلا للجواز و لا المنع، لأنّ قوله عليه السلام: «ما أحسنها» يحتمل وجوها ثلاثة: التعجب، و كون (ما) نافية و أحسنها صيغة المتكلم، و كون (ما) استفهامية و أحسنها فعل ماض، فيكون الاستفهام إنكاريا، و على الأخيرين يدل على الحرمة بخلاف الأول.

ثمَّ إنّ المحتملات في قول: (آمين) في الصلاة أربعة:

الأول: المانعية، كما هو المنساق من مثل هذه النواهي، و استقرت عليه سيرة فقهاء الإمامية (قدّس سرّهم).

الثاني: الحرمة التكليفية المحضة.

الثالث: و المانعية من حيث إنّه كلام الآدمي إذ ليس بقرآن و لا ذكر و لا دعاء.

الرابع: الكراهة جمعا بين صحيح جميل و سائر الأخبار.

و الأخير: باطل، كما مرّ من إجمال الحديث و ظهور آثار التقية عليه، و كذا الثالث لأنّه اسم فعل بمعنى (اللهم استجب) فيكون من الدعاء واقعا. و كذا الثاني لما مرّ من انسباق المانعية من مثل هذه النواهي فما هو المشهور المدعى عليه الإجماع من البطلان هو المتعيّن. و ما عن المدارك من مجرد الحرمة التكليفية خلاف الإجماعات المنقولة عن الأساطين و سيرة الفقهاء في مثل هذه النواهي ما لم يدل دليل معتبر على الخلاف.

ثمَّ إنّ اختصاص مبطلية قول: (آمين) بما إذا كان بعد الحمد إنّما هو إذا استند في ذلك إلى الإجماع و الأخبار- و هو الحق، كما عرفت- و إلا فلو استند إلى أنّه كلام الآدمي فلا اختصاص له بموضع دون آخر و لكنه فاسد، كما مرّ.

ص: 215


1- الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

ضرورة، من غير فرق بين الإجهار به، و الإسرار للإمام و المأموم، و المنفرد (155). و لا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدعاء (156)، كما لا بأس به مع السهو (157). و في حال الضرورة (158)، بل قد يجب معها (159)، و لو تركها أثم لكن تصح صلاته، على الأقوى (160).

الحادي عشر: الشك في ركعات الثنائية و الثلاثية

(الحادي عشر): الشك في ركعات الثنائية و الثلاثية و الأوليين

______________________________

(155) لإطلاق الأدلة، مثل خبر الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين، قال عليه السلام:

لا» (1).

فيشمل ذلك جميع ما ذكر في المتن.

(156) لعمومات جواز الدعاء في الصلاة، و المفروض أنّه دعاء فتشمله العمومات إلا في مورد خاص نص فيه على عدم الجواز.

(157) للإجماع، و حديث: «لا تعاد» (2).

(158) للإجماع، و لعمومات التقية، و أنّه: «ما من شي ء حرمة اللّه إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (3)، لشمول مثله للحرمة و الحلية، الوضعية و التكليفية.

(159) لما تقدم من التفصيل في [المسألة 32] و ما بعدها من (فصل أفعال الوضوء)، فراجع.

(160) بناء على بقاء ملاك التكليف الواقعي في مورد التقية، و إنّما تؤثر التقية في مجرد الترخيص فقط. و أما بناء على الانقلاب ملاكا و أمرا فلا وجه للصحة. و حيث يحتمل الوجه الثاني فلا وجه للجزم بالصحة، و تقدم منه (قدّس سرّه) في [المسألة 36] من (فصل أفعال الوضوء) الإشكال في الصحة.

ص: 216


1- الوسائل باب: 17 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
3- تقدم مصدره في صفحة: 198.

من الرباعية على ما سيأتي (161).

الثاني عشر: زيادة جزء أو نقصانه عمدا

اشارة

(الثاني عشر): زيادة جزء أو نقصانه عمدا، إن لم يكن ركنا و مطلقا إن كان ركنا (162).

مسألة 40: لو شك بعد السلام في أنّه هل أحدث في أثناء الصلاة أم لا بنى على العدم و الصحة

(مسألة 40): لو شك بعد السلام في أنّه هل أحدث في أثناء الصلاة أم لا بنى على العدم و الصحة (163).

مسألة 41: لو علم بأنّه نام اختيارا

(مسألة 41): لو علم بأنّه نام اختيارا، و شك في أنّه هل أتمّ الصلاة ثمَّ نام، أو نام في أثنائها بنى على أنّه أتمّ ثمَّ نام (164) و أما إذا علم بأنّه غلبه النوم قهرا، و شك في أنّه كان في أثناء الصلاة، أو بعدها، وجب عليه الإعادة (165). و كذا إذا رأى نفسه نائما في

______________________________

(161) راجع (فصل في الشك في الركعات) الشكوك الموجبة لبطلان الصلاة.

(162) يأتي الكلام فيه في مباحث الخلل.

(163) للإجماع، و قاعدة الفراغ، و أصالة عدم حدوث الحدث.

(164) لظهور حال المصلّي الملتفت إلى صلاته في أنّه لا ينام اختيارا في الصلاة، و هو يوجب الاطمئنان العادي بعدم وقوع النوم في الصلاة، و يكفي مثل هذا الاطمئنان العادي في الحكم بالفراغ، هذا مع جريان قاعدة الفراغ إن رأى نفسه فارغا عن الصلاة، و استصحاب بقاء الطهارة إلى حين الفراغ منها.

(165) لقاعدة الاشتغال بعد عدم حاكم عليها، لأنّ ما يحتمل فيه الحكومة إما قاعدة الفراغ، و هي لا تجري في المقام، لعدم إحراز الفراغ بوجه. و كذا لا تجري قاعدة التجاوز أيضا، لعدم إحراز الدخول في غير المترتب على المشكوك. و أما قاعدة الصحة و ظهور حال المصلّي، فهي لا تجري لفرض غلبة النوم و عدم التوجه و الاختيار رأسا. هذا و لكن مقتضى استصحاب بقاء الطهارة إلى آخر الصلاة صحتها، كما في الفرض السابق و هذا أصل موضوعي مقدم على قاعدة الاشتغال، كما ثبت في محلّه.

ص: 217

السجدة، و شك في أنّها السجدة الأخيرة من الصلاة، أو سجدة الشكر بعد إتمام الصلاة (166)، و لا تجري قاعدة الفراغ في المقام (167).

مسألة 42: إذا كان في أثناء الصلاة في المسجد فرأى نجاسة فيه

(مسألة 42): إذا كان في أثناء الصلاة في المسجد فرأى نجاسة فيه، فإن كانت الإزالة موقوفة على قطع الصلاة أتمّها ثمَّ أزال النجاسة (168). و إن أمكنت بدونه، بأن لم يستلزم الاستدبار، و لم يكن فعلا كثيرا موجبا لمحو الصورة، وجبت الإزالة ثمَّ البناء على صلاته (169).

مسألة 43: ربما يقال بجواز البكاء على سيد الشهداء

(مسألة 43): ربما يقال بجواز البكاء على سيد الشهداء

______________________________

(166) ما تقدم في السابق يجري هنا أيضا من غير فرق، و مقتضى استصحاب الطهارة صحة الصلاة أيضا. و عدم وجوب الإعادة أو القضاء أثر شرعي صحيح يكفي في صحة هذا الاستصحاب فيكون حكم الفروع الثلاثة واحدا من جهة استصحاب بقاء الطهارة و عدم تخلل ما ينقض به من الحدث، و يمكن استصحاب بقاء اليقظة أيضا فإنّه عبارة أخرى عن استصحاب الطهارة فلا محذور في البين.

(167) لعدم إحراز الفراغ بوجه. نعم، لو رأى نفسه فارغا تجري القاعدة حينئذ بلا كلام.

(168) إن لم يكن الإتمام منافيا للفورية العرفية، و إلا قطعها و أزال النجاسة، و لو أتمها مع ذلك تصح صلاته و إن أثم، و تأتي هذه المسألة في (فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة) [المسألة 2]، و قد تقدم في [المسألة 4] و ما بعدها من كتاب الطهارة (فصل يشترط في صحة الصلاة) ما ينفع المقام فراجع.

(169) لإطلاق دليل وجوب الإزالة، و ما دل على حرمة قطع الفريضة و الجمع بينهما يقتضي ذلك، و يمكن التمسك له بإطلاق خبر الصدوق رحمه اللّه:

«رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نخامة في المسجد فمشى إليها بعرجون

ص: 218

(أرواحنا فداه) في حال الصلاة و هو مشكل (170).

مسألة 44: إذا أتى بفعل كثير، أو بسكوت طويل و شك في بقاء صورة الصلاة و محوها معه

(مسألة 44): إذا أتى بفعل كثير، أو بسكوت طويل و شك في بقاء صورة الصلاة و محوها معه، فلا يبعد البناء على البقاء (171).

لكن الأحوط الإعادة بعد الإتمام (172).

______________________________

من عراجين أرطاب فحكها، ثمَّ رجع القهقرى فبنى على صلاته» (1).

فإنّه إذا جاز ذلك في النخامة جاز في النجاسة بالأولى.

(170) منشأه الجمود على قوله عليه السلام فيما تقدم: «و إن ذكر ميتا له فصلاته فاسدة» (2) مع احتمال الانصراف عنه عليه السلام. و لكن البكاء على سيد الشهداء عليه السلام تارة: يكون لأنّه قتل مظلوما، و أخرى: لأجل الاشتكاء إلى اللّه تعالى من ظالميه، و ثالثة: لأنّه عليه السلام ظلم في طريق الدعوة إلى اللّه تعالى، و رابعة: لأجل التوسل به عليه السلام إلى اللّه عزّ و جل.

و الإشكال إنّما هو في القسم الأول فقط، و أما بقية الأقسام فالظاهر عدم الإشكال فيها، و يمكن أن يجمع بين قول من قال: بالمنع، و من قال: بالجواز بذلك فالأول: أراد القسم الأول، و الأخير: أراد بقية الأقسام، و بكاء الشيعة- رفع اللّه تعالى شأنهم- عليه عليه السلام غالبا من القسم الأخير، و مع الشك فالمرجع أصالة عدم المانعية.

(171) لأصالة البراءة عن قاطعية الموجود، و استصحاب عدم وصوله إلى حدّ محو الصورة، و استصحاب كون المصلّي في الصلاة و عدم خروجه عنها، بل و استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية الصلاتية، و هي هيئة اعتبارية لها وحدة عند المتشرعة يصح استصحاب بقائها عند الشك في القطع، و هو من الأمور الإضافية يصح إضافته إلى الفاعل، كما يصح إضافته إلى فعله الذي هو الصلاة، فيقال:

قطع زيد صلاته، و قطعت صلاة زيد.

(172) لحسن الاحتياط مطلقا و لو مع الدليل على الخلاف.

ص: 219


1- الوسائل باب: 36 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- تقدم في صفحة: 27.

فصل في مكروهات الصلاة

اشارة

(فصل في مكروهات الصلاة) و هي أمور:

(الأول): الالتفات بالوجه قليلا، بل و بالعين (1) و بالقلب (2).

(فصل في مكروهات الصلاة)

______________________________

(1) يدل عليهما إطلاق خبر عبد الملك:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الالتفات في الصلاة، أ يقطع الصلاة؟

فقال عليه السلام: لا، و ما أحب أن يفعل» (1).

بعد حمله على الالتفات غير المبطل، إذ لا ريب في أنّ للالتفات مراتب كثيرة متفاوتة شدة و ضعفا، سواء أ كان بالوجه، أم بالعين أم بالقلب، أم بالجميع.

(2) يشهد له ما ورد في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا قمت إلى الصلاة .. إلى أن قال عليه السلام: و لا تحدّث نفسك» (2).

و إطلاق خبر الخضر بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل اللّه تعالى عليه بوجهه، فلا يزال مقبلا عليه حتّى يلتفت ثلاث مرات، فإذا التفت ثلاث مرات أعرض عنه» (3).

ص: 220


1- الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(الثاني): العبث باللحية أو بغيرها، كاليد و نحوها (3).

(الثالث): القران بين السورتين على الأقوى، و إن كان الأحوط الترك (4).

(الرابع): عقص الرجل شعره (5). و هو جمعه و جعله في وسط الرأس و شدّه أوليّة و إدخال أطرافه في أصوله، أو ظفره وليّه على الرأس. أو ظفره و جعله كالكبة في مقدم الرأس على الجبهة (6).

______________________________

و يشهد له إطلاق خبر عبد الملك أيضا، و كذا إطلاق سائر الأخبار الشامل لجميع أنحاء الالتفات، و هو مقتضى الأدب أيضا.

(3) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح زرارة: «و لا تعبث فيها بيدك و لا برأسك، و لا بلحيتك» (1).

و مرسل الفقيه: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنّ اللّه تعالى كره العبث في الصلاة» (2).

و إطلاقه يشمل الجميع.

(4) لما تقدم في [المسألة 10] من (فصل القراءة)، فراجع.

(5) لخبر مصادف عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرجل صلّى بصلاة الفريضة و هو معقص الشعر، قال عليه السلام: يعيد صلاته» (3).

المحمول على الكراهة، لقصور سنده عن إفادة الوجوب، مضافا إلى إعراض المشهور عنه. و أما ما عن الخلاف من دعوى الإجماع على عدم الجواز فموهون، إذ كيف يتحقق الإجماع مع ذهاب المشهور إلى الكراهة.

(6) الظاهر أنّ للعقص أقسام مختلفة قال بكلّ قائل، و ليس قسما واحدا

ص: 221


1- الوسائل باب: 12 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب لباس المصلّي حديث: 1.

و الأحوط ترك الكلّ (7)، بل يجب ترك الأخير في ظفر الشعر حال السجدة (8).

(الخامس): نفخ موضع السجود (9).

(السادس): البصاق (10).

(السابع): فرقعة الأصابع، أي نقضها (11).

(الثامن): التمطي.

______________________________

حتّى يكون النزاع في شي ء واحد.

(7) لما نسب إلى المفيد، و الشيخ، و الشهيد (قدّس سرّهم) من عدم الجواز، و لكن لا دليل لهم على ذلك يصح الاعتماد عليه.

(8) إن كان حاجبا، و إلا فلا يجب.

(9) راجع [المسألة 2] من (فصل مستحبات السجود)، هذا إذا لم يتولد منه حرفان، و إلا فيحرم، و كذا في البصاق و الأنين.

(10) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر أبي بصير: «إذا قمت في الصلاة فاعلم أنّك بين يدي اللّه تعالى، فإن كنت لا تراه فاعلم أنّه يراك، فأقبل قبل صلاتك، و لا تمتخط، و لا تبزق، و لا تنقض أصابعك، و لا تورك فإنّ قوما عذبوا بنقض الأصابع و التورك في الصلاة» (1).

و عنه عليه السلام أيضا في صحيح حماد: «و لا تبزق عن يمينك، و لا عن يسارك و لا بين يديك» (2).

(11) لجملة من الأخبار:

منها: ما تقدم من خبر أبي بصير.

ص: 222


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1.

(التاسع): التثاؤب (12).

(العاشر): الأنين (13).

(الحادي عشر): التأوه (14).

(الثاني عشر): مدافعة البول و الغائط (15)،

______________________________

(12) لقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «و لا تتثاءب، و لا تتمط» (1).

و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الرجل يتثاءب في الصلاة و يتمطّى، قال عليه السلام: هو من الشيطان و لن يملكه» (2).

يعني لا بد للمصلّي أن يغلب على الشيطان لا العكس.

(13) كما عن جمع، لقوله: «من أنّ في صلاته فقد تكلّم» (3) بناء على حمله على الكراهة لعدم كونه من الكلام المبطل، و يظهر منهم الإجماع على كراهته أيضا.

(14) لظهور الإجماع على كراهته، و لم أظفر عاجلا على نصّ فيه، هذا إذا كان للدنيا، و أما إذا كان للخشية من اللّه تعالى فلا بأس به، بل راجح، و قد مدح اللّه تعالى خليله عليه السلام بأنّه أوّاه قال تعالى إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ لَأَوّٰاهٌ حَلِيمٌ (4).

(15) لأنّه مناف للإقبال، و من دواعي الاستعجال، و لجملة من الأخبار:

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا قمت إلى الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك، فإنّما لك منها ما أقبلت عليه، و لا تعبث فيها بيديك، و لا برأسك، و لا بلحيتك، و لا تحدّث نفسك، و لا تتثاءب، و لا تتمطّ، و لا تكفّر، فإنّما يفعل ذلك المجوس، و لا تلثم، و لا تحتفز

ص: 223


1- الوسائل باب: 11 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
4- سورة التوبة (9) الآية: 114.

بل و الريح (16).

(الثالث عشر): مدافعة النوم. ففي الصحيح (17): «لا تقم إلى الصلاة متكاسلا، و لا متناعسا و لا متثاقلا».

(الرابع عشر): الامتخاط (18).

(الخامس عشر): الصفد في القيام (19) أي: الأقران بين

______________________________

(تحتقن)، و لا تتفرّج كما يتفرج البعير، و لا تقع على قدميك، و لا تفترش ذراعيك، و لا تفرقع أصابعك، فإنّ ذلك كلّه نقصان من الصلاة. و لا تقم إلى الصلاة متكاسلا، و لا متناعسا، و لا متثاقلا، فإنّها من خلال النفاق» (1).

و في صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا صلاة لحاقن، و لا لحاقنة، و هو بمنزلة من هو في ثوبه» (2).

و في خبر الحضرمي عنه عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: لا تصلّ و أنت تجد شيئا من الأخبثين» (3).

المحمول كلّ ذلك على الكراهة إجماعا.

(16) لأنّه مناف للإقبال، و يمكن أن يستفاد ذلك من إطلاق قوله عليه السلام فيما تقدم من الصحيح: «و لا تحتقن»، و لم أجد فيه نصّا بالخصوص عاجلا.

(17) و هو صحيح زرارة الذي تقدم نقله.

(18) لما تقدم في خبر أبي بصير (4).

(19) لصحيح زرارة: «إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى،

ص: 224


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.
4- تقدم في صفحة: 222.

القدمين معا كأنّهما في قيد.

(السادس عشر): وضع اليد على الخاصرة (20).

(السابع عشر): تشبيك الأصابع (21).

(الثامن عشر): تغميض البصر (22).

(التاسع عشر): لبس الخف، أو الجورب الضيّق الذي يضغطه (23).

(العشرون): حديث النفس (24).

______________________________

دع بينهما فصلا إصبعا أقلّ ذلك إلى شبر أكثره» (1).

(20) لأنّه تشبه باليهود في صلاتهم، ذكر ذلك في مجمع البحرين، و في مختصر النهاية: «الاختصار راحة أهل النار».

(21) لصحيح زرارة: «و لا تشبك أصابعك» (2).

(22) لخبر مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة» (3).

المحمول على الكراهة بقرينة غيره.

(23) يدل عليه مضافا إلى أنّه مناف للإقبال، خبر إسحاق بن عمار قال:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا صلاة لحاقن، و لا لحاقب، و لا لحاذق .. و الحاذق الذي قد ضغطه الخف» (4).

و الظاهر أنّ ذكر الخف من باب المثال فيشمل الجورب أيضا.

(24) لما تقدم في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (5).

ص: 225


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.
5- تقدم في صفحة: 223.

(الحادي و العشرون): قص الظفر و الأخذ من الشعر، و العض عليه (25).

(الثاني و العشرون): النظر إلى نقش الخاتم، و المصحف و الكتاب، و قراءته (26).

(الثالث و العشرون): التورّك بمعنى: وضع اليد على الورك معتمدا عليه حال القيام (27).

(الرابع و العشرون): الإنصات في أثناء القراءة أو الذكر ليسمع

______________________________

(25) لخبر ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام: «سألته عن الرجل يقرض أظافيره أو لحيته و هو في صلاته، و ما عليه إن فعل ذلك متعمدا؟

قال عليه السلام: إن كان ناسيا فلا بأس، و إن كان متعمدا فلا يصلح له» (1).

و في خبره الآخر: «عن الرجل يقرض لحيته و يعض عليها و هو في الصلاة ما عليه؟ قال عليه السلام: ذلك الولع، فلا يفعل، و إن فعل فلا شي ء عليه، و لكن لا يتعوده» (2).

(26) لخبر علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام: «سألته عن الرجل هل يصلح له أن ينظر إلى نقش خاتمه و هو في الصلاة كأنّه يريد قراءته، أو في المصحف، أو في كتاب في القبلة؟ قال عليه السلام: ذلك نقص في الصلاة، و ليس يقطعها» (3).

(27) لما تقدم في خبر أبي عبد اللّه عليه السلام (4)، و في مرسل الفقيه:

«و لا تتورك، فإنّ اللّه عزّ و جل قد عذب قوما على التورك، كان أحدهم يضع يديه على وركيه من ملالة الصلاة» (5).

ص: 226


1- الوسائل باب: 34 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.
4- تقدم في صفحة: 224.
5- من لا يحضره الفقيه ج: 1، صفحة: 198 طبعة النجف الحديثة.

ما يقوله القائل (28).

(الخامس و العشرون): كلّ ما ينافي الخشوع المطلوب في الصلاة (29).

مسألة 1: لا بد للمصلّي من اجتناب موانع قبول الصلاة كالعجب

(مسألة 1): لا بد للمصلّي من اجتناب موانع قبول الصلاة كالعجب، و الدّلال (30)، و منع الزكاة، و النشوز، و الإباق، و الحسد،

______________________________

(28) لمنافاته للإقبال و الخشوع، و لصحيح عليّ بن جعفر عن أخيه عليهما السلام: «سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسمع الكلام أو غيره فينصت ليسمعه، ما عليه إن فعل ذلك؟ قال عليه السلام: هو نقص و ليس عليه شي ء» (1).

و يمكن أن يستفاد مما مر كراهة حديث النفس بالفحوى (2).

(29) بناء على أنّ ترك هذا المندوب مكروه، و هو كذلك لكثرة ما ورد في الترغيب في الخشوع في الصلاة بالسنة شتّى، بل هي ظاهر قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «و لا يشغل قلبه بأمر الدنيا» (3).

(30) لأخبار مستفيضة:

منها: قول الصادق عليه السلام: «من دخله العجب هلك» (4).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ثلاث مهلكات: شح مطاع و هوى متبع، و إعجاب المرء بنفسه» (5).

و الإدلال بالعمل، هو عد النفس عزيزا و الاعتماد على العمل، و قد روي أنّه: «لا يصعد للمدل عمل» (6).

ص: 227


1- الوسائل باب: 10 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 3.
2- تقدم في صفحة: 223.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 8.
5- الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 12.
6- الوسائل باب: 23 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 9.

و الكبر، و الغيبة، و أكل الحرام، و شرب المسكر بل جميع المعاصي (31)، لقوله تعالى إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.

مسألة 2: قد نطقت الأخبار بجواز جملة من الأفعال

(مسألة 2): قد نطقت الأخبار بجواز جملة من الأفعال في

______________________________

(31) لإطلاق الآية الكريمة إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (1)، مضافا إلى نصوص خاصة:

منها: خبر أحمد بن محمد رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ثمانية لا يقبل اللّه لهم صلاة: العبد الآبق حتّى يرجع إلى سيده، و الناشز عن زوجها و هو عليها ساخط، و مانع الزكاة، و تارك الوضوء، و الجارية المدركة تصلّي بغير خمار، و إمام قوم يصلّي بهم و هم له كارهون، و الزبين فقيل يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و ما الزبين؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: الرجل يدافع البول و الغائط. و السكران، فهؤلاء الثمانية لا يقبل اللّه لهم صلاة» (2).

و منها قوله عليه السلام: «إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب» (3).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ المتكبّر ممن لا ينظر اللّه إليه» (4).

و من لا ينظر اللّه إليه كيف يقبل عمله؟!!، و قد ورد أنّ الغيبة تنقض الوضوء (5) و لا بد و أن يحمل على بعض مراتب النقض، و مع نقض الوضوء- و لو ببعض مراتبه- كيف تقبل الصلاة؟!

ص: 228


1- سورة المائدة: 27.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 55 من أبواب جهاد النفس حديث: 6.
4- الوسائل باب: 58 من أبواب جهاد النفس حديث: 13.
5- الوسائل باب: 152 من أبواب آداب العشرة.

الصلاة (32)، و أنّها لا تبطل بها. لكن من المعلوم أنّ الأولى الاقتصار على صورة الحاجة و الضرورة، و لو العرفية (33) و هي: عدّ الصلاة بالخاتم، و الحصى، بأخذها بيده (34)، و تسوية الحصى في موضع السجود (35)، و مسح التراب عن الجبهة (36)، .....

______________________________

(32) و قد أنهاها في الجواهر عند بيان الفعل الكثير إلى أزيد من ثلاثين فراجع، و هي كلّها موافقة لأصالة البراءة، و عدم المانعية، و أصالة الصحة و بقاء الهيئة الصلاتية. و مقتضى هذه الأصول جواز كلّ فعل مباح في الصلاة مطلقا ما لم ينطبق عليه محذور صلاتي، فلا وجه لحصرها في عدد مخصوص اللهم الا أن يكون لأجل متابعة ما ورد في النص بالخصوص.

(33) تأسيا بالمعصومين عليهم السلام، بل و المؤمنين المتحفظين على صلاتهم فإنّهم لا يأتون بهذه الأفعال إلا مع الضرورة العرفية.

(34) لخبر ابن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه، أو بحصى يأخذها بيده فيعد به» (1).

و قد ورد النص بجواز العد بتحويل الخاتم (2)، و بعقد اليد أيضا (3).

و الظاهر أنّ ذلك من باب المثال، فيجوز بكلّ ما يحصل به حفظ عدد الركعات بأي نحو كان.

(35) لخبر يونس بن يعقوب: «رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يسوّي الحصى في موضع سجوده بين السجدتين»(4).

و نحوه موثق إسحاق بن عمار (5).

(36) لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته أ يمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب؟ فقال عليه السلام: نعم، قد كان

ص: 229


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب السجود حديث: 2.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب السجود حديث: 4.

و نفخ موضع السجود (37) إذا لم يظهر منه حرفان (38)، و ضرب الحائط (39)، أو الفخذ (40) باليد لإعلام الغير، أو إيقاظ النائم. و صفق

______________________________

أبو جعفر عليه السلام يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب» (1).

و نحوه خبر البزنطي عن الرضا عليه السلام (2).

(37) لما في موثق الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحدا» (3).

و في مرسل إسحاق بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المكان يكون عليه الغبار أ فأنفخه إذا أردت السجود؟ فقال عليه السلام: لا بأس» (4).

(38) لما مر في [المسألة 6] من (فصل مبطلات الصلاة).

(39) قد ادعي الإجماع عليه، و لما في خبر أبي حبيب ناجية أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ لي رحى أطحن فيها السمسم فأقوم فأصلّي، و أعلم أنّ الغلام نائم فأضرب الحائط لأوقظه؟ فقال عليه السلام: نعم، أنت في طاعة ربّك تطلب رزقك لا بأس» (5).

و مثله خبر أبي الوليد (6).

(40) للإجماع، و لما في خبر عمار بن موسى سأل أبا عبد اللّه عليه السلام:

«عن الرجل و المرأة يكونان في الصلاة فيريدان شيئا أ يجوز لهما أن يقولا:

سبحان اللّه؟ قال عليه السلام: نعم، و يومئان إلى ما يريدان، و المرأة إذا أرادت شيئا ضربت على فخذها و هي في الصلاة» (7).

ص: 230


1- الوسائل باب: 18 من أبواب السجود حديث: 1.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب السجود حديث: 5.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 2.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب السجود حديث: 3.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.
6- الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 8.
7- الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

اليدين لإعلام الغير (41) و الإيماء لذلك (42). و رمي الكلب و غيره بالحجر (43). و مناولة العصا للغير (44). و حمل الصبيّ و إرضاعه (45).

______________________________

(41) كما في صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة، قال: فقال عليه السلام: «يومئ برأسه و يشير بيده، و المرأة إذا أرادت الحاجة تصفق» (1).

و نحوه صحيح الحلبي (2).

(42) كما تقدم في صحيح ابن أبي يعفور، و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة، فقال عليه السلام: يومئ برأسه و يشير بيده و يسبّح» (3).

(43) لخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام:

«سألته عن الرجل يكون في صلاته فيرمي الكلب و غيره بالحجر ما عليه؟ قال عليه السلام: ليس عليه شي ء و لا يقطع ذلك صلاته» (4).

(44) كما في خبر زكريا الأعور قال: «رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلّي قائما و إلى جانبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا له فأراد أن يتناولها، فانحط أبو الحسن عليه السلام و هو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثمَّ عاد إلى موضعه إلى صلاته» (5).

(45) ففي موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس أن تحمل المرأة صبيّها و هي تصلّي و ترضعه و هي تتشهد» (6).

ص: 231


1- الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 12 أبواب القيام حديث: 1.
6- الوسائل باب: 24 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

و حك الجسد (46). و التقدم بخطوة أو خطوتين (47). و قتل الحية، و العقرب (48)، و البرغوث، و البقة، و القملة و دفنها في الحصى (49).

______________________________

و في خبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام: «سألته عن المرأة تكون في صلاة الفريضة و ولدها إلى جنبها يبكي، و هي قاعدة، هل يصلح لها أن تتناوله فتقعده في حجرها و تسكنه و ترضعه؟ قال عليه السلام:

لا بأس» (1).

(46) لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل يحتك و هو في الصلاة، قال عليه السلام: لا بأس» (2).

و يدل عليه صحيح عليّ بن جعفر الآتي.

(47) لما ورد في صحيح البزنطي عن ابن رئاب عن الحلبي أنّه: سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخطو أمامه في الصلاة خطوتين أو ثلاثا؟ قال عليه السلام: نعم، لا بأس» (3).

(48) لجملة من الأخبار، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:

«رجل يرى العقرب و الأفعى و الحية، و هو يصلّي أ يقتلها؟ قال عليه السلام:

نعم، إن شاء فعل» (4)، و في موثق عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون في الصلاة فيقرأ فيرى حية بحياله يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ فقال عليه السلام: إن كان بينه و بينها خطوة واحدة فليخط و ليقتلها، و إلا فلا» (5).

(49) لما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل يقتل البقة و البرغوث و القملة و الذباب في الصلاة أ ينقض ذلك صلاته و وضوءه؟

ص: 232


1- الوسائل باب: 24 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

و حك خرء الطير من الثوب (50). و قطع الثواليل (52). و مسح الدماميل (52). و مس الفرج (53).

______________________________

قال عليه السلام: لا» (1).

و في صحيح ابن مسلم أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام: «عن الرجل تؤذيه الدابة و هو يصلّي، قال عليه السلام: يلقيها عنه إن شاء، أو يدفنها في الحصى» (2).

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا وجدت قملة و أنت تصلّي فادفنها في الحصى»(3).

(50) لصحيح عليّ بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل يرى في ثوبه خرء الطّير أو غيره هل يحكه و هو في صلاته؟ قال عليه السلام: لا بأس» (4).

(51) لصحيح عليّ بن جعفر عليه السلام: «عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول و هو في صلاته، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال عليه السلام: «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس، و إن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله» (5).

(52) لموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن الدمّل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة، قال عليه السلام: يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة»(6).

و يدل عليه صحيح ابن جعفر الآنف الذكر.

(53) لموثق سماعة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يمس ذكره أو فرجه، أو أسفل من ذلك، و هو قائم يصلّي يعيد وضوءه؟ فقال

ص: 233


1- الوسائل باب: 20 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 27 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 27 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
6- الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 8.

و نزع السنّ المتحرك (54). و رفع القلنسوة و وضعها (55). و رفع اليدين من الركوع، أو السجود لحك الجسد (56). و إدارة السبحة (57).

______________________________

عليه السلام لا بأس بذلك إنّما هو من جسده» (1).

و عن معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يعبث بذكره في صلاة المكتوبة، فقال عليه السلام: لا بأس» (2).

و لا يخفى أنّ العبث أخص من مطلق المس.

(54) لصحيح ابن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل يتحرّك بعض أسنانه و هو في الصلاة هل ينزعه؟ قال عليه السلام: إن كان لا يدميه فلينزعه، و إن كان يدميه فلينصرف» (3).

(55) لخبر الغوالي: «روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يضع عمامته عن رأسه في الصلاة و يرفعها من الأرض و يضعها على رأسه» (4).

و يشهد له الأصل، بل الأصول أيضا، كما عرفت.

(56) لصحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام:

«سألته عن الرجل يكون راكعا أو ساجدا فيحكه بعض جسده، هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحك ما حكه؟ قال عليه السلام: لا بأس إذا شق عليه أن يحكه، و الصبر إلى أن يفرغ أفضل» (5)، و إطلاقه يشمل رفع اليدين أيضا.

(57) للأصل، بل الأصول، يمكن أن يستفاد ذلك من مكاتبة الحميري

ص: 234


1- الوسائل باب: 9 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 28 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

و رفع الطرف إلى السماء (58). و حك النخامة من المسجد (59).

و غسل الثوب، أو البدن من القي ء و الرعاف (60).

______________________________

إلى القائم عليه السلام: «هل يجوز للرجل إذا صلّى الفريضة أو النافلة و بيده السبحة أن يديرها و هو في الصلاة؟ فأجاب عليه السلام: يجوز ذلك إذا خاف السهو و الغلط» (1).

بناء على عدم كون قوله: «إذا خاف» من باب التقييد، و إن كان خلاف الظاهر.

(58) لصحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «لا بأس أن يرفع الرجل طرفه إلى السماء و هو يصلّي» (2).

(59) لمرسل الصدوق (قدّس سرّه) «رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نخامة في المسجد فمشى إليها بعرجون من عراجين أرطاب فحكها، ثمَّ رجع القهقرى فبنى على صلاته» (3).

و قال الصادق عليه السلام: «و هذا يفتح من الصلاة أبوابا كثيرة» (4).

(60) لصحيح عمر بن أذينة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّه سأله عن الرجل يرعف و هو في الصلاة و قد صلّى بعض صلاته، فقال عليه السلام: إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت و ليبن على صلاته، فإن لم يجد الماء حتّى يلتفت فليعد الصلاة قال عليه السلام: و القي ء مثل ذلك» (5).

و في صحيح محمد بن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يأخذه الرعاف و القي ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال عليه السلام: ينفتل فيغسل

ص: 235


1- مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 36 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

.....

______________________________

أنفه و يعود في صلاته، و إن تكلّم فليعد صلاته، و ليس عليه وضوء» (1).

و في صحيح عليّ بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام:

«سألته عن رجل رعف و هو في صلاته و خلفه ماء هل يجوز له أن ينكص على عقبيه حتّى يتناول الماء فيغسل الدم؟ قال عليه السلام: إذا لم يلتفت فلا بأس» (2).

ص: 236


1- الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 18.

فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختيارا

اشارة

(فصل) لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختيارا (1) و الأحوط عدم قطع النافلة (فصل)

______________________________

(1) أرسل ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، بل المذهبية إن لم تكن دينية، و عن جمع دعوى الإجماع عليه، و استدلوا عليه بأمور كلّها مخدوشة:

منها: قوله تعالى وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ (1). و فيه: أنّه مجمل يحتمل وجوها، كإيجاد العمل باطلا فاقدا للشرائط و الأجزاء، و إبطال ثوابه بالإحباط، كما يظهر من بعض الروايات، و إبطاله بالمعنى المدعى في المقام. و مع احتماله لهذه الوجوه، كيف يمكن الاستدلال به لأحدها إلا مع القرينة الخارجية، و هي مفقودة للمدعي.

و منها: ما دل على أنّ تحريم الصلاة التكبيرة و تحليلها التسليم (2)بدعوى ظهورها في حرمة المنافيات تكليفا و وضعا. و فيه: أنّ الحرمة الوضعية معلومة، و لذا اشتهر التمسك بها عند الفقهاء. و أما التكليفية فمن مجرد الاحتمال، و لا يكفي ذلك في الاستدلال.

و منها: ما عن العلامة رحمه اللّه: «إنّ الإتمام واجب، و هو ينافي القطع». و فيه: أنّه من المصادرة الواضحة.

ص: 237


1- سورة محمد (صلّى اللّه عليه و آله): 33.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب تكبيرة الإحرام، و باب: 1 من أبواب التسليم.

.....

______________________________

و منها: النصوص الناهية عن ارتكاب المنافيات (1). و فيه: أنّ ظهورها في الحكم الوضعي مما لا ينكر.

و منها: النصوص الدالة على ترخيص أشياء خاصة في الصلاة كما تقدم (2) فيستفاد منها حرمة القطع مطلقا. و فيه: أنّه لا يستفاد منها إلا الحكم الوضعي ترخيصا و منعا و لا ربط لها بالحكم التكليفي.

و منها: ما دل على أنّ «أسرق الناس من سرق من صلاته» (3)، و ما دل على عدم جواز تضييع الصلاة، و أنّها تقول: «ضيعتني ضيعك اللّه» (4)، و ما ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في من لم يتم ركوعه و لا سجوده في صلاته: «لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» (5).

إلى غير ذلك من الأخبار. و فيه: أنّ السرقة من الصلاة، و تضييعها، و عدم إتمام ركوعها و سجودها غير قطع الصلاة اختيارا خصوصا إذا كان لطلب الأفضل، كمن يصلّي في غير المسجد و يقطع صلاته لأن يصلّي فيه أو مع الجماعة أو نحو ذلك من موارد الفضل.

و منها: الاستدلال بما ورد في كثير الشك من قوله عليه السلام: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه» (6). و فيه: أنّ سياقه النهي عن إطاعة الشيطان، و لذا تعم غير الصلاة أيضا، و لا ربط له بالقطع اختيارا.

و منها: الاستدلال بالنصوص المشتملة على الأمر بالإتمام و النهي عن القطع، كصحيح ابن وهب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرعاف أ ينقض الوضوء؟ قال عليه السلام: لو أنّ رجلا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من

ص: 238


1- الوسائل باب: 3 من أبواب قواطع الصلاة، و باب: 15 منها.
2- راجع صفحة: 228- 235.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1، و باب: 2 من أبواب الذكر حديث: 2.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب المواقيت حديث: 17.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 2.
6- الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2.

.....

______________________________

يشير إليه بماء فتناوله فقال (فمال) برأسه فغسله، فليبن على صلاته و لا يقطعها» (1).

و غيره من الأخبار. و فيه: أنّها إرشاد إلى صحة الصلاة و عدم لزوم الاستئناف و لا ربط لها بوجوب الإتمام و حرمة القطع.

و منها: الاستدلال بصحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق، أو غريما لك عليه مال، أو حية تتخوّفها على نفسك، فاقطع الصلاة فاتبع غلامك أو غريمك و اقتل الحية» (2).

و بموثق سماعة: «عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة، فينسى كيسه أو متاعا، يتخوف ضيعته أو هلاكه، قال عليه السلام: يقطع صلاته، و يحرز متاعه، ثمَّ يستقبل الصلاة. قلت: فيكون في الصلاة الفريضة، فتغلب عليه دابة أو تغلب دابته، فيخاف أن تذهب أو يصيب فيها عنت. فقال عليه السلام: لا بأس بأن يقطع صلاته، و يتحرّز و يعود إلى صلاته» (3).

فيستفاد من تعليق الترخيص في القطع على السبب المنع عند عدمه.

و فيه: أنّ مثلهما لا يدلان على أزيد من أصل المرجوحية و مطلق الحزازة في الجملة و أما الحرمة فلا.

و منها: أنّ القطع اختيارا خلاف سيرة المصلّين من المسلمين. و فيه: أنّ السيرة حصلت من قول علمائهم، و الكلام في مدرك قول العلماء (قدّس سرّهم).

فعمدة الدليل على الحرمة الإجماع، و إن نوقش فيه بأنّ مدركه الاستظهار مما ذكر من الأخبار، فلا دليل في البين أصلا.

إن قيل: قد علق جواز القطع في الأخبار على موارد خاصة فلا يجوز في غيرها. يقال: هذا صحيح فيما إذا ثبتت الحرمة أولا بعنوان العموم، و خرج ما خرج لا ما إذا شك في أصل عموم التحريم أولا.

و قد صرّح جمع من متأخري المتأخرين بعدم الوقوف على الدليل، بل في

ص: 239


1- الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

أيضا (2)، و إن كان الأقوى جوازه (3). و يجوز قطع الفريضة (4) لحفظ مال و لدفع ضرر مالي، أو بدني، كالقطع لأخذ العبد من الإباق، أو الغريم من الفرار، أو الدابة من الشراد و نحو ذلك. و قد يجب، كما إذا توقف حفظ نفسه، أو حفظ نفس محترمة، أو حفظ مال يجب حفظه شرعا عليه.

و قد يستحب، كما إذا توقف حفظ مال مستحب الحفظ عليه، و كقطعها عند نسيان الأذان و الإقامة إذا تذكر قبل الركوع.

و قد يجوز، كدفع الضرر المالي الذي لا يضرّه تلفه، و لا يبعد

______________________________

الحدائق عن بعض معاصريه الفتوى بجواز القطع اختيارا، و المتيقن من الإجماع خصوص الفريضة، بل قد صرّح جمع من مدعي الإجماع بذلك، بل عن السرائر و قواعد الشهيد الإجماع على جواز قطع العبادة المندوبة، و يقتضيه أصالة البراءة أيضا، لعدم الدليل عليه، و على فرض اعتبار الإجماع على عدم الجواز، فالمتيقن منه ما إذا لم يكن في البين غرض صحيح عقلائي في القطع، كما هو الحال في جميع الأعمال التي لها وحدة صورية، فلا يقطع في البين إلا لأغراض صحيحة. و يمكن أن يكون الإجماع على فرض اعتباره ناشئا عن هذا الأمر المرتكز في الأذهان لا أن يكون إجماعا تعبديا، و يأتي التفصيل في المسائل اللاحقة.

(2) خروجا عن خلاف جمع، بل نسب عدم جواز قطعها إلى الأكثر و لكن لا دليل لهم عليه، كما تقدم.

(3) للأصل بعد عدم دليل حاكم عليه من عقل أو نقل.

(4) تقدم أنّ عمدة الدليل على عدم الجواز الإجماع، و قد علقه بعض مدعيه على عدم الحاجة، و بعضهم على عدم العذر، و ثالث على عدم الضرورة الدينية، أو الدنيوية، و المنساق من الجميع عدم وجود غرض راجح ديني أو دنيوي في البين.

ص: 240

كراهته لدفع ضرر مالي يسير. و على هذا فينقسم إلى الأقسام الخمسة (5).

______________________________

(5) يظهر ذلك من الذكرى و المسالك و غيرهما، و هو المطابق لمجموع ما وصل إلينا من الأدلة بعد رد بعضها إلى بعض، و لبناء الناس في أعمالهم التي لها هيئة اتصالية و وحدة عرفية، فإنّ هذا البناء منهم من سنخ اللااقتضاء يختلف باختلاف الأغراض و الجهات، و مورد وجوب القطع إذا توقف عليه حفظ النفس المحترمة، و مورد استحبابه ترك الأذان و الإقامة نسيانا، و قد تقدم في [المسألة 4] من فصل (يستحب في الأذان و الإقامة أمور)، و لقراءة الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة، و قد تقدم في [المسألة 5] من فصل (مستحبات القراءة)، و العدول من الفريضة إلى النافلة لدرك الجماعة، و قد تقدم في [المسألة 11] من فصل (أحكام الأوقات)، و يأتي في [المسألة 27] من فصل (أحكام الجماعة).

و مورد كراهته حفظ المال اليسير الذي لا يضر و مورد الحرمة ما إذا لم يكن غرض صحيح في القطع. و مورد الإباحة موارد الأغراض الصحيحة دينية كانت، أو دنيوية.

فروع- (الأول): لو اعتقد وجود غرض صحيح و قطع الصلاة لأجله فبان الخلاف لا إثم عليه، و لو اعتقد عدمه و قطع مع ذلك فبان وجوده لا شي ء عليه إلا حكم التجرّي.

(الثاني): لو اعتقد وجود غرض صحيح خاص فقطع فبان عدمه مع وجود غرض صحيح آخر في البين، فالظاهر عدم الإثم عليه، لتحقق منشإ القطع واقعا و التخلف الفردي لا يضرّ بوجود أصله.

(الثالث): يثبت الغرض الصحيح بالوجدان، و بإخبار من يعتمد على قوله، و هل يثبت بمجرد الخوف النفساني؟ الظاهر ثبوته إن كان مما يعتني به العقلاء.

(الرابع): مقتضى الأصل عدم حرمة إبطال صلاة المصلّي بالنسبة إلى غيره، و إن كان الأحوط الترك.

ص: 241

مسألة 1: الأحوط عدم قطع النافلة المنذورة

(مسألة 1): الأحوط عدم قطع النافلة المنذورة (6)، إذا لم تكن منذورة بالخصوص، بأن نذر إتيان نافلة، فشرع في صلاة بعنوان الوفاء لذلك النذر. و أما إذا نذر نافلة مخصوصة، فلا يجوز قطعها قطعا (7).

مسألة 2: إذا كان في أثناء الصلاة فرأى نجاسة في المسجد أو حدثت نجاسة

(مسألة 2): إذا كان في أثناء الصلاة فرأى نجاسة في المسجد أو حدثت نجاسة، فالظاهر عدم جواز قطع الصلاة لإزالتها، لأنّ دليل فورية الإزالة قاصر الشمول عن مثل المقام (8). هذا في سعة الوقت و أما

______________________________

(الخامس): لو شك في مورد لأجل غرض في حرمة القطع و عدمها، فمقتضى الأصل عدم الحرمة بعد صحة دعوى أنّ المتيقن من مورد الإجماع على الحرمة إنّما هو صورة إحراز عدم العذر في القطع.

(السادس): إذا شك في أنّه هل حصل قصد القطع أم لا؟ مقتضى الأصل عدمه.

(6) بناء على دخولها في معقد الإجماع المدعى على حرمة قطع الفريضة و لكنّه مشكل، لظهور الفريضة في الفرائض المعهودة، و قد مرّ الإشكال في أصل ثبوت الإجماع فضلا عن تعميمه للمقام.

(7) إن رجع النذر إلى نذر عدم قطعها فيجب الوفاء بالنذر حينئذ، و أما إذا لم يكن راجعا إلى ذلك فيشكل حرمة القطع، بل مقتضى الأصل عدمها بعد الشك في شمول الدليل لها، و طريق الاحتياط واضح.

(8) تقدم ذلك في [المسألة 5] من كتاب الطهارة في فصل (يشترط في صحة الصلاة)، و قد مرّ هناك أنّ المناط على المنافاة للفورية العرفية فمع المنافاة لها أو لزوم الهتك وجب القطع، و إلا فلا. و مع الشك في المنافاة و عدمها مقتضى الأصل عدم وجوب القطع، مع أنّه بعد عدم تمامية الدليل على حرمة القطع و جوازه لكلّ غرض راجح عرفا، فيجوز القطع و لو مع عدم المنافاة للفورية، لأنّ تطهير المسجد من أهمّ الأغراض العرفية و الشرعية.

ص: 242

في الضيق فلا إشكال (9). نعم، لو كان الوقت موسعا، و كان بحيث لو لا المبادرة إلى الإزالة فاتت القدرة عليها، فالظاهر وجوب القطع (10).

مسألة 3: إذا توقف أداء الدّين المطالب به على قطعها

(مسألة 3): إذا توقف أداء الدّين المطالب به على قطعها فالظاهر وجوبه في سعة الوقت (11)، لا في الضيق (12)، و يحتمل في

______________________________

(9) يعني يجب الإتمام، لأهمية وجوبه حينئذ عن فورية الإزالة. و لكنّه مشكل في بعض مراتب الهتك و بعض مراتب النجاسة، فيحتمل القول بالجمع بين إتيان الصلاة مشتغلا بالإزالة، مع إمكان الجمع بينهما و مع عدمه يقطعها و يشتغل بالإزالة لأنّها غرض صحيح شرعي و لا دليل على حرمة القطع في مثله، كما لا وجه لملاحظة الترجيح بين وجوب الإتمام و وجوب الإزالة، لفرض سقوط وجوب الإتمام لكلّ غرض صحيح شرعي.

(10) لوجود المقتضي للوجوب و فقد المانع عنه، إذ ليس ما يحتمل للمانعية إلا الاشتغال بالفريضة و حرمة قطعها، و تقدم جواز القطع للغرض الشرعي من دون ملاحظة الأهمية و لا ريب في كون فورية الإزالة من الغرض، هذا كلّه إذا كان الإتمام منافيا للفورية العرفية. و أما مع عدم المنافاة- كما هو الغالب، بل الدائم- فلا تصل النوبة إلى هذه الفروع، إذ لا يرى العرف إتمام الصلاة مطلقا منافيا للفورية، كما إذا كان الشخص مشتغلا بالأكل و بقيت منه لقمات أخرى فلو أتم أكله و شرع في الإزالة لا ينافي ذلك الفورية العرفية، و كذا إذا كان في بيت الخلاء لقضاء الحاجة مثلا إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة.

(11) لأنّه من الأغراض الصحيحة الشرعية التي تقطع لها الصلاة مع ما تسالموا عليه من تقديم حق الناس على حق اللّه تعالى عند الدوران و إن كانت هذه الكلية مخدوشة، كما يأتي تفصيلها في الموارد المناسبة إن شاء اللّه تعالى.

(12) لأهمية الصلاة حينئذ قولا واحدا.

ص: 243

الضيق وجوب الإقدام على الأداء متشاغلا بالصلاة (13).

مسألة 4: في موارد وجوب القطع إذا تركه و اشتغل بها فالظاهر الصحة

(مسألة 4): في موارد وجوب القطع إذا تركه و اشتغل بها فالظاهر الصحة، و إن كان آثما في ترك الواجب (14) لكن الأحوط الإعادة (15) خصوصا في صورة توقف دفع الضرر الواجب عليه (16).

مسألة 5: يستحب أن يقول حين إرادة القطع في موضع الرخصة

(مسألة 5): يستحب أن يقول حين إرادة القطع في موضع الرخصة، أو الوجوب: «السّلام عليك أيّها النّبيّ، و رحمة اللّه و بركاته» (17).

______________________________

(13) جمعا بين الحقين، و لأنّ جملة من واجبات الصلاة تسقط مع الضرورة، و المقام من مصاديقها، هذا كلّه مع المنافاة للفورية العرفية و عدم إحراز رضا الدّائن بالتأخير بقدر إتمام الصلاة، و كلّ منهما ممنوع خصوصا الأخير إذ أيّ مسلم، بل أي ذي وجدان لا يرضى بالتأخير بقدر إتمام الصلاة.

(14) لأنّ المتفاهم عند المتشرعة أنّ القطع ضد الإتمام، و قد ثبت في محلّه أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه، مع أنّ النهي عن الإتمام ليس لأجل مفسدة في المتعلق حتّى لا يصح التقرب به، و إنّما هو لأجل جهة عرضية خارجية هي إزالة النجاسة، و مثل هذه النواهي لا دلالة لها على البطلان.

(15) خروجا عن خلاف من أوجبها، و لكنه بلا دليل، كما لا يخفى على الخبير.

(16) القطع الواجب تارة: لأجل الإتيان بواجب أهم، كإزالة النجاسة عن المسجد، أو حفظ نفس محترمة، و نحوهما. و أخرى لدفع الضرر عن النفس و العرض و المال. و في الصورة الثانية يمكن دعوى انطباق عنوان الإضرار على ذات الصلاة، لكونها سببا لوقوع الضرر فتصير ذا مفسدة من هذه الجهة فتبطل.

(17) تنزيلا للقطع المأذون فيه شرعا منزلة الفراغ و الإتمام يكون بالسلام فكذا في المقام. و إنّما يقال: السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّه و بركاته و لا يقال: السلام علينا، و لا السلام عليكم، فرقا بين الفراغ التنزيلي و الفراغ

ص: 244

.....

______________________________

الواقعي، و هذا المقدار يكفي في الاستحباب بعد بنائه على المسامحة. و قال في الذكرى: «إذا أراد القطع، فالأجود التحليل بالتسليم، لعموم: تحليلها التسليم».

و نحوه ما في فوائد الشرائع إلا أنّه قال: فالأحسن. و ظاهره الإتيان أما بالسلام علينا، أو السلام عليكم، فلا ينطبق قول الماتن رحمه اللّه عليهما إلا بما قلناه. و الحمد للّه أولا و آخرا.

ص: 245

فصل في صلاة الآيات

اشارة

(فصل في صلاة الآيات) و هي واجبة (1) على الرجال، و النساء و الخناثى (2).

و سببها أمور

اشارة

و سببها أمور:

الأول و الثاني: كسوف الشمس، و خسوف القمر

(الأول) و (الثاني): كسوف الشمس، و خسوف القمر (3)، و لو (فصل في صلاة الآيات)

______________________________

(1) نصوصا، و إجماعا، بل ضرورة من المذهب إن لم يكن من الدّين في الجملة.

(2) للإطلاق، و الاتفاق، و قاعدة الاشتراك، و خصوص خبر ابن جعفر عليه السلام: «عن النساء هل على من عرف منهنّ صلاة النافلة و صلاة الليل، و الزوال، و الكسوف ما على الرجال؟ قال عليه السلام: نعم» (1).

و أما الخناثى فإن كانت من إحدى الطائفتين، فيشملها الدليل قطعا، و أما إذا كانت طبيعة ثالثة فهي كذلك، للقطع بأنّها ليست كالحيوان.

(3) نصوصا، و إجماعا:

منها: ما في خبر عليّ بن عبد اللّه عن أبي الحسن موسى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حديث موت إبراهيم بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال صلّى اللّه عليه و آله: «يا أيها الناس إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه، يجريان بأمره، مطيعان له، لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته، فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا. ثمَّ نزل فصلى بالناس صلاة الكسوف» (2).

ص: 246


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الآيات حديث: 10.

بعضهما (4)، و إن لم يحصل منهما خوف (5).

الثالث: الزلزلة

(الثالث): الزلزلة (6)، و هي- أيضا- سبب لها مطلقا و إن لم يحصل بها خوف على الأقوى (7).

______________________________

(4) للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(5) لإطلاق الروايات، و معاقد الإجماعات. و أما خبر الفضل: «إنّما جعلت للكسوف صلاة لأنّه من آيات اللّه تعالى لا يدرى الرحمة ظهرت أم لعذاب، فأحبّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن تفزع أمته إلى خالقها و راحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرّها و يقيهم مكروهها، كما صرف عن قوم يونس عليهم السلام حين تضرّعوا إلى اللّه عزّ و جل» (1).

فهو بيان لحكمة التشريع لا أن يكون لبيان كون خوف العذاب قيدا للحكم و علّة له، و الشك فيه يكفي في عدم إحراز القيدية.

(6) إجماعا، و نصّا، ففي خبر سليمان المنجبر: «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الزلزلة ما هي؟ فقال عليه السلام: آية- إلى أن قال- قلت: فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال عليه السلام: صلّ صلاة الكسوف» (2).

و أما خبر عمارة: «إنّ الزلازل و الكسوفين و الرياح الهائلة من علامات الساعة، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فتذكروا قيام الساعة و افزعوا إلى مساجدكم» (3).

فهو لا ينافي وجوب الصلاة، بل يشهد له، لأنّ الفزع إلى المساجد يمكن أن يكون لإتيان صلاة الآيات فيها.

(7) لإطلاق النص و الفتوى الشامل لما إذا لم يحصل الخوف أيضا.

ص: 247


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الآيات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الآيات حديث: 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الآيات حديث: 4.
الرابع: كلّ مخوف سماوي

(الرابع): كلّ مخوف سماوي (8)

______________________________

(8) إجماعا، و نصوصا:

منها: صحيح محمد بن مسلم و زرارة: «قلنا لأبي جعفر عليه السلام:

أرأيت هذه الرياح و الظلم التي تكون هل يصلّى لها؟ فقال عليه السلام: كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن» (1).

و أشكل عليه تارة: بأنّه يحتمل أن يكون السؤال إنّما وقع عن أصل المشروعية، فلا يدل على الوجوب. و فيه: أنّ قوله عليه السلام: «فصلّ له صلاة الكسوف» ظاهر في الوجوب، و المدار في استفادة الوجوب على ظهور قول الإمام عليه السلام فيه لا على الاحتمال في سؤال السائل.

و أخرى: بأنّ قوله عليه السلام: «حتّى تسكن» إن حمل على تطويل الصلاة فهو مندوب قطعا، و إن حمل على حكمة التشريع فتكون أعمّ من الوجوب، فيخدش به ظهور قوله عليه السلام: «فصل له صلاة الكسوف» في الوجوب.

و فيه: أنّه يمكن أن يحمل ذلك على الندب بقرينة خارجية، و التفكيك بين جملات الروايات شائع، كما أنّه يمكن أن يحمل على حكمة التشريع، و ذلك لا ينافي أيضا ظهور قوله عليه السلام: «فصل له ..» في الوجوب، لأنّ تسكين الآيات المخوفة واجب عند العقلاء.

و منها: صحيح ابن مسلم و بريد عن أبي جعفر عليه السلام و أبي عبد اللّه عليه السلام قالا: «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة» (2).

و أشكل عليه تارة: بإجمال ضمير الإشارة. و فيه: أنّ قولهما

ص: 248


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الآيات حديث: 4.

أو أرضى (9)، كالريح الأسود ..........

______________________________

عليهما السلام في الصحيح السابق: «كلّ أخاويف السماء.» يرفع هذا الإجمال، إذ الروايات يبين بعضها بعضا.

و أخرى: بأنّه في مقام بيان عدم المزاحمة بين الفريضة و صلاة الآية، لا في مقام بيان وجوبها. و فيه: أنّ قوله عليه السلام: «فصلّها» ظاهر في الوجوب، و الظاهر كون الإمام عليه السلام في مقام بيان وجوبها بهذه الجملة، و عدم المزاحمة يستفاد من الجملة الأخرى. فيشتمل قوله عليه السلام على حكمين مستقلّين بالنسبة إلى صلاة الآية وجوب أصلها، و عدم المزاحمة بها مع الفريضة.

و منها: صحيح عبد الرحمن: «سئل الصادق عليه السلام عن الريح و الظلمة تكون في السماء و الكسوف، فقال الصادق عليه السلام: صلاتهما سواء» (1).

و إطلاق التسوية يقتضي التسوية في تمام الجهات، حكما و موضوعا.

(9) نسب ذلك إلى كثير من الفتاوى. و استدل عليه بوجوه:

الأول: أنّ المراد بأخاويف السماء مطلق الأخاويف النوعية المنسوبة إلى خالق السماء، كما يقال: تلف سماويّ، و آفة سماوية.

الثاني: ما تقدم من التعليل في خبر الفضل من قوله عليه السلام: «لأنّه من آيات اللّه» (2)، و المنساق منه الآيات الخاصة التي يمكن أن تعد من علامات غضب اللّه تعالى.

الثالث: صحة دعوى الأولوية بالنسبة إلى الزلزلة و الكسوفين، لأنّه إذا وجبت الصلاة فيها مع عدم حصول الخوف، فيكون الوجوب بالنسبة إلى ما يخاف منه بالأولى.

ص: 249


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2.
2- تقدم في صفحة: 247.

أو الأحمر أو الأصفر، و الظلمة الشديدة، و الصاعقة، و الصيحة، و الهدة، و النار التي تظهر في السماء، و الخسف، و غير ذلك من الآيات المخوّفة عند غالب الناس. و لا عبرة بغير المخوف (10) من هذه المذكورات، و لا بخوف النادر (11)، و لا بانكساف أحد النيّرين ببعض الكواكب الذي لا يظهر إلا للأوحدي من الناس، و كذا بانكساف بعض الكواكب ببعض إذا لم يكن مخوفا للغالب من الناس (12).

______________________________

إن قلت: فعلى هذا تجب الصلاة في مثل الوباء، و الطاعون، و السيل العظيم و نحوها.

(قلت): يمكن دعوى انصراف الأدلة عنها، مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب فيها.

(10) للأصل، و اختصاص الأدلة بالمخوف.

(11) لابتناء الأحكام على الغالب، دون النادر، كما هو مذكور في علل الأحكام، راجع علل الصدوق، و ابن شاذان (قدّس سرّهما).

(12) للأصل، و الانصراف، بل و كذا انكساف الشمس أو القمر إذا لم يظهر إلا للأوحدي، إذ الأدلة منصرفة عن مثله. هذا مضافا إلى ظهور الاتفاق على عدم الوجوب في ذلك كلّه.

ثمَّ إنّ جميع هذه الآيات- سماوية أو أرضية- من فعل اللّه تعالى تحصل بإرادته و اختياره، و فيها مصالح كثيرة، منها: تنبيه الغافلين، و منها: إراءة بعض ما في القيامة من الأهوال العظيمة في الدنيا إتماما للحجة، و منها: أنّ الحوادث و التغييرات و التبدلات تعرض جميع الممكنات، و لا اختصاص لها بممكن دون آخر، و لا تختص بخصوص الإنسان، و ذلك كلّه لا ينافي ما أثبتوه في العلوم الطبيعية من أسباب خاصة طبيعية لحدوثها، إذ الطبيعة بجميع شؤونها- من ذاتها، و أطوارها و سلسلة أسبابها و مسبباتها- مقهورة تحت إرادة اللّه تعالى، و لكن خفيت على الناس لقصر عقولهم عن درك غير الحسيات، و إلا فالعاقل الملتفت

ص: 250

و أما وقتها

و أما وقتها، ففي الكسوفين هو من حين الأخذ (13) إلى تمام الانجلاء على الأقوى (14)، فتجب المبادرة إليها- بمعنى عدم التأخير

______________________________

يعترف بأنّ أزمة الأمور طرا بيده. و هناك مباحث علمية مهمة تعرضنا لها في التفسير نسأل اللّه التيسير.

(13) لظواهر النصوص، و الإجماع، بل الضرورة، إذ لا وجه لاحتمال جواز الإتيان قبل تحقق الآية.

(14) لاستصحاب بقاء الوقت، و أصالة البراءة عن وجوب المبادرة قبل الانجلاء، و إطلاق النصوص و خصوص بعضها الآخر، كصحيح الرهط:

«صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها» (1).

و موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر، و تطوّل في صلاتك فإنّ ذلك أفضل، و إذ أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» (2).

و يشهد له ما دل على استحباب التطويل (3)، و قراءة السور الطوال (4).

و ذهب إلى ذلك أكثر المتأخرين.

و لكن نسب إلى المشهور انتهاء الوقت بالشروع في الانجلاء، و عمدة دليلهم صحيح حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ذكروا انكساف القمر و ما يلقى الناس من شدّته، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا انجلى منه شي ء فقد انجلى» (5).

ص: 251


1- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الآيات حديث: 4.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة الآيات.
4- راجع الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2 و 6.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الآيات حديث: 3.

إلى تمام الانجلاء- و تكون أداء في الوقت المذكور. و الأحوط عدم التأخير (15) عن الشروع في الانجلاء و عدم نية الأداء و القضاء على فرض التأخير. و أما في الزلزلة و سائر الآيات المخوفة فلا وقت لها (16)، بل

______________________________

بدعوى أنّه شارح للانجلاء الوارد في صحيح الرهط.

و فيه: أنّ قوله عليه السلام: «إذا انجلى منه شي ء ..» يحتمل وجهين:

الأول: أن يكون التنزيل بلحاظ الوقت.

الثاني: أن يكون بلحاظ ما يلقى الناس من الشدة، كما وقع في السؤال.

و المنساق من سياق السؤال و الجواب هو الأخير، فيكون الإمام عليه السلام في مقام إزالة الخوف عن الناس و تسكينهم و إدخال الطمأنينة عليهم، و مع هذا الاحتمال يسقط الاستدلال.

(15) خروجا عن خلاف من جعل آخر الوقت الشروع في الانجلاء و يأتي في [المسألة 8] ما يرتبط بالمقام.

(16) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الإجماع، و قبح التكليف بعمل لا يسعه وقت حصول سببه، كما في جميع الزلازل و الآيات الآنية. و التفصيل بين الآية التي يسع زمانها للصلاة فيه، و ما لا يسع يحتاج إلى دليل، و هو مفقود، إذ ليس في البين إلا قول أبي جعفر عليه السلام فيما تقدم من صحيح زرارة: «كلّ أخاويف السماء من ظلمة، أو ريح، أو فزع، فصلّ له صلاة الكسوف حتّى تسكن» بدعوى أنّ قوله عليه السلام: «حتّى تسكن» قيد للحكم أو للموضوع فيدل على التوقيت لا محالة بالنسبة إلى الجميع خرج منه ما لا يسع الوقت للصلاة فيه و بقي الباقي.

و فيه: أنّ قوله عليه السلام: «حتّى تسكن» يحتمل وجوها:

منها: كونه حكمة للتشريع.

و منها: أن يكون قيدا للحكم أو الموضوع بنحو تعدد المطلوب.

ص: 252

تجب المبادرة إلى الإتيان بها بمجرد حصولها (17)، و إن عصى فبعده إلى آخر العمر (18). و تكون أداء مهما أتى بها إلى آخره (19).

و أما كيفيتها

اشارة

و أما كيفيتها، فهي ركعتان (20) .......

______________________________

و منها: أن يكون قيدا لأحدهما بنحو وحدة المطلوب. و لا يثبت التوقيت إلا على الأخير و ليس ظاهرا فيه، بل يمكن دعوى ظهوره في الأول بقرينة سائر الأخبار.

(17) لأنّه المنساق من أدلة وجوبها.

(18) لأصالة بقاء الوجوب، و قاعدة الاشتغال.

(19) لأنّ ذلك مقتضى الإطلاقات الدالة على الوجوب، و عدم الدليل على التوقيت فتكون أداء في تمام العمر لا محالة، هذا بحسب الغالب، و لو فرض وقوع كسوف أو خسوف لم يمتد بقدر الصلاة أو حدثت زلزلة امتد زمانها بقدر الصلاة أو أكثر وجبت الصلاة لها، للعمومات و الإطلاقات و إن لم يصح تعبير الأداء و القضاء في الأول، و صح التعبير بهما في الثاني، إلا أن يدعى انصراف الأدلة عن الأول. و لكنّه مشكل، و إن نسب إلى المشهور سقوط الأداء و القضاء فيه. و لكنه أشكل.

(20) إجماعا، بل بضرورة فقه الإمامية، و تدل عليه نصوص، كخبر ابن سنان: «انكسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى ركعتين ..» (1).

و في صحيح الرهط: «ثمَّ تركع الخامسة، فإذا رفعت رأسك قلت: سمع اللّه لمن حمده، ثمَّ تخر ساجدا فتسجد سجدتين ثمَّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى» (2).

فإن ظهور صدره و صراحة ذيله في أنّها ركعتان مما لا ينكر. و كذا يدل عليه

ص: 253


1- الذكرى: النظر الثاني من فصل صلاة الآيات في كيفيتها.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.

في كلّ منهما خمس ركوعات (21) و سجدتان بعد الخامس من كلّ منهما، فيكون المجموع عشر ركوعات، و سجدتان بعد الخامس، و سجدتان بعد العاشر.

و تفصيل ذلك (22): بأن يكبّر للإحرام مقارنا للنية، ثمَّ يقرأ

______________________________

أيضا صدر خبر أبي البختري (1)، و إن وجب حمل ذيله على التقية.

و ما في جملة من الأخبار أنّها عشر ركعات (2) إنّما هو من باب العناية إطلاقا للركعة على الركوع، و عليه تحمل أيضا كلمات القدماء حيث عبّر فيها بعشر ركعات تبعا للنصوص. و مقتضى الأصل أيضا عدم تشريع الزيادة على الركعتين المعهودتين مع أنّه لا ثمرة عملية، بل و لا علمية بعد الاتفاق على أنّها مثل الصلاة الثنائية في حكم الشك في الركعات، و إجراء حكم الأجزاء على نفس الركوعات، كما يأتي في [المسألة 6].

(21) للإجماع، بل ضرورة المذهب، و للنصوص الكثيرة التي تأتي الإشارة إلى بعضها. و ما يدل على الخلاف، كخبر أبي البختري و خبر يونس (3) محمول على التقية.

(22) الأصل في هذه الأقسام إطلاق الأخبار الواردة في المقام، ففي صحيح الرهط عن كليهما عليهما السلام: «تبدأ فتكبّر بافتتاح الصلاة، ثمَّ تقرأ أم الكتاب و سورة، ثمَّ تركع، ثمَّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ أم الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الثانية، ثمَّ ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الثالثة، ثمَّ ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الرابعة، ثمَّ ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب و سورة، ثمَّ تركع الخامسة، فإذا رفعت رأسك قلت: سمع اللّه لمن حمده، ثمَك تخر ساجدا فتسجد سجدتين، ثمَّ تقوم

ص: 254


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 4.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 7 و 11.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 5.

الحمد و سورة، ثمَّ يركع، ثمَّ يرفع رأسه و يقرأ الحمد و سورة، ثمَّ يركع، و هكذا حتّى يتم خمسا، فيسجد بعد الخامس سجدتين، ثمَّ يقوم للركعة الثانية فيقرأ الحمد و سورة ثمَّ يركع، و هكذا إلى العاشر فيسجد بعده سجدتين، ثمَّ يتشهد و يسلّم. و لا فرق بين اتحاد السورة

______________________________

فتصنع مثل ما صنعت في الأولى. قال: قلت: و إن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرقها بينها؟ قال عليه السلام: أجزأه أم القرآن في أول مرة، فإن قرأ خمس سور فمع كلّ سورة أم الكتاب، و القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة»(1).

و في صحيح زرارة و محمد: «إن قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، فإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت و لا تقرأ فاتحة الكتاب» (2).

و في صحيح الحلبي: «و إن شئت قرأت سورة في كلّ ركعة، و إن شئت قرأت نصف سورة في كلّ ركعة، فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة حتّى تستأنف أخرى» (3).

و النصف فيه محمول على الترخيص بقرينة غيره الذي نصّ في صحة التفريق بأقل منه. فمن إطلاق مثل هذه الأخبار يمكن أن يستفاد الصور المذكورة في المتن.

و ما يظهر منه عدم وجوب الفاتحة، كما في خبر ابن سنان (4)، و أبي بصير (5) لا بد من طرحه لمخالفته للنص و الفتوى، أو حمله على بعض المحامل.

ص: 255


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 6.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 7.
4- تقدم في صفحة: 253.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2.

في الجميع أو تغايرها (23).

و يجوز تفريق سورة واحدة على الركوعات، فيقرأ في القيام الأول من الركعة الأولى الفاتحة، ثمَّ يقرأ بعدها آية من سورة أو أقلّ أو أكثر (24)، ثمَّ يركع و يرفع رأسه و يقرأ بعضا آخر من تلك السورة و يركع، ثمَّ يرفع و يقرأ بعضا آخر، و هكذا إلى الخامس حتّى يتم سورة ثمَّ يركع، ثمَّ يسجد بعده سجدتين، ثمَّ يقوم إلى الركعة الثانية، فيقرأ في القيام الأول الفاتحة و بعض السورة، ثمَّ يركع و يقوم و يصنع كما صنع في الركعة الأولى إلى العاشر، فيسجد بعده سجدتين، و يتشهد و يسلّم. فيكون في كلّ ركعة الفاتحة مرة، و سورة تامة مفرقة على الركوعات الخمسة مرة. و يجب إتمام سورة في كلّ ركعة (25)، و إن زاد عليها فلا بأس (26).

______________________________

(23) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الإجماع.

(24) لإطلاق ما تقدم من صحيح الرهط، و يقتضيه الأصل أيضا. لأنّ المسألة من هذه الجهة من موارد الأقلّ و الأكثر.

(25) نسب ذلك إلى المشهور، و نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأخبار و الأصحاب. و يدل عليه ما دل على أنّها ركعتان، و أنّ في كلّ ركعة يجب الحمد و سورة تامة، مع ظهور ما تقدم من صحيح الرهط في ذلك و لا إطلاق في البين يدل على الخلاف، لأنّ مثل ما تقدم من صحيح زرارة و الحلبي ليس في مقام البيان من هذه الجهة حتّى يصح التمسك بإطلاقه. فالمقتضي للوجوب موجود و المانع عنه مفقود، فلا وجه للتمسك بالأصل.

(26) لإطلاق قول الرضا عليه السلام في صحيح البزنطي: «إذا ختمت سورة و بدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن قرأت سورة في الركعتين أو ثلاث

ص: 256

و الأحوط الأقوى وجوب القراءة عليه من حيث قطع (27)، كما أنّ الأحوط و الأقوى عدم مشروعية الفاتحة حينئذ (28) إلا إذا أكمل السورة، فإنّه لو أكملها وجب عليه في القيام بعد الركوع قراءة الفاتحة (29).

______________________________

فلا تقرأ بفاتحة الكتاب حتّى تختم السورة» (1).

هذا مع ظهور إجماعهم عليه.

(27) لما تقدم في صحيح زرارة و محمد: «فإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت، و لا تقرأ فاتحة الكتاب» (2).

و قد أفتى بمفاده جمع كثير. و احتمال أنّ الأمر وارد في مقام توهم الحظر فلا يستفاد منه الوجوب خلاف الظاهر، فلا وجه لما نسب إلى الشهيدين رحمهما اللّه من جواز القراءة من أيّ موضع شاء، و جواز رفضها و قراءة غيرها.

كما لا وجه للتخيير بين القراءة من حيث قطع و قراءة غيرها، كما نسب إلى المبسوط، لأنّ كلّ ذلك بلا دليل إلا التمسك بالأصل و الإطلاق في مقابل النص الصحيح، و القيد الصريح.

(28) لما تقدم في صحيحي البزنطي و زرارة، و قد عمل بهما الأكثر، و احتمال كونها في مقام توهم الحظر، فلا يستفاد منها غير الجواز، خلاف الظاهر.

(29) للإجماع، لجملة من النصوص: منها: ما تقدم من صحيح البزنطي: «إذا ختمت سورة و بدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب». و نسب إلى الحليّ عدم الوجوب، لخبر ابن سنان:

«انكسفت الشمس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى ركعتين

ص: 257


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 13.
2- تقدم في صفحة:؟؟.

و هكذا كلّما ركع عن تمام سورة وجبت الفاتحة في القيام بعده (30)، بخلاف ما إذا لم يركع عن تمام سورة بل ركع عن بعضها، فإنّه يقرأ من حيث قطع و لا يعيد الحمد كما عرفت (31). نعم، لو ركع الركوع الخامس عن بعض سورة فسجد (32)، فالأقوى وجوب الحمد بعد القيام

______________________________

فقرأ سورة ثمَّ ركع فأطال الركوع، ثمَّ رفع رأسه فقرأ سورة، ثمَّ ركع فعل ذلك خمس مرات» (1).

و في خبر أبي بصير: «يقرأ في كلّ ركعة مثل يس و النور، و يكون ركوعك مثل قراءتك، و سجودك مثل ركوعك، قلت: ممن لم يحسن يس و أشباهها؟

قال عليه السلام: فليقرأ ستين آية» (2).

هذا مع ما دل على وجوب الفاتحة مرة في كلّ ركعة (3).

و فيه: أنّه مسبوق بالإجماع و ملحوق به- كما في الجواهر- فلا وجه لقوله مع كثرة تفرداته، و الخبران لا بد من طرحهما أو رد علمهما إلى أهله. و ما دل على وجوب الفاتحة مرة في كلّ ركعة محكوم بما تقدم من صحيح البزنطي فلا وجه للاعتماد عليه، فالمتعيّن ما هو المشهور.

(30) لما تقدم في صحيح البزنطي، و صحيح الرهط، و ظاهرهم الاتفاق عليه.

(31) لما مر في صحيح الرهط: «قلت: فإن قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرقها، قال عليه السلام: أجزأه أم القرآن في أول مرة» (4).

(32) يدل على جواز الركوع الخامس عن بعض سورة الأصل، و ظهور

ص: 258


1- تقدم في صفحة: 253.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2.
3- انظر النصوص الخاصة الواردة في المقام الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات، و أما النصوص العامة فراجع الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.

للركعة الثانية (33) ثمَّ القراءة من حيث قطع (34). و في صورة التفريق يجوز قراءة أزيد من سورة في كلّ ركعة مع إعادة الفاتحة بعد إتمام

______________________________

عدم الخلاف، و إطلاق ما تقدم من صحيحي زرارة و الحلبي و عن الشهيد رحمه اللّه في الألفية: إتمام السورة قبل الركوع الخامس و العاشر، و لا دليل له يصح الاعتماد عليه إلا المناقشة في إطلاق الصحيحين.

و فيه: أنّه لو فرض صحتها يكفينا الأصل، لأنّ المسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر و إلا دعوى أنّ الركوع الخامس و العاشر الركوع الحقيقي، و البقية أجزاء ففيه: مضافا إلى أنّه أول الدعوى، أنّه قد أتى بسورة تامة كاملة قبل الركوع الخامس، لما تقدم من أنّه يجب الإتيان بسورة كاملة في كلّ ركعة فما هو الواجب قد أتى به و غيره يشك في وجوبه، و المرجع فيه إنّما هو الأصل. نعم، الأحوط إتمام السورة قبل الركوع الخامس و العاشر خروجا عن خلافه.

(33) لعموم ما دل على وجوب الفاتحة المنطبق بحسب ظواهر الأدلة و مرتكزات المصلّين على القيام بعد السجود.

(34) لما تقدم في صحيح زرارة و محمد.

إن قلت: القراءة من حيث قطع ملازمة لسقوط الحمد، كما تقدم فلا وجه للإتيان بها حينئذ، فوجوب الإتيان بها مع القراءة من حيث قطع من قبيل المتنافيين.

قلت: لقراءة الحمد في صلاة الآيات جهتان إحداهما: كونها واجبة في كلّ صلاة و أنّه: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (1).

ثانيهما: أنّه إذا تمت السورة في صلاة الآيات وجب قراءة الحمد حينئذ لدليل خاص دل عليها، و لا ربط لإحدى الجهتين بالأخرى، فوجوب الإتيان بها من الجهة الأولى التي تكون اقتضائيا لا ينافي سقوطها من الجهة الثانية التي تكون لا اقتضائيا، فلا وجه لتوهم المنافاة.

ص: 259


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 5.

السورة في القيام اللاحق (35).

مسألة 1: لكيفية صلاة الآيات- كما استفيد مما ذكرنا صور

(مسألة 1): لكيفية صلاة الآيات- كما استفيد مما ذكرنا- صور (36):

الأولى: أن يقرأ في كلّ قيام قبل كلّ ركوع بفاتحة الكتاب و سورة تامة في كلّ من الرّكعتين، فيكون كلّ من الفاتحة و السورة عشر مرات، و يسجد بعد الركوع الخامس و العاشر سجدتين.

الثانية: أن يفرّق سورة واحدة على الركوعات الخمسة في كلّ من الركعتين، فتكون الفاتحة مرّتين، مرة في القيام الأول من الركعة الأولى، و مرّة في القيام الأول من الثانية، و السورة أيضا مرتين.

الثالثة: أن يأتي بالركعة الأولى كما في الصورة الأولى، و بالركعة الثانية كما في الصورة الثانية.

الرابعة: عكس هذه الصورة.

الخامسة: أن يأتي في كلّ من الرّكعتين بأزيد من سورة، فيجمع بين إتمام السورة في بعض القيامات و تفريقها في البعض فتكون الفاتحة

______________________________

(35) تقدم ما يتعلق به، و أنّه تكرار لما سبق، فراجع و تأمل.

(36) و هي تسعة حاصلة من ضرب ثلاثة في ثلاثة، لأنّه إما أن يقرأ سورة تامة قبل كلّ ركوع في الركعة الأولى، أو يفرّق سورة واحدة على الركوعات الخمس، أو يجمع بينهما، فيقرأ سورة تامة قبل بعض الركوعات و يقرن في بعضها. و هكذا في الركعة الثانية، و ضرب الثلاثة في مثلها تصير تسعة. و يتفق الركعتان في ثلاث صور، و هي الإتمام في كلّ منهما، و التبعيض كذلك، و الاختلاف مع تساويهما في مورد الإتمام و التبعيض.

ثمَّ إنّ المدرك في جميع الصور التسعة إطلاق ما تقدم من الأدلة مع التنصيص ببعض الصور في صحيح الرهط و غيره، فراجع.

ص: 260

في كلّ ركعة أزيد من مرّة، حيث إنّه إذا أتم السورة وجب في القيام اللاحق قراءتها.

السادسة: أن يأتي بالركعة الأولى كما في الصورة الأولى، و بالثانية كما في الخامسة.

السابعة: عكس ذلك.

الثامنة: أن يأتي بالركعة الأولى كما في الصورة الثانية، و بالثانية كما في الخامسة.

التاسعة: عكس ذلك. و الأولى اختيار الصورة الأولى.

مسألة 2: يعتبر في هذه الصلاة ما يعتبر في اليومية

(مسألة 2): يعتبر في هذه الصلاة ما يعتبر في اليومية من الأجزاء و الشرائط و الأذكار الواجبة و المندوبة (37).

مسألة 3: يستحب في كلّ قيام ثان- بعد القراءة قبل الركوع- قنوت

(مسألة 3): يستحب في كلّ قيام ثان- بعد القراءة قبل الركوع- قنوت، فيكون في مجموع الرّكعتين خمس قنوتات (38) و يجوز الاجتزاء بقنوتين:

(أحدهما): قبل الركوع الخامس.

______________________________

(37) للإجماع، و لإطلاق أدلتها الشامل لصلاة الآيات أيضا في كلّ ذلك.

(38) لصحيح الرهط: «و القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة، ثمَّ تقنت في الرابعة مثل ذلك، ثمَّ في السادسة، ثمَّ في الثامنة، ثمَّ في العاشرة» (1).

و في صحيح ابن مسلم: «و تقنت في كلّ ركعتين قبل الركوع» (2).

ص: 261


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الكسوف و الآيات حديث: 6.

(و الثاني): قبل العاشر (39). و يجوز الاقتصار على الأخير منهما (40).

مسألة 4: يستحب أن يكبر عند كلّ هوي للركوع و كلّ رفع منه

(مسألة 4): يستحب أن يكبر عند كلّ هوي للركوع و كلّ رفع منه (41).

مسألة 5: يستحب أن يقول: «سمع اللّه لمن حمده» بعد الرفع من الركوع الخامس و العاشر

(مسألة 5): يستحب أن يقول: «سمع اللّه لمن حمده» بعد الرفع من الركوع الخامس و العاشر (42).

______________________________

(39) لما في الفقيه: «و إن لم يقنت إلا في الخامسة، و العاشرة فهو جائز، لورود الخبر به» «1».

و هذا يكفي في الاستحباب خصوصا مع البناء على المسامحة فيه، فلا وجه لما عن بعض من عدم ثبوت الاستحباب قبل الركوع الخامس.

(40) لإطلاق أدلة استحباب القنوت قبل الركوع في كلّ ركعتين من الصلاة الشامل لهذه الصلاة أيضا، فيحمل الصحيحان، و خبر الفقيه على الأفضلية و الأولوية لا محالة.

(41) لقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة و محمد: «تفتتح الصلاة بتكبيرة، و تركع بتكبيرة، و ترفع رأسك بتكبيرة، إلا في الخامسة التي تسجد فيها و تقول: سمع اللّه لمن حمده» (1).

و منه يستفاد حكم العاشرة، فإنّه يستحب فيها أيضا السمعلة لأنّه الركوع الذي يسجد عنه أيضا. كما أنّ منه يعلم أنّه لا بد من تقييد قول الماتن رحمه اللّه: و كلّ رفع منه، بغير الخامس و العاشر.

(42) لجملة من الصحاح:

منها: صحيح الحلبي: «و لا تقل سمع اللّه لمن حمده في رفع رأسك في الركوع إلا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها» (2).

ص: 262


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 6.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 7.
مسألة 6: هذه الصلاة- حيث إنّها ركعتان- حكمها حكم الصلاة الثنائية

(مسألة 6): هذه الصلاة- حيث إنّها ركعتان- حكمها حكم الصلاة الثنائية في البطلان إذا شك في أنّه في الأولى أو الثانية (43). و إن اشتملت على خمس ركوعات في كلّ ركعة. نعم، إذا شك في عدد الركوعات كان حكمها حكم أجزاء اليومية في أنّه يبني على الأقلّ إن لم يتجاوز المحلّ، و على الإتيان إن تجاوزه (44)، و لا تبطل صلاته بالشك فيها (45). نعم، لو شك في أنّه الخامس- فيكون آخر الركعة الأولى- أو السادس- فيكون أول الثانية- بطلت الصلاة من حيث رجوعه إلى الشك في الركعات (46).

مسألة 7: الركوعات في هذه الصلاة أركان تبطل

(مسألة 7): الركوعات في هذه الصلاة أركان (47) تبطل

______________________________

و نحوه غيره. المحمولة على الاستحباب جمعا و إجماعا.

(43) لعموم التعليل في موثق سماعة: «و الجمعة أيضا إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة، لأنّها ركعتان» (1).

و يأتي في فصل (الشك في الركعات) ما ينفع المقام، و تجري أصالة المساواة بين هذه الفريضة و سائر الفرائض الثنائية إلا ما نص الشارع على الاختلاف، و لا دليل على الخروج من هذه الجهة.

(44) لقاعدة الاشتغال- الجارية في الأول- من غير دليل حاكم عليها، و أما الثاني فلقاعدة التجاوز المتفق عليها نصّا و فتوى في مطلق الصلوات.

(45) لأصالة الصحة، و عدم المانعية من غير دليل حاكم عليها من نصّ أو إجماع.

(46) لما مرّ من أصالة المساواة بين هذه الفريضة و الفريضة الثنائية اليومية إلا مع الدليل على الخلاف، و لا دليل كذلك من هذه الجهة.

(47) لإطلاق ما دل على أنّ الركوع ركن، الشامل لهذه الركوعات أيضا مع

ص: 263


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 8.

بزيادتها و نقصها عمدا و سهوا كاليومية.

مسألة 8: إذا أدرك من وقت الكسوفين ركعة فقد أدرك الوقت و الصلاة أداء

(مسألة 8): إذا أدرك من وقت الكسوفين ركعة فقد أدرك الوقت و الصلاة أداء (48)، بل و كذلك إذا لم يسع وقتهما إلا بقدر الركعة، بل و كذا إذا قصر عن أداء الركعة أيضا (49).

______________________________

عدم دليل على التخصيص بغيرها.

(48) لعموم «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» الشامل لهذه الصلاة أيضا، و يقتضيه ما مرّ من أصالة المساواة بينها و بين الثنائية اليومية.

(49) بلا إشكال فيه بناء على السببية المطلقة. و أما بناء على التوقيت فيمكن أن يقال: إنّ التوقيت فيها إنّما هو بلحاظ الحدوث فقط، يعني يكون إحداث صلاة الآية في زمان تحققها، سواء دامت الآية إلى إتمام الصلاة أم لا. و لكنه مشكل، لأنّ المنساق من الأدلة أنّ الوقت لمجموع العمل لا لخصوص التلبس به فقط، و في جملة من الأخبار إطلاق القضاء على الصلاة التي يؤتى بها بعد الانجلاء (1).

إن قلت: نعم، و لكن قاعدة «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» تشمل ما إذا لم يسع الوقت إلا للركعة، و مقتضى الاستصحاب وجوب الإتيان و لو لم يسع للركعة أيضا.

قلت: أما القاعدة فالمنساق منها ما إذا كان الوقت بحسب الذات، و جعل أصل التكليف متسعا لتمام الصلاة و عرض عارض من عدم الإدراك إلا للركعة منه. و أما الاستصحاب فالمتيقن السابق ليس إلا سعة الوقت لتمام الركعتين، و غيره مشكوك حدوثا و لا يقين به حتّى يستصحب، بل يكون من الشك في أصل التكليف فتجري البراءة حينئذ. نعم، يمكن أن يقال إنّه بملاحظة مناسبة الحكم و الموضوع، و ما في الحديث: «إنّ هذه الآيات من علامات الساعة، فإذا رأيتم

ص: 264


1- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الآيات.
مسألة 9: إذا علم بالكسوف أو الخسوف و أهمل حتّى مضى الوقت

(مسألة 9): إذا علم بالكسوف أو الخسوف و أهمل حتّى مضى الوقت عصى و وجب القضاء (50)، و كذا إذا علم ثمَّ نسي وجب

______________________________

شيئا من ذلك فتذكروا قيام الساعة و افزعوا إلى مساجدكم» (1).

أنّ هذه الصلاة مطلوبة على كلّ حال، وسع زمان حدوث الآية لركعة أم لا، فيصح على هذا استصحاب ذات الوجوب الثابت لذات الصلاة غير المحدودة بحدّ خاص، فيكون مقتضى الاستصحاب وجوب الإتيان بالصلاة مطلقا إلا مع الدليل على الخلاف، و مورد الدليل على الخلاف إنّما هو صورة واحدة، و هي ما إذا لم يعلم بها مع عدم احتراق القرص كلّه، و في غيرها وجب القضاء للاستصحاب، و لما يأتي من الأخبار.

(50) أما العصيان فلترك الواجب. و أما القضاء فلموثق عمار: «إن لم تعلم حتّى يذهب الكسوف ثمَّ علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف و إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت ثمَّ غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها» (2).

و مرسل حريز: «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلّي فليغتسل من غد و ليقض الصلاة، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل» (3).

و مقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين احتراق الكلّ أو البعض، و مثلهما خبر أبي بصير (4). و لا بد من حمل ذيل خبر حريز على التفصيل الآتي في القسم الثالث.

هذا و الأخبار الواردة في المقام على أقسام ثلاثة:

الأول: ما تقدم من موثق عمار.

الثاني: خبر الحلبي النافي للقضاء مطلقا قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة الكسوف تقضى إذا فاتتنا؟ قال عليه السلام: ليس فيها قضاء، و قد كان في أيدينا أنّها تقضى» (5).

ص: 265


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الآيات حديث: 4.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الآيات حديث: 10.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الآيات حديث: 5.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الآيات حديث: 6.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الآيات حديث: 9.

.....

______________________________

و قريب منه صحيح ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام:

«سألته عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ قال عليه السلام: إذا فاتتك فليس عليك قضاء»(1).

و كذا خبر زرارة (2)، و البزنطي (3). و حملها على التفصيل الآتي في الأخبار من أقرب طرق الجمع بينهما.

الثالث: صحيح ابن مسلم و ابن يسار: «قلنا لأبي جعفر عليه السلام:

أ تقضى صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم و إذا أمسى فعلم، قال عليه السلام:

إن كان القرصان احترقا كلاهما قضيت، و إن كان إنّما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه» (4).

و عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا انكسف القمر و لم تعلم به حتّى أصبحت ثمَّ بلغك، فإن كان احترق كلّه فعليك القضاء، و إن لم يكن احترق كلّه فلا قضاء عليك» (5).

و لهذين الخبرين و ما تقدم من موثق عمار نحو حكومة على جميع أخبار الباب. و محصّل مفادها بعد رد بعضها إلى بعض أنّه مع العلم السابق بالآية و ترك الصلاة عصيانا أو نسيانا وجب القضاء مطلقا، و مع عدم العلم السابق بها فإن احترق القرص كلّه وجب القضاء، و إلا فلا.

فروع- (الأول): العلم بالكسوف تارة: مقارن مع حصوله، كأن يراه بنفسه مثلا: و أخرى: يكون سابقا على حصوله من رصد أو نحوه مع الغفلة عنه حين الحصول. فهل يكون العلم السابق كالمقارن أيضا أو لا؟ وجهان: المنساق من الأدلة هو الثاني، و مقتضى الجمود على الإطلاق و الاحتياط هو الأول.

(الثاني): هل يكون الجاهل بالحكم كالجاهل بالموضوع فيما ذكر من التفصيل أو لا؟ مقتضى ظهور تسالمهم على أنّ الجاهل بالحكم كالعامد إلا ما خرج بالدليل هو الثاني.

ص: 266


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الآيات حديث: 7.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الآيات حديث: 8.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الآيات حديث: 11.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الآيات حديث: 4.

القضاء (51). و أما إذا لم يعلم بهما حتّى خرج الوقت الذي هو تمام الانجلاء (52)، فإن كان القرص محترقا وجب القضاء، و إن لم يحترق كلّه لم يجب (53) و أما في سائر الآيات، فمع تعمد التأخير يجب الإتيان بها ما دام العمر (54).

______________________________

(الثالث): المنساق من الأدلة إنّما هو تحقق الكسوف في اليوم و الخسوف في الليل، فلو صار بالعكس و رئي بالآلات الحديثة فلا تجب الصلاة، و طريق الاحتياط هو الإتيان بها رجاء.

(الرابع): الظاهر أنّ العلم بمجرد تحققهما سبب لوجوب الصلاة و لو لم تمكن الرؤية لمانع من غيم أو نحوه.

(51) على المشهور، لما تقدم في موثق عمار، فإنّ الظاهر أنّ غلبة العين فيه مثال لمطلق العذر فيشمل النسيان أيضا، و في مرسل الكافي:

«إذا علم بالكسوف و نسي أن يصلّي فعليه القضاء» (1).

(52) مر ما يتعلق به في أول الفصل.

(53) لما تقدم في صحيح ابني مسلم و يسار الذي له نحو حكومة على سائر الأخبار.

(54) لاستصحاب بقاء الوجوب بعد عدم الدليل على التوقيت، و هذا هو المشهور، بل يظهر منهم الإجماع عليه.

و الإشكال بأنّ زمان حدوث الآية و بعده موضوعان مختلفان فلا يجري الأصل.

مردود: بأنّ المستصحب ذات الوجوب و الصلاة من حيث الطبيعة المهملة، فلا محذور في البين من هذه الجهة، و قد ثبت في محلّه جواز جريان الاستصحاب في التدريجيات مطلقا، زمانا كان أو زمانيا.

ص: 267


1- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الآيات حديث: 3.

و كذا إذا علم و نسي (55)، و أما إذا لم يعلم بها حتّى مضى الوقت، أو حتّى مضى الزمان المتصل بالآية ففي الوجوب بعد العلم إشكال (56)، لكن لا يترك الاحتياط (57) بالإتيان بها ما دام العمر فورا

______________________________

(55) لاستصحاب الوجوب بلا محذور فيه، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(56) تقدم أنّ مقتضى الاستصحاب بقاء الوجوب مطلقا إلا مع الدليل على الخلاف، و لا دليل على الخلاف في المقام إلا ما يظهر من بعض الكلمات من الإجماع على عدم وجوب القضاء، و حكي عن المدارك: أنّ هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا، و نقل عن جدّه في روض الجنان أنّه احتمل وجوب القضاء لوجود السبب، و عموم قوله عليه السلام:

«من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (1).

و ضعّفه بأنّ السبب إنّما وجد في الأداء خاصة و قد سقط بفوات محلّه، و المتبادر من الفريضة اليومية. و حيث إنّه رحمه اللّه لم يرده بالإجماع على عدم وجوب القضاء يعلم منه عدم ثبوت الإجماع الاصطلاحي لديه، فيبقى مقتضى الاستصحاب بلا دليل معتبر على خلافه.

و قد يشكل أيضا بإهمال قضاء سائر الآيات في النصوص و هو قرينة على العدم.

و فيه: أنّه أعمّ من ذلك إذ من الممكن أن تكون إطلاقات الوجوب قرينة عليه ما دام العمر.

(57) مقتضى ما تقدم من الاستصحاب و عدم دليل معتبر على الخلاف الجزم بالقضاء، كما عن الوحيد (قدّس سرّه)، و في الروضة: أنّه قويّ. و لكن كلام صاحب المدارك: أنّه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا، يمنع عن الجزم به لو لم يكن هذا نحو اجتهاد منه.

ص: 268


1- قريب منه ورد في الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 1.

ففورا (58).

مسألة 10: إذا علم بالآية و صلّى

(مسألة 10): إذا علم بالآية و صلّى، ثمَّ بعد خروج الوقت، أو بعد زمان الاتصال بالآية تبيّن له فساد صلاته وجب القضاء أو الإعادة (59).

مسألة 11: إذا حصلت الآية في وقت الفريضة اليومية

(مسألة 11): إذا حصلت الآية في وقت الفريضة اليومية (60)

______________________________

(58) الفورية من الخصوصيات الشرعية للوجوب يكفي فيها استصحاب أصل الوجوب و ذاته في ثبوتها و ترتيبها عليه.

(59) لإطلاق ما دل على وجوبها مع العلم بها و هو معذور ما لم يعلم الخلاف، و قد تقدم حمل «غلبة العين» في موثق عمار (1) على مجرد المثال، فالمناط مطلق ما يصلح للعذرية و هي ما دامية لا دائمية.

(60) البحث في هذه المسألة تارة: بحسب القاعدة. و أخرى: بحسب الأدلة الخاصة الواردة في المقام.

أما الأولى: فالمسألة من صغريات التزاحم، فمع عدم احتمال الأهمية يكون الحكم في التخيير، و معه يتعيّن تقديم الأهم. فإن كان التزاحم في وقت الإجزاء مع اتساع الوقت لهما يتخير. و إن كان وقت الفضيلة لإحداهما دون الأخرى يستحب تقديم ما حضر وقت فضيلته، و إن كان متسعا لإحداهما و مضيقا للأخرى يقدم المضيق، و إن كان الوقت مضيقا بالنسبة إليهما تقدم اليومية لأهميتها، و الأفضل تقديم اليومية في صورة اتساع الوقت لهما، لأنّ الفرائض اليومية لا يعادلها شي ء من سائر الفرائض نصّا و إجماعا.

و أما الثانية: فهي جملة من الأخبار: منها: صحيح بريد بن معاوية و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام: «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ما لم تتخوّف أن

ص: 269


1- تقدم في صفحة: 265.

.....

______________________________

يذهب وقت الفريضة، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة و اقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت و احتسب بما مضى» (1).

و قوله عليه السلام: «ما لم تتخوّف أن يذهب ..» يحتمل أن يكون المراد به وقت الإجزاء، أو وقت الفضيلة، و يشهد للثاني صحيح ابن مسلم:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة، فإن صلّيت الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة؟ فقال عليه السلام: إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك و اقض فريضتك ثمَّ عد فيها» (2).

فإنّ حمله على وقت الإجزاء بعيد جدّا، فيكون معنى الصحيح الأول: إنّ وقت حدوث الآية إن كان بحيث لو اشتغل بها و أتى بها يفوت وقت فضيلة الفريضة بدأ بالفريضة، و لو كان في أثناء الآية قطعها و اشتغل بالفريضة، فيكون هذا الأمر محمولا على الندب لا محالة، و يكون مانعا عن ظهور قوله عليه السلام:

«فصلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة» في الوجوب، لاتحاد السياق في جميع الجملات، مع أنّ استفادة الوجوب منه مشكل من جهة أخرى، و هي وروده في مقام بيان دفع توهم كون البدءة بالفريضة لازمة، فلا يستفاد منه أزيد من الترخيص، بل المستفاد من الصحيحين جواز البدار إلى صلاة الآية عند ظهورها مع اتساع الوقت لها و للفريضة، فلا وجه لما نسب إلى جمع من القدماء: من وجوب تقديم الفريضة. و إلى آخرين منهم عكسه، لأنّ ذلك اجتهادات لم يقم دليل معتبر عليها، كما يأتي.

و قد استدل للأول تارة: بصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:

«سألته عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة، فقال عليه السلام: ابدأ بالفريضة» (3).

و مثله الفقه الرضوي (4). (و فيه): أنّه لا بد من حمله على مجرد

ص: 270


1- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الآيات حديث: 4.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.

فمع سعة وقتهما تخيّر بين تقديم أيّهما شاء و إن كان الأحوط تقديم اليومية (61). و إن ضاق وقت إحداهما دون الأخرى قدّمها. و إن ضاق وقتهما معا قدم اليومية (62).

مسألة 12: لو شرع في اليومية ثمَّ ظهر له ضيق وقت صلاة الآية قطعها مع سعة وقتها و اشتغل بصلاة الآية

(مسألة 12): لو شرع في اليومية ثمَّ ظهر له ضيق وقت صلاة الآية قطعها مع سعة وقتها و اشتغل بصلاة الآية (63). و لو اشتغل بصلاة الآية فظهر له في الأثناء ضيق وقت الإجزاء لليومية قطعها و اشتغل بها

______________________________

الرجحان، لما تقدم في الصحيح الأول من التصريح بجواز البدءة بصلاة الآية مع عدم خوف فوت الفريضة.

و أخرى: بأنّ الأمر بقطع صلاة الآية، و الاشتغال في الفريضة مستلزم لعدم جواز الدخول فيها في أول الوقت بالأولى.

و فيه أولا: عدم وجوب إتيان الفريضة في أول الوقت حتّى لا يجوز الدخول في الآية في أول الوقت. و ثانيا: بأنّ الصحيح نص في جواز صلاة الآية ما لم يتخوّف فوت وقت الفريضة.

و استدل للثاني: بما تقدم من صحيح ابني معاوية و مسلم. و فيه: ما تقدم من عدم استفادة الوجوب منه، فراجع.

فتلخص: أنّه لا يستفاد من الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض أزيد مما يستفاد من القاعدة، و هي واردة على طبقها، لا أن تكون مخالفة لها.

(61) خروجا عن خلاف من أوجبه. و لكن تقدم القول بوجوب تقديم الآية أيضا عن بعض. نعم، لا ريب في أنّه الأفضل.

(62) لأنّ الوقت لها بالأصالة، و لأهمية اليومية بالنسبة إلى جميع الصلوات، كما هو من المسلّمات.

(63) لما مرّ من أنّها تقطع لكلّ ضرورة شرعية، بل و العرفية، و المقام منها لأنّه لا ريب في أنّ الآية مع ضيق وقتها أهمّ من الفريضة مع سعة وقتها، فتكون من الضرورات الموجبة لوجوب قطعها، مضافا إلى أنّ الحكم مسلّم عندهم.

ص: 271

و أتمّها، ثمَّ عاد إلى صلاة الآية من محلّ القطع (64)، إذا لم يقع منه مناف غير الفصل المزبور (65) بل الأقوى جواز قطع صلاة الآية و الاشتغال باليومية إذا ضاق وقت فضيلتها (66)، فضلا عن الإجزاء ثمَّ العود إلى صلاة الآية من محلّ القطع، لكن الأحوط خلافه (67).

مسألة 13: يستحب في هذه الصلاة أمور
اشارة

(مسألة 13): يستحب في هذه الصلاة أمور:

الأول و الثاني و الثالث: القنوت، و التكبير قبل الركوع و بعده، و السمعلة على ما مر

(الأول) و (الثاني) و (الثالث): القنوت، و التكبير قبل الركوع و بعده، و السمعلة على ما مر (68).

______________________________

(64) إجماعا، و نصّا، كما تقدم في صحيح ابني معاوية و مسلم (1).

(65) لإطلاق أدلة المنافيات الشامل لهذه الصورة أيضا، و لا إطلاق في نصوص المقام حتّى يشمل صحة البناء مع الإتيان بالمنافي أيضا، فالاكتفاء بالفعل جهتيّ لا من كلّ جهة. و يأتي في المباحث المستقبلة أن إتيان الصلاة في أثناء صلاة أخرى هل هو مخالف للقاعدة أو موافق لها.

(66) لما تقدم من صحيح ابني معاوية و مسلم الشامل بإطلاقه لوقت الفضيلة أيضا.

(67) خروجا عن خلاف ما نسب إلى المعروف بين الأصحاب من اختصاص ذلك بوقت الإجزاء دون الفضيلة، و ليس لهم دليل معتبر خصوصا بعد ما كان إدخال الصلاة في الصلاة موافقا للقاعدة.

(68) و تقدم الوجه في ذلك كله، فراجع (2). و يكفينا أصالة المساواة بين هذه الصلاة و سائر الصلوات إلا ما خرج بالدليل، و مدرك هذا الأصل الإطلاقات و العمومات و الإجماع.

ص: 272


1- تقدم في صفحة: 269.
2- راجع المسألة: 3 من هذا الفصل.
الرابع: إتيانها بالجماعة

(الرابع): إتيانها بالجماعة (69)، أداء كان أو قضاء (70)، مع احتراق القرص و عدمه و القول بعدم جواز الجماعة مع عدم احتراق القرص ضعيف (71). و يتحمل الإمام فيها عن المأموم القراءة خاصة (72)، كما في اليومية، دون غيرها من الأفعال و الأقوال.

______________________________

(69) نصوصا و إجماعا- فتوى و عملا من المعصومين عليهم السلام و غيرهم- ففي خبر محمد بن يحيى عن الرضا عليه السلام: «عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة؟ قال عليه السلام: جماعة أو فرادى؟ قال عليه السلام: أيّ ذلك شئت» (1).

و في خبر ابن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن صلاة الكسوف تصلّى جماعة؟ قال عليه السلام: جماعة و غير جماعة» (2).

و ما رواه ابن أبي يعفور عنه عليه السلام: «إذا انكسفت الشمس و القمر فانكسف كلّها، فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم، و أيّهما كسف بعضه فإنّه يجزئ الرجل أن يصلّي وحده»(3).

محمول على تأكد الاستحباب في صورة احتراق الكلّ.

(70) للإطلاق الشامل له أيضا، مضافا إلى تبعية القضاء للأداء مطلقا إلا ما خرج بالدليل.

(71) نسب هذا القول إلى الصدوقين (قدّس سرّهما)، و لا دليل لهما غير ما مر في خبر ابن أبي يعفور، و تقدم ما فيه.

(72) لأصالة عدم التحمل إلا في ما هو المعلوم أنّه من لوازم الجماعة مضافا إلى الإجماع على تحمل القراءة فقط دون غيرها، بل يشملها إطلاق قوله عليه السلام: «الإمام إنّما يضمن القراءة» (4)، كما يأتي في أحكام الجماعة.

ص: 273


1- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة الآيات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
الخامس: التطويل فيها

(الخامس): التطويل فيها (73)، خصوصا في كسوف الشمس (74).

______________________________

(73) استحباب التطويل بمقدار زمان الكسوف مسلّم نصّا و إجماعا، ففي صحيح الرهط: «صلاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس، ففرغ- حين فرغ- و قد انجلى كسوفها» (1).

و في موثق عمار: «إن صلّيت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر و تطوّل في صلاتك، فإنّ ذلك أفضل، و إن أحببت أن تصلّي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز» (2).

و في خبر القداح عن جعفر عليه السلام عن آبائه: «انكسفت الشمس في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى بالناس ركعتين، و طوّل حتّى غشي على بعض القوم ممن كان وراءه من طول القيام» (3).

و يمكن حمله على طول زمان الانجلاء لئلا ينافي ما تقدم من الخبرين، و قريب منه خبر الفقيه «(4)، و المقنعة (5).

هذا مع أنّ هذه الصلاة نحو توجه إلى علامات الساعة، و انقطاع إلى اللّه تعالى في مثل هذه الشدائد، فيمكن القول برجحان تطويلها حتّى إلى ما بعد الانجلاء، و في سائر الآيات أيضا مطلقا. و تقدم في الحديث: «فتذكروا قيام الساعة، و افزعوا إلى مساجدكم» (6).

و لا ريب في رجحان تطويلها شرعا خصوصا بعد المسامحة في المندوبات.

(74) لجملة من الأخبار:

منها: صحيح الرهط: «إنّ الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء، و أشدّها

ص: 274


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2.
5- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة الآيات حديث: 3.
6- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الآيات حديث: 4.
السادس: إذا فرغ قبل تمام الانجلاء

(السادس): إذا فرغ قبل تمام الانجلاء، يجلس في مصلاه مشتغلا بالدعاء و الذكر إلى تمام الانجلاء، أو يعيد الصلاة (75).

السابع: قراءة السور الطوال

(السابع): قراءة السور الطوال، كياسين، و النور، و الروم، و الكهف، و نحوها (76).

______________________________

و أطولها كسوف الشمس» (1).

و صحيح زرارة و محمد: «و صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر، و هما سواء في القراءة و الركوع و السجود» (2).

(75) أما الأول: فلصحيح زرارة و محمد: «فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد و ادع اللّه تعالى حتّى ينجلي» (3).

المحمول على الندب إجماعا، و على القعود في موضع الصلاة، كما هو المنساق منه.

و أما الأخير: فلصحيح معاوية: «صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد» (4).

المحمول على الندب بقرينة ما تقدم من موثق عمار. فلا وجه للقول بوجوب الإعادة، كما عن بعض. و لا الوجوب التخييري بينها و بين الجلوس و الاشتغال بالذكر و الدعاء، كما عن آخر. فإنّ الكلّ بلا دليل.

(76) ففي صحيح زرارة و محمد: «يستحب أن يقرأ فيها بالكهف و الحجر» (5).

و في خبر أبي بصير: «يقرأ في كلّ ركعة مثل ياسين و النور» (6).

ص: 275


1- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1 و 6.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1 و 6.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1 و 6.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب صلاة الآيات حديث: 1.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 6.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2.
الثامن: إكمال السورة في كلّ قيام

(الثامن): إكمال السورة في كلّ قيام (77).

التاسع: أن يكون كلّ من القنوت و الركوع و السجود بقدر القراءة في التطويل تقريبا

(التاسع): أن يكون كلّ من القنوت و الركوع و السجود بقدر القراءة في التطويل تقريبا (78).

العاشر: الجهر بالقراءة فيها ليلا أو نهارا

(العاشر): الجهر بالقراءة فيها ليلا أو نهارا، حتّى في كسوف الشمس على الأصح (79).

الحادي عشر: كونها تحت السماء

(الحادي عشر): كونها تحت السماء (80).

______________________________

و في المرسل الحاكي لصلاة أمير المؤمنين عليه السلام: «فقرأ فيها بالكهف و الأنبياء و رددها خمس مرات» (1).

(77) تأسيا بعليّ عليه السلام فيما تقدم من المرسل الحاكي لصلاته، و للأمر بها فيما تقدم من صحيح الرهط المحمول على الندب بقرينة ذيله.

(78) للصحيح: «فيطيل القنوت و الركوع على قدر القراءة و الركوع و السجود» (2).

و في خبر أبي بصير: «و يكون ركوعك مثل قراءتك و سجودك مثل ركوعك» (3).

المحمول على الندب إجماعا.

(79) نصّا و إجماعا، و في الصحيح: «و تجهر بالقراءة»(4). و إطلاقه يشمل النهارية و الليلية، فما عن بعض من الإخفات في النهارية لا وجه له بعد إطلاق الصحيح، و إجماع الفقهاء الشامل لصلاة الليل و النهار.

(80) لقوله عليه السلام في الصحيح: «و إن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنّك بيت فافعل» (5).

ص: 276


1- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة الآيات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2 و 6.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 2 و 6.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 6.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 6.
الثاني عشر: كونها في المساجد

(الثاني عشر): كونها في المساجد، بل في رحبها (81).

مسألة 14: لا يبعد استحباب التطويل حتّى للإمام

(مسألة 14): لا يبعد استحباب التطويل حتّى للإمام (82)، و إن كان يستحب له التخفيف في اليومية، مراعاة لأضعف المأمومين (83).

مسألة 15: يجوز الدخول في الجماعة إذا أدرك الإمام قبل الركوع الأول

(مسألة 15): يجوز الدخول في الجماعة إذا أدرك الإمام قبل الركوع الأول، أو فيه من الركعة الأولى أو الثانية (84) و أما إذا

______________________________

(81) أما الأول: فلقوله عليه السلام فيما تقدم من الأخبار: «فافزعوا إلى مساجدكم» (1). و أما الأخير: فلأن تكون تحت السماء- الذي تقدم استحبابه- فيكون من الجمع بين الفضيلتين.

(82) تأسيا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الوصيّ عليه السلام فيما تقدم من صحيح الرهط و خبر القداح (2).

و أما قوله عليه السلام في الصحيح: «و كان يستحب أن يقرأ فيها بالكهف و الحجر، إلا أن يكون إماما يشق على من خلفه» (3).

فمحمول على نفي بعض مراتب الفضل لا نفي أصله، و إلا لما وقع منه صلّى اللّه عليه و آله بحيث يغشى على بعض الناس، كما تقدم في خبر القداح، مع أنّ الحالة حالة الفزع إلى اللّه تعالى في كشف الشدة فلا بد لأئمة المسلمين أن يعلّموا الناس طول التوجه إليه تعالى.

(83) لما يأتي في الثامن من فصل (مستحبات الجماعة).

(84) بلا إشكال فيه- كما يأتي في (فصل الجماعة) [المسألة 24] لأصالة المساواة بين هذه الجماعة و الجماعة في الفريضة في جميع شرائط الإمام و المأموم و صلاة الجماعة و أحكامها، إلا مع الدليل على الخلاف، و هو مفقود.

ص: 277


1- راجع الوسائل باب: 6 من أبواب صلاة الآيات.
2- تقدم ذكرهما في صفحة: 274.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب صلاة الآيات حديث: 6.

أدركه بعد الركوع الأول من الأولى، أو بعد الركوع من الثانية فيشكل الدخول (85)، لاختلال النظم- حينئذ- بين صلاة الإمام و المأموم.

______________________________

(85) بل نسب المنع إلى المشهور، و علّلوا ذلك بما ذكره الماتن (قدّس سرّه) من التعليل. و خلاصته وجوب متابعة المأموم للإمام، سواء كان ذلك نفسيّا أم غيريّا. و تجويز الشارع تخلف المأموم عن الإمام في بعض الموارد إنّما هو للدليل الخاص به و لا يقاس به غيره، فلا يجوز التخلف في المقام، و مع المخالفة لا تنعقد الجماعة إلا مع الدليل عليه و هو مفقود فيه.

(و فيه): أنّه صحيح لو كانت المخالفة بحيث تضرّ ببقاء هيئة الجماعة لدى المتشرعة. و أما لو لم تكن كذلك فالجماعة باقية عرفا، و لذا نسب إلى جمع منهم العلامة (قدّس سرّه): جواز الدخول، و لكن إذا سجد الإمام لا يسجد و يأتي بما بقي من ركوعاته و يلحق بالإمام أينما كان، أو يصبر حتّى يقوم الإمام إلى الثانية، فإذا ركع الإمام في الثانية ركع معه ما بقي من ركوعات الأولى فإذا انتهى إلى الخامس بالنسبة إليه سجد ثمَّ لحق بالإمام و يأتي بركوعات الركعة الثانية بعضها مع الإمام و بعضها منفردا، و يمكن حمل كلامه على ما إذا لم يضر ذلك ببقاء هيئة الجماعة عرفا، و كلام المشهور على ما إذا زالت الهيئة بذلك.

و الحاصل: إنّه تارة: تزول الهيئة عرفا بذلك. و أخرى: يشك في الزوال و عدمه. و ثالثة: تكون باقية. و لا يصح في الأولى، و يصح في الأخيرة، و يرجع في الثانية إلى استصحاب بقاء الهيئة، فيجب ترتيب آثار الجماعة. و لكنّه مع ذلك مشكل، لعدم إطلاق في أدلة الجماعة حتّى يعتمد عليه، و ذهاب المشهور إلى المنع، و ظاهر إطلاق كلماتهم ذلك حتّى في الصورة الأخيرة، فيكون صرف وجود التخلف مانعا إلا مع الدليل عليه.

و على هذا لا فرق بين الركوع العاشر و غيره. فلا وجه للتفصيل- كما عن بعض مشايخنا رحمهم اللّه- بينه و بين غيره. و لكنّه مع ذلك الجزم بإطلاق كلام المشهور مشكل لأنّ مستندهم عدم الإطلاق لأدلة الجماعة، و يأتي خلافه.

فرع: لو انفرد عن الإمام في بعض الركوعات فلا إشكال في وجوب قراءة

ص: 278

مسألة 16: إذا حصل أحد موجبات سجود السهو في هذه الصلاة

(مسألة 16): إذا حصل أحد موجبات سجود السهو في هذه الصلاة، فالظاهر وجوب الإتيان به بعدها، كما في اليومية (86).

مسألة 17: تجري في هذه الصلاة قاعدة التجاوز عن المحلّ

(مسألة 17): تجري في هذه الصلاة قاعدة التجاوز عن المحلّ، و عدم التجاوز عند الشك في جزء أو شرط كما في اليومية.

مسألة 18: يثبت الكسوف و الخسوف و سائر الآيات بالعلم و شهادة العدلين

(مسألة 18): يثبت الكسوف و الخسوف و سائر الآيات بالعلم و شهادة العدلين (87). و إخبار الرّصدي إذا حصل الاطمئنان بصدقه، على إشكال في الأخير (88)، لكن لا يترك معه الاحتياط. و كذا في

______________________________

السورة عليه، و هل يقرأ من حيث انفراده عن الإمام، أو يقرأ مستقلا؟ و هل يجب عليه قراءة الحمد حينئذ؟ الظاهر صحة الاكتفاء بما قرأه الإمام، فيقرأ من حيث انفرد إن أمكنه ذلك، و إلا فيأتي بالحمد و سورة أخرى تماما أو تبعيضا.

(86) لإطلاق دليله الشامل لهذه الصلاة، و كذا في جميع القواعد الامتنانية التسهيلية المجعولة في الصلاة، فإنّ إطلاق أدلتها يشمل هذه الصلاة أيضا، كقاعدة التجاوز، و الفراغ، و حديث «لا تعاد»، و قاعدة لا شك لكثير الشك إلى غير ذلك من المجعولات الثانوية. و منه يظهر حكم المسألة التالية، فلا وجه للإعادة.

(87) أما الثبوت بالعلم، فلأنّه حجة معتبرة عند العقلاء. و أما البينة فلعموم اعتبارها الشامل للمقام أيضا، و قد أثبتنا عموم حجيتها في غير مقام.

(88) إن قلنا بأنّ الاطمئنان المتعارف حجة نوعية، كما عن جمع منهم صاحب الجواهر من أنّه المراد من العلم في الكتاب و السنة، فلا إشكال في الثبوت.

و أما بناء على عدمه فمنشأ الإشكال: أنّ الرجوع إلى أهل الخبرة إنّما هو في الحدسيات دون الحسيات، و يمكن الإشكال فيه بأنّ المراد بالحسيات التي لا يعتبر فيها قول أهل الخبرة إنّما هو الحسيات التي تكون حسيتها للنوع بجميع

ص: 279

وقتها، و مقدار مكثها (89).

مسألة 19: يختص وجوب الصلاة بمن في بلد الآية

(مسألة 19): يختص وجوب الصلاة بمن في بلد الآية، فلا تجب على غيره (90). نعم، يقوى إلحاق المتصل بذلك المكان مما يعدّ معه كالمكان الواحد (91).

مسألة 20: تجب هذه الصلاة على كلّ مكلّف

(مسألة 20): تجب هذه الصلاة على كلّ مكلّف (92)، إلا الحائض (93) و النفساء (94) فيسقط عنهما أداؤها. و الأحوط قضاؤها بعد الطهر و الطهارة (95).

______________________________

الجهات لا مثل المقام الذي يغفل عنه النوع في الكسوفات الجزئية التي لا يحترق القرص بالتمام، فلا يترك الاحتياط.

(89) فإنّه يثبت بالعلم، و بالبينة، و بقول الرصدي على ما مرّ.

(90) للأصل بعد انسباق إمكان وقوع الرؤية و الإدراك بالحس من النصوص، بلا فرق بين الكسوفين و سائر الآيات. فلو وقعت الزلزلة في قطر من الأقطار فقط لا تجب الصلاة على أهل سائر الأقطار و إن علموا بها، و لا فرق في بلد الآية بين جميع من يقطن فيها، بل الظاهر الشمول للعابرين عليها. و أما المارين على فضائها بالطائرة فيه، فالظاهر هو التفصيل بين إمكان إتيان الصلاة في محلّ الآية في الجملة فتجب و إلا فلا.

(91) لصحة الصدق العرفي حينئذ أنّه مكان وقوع الآية من حيث الوحدة العرفية، فمع الصدق المذكور تجب، و مع عدمه أو الشك فيه لا تجب.

(92) لعموم دليلها الشامل للكل بلا تخصيص.

(93) لما دل على حرمة الصلاة عليها.

(94) لأصالة المساواة بينها و بين الحائض في الأحكام إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخلاف.

(95) بناء على كفاية ملاك الجعل في القضاء، و لو لم يكن جعل فعليّ في البين وجب القضاء حينئذ، خصوصا مع انصراف ما دلّ على أنّه لا قضاء على

ص: 280

مسألة 21: إذا تعدد السبب دفعة أو تدريجا

(مسألة 21): إذا تعدد السبب دفعة أو تدريجا تعدد وجوب الصلاة (96).

مسألة 22: مع تعدد ما عليه من سبب واحد لا يلزم التعيين

(مسألة 22): مع تعدد ما عليه من سبب واحد لا يلزم التعيين (97). و مع تعدد السبب نوعا- كالكسوف و الخسوف و الزلزلة- الأحوط التعيين (98) و لو إجمالا.

______________________________

الحائض إلى خصوص اليومية بملاحظة التعليلات الواردة في نفي قضاء الصلاة عنها، و لعلّ نظر جمع، منهم صاحب الجواهر رحمه اللّه إلى كفاية الملاك حيث قال في أول قضاء الصلاة: «إنّ الأصل وجوب القضاء في كلّ صلاة إلا ما خرج بالدليل، و تقتضيه كثرة الاهتمام بالصلاة من الشارع».

و أما بناء على عدم الكفاية إذا شك في ثبوته النسبة إليها، فمقتضى الأصل عدم وجوب القضاء، فإنّ دليل ثبوت القضاء لكلّ فائت لا يشمل من لا تكليف بالنسبة إليه، و يشك في تحقق ملاكه أيضا، و لا فرق في ذلك بين كون صلاة الآية من الموقت أو من ذات السبب. و لكن لا طريق لنا لإحراز عدم الملاك أصلا إلا عدم الأمر و هو أعمّ من سقوط الملاك، لما ثبت في العلوم العقلية من أنّ عدم المعلول لا يكشف عن عدم العلة، فالملاك ثابت و إن انعدم الأمر.

(96) لإطلاق دليل السببية، و أصالة عدم التداخل، و هما من الأصول المحاورية المعتبرة عند الكلّ.

(97) بل لا موضوع له، لأنّ التعيين إنّما هو في صورة تمييز المأمور به و لا تمييز في البين مع وحدة السبب، و له نظائر كثيرة جدّا، كما في سجود السهو و الزكاة و الكفارات و نحوها مما هو كثير.

(98) الظاهر عدم موضوع للتعيين هنا أيضا، لأنّ السبب إنّما هو الآية و هو متحقق في الجميع. نعم، لو كان للخصوصية الفردية دخل في المأمور به يثبت التمييز حينئذ، فيلزم التعيين، لأنّه يدور مدار التمييز مطلقا. و لكن ثبوته مشكل، بل ممنوع و الشك في ثبوته يكفي في عدمه و منه يظهر حكم سائر المخوفات، و الحكم فيها أظهر، لكون الجميع داخلا تحت عنوان المخوف السماوي.

ص: 281

نعم، مع تعدد ما عدا هذه الثلاثة من سائر المخوفات لا يجب التعيين، و إن كان أحوط أيضا.

مسألة 23: المناط في وجوب القضاء في الكسوفين في صورة الجهل احتراق القرص بتمامه

(مسألة 23): المناط في وجوب القضاء في الكسوفين في صورة الجهل احتراق القرص بتمامه (99)، فلو لم يحترق التمام و لكن ذهب ضوء البقية باحتراق البعض، لم يجب القضاء مع الجهل، و إن كان أحوط، خصوصا مع الصدق العرفي.

مسألة 24: إذا أخبره جماعة بحدوث الكسوف- مثلا- و لم يحصل له العلم بقولهم

(مسألة 24): إذا أخبره جماعة بحدوث الكسوف- مثلا- و لم يحصل له العلم بقولهم، ثمَّ بعد مضيّ الوقت تبيّن صدقهم، فالظاهر إلحاقه بالجهل (100)، فلا يجب القضاء مع عدم احتراق القرص و كذا لو أخبره شاهدان لم يعلم عدالتهما ثمَّ بعد مضيّ الوقت تبيّن عدالتهما، لكن الأحوط القضاء في الصورتين (101).

______________________________

(99) لأنّه المنساق من الأدلة عرفا.

(100) بل هو منه موضوعا، إذ يصدق عرفا أنّه جاهل بالموضوع، و كذا الكلام في البينة التي لا يعلم بعدالتها ثمَّ علم بها بعد مدة.

(101) لاحتمال انصراف دليل عدم القضاء عن الصورتين.

ص: 282

فصل في صلاة القضاء

اشارة

(فصل في صلاة القضاء) يجب قضاء اليومية الفائتة عمدا أو سهوا أو جهلا، أو لأجل النوم

______________________________

(فصل في صلاة القضاء) ينبغي أولا: تأسيس الأصل في القضاء حتّى يرجع إليه في موارد الشك في الوجوب، فنقول: مقتضى كثرة اهتمام الشارع بالصلاة خصوصا الفرائض اليومية كون التقييد بالوقت من باب تعدد المطلوب، كما في كثير من شروطها و أجزائها، فالملاك و أصل المطلوبية ثابت مطلقا، و التوقيت واجب آخر و تركه عذرا أو عصيانا لا يوجب زوال الملاك و أصل المطلوبية، و يقتضيه الاستصحاب ملاكا و خطابا بعد كون التوقيت من الحالات لا المقوّمات كسائر القيود الصلاتية، فلا مورد لقاعدة: (إنّ المشروط ينعدم بانعدام شرطه). لكثرة ما ورد عليها من التخصيص في الصلاة، بل لو قلنا: إنّ الأصل في القيود الصلاتية أن تكون اختيارية لم يكن به بأس و منها الوقت. و يشهد لما ذكرناه في تأسيس الأصل اتفاقهم على أنّ السكران يجب عليه القضاء، مع أنّه لا خطاب بالنسبة إليه في حال سكره، بل و اختلافهم في أنّ فاقد الطهورين هل يجب عليه القضاء أو لا؟

و بالجملة، استصحاب بقاء الملاك و الخطاب مما لا محذور فيه في موارد ثبوتها، و في موارد سقوط الخطاب يكفي استصحاب الملاك فقط.

إن قلت: لا طريق لنا إلى إحرازه بعد سقوط الخطاب، مع أنّ إحراز كلّ ملاك لا يوجب التكليف به.

ص: 283

المستوعب للوقت، أو للمرض و نحوه، و كذا إذا أتى بها باطلة، لفقد شرط أو جزء يوجب تركه البطلان (1)،

______________________________

قلت: أما الإحراز فلا ريب فيه، لما أثبتته العدلية من تبعية التكاليف للملاكات الواقعية، و الخطاب من إحدى طرق إحرازها، و معلوم أنّ سقوط الدليل الكاشف لا يوجب سقوط الواقع المكشوف. و أما أنّ إحراز كلّ ملاك لا يوجب التكليف به فهو حق إن كان الإحراز بالطرق غير المعهودة في الشريعة. و أما إذا كان بالطرق المعهودة فلا مانع في البين و لا موضوعية لنفس الخطاب من حيث هو، بل هو طريق لإحراز الملاك الموجب له.

هذا و لكن يمكن أن يستشكل بأنّه من الممكن أن يكون الملاك محدودا ثبوتا بالوقت، مع أنّ استصحاب الملاك لا يثبت الفوت الذي يكون القضاء معلقا عليه في قولهم عليهم السلام: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (1).

و فيه: أنّ احتمال كون الملاك محدودا بالوقت منشأ للشك الذي هو من أركان الاستصحاب، فلا يضرّ ذلك. و كون الاستصحاب مثبتا ممنوع، لأنّ الفوت عبارة أخرى عن عدم الإتيان، لا أن يكون عنوانا وجوديا خاصا، فكأنّه قال عليه السلام: من لم يأت بما فيه ملاك الإلزام وجب عليه الإتيان.

و قال في الجواهر: «بل قد يومي اتفاقهم ظاهرا على وجوب قضاء شارب المسكر و الراقد إلى عدم اعتبار الخطاب بالأداء أيضا». فمقتضى الأصلين- العملي و اللفظي- وجوب القضاء إلا ما خرج بالدليل.

(1) بضرورة المذهب، بل الدّين، و نصوص مستفيضة:

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها، أو نام عنها، فقال عليه السلام: يقضيها إذا ذكرها، في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار» (2).

ص: 284


1- لم يرد نص بهذا النحو، و لكن ورد مضمونه في كثير من الأخبار، راجع الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلوات لا سيّما حديث: 1.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب المواقيت حديث: 1.

بأن كان على وجه العمد (2)، أو كان من الأركان (3).

و لا يجب على الصبيّ (4) إذا لم يبلغ في أثناء الوقت، و لا على

______________________________

و في صحيح زرارة و الفضيل عنه عليه السلام- أيضا-: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها، صلّيتها، و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت» (1).

إلى غير ذلك من النصوص مما يأتي بعضها. و لما تقدم من الأصل المزبور الدال على وجوب القضاء مطلقا.

ثمَّ إنّه لا فرق في النوم بين ما إذا كان عاديا أو على خلاف العادة، و لا بين ما إذا كان سببه طبيعيا أو لأجل استعمال دواء، لإطلاق الدليل الشامل للجميع.

نعم، لو كان النوم الطبيعي على خلاف العادة مطلقا، فشمول الإطلاق له مشكل، بل ممنوع، كما إذا نام أسبوعا مثلا.

(2) لأنّ المناط في وجوب القضاء عدم الإتيان بحسب الوظيفة الشرعية المستفادة من الأدلة التسهيلية الامتنانية، كحديث: «لا تعاد» (2)، و قاعدتي التجاوز و الفراغ و غيرها. فكلّ صلاة صححها الشارع فلا قضاء و إن كان فاقدا لجزء أو شرط، و كلّما لم يصححها فلا بد من إتيانها إعادة أو قضاء. و لم يرد تصحيح من الشرع في مورد ترك الجزء أو الشرط عمدا.

(3) لبطلان الصلاة مع الإخلال بها مطلقا عمدا كان أو سهوا، كما تقدم، و يأتي إن شاء اللّه تعالى.

(4) لإجماع المسلمين، بل بضرورة الدّين، و كذا المجنون، و يدل عليه حديث: «رفع القلم» (3) عنهما بمعنى رفع المنشئية أيضا، يعني أنّ تركهما

ص: 285


1- الوسائل باب: 6 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.

المجنون في تمامه، مطبقا كان أو أدواريا (5)، و لا على المغمى عليه (6) في تمامه، و لا على الكافر الأصلي إذا أسلم بعد خروج الوقت

______________________________

للصلاة لا يكون منشأ للإلزام بالقضاء.

(5) للإجماع على عدم الفرق بينهما في المجنون.

(6) الإغماء: فقدان الشعور لأسباب كثيرة جدّا- روحانية أو جسمانية- مشروحة في محالّها. و يدل على سقوط القضاء عنه الإجماع و جملة من الأخبار التي فيها الصحاح:

منها: صحيح أيوب بن نوح: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أو لا؟ فكتب عليه السلام: لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة» (1).

و نحوه غيره.

و منها: خبر موسى بن بكر: «الرجل يغمى عليه اليوم و اليومين و الثلاثة و الأربعة و أكثر من ذلك كم يقضي من صلاته؟ فقال عليه السلام: أ لا أخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء؟!! كلّ ما غلب اللّه عزّ و جل عليه من أمر فاللّه أعذر لعبده» (2).

و قال: «إنّ أبا عبد اللّه عليه السلام قال: هذا من الأبواب الّتي يفتح كلّ باب منها ألف باب» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار التي عمل بها المشهور.

و بإزائها جملة أخرى من الأخبار:

منها: صحيح حفص: «عن المغمى عليه قال عليه السلام: يقضي صلاة يوم» (4).

و في صحيحه الآخر: «يقضي المغمى عليه ما فاته» (5).

ص: 286


1- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 8.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 9.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 14.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 8.

.....

______________________________

و صحيح رفاعة: «عن المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة؟ قال عليه السلام: يقضيها كلّها، إنّ أمر الصلاة شديد» (1).

و في بعضها التفصيل بين الإغماء ثلاثة أيام و بين غيره فعليه القضاء في الأول دون الأخير، كموثق سماعة: «عن المريض يغمى عليه قال عليه السلام: إذا جاز عليه ثلاثة أيام فليس عليه قضاء، و إن أغمي عليه ثلاثة أيام فعليه قضاء الصلاة فيهنّ» (2).

و في بعضها الآخر أنّه فيما إذا استغرق إغماؤه شهرا يقضي ثلاثة أيام كخبر أبي بصير: «رجل أغمي عليه شهرا أ يقضي شيئا من صلاته؟ قال عليه السلام:

يقضي منها ثلاثة أيام» (3).

و الجمع العرفي هو الحمل على الندب مع اختلاف مراتبه بالنسبة إلى الأيام، كما يدل على أصل الرجحان خبر منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«عن المغمى عليه شهرا أو أربعين ليلة، فقال عليه السلام: إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي و ولدي أن تقضي كلّ ما فاتك» (4).

و نحوه خبر أبي كهمس (5).

فروع- (الأول): حالة الاحتضار- أعاننا اللّه عليها- قد تكون من الإغماء، فلا قضاء لما فات فيها لو طالت تلك الحالة، و كذا في كلّ مرض يفقد فيه الشعور، و الظاهر أنّ التخدير العمومي في حكم الإغماء.

(الثاني): الظاهر أنّ للإغماء مراتب متفاوتة، و لو شك في وصوله إلى مرتبة سقوط التكليف فمقتضى الأصل عدمه.

(الثالث): لو قدر المغمى عليه أو غيره ممن فقد شعوره في الجملة على الإتيان بالصلاة بنحو الإشارة لا يسقط عنه الأداء، و مع عدم الإتيان به وجب عليه القضاء، لأنّ المنساق من دليل السقوط غيره.

ص: 287


1- الوسائل باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 4.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 5.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 11.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 113.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 12.

بالنسبة إلى ما فات منه حال كفره (7)، و لا على الحائض و النفساء مع

______________________________

(الرابع): الإغماء- كسائر الموضوعات- يثبت بقول أهل الخبرة فلو أخبره من يوثق به من أهل الخبرة إنّ الحالة العارضة حالة الإغماء، يكفي ذلك في سقوط الأداء و القضاء.

(7) لإجماع المسلمين، بل الضرورة من الدّين، و حديث الجبّ المعروف بين الفريقين.

ثمَّ إنّ الحديث نقل بأنحاء مختلفة، فقد نقل: «الإسلام يجب ما قبله» (1). كما في بعض التواريخ الحاكية لقضاياه صلّى اللّه عليه و آله، أو:

«الإسلام يجب ما قبله و التوبة تجب ما قبلها من الكفر، و المعاصي و الذنوب»، كما في مجمع البحرين (2) أو: «هدم الإسلام ما كان قبله» (3)، كما عن عليّ عليه السلام فيمن طلق زوجته في الشرك تطليقة، أو: «الإسلام يجب ما قبله و الهجرة تجب ما قبلها» (4).

و على أي تقدير، فالبحث فيه من جهات:

الأولى: قد نوقش في الحديث تارة: من حيث السند، و أخرى: من حيث الدلالة، و لكن هل هو من التعبديات الإسلامية حتّى نحتاج إلى الجواب عن ذلك- بأنّ اشتهار الحديث يغني عن البحث في السند- أو أنّه من الأمور العقلائية الدائرة في اجتماعياتهم مطلقا، دينية كانت أو غيرها؟ الحق هو الأخير لأنّا نرى أنّ كلّ من ترك طريقة و نحلة و دخل في أخرى يلزمه صاحب الأخيرة بأحكامها من حين

ص: 288


1- راجع شرح النهج لابن أبي الحديد الجزء: 20 ص 9- 3 من طبعة دار الإحياء، و السيرة الحلبية الجزء: 3 ص 105 من طبعة مصطفى محمد، و تفسير القمي ج: 2 صفحة: 28. و راجع كنز العمال ج: 1 صفحة: 17 حديث: 243.
2- مجمع البحرين مادة: جبب.
3- المناقب لابن شهرآشوب، و راجع كنز العمال ج: 1 صفحة: 17 حديث: 247.
4- كنز العمال ج: 1 صفحة: 20 حديث: 298، و راجع كنز الحقائق المناوي- هامش الجامع الصغير- صفحة: 84.

.....

______________________________

الدخول فيها، لا أن يطالبه بها حتّى في الزمان الذي لم يكن داخلا فيها، فلو تهوّد نصرانيّ، أو تنصّر يهودي يلزم الأول بأحكام اليهود من حين التهود، و يلزم الثاني بأحكام النصارى من حين التنصر، و هذا في الجملة واضح لا ريب فيه، و الحديث وارد على طبق ما هو المركوز في أذهان الناس. فالبحث عن السند ساقط فيما هو المرتكز عند الناس، مضافا إلى أنّ اعتماد فقهاء الفريقين على الحديث يسقط هذا البحث أيضا.

الثانية: الجب تارة: بالنسبة إلى جميع ما فعله سابقا من المعاصي في حقوق اللّه تعالى و حقوق الناس في الأموال و الأنفس و الأعراض و تمام ما ارتكبه من القبائح و المفاسد.

و أخرى: يكون على نحو الإهمال و الإجمال، فيكون الحديث جزء الدليل لإتمامه، و لا بد من التعيين من التماس دليل آخر. و لا وجه للاحتمال الأول، سواء جعلناه من الأمور البنائية العقلائية للزوم الاقتصار على القدر المتيقن حينئذ، أو جعلناه من الأمور الشرعية، لعدم استفادة هذا النحو من العموم لا من نفس الحديث و لا من القرائن الخارجية.

أما الأول: فلعدم كونه في مقام البيان.

و أما الأخير: فيتبع مورد وجود القرينة و لا يتعدى منها إلى غيرها. نعم، بالنسبة إلى حقوق اللّه تعالى يمكن استفادة التعميم سيّما بملاحظة إطلاق قوله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ (1)، و أنّ الحديث امتناني صدر للترغيب إلى الإسلام، فاستفادة عدم وجوب قضاء الصلاة و الصوم منه مسلّمة، و كذا الضمان بالنسبة إلى ما لا احترام فيه، كنفوس المشركين و أموالهم، لأنّ ولايته لوليّ الأمر، و له أن يسقط الضمان عنه، و يدل عليه ما ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في خطبته المنقولة عن الفريقين بعد فتح مكة:

«ألا إنّ كلّ دم و مال و مأثرة كان في الجاهلية، فإنّه موضوع تحت قدميّ إلا سدانة الكعبة، و سقاية الحاج» (2).

ص: 289


1- سورة الأنفال: 38.
2- سفينة البحار مادة: فتح ص: 342، ج: 2.

استيعاب الوقت (8).

مسألة 1: إذا بلغ الصبيّ، أو أفاق المجنون أو المغمى عليه قبل خروج الوقت

(مسألة 1): إذا بلغ الصبيّ، أو أفاق المجنون أو المغمى عليه قبل خروج الوقت

______________________________

و لا ريب في أنّ التعميم و التخصيص في الوضعيات يدور مدار حكم وليّ الأمر و نظره في الجملة. و إنّما البحث في التكاليف الشرعية المطلقة غير المختصة بجهة دون أخرى و زمان غير زمان. و من هذه الجهة لا بد في التعميم و التخصيص من اتباع الأدلة الخارجية من إجماع أو غيره، و المسألة سيالة في موارد كثيرة من الفقه قد تعرّضنا لها في محالّها.

الثالثة: قد أورد هنا إشكال مشهور: و هو أنّه لا يصح العمل منه في حال الكفر و يسقط القضاء عنه بعد الإسلام فيكون تشريعه بالنسبة إليه لغوا محضا، فلا وجه لتكليفه بالقضاء أصلا. و لذا نسب إلى صاحب المدارك: عدم تكليفه بالقضاء في حال الكفر و إن كان مكلّفا بسائر التكاليف.

و يمكن دفعه: بأنّه لا ريب في أنّ تكليفه بالأداء مشروط بالإسلام في الوقت فيجب عليه الإسلام و الأداء، و مع الترك حينئذ وجب عليه القضاء بلا إشكال.

و أما لو لم يسلم في الوقت فتكليفه بالقضاء مشروط بأمرين: ترك الصلاة في الوقت، و ترك الإسلام خارج الوقت الذي يفيد فائدة الصلاة في الوقت، فينتفي معه موضوع القضاء. و على هذا فإن أسلم في الوقت وجب عليه الأداء و القضاء مع الترك فيكون كسائر المسلمين، و إن أسلم بعد الوقت فقد أتى ببدل القضاء فلا وجه لوجوبه عليه، و إن لم يسلم أصلا حتّى مات يتعلق به الأمر الأدائي و القضائي لتمكنه من كلّ منهما بالإسلام، هذا مع أنّ الإشكال علميّ لا يضر بأصل الحكم المتسالم عليه نصّا و فتوى، و يأتي في [المسألة 74] من كتاب الحج ما ينفع المقام.

(8) نصوصا متواترة، و ضرورة من المذهب، بل الدّين، و قد تقدم في فصل (أحكام الحائض).

ص: 290

وجب عليهم الأداء (9)، و إن لم يدركوا إلا مقدار ركعة من الوقت (10)، و مع الترك يجب عليهم القضاء (11). و كذا الحائض و النفساء إذا زال عذرهما قبل خروج الوقت و لو بمقدار ركعة.

كما أنّه إذا طرأ الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس بعد مضيّ مقدار صلاة المختار- بحسب حالهم من السفر و الحضر، و الوضوء أو التيمم- و لم يأتوا بالصلاة وجب عليهم القضاء، كما تقدم في المواقيت (12)

______________________________

(9) لإطلاقات الأدلة و عموماتها الشاملة لهذه الصورة بلا إشكال، مضافا إلى الإجماع.

(10) لقاعدة (من أدرك) التي تنزل إدراك ركعة واحدة من الوقت منزلة إدراك تمامه.

(11) لأدلة وجوب القضاء مع عدم الإتيان في الوقت الشاملة للجميع و يجري في الحائض و النفساء عين هذا الكلام من غير فرق فلا وجه للإعادة.

(12) الصلاة بالنسبة إلى هؤلاء لا تخلو عن أقسام:

الأول: عدم القدرة على الصلاة أصلا لا بنحو صلاة المختار، و لا الصلاة الاضطرارية، و ظاهرهم الإجماع على عدم وجوب القضاء حينئذ، و يقتضيه إطلاق أدلة عدم التكليف بالصلاة عند عروض هذه الأمور.

الثاني: قدرتهم على الإتيان بالصلاة الاختيارية، و لا إشكال في وجوب الأداء عليهم نصّا و إجماعا، بل ضرورة، و مع الترك يجب القضاء لإطلاقات أدلة القضاء و عموماتها.

الثالث: أن يكون تكليفهم مع قطع النظر عن عروض هذه العوارض الصلاة الاضطرارية، كما إذا كان تكليفهم الطهارة الترابية، أو الصلاة مع الإشارة للركوع و السجود مثلا، و كانوا قادرين على ذلك، و لا ريب في وجوب الأداء عليهم،

ص: 291

.....

______________________________

و مع الترك يجب القضاء، لإطلاقات الأدلة و عموماتها أداء و قضاء.

الرابع: أن يكون تكليفهم الصلاة الاختيارية و لم يقدروا عليها، بل يكونوا قادرين على الصلاة الاضطرارية لأجل مفاجاة العذر فقط، لا أن تكون هي تكليفهم قبل العذر، كما مرّ في القسم الثالث، و مقتضى القاعدة عدم وجوب القضاء، لعدم التمكن من الإتيان بالتكليف الأصلي الاختياري و الانتقال إلى البدل إنّما هو لأجل تدارك المبدل في الفرض، و إذا لم يمكن التكليف بالمبدل فكيف يتحقق التكليف بالبدل، هذا مع عدم عدّ هذه الأعذار في الأدلة من الأعذار الموجبة للانتقال إلى البدل الاضطراري مع عموم الابتلاء بمثل الحيض، فإذا لم يسع أول الوقت بالنسبة إلى من يفاجئها الحيض إلا للصلاة مع الإشارة و الطهارة الترابية- مثلا- لا وجه للتكليف بالانتقال إلى الأبدال العذرية، لأنّ أدلة سقوط الصلاة عن الحائض و النفساء و المجنون و المغمى عليه تدل على سقوط الصلاة بالأعذار الحاصلة من ناحية هذه الأمور فكيف يثبت التكليف بالعذر الحاصل من جهتها.

إن قلت: نعم، و لكن تعمّها أدلة بدلية الطهارة الترابية و الإشارة عن الركوع و السجود و نحو ذلك.

قلت: البدلية إنّما شرعت لتدارك المطلوب الأصلي مهما أمكن و مع عدم إمكان تشريع المطلوب الأصلي فلا وجه للبدلية.

إن قلت: فليكن المقام مثل ما إذا لم يتمكن المكلّف من إتيان المطلوب الأصلي من أول تكليفه، إذ لا ريب في تكليفه بالبدل مع عدم إمكان تشريع المبدل بالنسبة إليه.

قلت: يكفي في الفرق بينهما العلم بتعلق التكليف الاضطراري في المثال دون المقام، هذا مع أنّ مقتضى ظواهر وجوب القضاء على الحائض إنّما هي فيما إذا تمكنت من الصلاة الاختيارية (1) و لكن الأحوط القضاء حتّى فيما إذا أدركت الصلاة الاضطرارية و لم تصلّ خروجا عن خلاف بعض.

ص: 292


1- راجع الوسائل باب: 48 و باب: 49 من أبواب الحيض.

مسألة 2: إذا أسلم الكافر قبل خروج الوقت

(مسألة 2): إذا أسلم الكافر قبل خروج الوقت و لو بمقدار ركعة- و لم يصل وجب عليه قضاؤها (13).

مسألة 3: لا فرق في سقوط القضاء على المجنون و الحائض و النفساء بين أن يكون العذر قهريّا

(مسألة 3): لا فرق في سقوط القضاء على المجنون و الحائض و النفساء بين أن يكون العذر قهريّا، أو حاصلا من فعلهم و باختيارهم، بل و كذا في المغمى عليه (14)، و إن كان الأحوط القضاء عليه إذا كان من فعله (15)، خصوصا إذا كان على وجه المعصية (16).

______________________________

(13) لإطلاق أدلة وجوب القضاء بعد قوله عليه السلام: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» (1)فهو متمكن من أداء صلاته في الوقت إما حقيقيا إن كان الوقت واسعا لتمام الصلاة، أو تنزيلا إن وسع ركعة منها، و حيث لم يأت بها وجب القضاء.

(14) كل ذلك لإطلاقات الأدلة و عموماتها من غير ما يصلح للتقييد و التخصيص، فلا بد من التعميم.

(15) حكي عن الذكرى و بعض آخر: الوجوب حينئذ، لأنّ مقتضى التعليل بقوله عليه السلام: «كلّما غلب اللّه تعالى عليه فهو أولى بالعذر» إن كان من نفسه لا يوجب السقوط. و فيه: إنّه كذلك إن استفيدت العلية التامة المنحصرة من قوله عليه السلام، و هو ممنوع. و حينئذ فسقوط القضاء عمن غلب اللّه عليه لا ينافي السقوط بسبب آخر، مع أنّ الحكم الامتناني يناسب التسهيل و الترخيص. نعم، يمكن أن يقال: إنّه لو كان الإغماء من حيث هو موجبا للسقوط مع قطع النظر عما غلب اللّه عليه لكان المناسب التعليل بنفسه لا بما غلب اللّه عليه، لأنّ التعليل بالذاتي أقرب من التعليل بالعرضي، و ما غلب اللّه عرضيّ بالنسبة إلى نفس الإغماء من حيث هو: و يمكن الخدشة فيه أيضا بأنّ ذلك في الدقيات العقلية لا الاستظهارات العرفية و سياق الامتنانيات التسهيلية.

(16) نسب اختصاص وجوب القضاء بهذه الصورة إلى ابن إدريس

ص: 293


1- لم يوجد نص بهذا النحو إلا أن مضمونه وارد في الأخبار. راجع الوسائل باب: 30 من أبواب المواقيت.

بل الأحوط قضاء جميع ما فاته مطلقا (17).

مسألة 4: المرتد يجب عليه قضاء ما فات منه أيام ردته بعد عوده إلى الإسلام

(مسألة 4): المرتد يجب عليه قضاء ما فات منه (18) أيام ردته بعد عوده إلى الإسلام، سواء كان عن ملة أو فطرة، و تصح منه و إن كان عن فطرة على الأصح (19).

مسألة 5: يجب على المخالف قضاء ما فات منه

(مسألة 5): يجب على المخالف قضاء ما فات منه، أو أتى به على وجه يخالف مذهبه (20)، بل و إن كان على وفق مذهبنا أيضا-

______________________________

رحمه اللّه لأنّها المتيقن عن احتمال الخروج عن عدم القضاء و فيه: أنّ العموم و الإطلاق ثابت لا يضرّه مجرد الاحتمال ما لم تكن قرينة صارفة عن الظهور.

(17) لخبر أبي كهمس: «عن المغمى عليه أ يقضي ما تركه من الصلاة فقال عليه السلام: أما أنا و ولدي و أهلي فنفعل ذلك»(1).

و نحوه خبر منصور المتقدم (2)المحمول على مجرد الرجحان، مع حسن الاحتياط على كلّ حال.

(18) لإطلاقات أدلة القضاء و عموماتها الشاملة للقسمين من المرتد بلا مقيّد و مخصّص في البين.

(19) لما تقدم تفصيله في [المسألة 1] من مطهرية الإسلام من قبول ثبوته بالنسبة إلى غير الثلاثة المذكورة في صحيح ابن مسلم (3)، للإطلاقات و العمومات، فإذا قبلت توبته يكون مسلما فيجري عليه جميع أحكام الإسلام، و منها وجوب قضاء ما فات منه.

(20) لما دل على وجوب القضاء، و قاعدة الاشتغال، و استصحاب الوجوب بلا دليل على الخلاف. و أما خبر الساباطي: «قال سليمان بن خالد

ص: 294


1- الوسائل باب: 4 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 12.
2- تقدم في صفحة: 287.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب حدّ المرتد حديث: 2.

على الأحوط- (21) و أما إذا أتى به على وفق مذهبه فلا قضاء عليه (22).

______________________________

لأبي عبد اللّه عليه السلام- و أنا جالس-: إنّي منذ عرفت هذا الأمر أصلّي في كلّ يوم صلاتين، أقضي ما فاتني قبل معرفتي. قال عليه السلام: لا تفعل، فإنّ الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة» (1).

فقصور سنده يمنع العمل به في مقابل ما دلّ على وجوب القضاء، مع أنّ الترك لا يناسب ما كان عليه سليمان بن خالد من الجلالة و الثقة، و حمله على ترك الشروط و الأجزاء بحسب مذهب الحق، كما عن الشهيد خلاف الظاهر. فلا بد من حمله على أنّه كان يفعل ذلك احتياطا و تشديدا على نفسه، فنهى الإمام عليه السلام عنه.

(21) لبطلان عملهم على كلّ حال- وافق مذهبنا أو خالف- بناء على أنّ الولاية شرط الصحة، كما هو المشهور، و حينئذ فمقتضى الأصل و الإطلاق وجوب القضاء على المخالف مطلقا إلا مع الدليل على الخلاف و المنساق من دليل الخلاف، كما يأتي إنّما هو تقرير أعمالهم المطابقة لمذهبهم بعد الاستبصار، لأجل الائتلاف و حفظ الوحدة الإسلامية، فيبقى غيرها على مقتضى الأصل و الإطلاق في وجوب القضاء، و إنّما لم يجزم بالفتوى، لاحتمال انصراف ما دل على وجوب القضاء عليه عن هذه الصورة و لكن هذا الاحتمال ساقط بعد فساد أصل العمل، أو لأجل ما دل على تقرير عملهم بعد الاستبصار، فيشمل هذه الصورة بالأولى. و فيه: أنّ الأولوية ممنوعة، لاحتمال أن يكون لخصوص تقرير مذهبهم موضوعية خاصة.

(22) لجملة من النصوص: منها: صحيح العجلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته، ثمَّ منّ اللّه تعالى عليه و عرفه الولاية فإنّه يؤجر عليه، إلا الزكاة فإنّه يعيدها، لأنّه وضعها في غير مواضعها لأنّها لأهل الولاية. و أما الصلاة

ص: 295


1- الوسائل باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.

نعم، إذا كان الوقت باقيا فإنّه يجب عليه الأداء حينئذ (23). و لو تركه وجب عليه القضاء. و لو استبصر ثمَّ خالف ثمَّ استبصر فالأحوط القضاء (24) و إن أتى به بعد العود إلى الخلاف على وفق مذهبه.

مسألة 6: يجب القضاء على شارب المسكر

(مسألة 6): يجب القضاء على شارب المسكر، سواء كان مع العلم أو الجهل، و مع الاختيار على وجه العصيان أو للضرورة أو الإكراه (25).

______________________________

و الحج و الصيام فليس عليه قضاء» (1).

و قريب منه صحيح الفضلاء (2)، و ابن أذينة (3)، و يظهر منهم الإجماع عليه أيضا. و المنساق منها ما إذا أتى بالعمل صحيحا على وفق مذهبه، و أما إذا كان فاسدا عنده فشمول العموم له ممنوع، و لا أقلّ من الشك في ذلك، فلا يصح التمسك بالعموم.

و يمكن أن يستفاد منها قاعدة كلية بالنسبة إلى حقوق اللّه تعالى فلا قضاء فيها، بل يؤجر عليها. و أما حقوق الناس الواجبة العبادية، فمقتضى الأصل عدم السقوط بعد فقد الشرط في الآخذ. نعم، لو كان الآخذ مؤمنا بالمعنى الأخص، و حصل قصد القربة من المعطي و كان في مذهبهم جواز ذلك أيضا، فالظاهر الإجزاء.

(23) لأصالة عدم الإجزاء بعد انصراف أدلة تقرير مذهبهم عن ذلك و إن كان مقتضى الجمود على إطلاقها هو الإجزاء.

(24) لما مرّ في سابقة من غير فرق.

(25) لإطلاق أدلة وجوب القضاء في جميع ذلك كلّه، و قاعدة الاشتغال و استصحاب الوجوب.

ص: 296


1- الوسائل باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

مسألة 7: فاقد الطهورين يجب عليه القضاء و يسقط عنه الأداء

(مسألة 7): فاقد الطهورين يجب عليه القضاء و يسقط عنه الأداء (26). و إن كان الأحوط الجمع بينهما (27).

مسألة 8: من وجب عليه الجمعة إذا تركها حتّى مضى وقتها

(مسألة 8): من وجب عليه الجمعة إذا تركها حتّى مضى وقتها

______________________________

(26) لأنّ الصلاة على ما يظهر من الأدلة متقوّمة بالطهارة الحدثية و ليس في البين ما يخصها بحال الاختيار، فلا يتصور الأمر بالصلاة حينئذ و يظهر منهم الإجماع عليه.

و فيه: أنّ من كثرة اهتمام الشارع بالصلاة و شدة أمرها لديه يمكن أن يستكشف أنّ جميع شروطها مطلقا اختيارية إلا ما نصّ الشرع على الخلاف، فالجزم بسقوط الأداء مشكل.

و ما قيل: من أنّ سياق تركيب (لا صلاة إلّا بطهور) (1) دال على أنّ الطهارة مقوّمة للصلاة و لو في حال الضرورة، فلا أمر بالصلاة حينئذ باطل: لأنّ مثل هذا التركيب في الصلاة كثير و لم يستفد أحد منه المقومية كقولهم عليهم السلام:

«لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (2)، و «لا صلاة إلا إلى القبلة» (3).

و لا يستفاد من نفس هذا التركيب إلا الدخالة في الجملة بلا فرق بين ما إذا كانت الدخالة بلفظ الأمر، أو بمثل هذا التركيب.

و أما وجوب القضاء- كما عن جمع- فلأصالة القضاء في الفريضة التي تقدم الكلام عنها في أول المبحث.

(27) للعلم بأحد التكليفين، بعد ملاحظة شدة اهتمام الشارع بالصلاة و أنّها لا تسقط على كلّ حال، و أنّ أمر الصلاة شديد.

ص: 297


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب القبلة حديث: 9.

أتى بالظهر إن بقي الوقت (28) و إن تركها أيضا وجب عليه قضاؤها لا قضاء الجمعة.

مسألة 9: يجب قضاء غير اليومية سوى العيدين

(مسألة 9): يجب قضاء غير اليومية سوى العيدين- (29) حتّى النافلة المنذورة في وقت معين (30).

______________________________

(28) للإجماع، و النصّ، ففي صحيح عبد الرحمن: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى و اجهر فيها، فإن أدركته و هو يتشهد فصلّ أربعا» (1).

و في المدارك دعوى إجماع أهل العلم بالنسبة إلى عدم قضاء الجمعة. و أما قضاء الظهر لو تركها فللعمومات و الإطلاقات.

(29) لظهور الإجماع، و قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة:

«من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له، و لا قضاء عليه» (2).

و أما صحيح محمد بن قيس: «فإن شهد بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد» (3).

فهو مخالف للإجماع، و لا بد من حمله على بعض المحامل.

و أما خبر أبي البختري عن أبي جعفر عليه السلام: «من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعا» (4).

فإنّه ضعيف سندا، و قاصر دلالة، و مخالف للإجماع.

(30) لأصالة وجوب القضاء في الفائتة إلا ما خرج بالدليل، و هو مفقود في المقام، بل يصح التمسك بإطلاقات وجوب القضاء بعد ضعف احتمال اختصاصها باليومية.

ص: 298


1- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة العيد حديث: 3.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة العيد حديث: 2.

مسألة 10: يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت

(مسألة 10): يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت، من ليل أو نهار، أو سفر أو حضر، و يصلّي في السفر ما فات في الحضر تماما، كما أنّه يصلّي في الحضر ما فات في السفر قصرا (31).

مسألة 11: إذا فاتت الصلاة في أماكن التخيير

(مسألة 11): إذا فاتت الصلاة في أماكن التخيير فالأحوط

______________________________

(31) للآية الكريمة هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرٰادَ شُكُوراً (1). مضافا إلى العمومات و الإطلاقات، و الإجماع، و الأخبار الكثيرة الخاصة.

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار» (2).

و عن ذريح في الصحيح: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: فاتتني صلاة الليل في السفر فأقضيها بالنهار؟ فقال عليه السلام: نعم، إن أطقت ذلك» (3).

و عن زرارة: «قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر فقال عليه السلام: يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته» (4).

و أما موثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشمس- و هو في سفر- كيف يصنع، أ يجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال عليه السلام: لا يقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار و لا يجوز له و لا تثبت، و لكن يؤخرها فيقضيها بالليل» (5).

فلا بد من رد علمه إلى أهله.

ص: 299


1- سورة الفرقان: 62.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب المواقيت حديث: 1 و 13.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب المواقيت حديث: 1 و 13.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب المواقيت حديث: 14.

قضاؤها قصرا مطلقا (32)، سواء قضاها في السفر أو في الحضر في تلك الأماكن أو غيرها، و إن كان لا يبعد جواز الإتمام أيضا (33)، إذا قضاها في تلك الأماكن، خصوصا إذا لم يخرج عنها بعد و أراد القضاء (34).

مسألة 12: إذا فاتته الصلاة في السفر الذي يجب فيه الاحتياط بالجمع

(مسألة 12): إذا فاتته الصلاة في السفر الذي يجب فيه الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام، فالقضاء كذلك (35).

______________________________

(32) لأصالة القصر في صلاة المسافر إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخلاف بالنسبة إلى القضاء، و لأصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير.

(33) و قوّاه في الجواهر، لإطلاق ما دل على التخيير، و أنّ التمام عدل القصر مطلقا، أداء كان أو قضاء، و لتبعية القضاء للأداء، و لاستصحاب بقاء التخيير.

و الكلّ مخدوش، إذ الأول: تمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.

و الثاني عين المدعى في المقام، و إذا لم يجر أصل الدليل فكيف يجري الاستصحاب. و الأخير بأنّ المنساق من ظواهر الأدلة إنّما هو الترغيب في أداء الصلاة فيها بحيث يستفاد منها أنّ لخصوص الأداء و الاهتمام به في تلك الأماكن نحو موضوعية خاصة، مثل قوله عليه السلام:

«أتمّ الصلاة و لو مررت به مارا» (1).

نعم لو تمَّ إطلاق قوله عليه السلام: «كان رسول اللّه يحب إكثار الصلاة في الحرمين فأكثر فيهما و أتم» (2). من كلّ جهة لشمل الإكثار الإتمام مطلقا حتّى في القضاء فيكون دليلا للجواز. و لكنه مشكل.

(34) لأنّه المتيقن من الأدلة على فرض تمامية دلالتها بالنسبة إلى القضاء أيضا، و هو المتعيّن من الاستصحاب على فرض صحة جريانه.

(35) لبقاء مناط وجوب الجمع في حال الأداء عند القضاء أيضا، و هو

ص: 300


1- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 31.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 18.

مسألة 13: إذا فاتت الصلاة و كان في أول الوقت حاضرا و في آخر الوقت مسافرا أو بالعكس

(مسألة 13): إذا فاتت الصلاة و كان في أول الوقت حاضرا و في آخر الوقت مسافرا أو بالعكس، لا يبعد التخيير في القضاء بين القصر و التمام (36)، و الأحوط اختيار ما كان واجبا في آخر الوقت (37)، و أحوط منه الجمع بين القصر و التمام (38).

______________________________

العلم الإجمالي بوجوب أحد التكليفين بلا عروض ما يوجب سقوطه عن التنجيز.

(36) و قد جعله الأقوى رحمه اللّه في [المسألة 10] من (أحكام صلاة المسافر) معلّلا بأنّه فاتت منه الصلاة في مجموع الوقت، و المفروض: أنّه كان مكلّفا في بعضه بالقصر و في بعضه بالتمام فيتحقق موضوع التخيير. و فيه: أنّ التكليف المتسع من حيث الزمان إن أتى به في أول الوقت أو وسطه أو آخره، فلا موضوع للفوت حتّى يبحث عنه أنّه بالنسبة إلى أول الوقت أو آخره أو وسطه، و إلا فمقتضى المنساق إلى الأذهان استقرار الفوت بالنسبة إلى آخر الوقت، لأنّ صدق الفوت و الترك بالنسبة إلى ما قبله تعليقي بمعنى أنّه معلّق على عدم الإتيان إلى آخر الوقت، هذا بالنسبة إلى الفوت و الترك المطلق. و أما الفوت في الجملة فهو صادق بالنسبة إلى كلّ ساعة لم يقع فيها الفعل، و لكنّه ليس مناط وجوب القضاء مع الإتيان بالصلاة حتّى في آخر الوقت، فلا وجه للتخيير من هذه الجهة، و بالجملة لا يرى العرف هذا من التكليف التخييري.

(37) لما تقدم من صدق الفوت و الترك في الجملة و إن صح بالنسبة إلى تمام الوقت في الواجب الموسع، و لكن استقرار الترك بحسب الأنظار العرفية إنّما هو بالنسبة إلى آخر الوقت و يتبعه القضاء حينئذ، و هذا هو المشهور بين الأصحاب أيضا.

(38) جمعا بين ما مرّ- و نسب إلى المشهور- و بين ما ادعاه في المبسوط من إجماع أصحابنا على أنّ العبرة في القضاء بحال الوجوب.

و في خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر، فأخر الصلاة حتّى قدم- فهو يريد يصلّيها إذا قدم أهله- فنسي

ص: 301

مسألة 14: يستحب قضاء النوافل الرواتب استحبابا مؤكدا

(مسألة 14): يستحب قضاء النوافل الرواتب استحبابا مؤكدا (39)، بل لا يبعد استحباب قضاء غير الرواتب من النوافل

______________________________

حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها. قال عليه السلام: يصلّيها ركعتين- صلاة المسافر- لأنّ الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك» (1).

و فيه: أنّ دعوى الإجماع موهون بذهاب المشهور إلى الخلاف و الخبر مضافا إلى قصور سنده، و معارضته بغيره موهون بالإعراض فلا يصلح إلا للاحتياط.

(39) للإجماع و النص، ففي صحيح ابن سنان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إنّ العبد يقوم فيقضي النافلة، فيعجب الرب ملائكته منه فيقول: ملائكتي عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه» (2).

و في صحيحه الآخر عن الصادق عليه السلام: «أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو- من كثرتها- كيف يصنع؟ قال عليه السلام:

فليصلّ حتّى لا يدري كم صلّى من كثرتها، فيكون قد قضى بقدر علمه من ذلك.

قلت له: فإنّه لا يقدر على القضاء. فقال عليه السلام: إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي ء عليه. و إن كان شغله لجمع الدنيا و التشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، و إلا لقي اللّه و هو مستخف متهاون مضيّع لسنة (لحرمة) رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. قلت: فإنّه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدّق؟ فسكت مليّا. ثمَّ قال عليه السلام: فليتصدّق بصدقة.

قلت: فما يتصدّق؟ قال عليه السلام: بقدر طوله، و أدنى ذلك، مدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة. قلت: و كم الصلاة التي يجب فيها مدّ لكلّ مسكين؟

قال عليه السلام: لكلّ ركعتين من صلاة الليل مدّ، و لكلّ ركعتين من صلاة النهار مدّ. فقلت: لا يقدر. فقال عليه السلام: مدّ- إذا- لكلّ أربع ركعات من صلاة النهار، و مدّ لكلّ أربع ركعات من صلاة الليل. قلت: لا يقدر. قال

ص: 302


1- الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.

المؤقتة، دون غيرها. و الأولى قضاء غير الرواتب من المؤقتات بعنوان احتمال المطلوبية (40)، و لا يتأكد قضاء ما فات حال المرض (41).

و من عجز عن قضاء الرواتب استحب له الصدقة عن كلّ ركعتين بمد، و إن لم يتمكن فعن كل أربع ركعات بمدّ، و إن لم يتمكن فمدّ لصلاة الليل و مدّ لصلاة النهار (42)، و إن لم يتمكن فلا يبعد مدّ لكلّ يوم و ليلة (43)

______________________________

عليه السلام: فمدّ- إذا- لصلاة الليل، و مدّ لصلاة النهار. و الصلاة أفضل.

و الصلاة أفضل و الصلاة أفضل» (1).

أقول: مع هذا التأكيد الأكيد فأيّ عذر يعتذر به في ترك النافلة أداء و قضاء.

(40) لاستصحاب المطلوبية، و إطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن سنان الأول. و مقتضى الأصل و الإطلاق الجزم بالمطلوبية، و احتمال الانصراف إلى خصوص الرواتب، ممنوع.

(41) لصحيح مرازم: «إنّي مرضت أربعة أشهر لم أتنفّل فيها، فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام، فقال عليه السلام: ليس عليك قضاء، إنّ المريض ليس كالصحيح، كلّ ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر» (2).

المحمول على نفي التأكيد جمعا و إجماعا، لما في جملة من النصوص استحباب القضاء للمريض أيضا، و أنّه خير يفعله (3).

(42) تقدم التصريح بما ذكر في صحيح ابن سنان.

(43) نسبه في الحدائق إلى الأصحاب، و يمكن الاكتفاء به في الاستحباب بناء على التسامح فيه، و إن كان الأولى التصدق بعنوان الرجاء.

ص: 303


1- الوسائل باب: 18 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 2.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 1.

و لا فرق في قضاء النوافل- أيضا- بين الأوقات (44).

مسألة 15: لا يعتبر الترتيب في قضاء الفوائت من غير اليومية لا بالنسبة إليها

(مسألة 15): لا يعتبر الترتيب في قضاء الفوائت من غير اليومية لا بالنسبة إليها، و لا بعضها مع البعض الآخر (45). فلو كان عليه قضاء الآيات و قضاء اليومية يجوز تقديم أيّهما شاء تقدم في الفوات أو تأخر. و كذا لو كان عليه كسوف و خسوف يجوز تقديم كلّ منهما، و إن تأخر في الفوات (46).

مسألة 16: يجب الترتيب في الفوائت اليومية

(مسألة 16): يجب الترتيب في الفوائت اليومية (47)،

______________________________

(44) للإطلاقات، بل التصريح بذلك في الروايات، كما مر.

(45) لأصالة البراءة، و إطلاقات الأدلة، و ظهور الإجماع مع عدم الدليل عليه إلا قوله عليه السلام: «يقضي ما فاته كما فاته» (1). و الظاهر أنّ المراد منه المطابقة في القصر و الإتمام، كما فسّر به في بعض الأخبار (2).

(46) كلّ ذلك للأصل، و الإطلاق، و ظهور الإجماع.

(47) البحث في الترتيب في موارد ثلاثة: الأول: تقديم الفائتة على الحاضرة، و يأتي ما يتعلق به في [المسألة 28].

الثاني: تقديم الأولى على اللاحقة في المترتبتين، كالظهرين و العشاءين من يوم واحد أو ليلة واحدة و قد مرّ ما يتعلّق به في (فصل الأوقات).

الثالث: تقديم ما هو السابق فوتا بحسب الزمان على الفائتة اللاحقة، و هذا هو المقصود بالبحث في المقام و نسب وجوبه إلى المشهور، و استدل عليه تارة:

بالإجماع. و فيه: أنّ الأصل فيه الشيخ رحمه اللّه في الخلاف، و نقل عن الشهيد وجود المخالف مضافا إلى أنّه اجتهادي، و المتيقن منه- على فرض اعتباره- صورة العلم بترتيب الفوائت.

ص: 304


1- الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 1.

.....

______________________________

و أخرى: و هي العمدة بالأخبار:

منها: قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «يقضي ما فاته كما فاته» (1).

و فيه: أنّ المنساق منه التشبيه من حيث القصر و التمام و الشرائط و الأجزاء، و أما ما هو خارج عن تحت الاختيار، كالسبق و اللحوق الزماني فلا يشمله الحديث، و الشك يكفي في عدمه.

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات، فابدأ بأولهنّ فأذّن لها و أقم ثمَّ صلّها، ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة لكلّ صلاة .. إلى أن قال: و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة، ابدأ بالمغرب ثمَّ العشاء» (2).

و منها: خبر جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «قلت: تفوت الرجل الأولى و العصر و المغرب و يذكر عند العشاء. قال عليه السلام: يبدأ بصلاة الوقت الذي هو فيه، فإنّه لا يأمن الموت، فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل، ثمَّ يقضي ما فاته الأول فالأول» (3).

و فيه أولا: إمكان أن يراد بأولهنّ قضاء لا فواتا.

و ثانيا: إمكان حملهما على ما هو المتعارف حيث إنّ الغالب عندهم في إتيان الأمور التدريجية هو الابتداء بالأول، فلا يستفاد منهما الوجوب الشرعي.

و بالجملة: الترتيب الزماني في أصل الأداء من الأمور التكوينية غير الاختيارية في الأداء و ليس تحت إرادة الشارع، بل هو من اللوازم القهرية للامتثال، و ما ليس في الأداء مورد الأمر كيف يكون في القضاء كذلك، و حديث: «اقض ما فات كما فات» في الجملة إنّما يشمل ما يكون تحت الأمر لا ما هو خارج عنه و يكون من اللوازم القهرية للامتثال و يكون خارجا عن تحت إرادة الشارع.

ص: 305


1- الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 6.

بمعنى: قضاء السابق في الفوات على اللاحق (48). و هكذا. و لو

______________________________

و الأولية: في قوله عليه السلام: «الأول فالأول» تحتمل وجوها.

منها: الأول الجعلي الذي يجعله القاضي أولا لإعداد صلاته التي يقضيها.

و منها: الأول الذي يشرع في إتيانه قضاء لا جعلا و بناء.

و منها: أول ما فات، و تعين خصوص الأخير يحتاج إلى قرينة، و هي مفقودة. و على الأولين يكون إرشادا إلى تحفظ أعداد صلاته التي يقضيها كي لا تنقص عن مقدار ما فات عنه.

مع أنّ مثل هذا الأمر العام البلوى ينبغي أن يعتنى به سؤالا و جوابا، و يهتم به أكثر من ذلك، مضافا إلى أنّ القضاء بذاته صعب على المكلّف فكيف إذا كان بهذه المشقة، كما في بعض صور الجهل بالترتيب، مع أنّ بناء الشريعة على التسهيل و التيسير خصوصا في الأمور العامة البلوى.

و أما التمسك بقاعدة الاشتغال، فلا وجه له، لأنّ الشك في أصل الشرطية فلا دليل على اعتبار الترتيب في صورة العلم به فضلا عن الجهل، و إن كان مراعاته أولى خصوصا في الصورة الأولى، فلا وجه لتفصيل القول في الفروع الآتية، لأنّ مع عدم دليل على وجوب الترتيب لا وجه له.

كما أنّ أخبار ابن سنان (1)، و ابن مسكان (2)، و أبي بصير (3) لا تدل على الترتيب أيضا، و إنّما مفادها الترتيب بين المترتبتين أداء و هو مما لا كلام فيه لأحد، و تدل على تقدم الحاضرة على الفائتة، فلا ربط لها بالمقام.

(48) يعني من حيث الترتيب التكويني الزماني كتقديم فائتة السبت على فائتة الأحد- مثلا- و أما ترتيب العصر على الظهر- مثلا- فهو خارج عن المقام، و قد تقدم الكلام فيه.

ص: 306


1- الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 8.
2- الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 4.
3- الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 3.

جهل الترتيب وجب التكرار (49)، إلا أن يكون مستلزما للمشقة التي لا تتحمل من جهة كثرتها (50).

فلو فاتته ظهر و مغرب و لم يعرف السابق صلّى ظهرا بين مغربين أو مغربا بين ظهرين (51)، و كذا لو فاتته صبح و ظهر أو مغرب و عشاء من يومين، أو صبح و عشاء أو صبح و مغرب و نحوها، مما يكونان مختلفين في عدد الركعات. و أما إذا فاتته ظهر و عشاء، أو عصر و عشاء، أو ظهر و عصر من يومين- مما يكونان متحدين في عدد الركعات- فيكفي الإتيان بصلاتين بنية الأولى في الفوات (52) و الثانية فيه.

و كذا لو كانت أكثر من صلاتين، فيأتي بعدد الفائتة بنية الأولى فالأولى.

مسألة 17: لو فاتته الصلوات الخمس غير مرتبة

(مسألة 17): لو فاتته الصلوات الخمس غير مرتبة و لم يعلم السابق من اللاحق يحصل العلم بالترتيب: بأن يصلّي خمسة أيام (53)

______________________________

(49) بناء على وجوب الترتيب، و قد مرّ عدم الدليل عليه.

(50) فلا يجب حينئذ قولا واحدا لأدلة نفي العسر و الحرج.

(51) للعلم بحصول الترتيب حينئذ على كلّ تقدير.

(52) لعدم الدليل على اعتبار أزيد من القصد الإجمالي، بل مقتضى الأصل عدمه، و الظاهر التخيير في الجهر و الإخفات لو ترددت الفائتة بينهما كما في الظهر و العشاء، للشك في شمول دليل وجوبهما لمثل المقام بعد أن كان الجهر و الإخفات مبنيان على التسهيل، و يقتضيه إطلاق النص الآتي، و حينئذ فلا مجرى لقاعدة الاشتغال أيضا.

(53) لأنّ الفائتة الأولى مرددة بين كلّ من الصلوات الخمس فيحصل إحراز الترتيب بذلك، و يمكن تحصيله بأقلّ من ذلك بأن يصلّى عن كلّ يوم ثنائية و ثلاثية و رباعية مرددة بين الظهرين و العشاءين، لإطلاق النص الآتي، و أنّ ذكر صلاة واحدة فيه من باب المثال.

ص: 307

و لو زادت فريضة أخرى يصلّي ستة أيام (54). و هكذا كلّما زادت فريضة زاد يوما.

مسألة 18: لو فاتته صلوات معلومة سفرا و حضرا و لم يعلم الترتيب

(مسألة 18): لو فاتته صلوات معلومة سفرا و حضرا و لم يعلم الترتيب صلّى بعددها من الأيام، لكن يكرّر الرباعيات من كلّ يوم (55) بالقصر و التمام.

مسألة 19: إذا علم أنّ عليه صلاة واحدة 56 لكن لا يعلم أنّها ظهر أو عصر

(مسألة 19): إذا علم أنّ عليه صلاة واحدة (56) لكن لا يعلم أنّها ظهر أو عصر يكفيه إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمة.

مسألة 20: لو تيقن فوت إحدى الصلاتين- من الظهر أو العصر- لا على التعيين

(مسألة 20): لو تيقن فوت إحدى الصلاتين- من الظهر أو العصر- لا على التعيين، و احتمل فوت كلتيهما- بمعنى أن يكون المتيقن إحداهما لا على التعيين، و لكن يحتمل فوتهما معا- فالأحوط الإتيان بالصّلاتين، و لا يكفي الاقتصار على واحدة بقصد ما في الذمة، لأنّ المفروض احتمال تعدده، إلا أن ينوي ما اشتغلت به ذمته أولا، فإنّه- على هذا التقدير- يتيقن إتيان واحدة صحيحة، و المفروض أنّه القدر المعلوم اللازم إتيانه (57).

مسألة 21: لو علم أنّ عليه إحدى الصّلوات الخمس يكفيه صبح و مغرب و أربع ركعات

(مسألة 21): لو علم أنّ عليه إحدى الصّلوات الخمس يكفيه صبح و مغرب و أربع ركعات (58) بقصد ما في الذمة- مرددة بين الظهر

______________________________

(54) و يمكن تحصيله بأقل من ذلك، كما مرّ في خمسة أيام.

(55) يمكن الاكتفاء عن الحضر بثنائية و ثلاثية و رباعية مرددة، و عن السفر بثلاثية و ثنائية مرددة، لإطلاق النص الآتي، بناء على كونه في مقام بيان ضابطة كلية غير مخصوصة بمورده.

(56) أي رباعية واحدة مرددة بين الظهرين.

(57) ينتفي وجوب إتيان غيره بقاعدة عدم الاعتبار بالشك بعد الوقت.

(58) للإجماع و النص، ففي مرسل ابن أسباط، عن أبي عبد اللّه

ص: 308

و العصر و العشاء مخيرا فيها بين الجهر و الإخفات. و إذا كان مسافرا يكفيه مغرب و ركعتان (59) مرددة بين الأربع. و إن لم يعلم أنّه كان

______________________________

عليه السلام:

«من نسي من صلاة يومه واحدة و لم يدر أي صلاة هي، صلّى ركعتين و ثلاثا و أربعا» (1).

و في خبر الحسين بن سعيد: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي صلاة من الصلوات لا يدري أيتها هي؟ قال عليه السلام: يصلّي ثلاثة و أربعة و ركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلّى أربعا، و إن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى» (2).

و نسب إلى جمع وجوب الإتيان بخمس صلوات، لضعف سند الخبرين و لاعتبار الجزم بالعنوان، و يرد الأول: بانجبار الضعف بالعمل. و الثاني: بأنه لا دليل عليه، بل مقتضى الأصل عدمه خصوصا في مورد الاحتياط كما لا دليل على اعتبار الجزم بالنية، و إن نسب إلى المشهور اعتباره و على فرض الاعتبار، فيكفي الإجمالي منه و هو متحقق في موارد الاحتياط.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق الخبرين سقوط مراعاة الجهر و الإخفات و لعله كذلك لبنائهما على التسهيل، و يمكن أن يستظهر ذلك من صحيح زرارة، بتعميم قوله عليه السلام: «أو لا يدري»(3) للشبهة الموضوعية أيضا.

(59) لصحة دعوى القطع بعدم الخصوصية في مورد الخبرين، بل الحكم مطابق للقاعدة بناء على عدم اعتبار الجزم بالعنوان، و الجزم بالنية في موارد الاحتياط، كما هو الحق فيحصل العلم بالترتيب حينئذ لا محالة، و قوله عليه السلام في ما مر من صحيح زرارة: «فابدأ بأولهن ..» على فرض دلالته على الترتيب لا موضوعية له، بل المناط حصول الترتيب واقعا بأيّ نحو حصل،

ص: 309


1- الوسائل باب: 11 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 2.
3- تقدم في صفحة: 5. 3.

مسافرا أو حاضرا يأتي بركعتين مرددتين بين الأربع، و أربع ركعات مرددة بين الثلاث و مغرب.

مسألة 22: إذا علم أنّ عليه اثنتين من الخمس مرددتين في الخمس في يوم وجب عليه الإتيان بأربع صلوات

(مسألة 22): إذا علم أنّ عليه اثنتين من الخمس مرددتين في الخمس في يوم وجب عليه الإتيان بأربع صلوات فيأتي بصبح إن كان أول يومه الصبح، ثمَّ أربع ركعات مرددة بين الظهر و العصر، ثمَّ مغرب، ثمَّ أربع ركعات مرددة بين العصر و العشاء.

و إن كان أول يومه الظهر، أتى بأربع ركعات مرددة بين الظهر و العصر و العشاء (60)، ثمَّ بالمغرب، ثمَّ بأربع ركعات مرددة بين العصر و العشاء (61)، ثمَّ بركعتين للصبح. و إن كان مسافرا يكفيه ثلاث صلوات ركعتان مرددتان بين الصبح و الظهر و العصر (62)، و مغرب، ثمَّ ركعتان مرددتان بين الظهر و العصر و العشاء (63)، إن كان أول يومه الصبح.

______________________________

و كذا ما ذكره الفقهاء (قدّست أسرارهم) في إحرازه لا موضوعية له، فيجزي- على فرض اعتباره- أيّ نحو حصل و لو كان بغير ما ذكروه (قدّس سرهم) بل ليس بيان ذلك من شأن الفقيه، و إنّما هو من وظيفة أهل الخبرة و ربما كانوا أبصر فيه من الفقيه، و المناط كلّه صحة انطباق المأتي به على المحتملات بأيّ وجه اتفق و على أيّ وجه تحقق.

(60) ملاحظة العشاء في الرباعية المأتي بها بعد المغرب تغني عن ملاحظته في هذه الرباعية فلا يحتاج إليها.

(61) لأنّ هذا الترديد ثنائي، و لا وجه لكونه ثلاثيا، لأنّ الترديد الثلاثي قد أتى به في الرباعية المرددة بين الظهر و العصر و العشاء.

(62) الترديد الثلاثي لأجل احتمال انطباق فوت كلّ من الصبح و الظهر و العصر على هذين الركعتين.

(63) هذا الترديد ثلاثي لاحتمال انطباق فوت كلّ واحد من الصلوات الفائتة

ص: 310

و إن كان أول يومه الظهر يكون الركعتان الأوليان مرددتين بين الظهر و العصر و العشاء و الأخيرتان مرددتين بين العصر و العشاء و الصبح.

و إن لم يعلم أنّه كان مسافرا أو حاضرا أتى بخمس صلوات، فيأتي- في الفرض الأول- بركعتين مرددتين بين الصبح و الظهر و العصر، ثمَّ أربع ركعات مرددة بين الظهر و العصر، ثمَّ المغرب، ثمَّ ركعتين مرددتين بين الظهر و العصر و العشاء، ثمَّ أربع ركعات مرددة بين العصر و العشاء.

و إن كان أول يومه الظهر، فيأتي بركعتين مرددتين بين الظهر و العصر، و أربع ركعات مرددة بين الظهر و العصر و العشاء، ثمَّ المغرب، ثمَّ ركعتين مرددتين بين العصر و العشاء و الصبح، ثمَّ أربع ركعات مرددة بين العصر و العشاء.

مسألة 23: إذا علم أنّ عليه ثلاثا من الخمس وجب عليه الإتيان بالخمس

(مسألة 23): إذا علم أنّ عليه ثلاثا من الخمس وجب عليه الإتيان بالخمس (64) على الترتيب- و إن كان في السفر يكفيه أربع صلوات (65)، ركعتان مرددتان بين الصبح و الظهر، و ركعتان مرددتان

______________________________

على المأتي به، و لا وجه لكونه رباعيا، لأنّ احتمال كون الفائتة صلاة الصبح قد أتى به في الترديد الأول، و كذا الكلام في ما يأتي.

(64) لاحتمال أن يكون الجمع من الرباعيات، أو ثنائية و رباعيتين، أو ثلاثية و رباعيتين، أو ثنائية و ثلاثية و رباعية، فيحصل العلم بالامتثال بإتيان الخمس.

(65) لسقوط احتمال كون الفائت هو الصبح عن الاستقلال، و دخوله في إحدى فردي الترديد، كما ذكره رحمه اللّه، إذ يحتمل أن يكون جميع الفوائت ثنائية صبحا و ظهرا و عصرا، أو اثنان منهما مع العشاء، أو اثنان منهما ثنائية مع المغرب، و يحصل الامتثال بما في المتن.

ص: 311

بين الظهر و العصر، ثمَّ المغرب ثمَّ ركعتان مرددتان بين العصر و العشاء.

و إذا لم يعلم أنّه كان حاضرا أو مسافرا يصلّي سبع صلوات، ركعتين مرددتين بين الصبح و الظهر و العصر (66) ثمَّ الظهر و العصر تامتين، ثمَّ ركعتين مرددتين بين الظهر و العصر ثمَّ المغرب، ثمَّ ركعتين مرددتين بين العصر و العشاء، ثمَّ العشاء بتمامه. و يعلم- مما ذكرنا- حال ما إذا كان أول يومه الظهر بل و غيرها.

مسألة 24: إذا علم أنّ عليه أربعا من الخمس وجب عليه الإتيان بالخمس

(مسألة 24): إذا علم أنّ عليه أربعا من الخمس وجب عليه الإتيان بالخمس على الترتيب- و إن كان مسافرا فكذلك- قصرا- و إن لم يدر أنّه كان مسافرا أو حاضرا أتى بثمان صلوات (67)، مثل ما إذا علم أنّ عليه خمسا و لم يدر أنّه كان حاضرا أو مسافرا.

مسألة 25: إذا علم أنّ عليه خمس صلوات مرتبة و لا يعلم أنّ أولها أية صلاة من الخمس أتى بتسع صلوات

(مسألة 25): إذا علم أنّ عليه خمس صلوات مرتبة و لا يعلم أنّ أولها أية صلاة من الخمس أتى بتسع صلوات (68) على الترتيب- و إن علم أنّ عليه ستّا- كذلك- أتى بعشر، و إن علم أنّ عليه سبعا- كذلك- أتى بإحدى عشر صلاة. و هكذا.

______________________________

(66) لو لم يلاحظ هنا العصر لصح و كفى لملاحظته فيما يأتي.

(67) لتحقق التكرر في الظهرين و العشاء قصرا و تماما، فتزيد على الخمس ثلاثة و يصير المجموع ثمانية.

(68) إذ يحتمل أن يكون أول ما فات العشاء فيحتاج إلى أربع صلوات مرتبة أخرى و يصير المجموع تسعا.

ثمَّ إنّ هذه الفروع مبنية على اعتبار الترتيب، و حيث مرّ أنّه لا دليل عليه، فلا وجه لتفصيل القول فيها، و في جميع مثل هذه الفروع يجزي الإتيان بقدر الفائت المعلوم من دون مراعاة الإتيان بما يحصل به الترتيب.

ص: 312

و لا فرق بين أن يبدأ بأيّ من الخمس شاء، إلا أنّه يجب عليه الترتيب- على حسب الصلوات الخمس- إلى آخر العدد و الميزان: أن يأتي بخمس لا يحسب منها إلا واحدة فلو كان عليه أيام أو أشهر أو سنة و لا يدري أول ما فات، إذا أتى بخمس و لم يحسب أربعا منها يتيقن أنّه بدأ بأول ما فات.

مسألة 26: إذا علم فوت صلاة معينة- كالصبح أو الظهر مثلا- مرّات و لم يعلم عددها

(مسألة 26): إذا علم فوت صلاة معينة- كالصبح أو الظهر مثلا- مرّات و لم يعلم عددها يجوز الاكتفاء بالقدر المعلوم على الأقوى (69)، و لكن الأحوط التكرار بمقدار يحصل منه العلم بالفراغ (70)، خصوصا مع سبق العلم بالمقدار و حصول النسيان

______________________________

(69) نسب ذلك إلى المشهور، لأنّ المسألة من صغريات الأقل و الأكثر فتجري فيها البراءة عن الأكثر، مضافا إلى عدم اعتبار الشك بعد الوقت إذ ليس عنوان القضاء من حيث إنّه قضاء مورد التكليف حتّى يكون من الشك في المحصّل، بل القضاء مرآة لما فات عن المكلّف خارجا فيكون التكليف بالأقلّ معلوما و بالنسبة إلى الأكثر مشكوكا فيرجع فيه إلى البراءة، و قاعدة عدم الاعتبار بالشك بعد الوقت. و لا يجري استصحاب بقاء التكليف، إذ لا تعين فيه إلا بالنسبة إلى الأقلّ و الأكثر مشكوك حدوثا و بقاء، فكيف يجري الاستصحاب في التكليف الانحلالي إلى المعلوم و المشكوك.

(70) خروجا عن خلاف جمع حيث قالوا بوجوبه، و لكن لا دليل لهم عليه، لأنّه إن كان ذلك لقاعدة الاشتغال، فلا وجه له، لأنّ الشك في أصل التكليف لا في المكلّف به، لما تقدم من الانحلال إلى المتيقن الذي هو الأقل و المشكوك الذي هو الأكثر. و إن كان لما ورد فيما تقدم من قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان: «فليصلّ حتّى لا يدري كم صلّى من كثرتها- الحديث-» (1).

ص: 313


1- تقدم في صفحة: 302.

بعده (71). و كذا لو علم بفوت صلوات مختلفة و لم يعلم مقدارها (72)، لكن يجب تحصيل الترتيب بالتكرار (73) في القدر المعلوم، بل- و كذا- في صورة إرادة الاحتياط بتحصيل التفريغ القطعي.

مسألة 27: لا يجب الفور في القضاء

(مسألة 27): لا يجب الفور في القضاء، بل هو موسع (74).

______________________________

ففيه أنّه قياس، و الأولوية في الفريضة ممنوعة. و إن كان لأجل توهم الإجماع فلا وجه لاعتباره. و إن كان لأجل كثرة الاهتمام بالصلاة حتّى لا يستهان بها، فهو لا يكون مدركا للوجوب و إن صلح أن يكون مدركا لمطلق الرجحان و الاحتياط.

(71) خروجا عن خلاف من قال بوجوب الاحتياط حينئذ، بل قواه بعض مشايخنا قدّست أسرارهم في حاشيته الشريفة، من جهة سبق العلم و تنجز التكليف به. و فيه: أنّه ليس سبق كلّ علم موجبا لوجوب الاحتياط، بل المناط فيه هو العلم الذي لا يكون مرددا بين الأقل و الأكثر حدوثا و بقاء، و في المقام و إن كان المعلوم معينا حدوثا، لكنّه مردد بين الأقل و الأكثر بقاء فيرجع في الأكثر إلى أصالة البراءة، كما إذا كان حدوثا كذلك. و بعبارة أخرى: ليس كلّ علم حجة، بل الثابت المستقر فيه لا الحادث الزائل.

(72) فإنّه أيضا من موارد الأقل و الأكثر، فيرجع في غير المعلوم إلى الأصل.

(73) بناء على وجوب الترتيب، و قد مرّ عدم وجوبه.

(74) هذه المسألة كانت في الأعصار القديمة موردا لبسط القول و النظر بين الفقهاء رحمهم اللّه، و قد ألف فيها رسائل- بين مفصلة و مختصرة- و المشهور بين المتأخرين عدم وجوب الفورية في القضاء، بل استقر المذهب عليه منذ قرون كثيرة.

و البحث فيها تارة: بحسب الأصل العملي. و أخرى: بحسب الأدلة العامة. و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة. و رابعة بحسب الإجماع.

ص: 314

.....

______________________________

أما الأول: فالمسألة من صغريات الشك في الشبهة الوجوبية، و المتفق عليها- نصّا و فتوى- البراءة، بناء على كون الوجوب نفسيا، و كذا بناء على كونه غيريا شرطيا على ما هو التحقيق- كما ثبت في الأصول- فلا وجه للتمسك بقاعدة الاشتغال على الفورية، إذ المسألة من صغريات الشك في أصل التكليف لا المكلّف به.

و أما الثاني: فمقتضى الإطلاقات عدم وجوبه، و قد ثبت في محلّه عدم دلالة الأوامر على الفورية إلا بقرينة خارجية. و أما الأخير فلا إجماع يعتمد عليه على الفورية.

و أما الثالث:- أي الأدلة الخاصة- و هي العمدة، فهي جملة من الأخبار، و قد استدل بها لهذه المسألة و للمسألة التالية أيضا- أي عدم جواز التطوع لمن عليه الفريضة.

منها: صحيح زرارة: «عن رجل صلّى بغير طهور، أو نسي صلاة لم يصلّها، أو نام عنها، فقال عليه السلام: يقضيها إذا ذكرها، في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت الصلاة و لم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت، و هذه أحق بوقتها فليصلّها، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته مما قد مضى. و لا يتطوع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» (1).

و فيه: أنّ المنساق منه وحدة الفائتة التي شرع فيها فدخل وقت صلاة أخرى في الأثناء فيكون المراد من الوقت، وقت الفضيلة لا محالة، و يصير محصّل مفاد الحديث حينئذ: أنّ إدراك الصلاة في وقت فضيلتها أفضل من التعجيل في قضاء ما فات، فيدل على أنّ التعجيل في القضاء مستحب، كما أنّ درك أول الوقت بالنسبة إلى الصلاة التي دخل وقتها أيضا كذلك و حينئذ فإن أمكن الجمع بينهما فهو المطلوب، إذ لا يستفاد منه إلا الاهتمام بقضاء الصلوات في الجملة و الا يقدم الصلاة التي دخل وقتها لأهميتها، فالصحيح على خلاف المطلوب أدل.

ص: 315


1- الوسائل باب: 2 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3.

.....

______________________________

و منها: فقرات من صحيح آخر له أيضا عن أبي جعفر عليه السلام:

1-: «و إن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصلّ العصر ثمَّ صلّ المغرب».

2-: «فإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمَّ قم فأتمّها ركعتين ثمَّ تسلّم».

3-: «إن كنت ذكرتها- يعني العشاء الآخرة- و أنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ الغداة و أذّن و أقم».

4-: «و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة، ابدأ بالمغرب ثمَّ العشاء،. فإن خشيت أن تفوتك الغداة- إن بدأت بهما- فابدأ بالمغرب ثمَّ صلّ الغداة، ثمَّ صلّ العشاء. و إن خشيت أن تفوتك الغداة- إن بدأت بالمغرب- فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب و العشاء، ابدأ بأولهما، لأنّهما جميعا قضاء (1)».

و الجواب عن الجميع: أنّها ظاهرة في وقت الفضيلة، فيكون محصّل المعنى: إنّه مع درك فضيلة الوقت للحاضرة تقدم الفائتة و مع خوف الفوت تقدم الحاضرة، فلا وجه للاستدلال بها على المضايقة، بل تكون على خلاف المطلوب أدل.

و منها: صحيح صفوان عن أبي الحسن عليه السلام: «عن رجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر. فقال عليه السلام: كان أبو جعفر عليه السلام، أو كان أبي عليه السلام يقول: إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها و إلا صلّى المغرب ثمَّ صلّاها» (2).

و منها: خبر البصري: «عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة أخرى، فقال عليه السلام: إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّاها حين يذكرها فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي. و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها

ص: 316


1- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 7.

.....

______________________________

بركعة ثمَّ صلّى المغرب ثمَّ صلّى العتمة بعدها» (1).

و منها: خبر معمر بن يحيى عنه عليه السلام أيضا: «رجل صلّى على غير القبلة ثمَّ تبينت القبلة، و قد دخل وقت صلاة أخرى. قال عليه السلام: يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها، إلا أن يخاف فوت التي دخل وقتها» (2).

و الجواب عن الكلّ: إنّ وقت الصلاة الذي دخل إما فضليّ أو إجزائيّ أو ضيّق لا يصلح إلا لما دخل وقتها، و لا يتم الاستدلال إلا بظهور الأخبار في الأخير، و هو ممنوع جدّا. نعم، لا ريب في ظهور جميع مثل هذه الأخبار في الاهتمام بالقضاء و هو أعمّ من الدلالة على المضايقة، كما لا يخفى.

و منها: صحيحة أبي ولّاد- فيمن رجع عن قصد السفر بعد ما صلّى قصرا-: «إنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤم من مكانك» (3).

و منها: خبر نعمان الرازي: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل فاته شي ء من الصلوات فذكرها عند طلوع الشمس و عند غروبها. قال عليه السلام:

فليصلّ حين ذكره» (4).

و قريب منه خبر السرائر (5)، و صحيحة زرارة الواردة في نوم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن صلاة الصبح (6).

و منها: رواية يعقوب بن شعيب: «عن الرجل ينام عن الغداة حتّى تبزغ الشمس أ يصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتّى تنبسط الشمس؟ فقال عليه السلام:

يصلّي حين يستيقظ» (7).

ص: 317


1- الوسائل باب: 63 من أبواب حد المواقيت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب القبلة حديث: 5 و ذيله مذكور في هامش الوسائل.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب صلاة المسافر حديث: 1.
4- الوسائل باب: 39 من أبواب المواقيت حديث: 16.
5- الجواهر ج: 13 صفحة: 84 طبع النجف.
6- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 6.
7- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 4.

.....

______________________________

و دلالة الكلّ مخدوشة: لأنّ ظهورها في كثرة الاهتمام بالقضاء مما لا ريب فيه. و استفادة وجوب الفورية منها ممنوع بقرينة ما استدل به على المواسعة. و قد استدل بأمور أخرى ظاهرة الخدشة، كما لا يخفى على من راجعها.

إن قلت: يكفي إطلاقات القضاء في فوريته و ضيقه لكونها من لوازم الأمر إلا أن يدل دليل على الخلاف، لأنّ الأمر علّة تامة للتحريك إلى متعلقه و مقتضاه الفورية إلا مع القرينة على الخلاف، فلا وجه حينئذ للتراخي، و لا للرجوع إلى البراءة.

قلت: ليس شأن الأمر إلا إيجاد الداعي و إتمام الحجة على المأمور به العبادي بداعي الأمر لا بداع آخر، و هو حاصل بمجرد أمر الآمر امتثل في الخارج أم لا، و حصول المأمور به ليس معلولا للأمر حتّى يقتضي الفورية، بل هو معلول إرادة المأمور و مشيته فقط، فلا وجه لاستفادة الفورية من الأمر بالبيان المتقدم.

ثمَّ إنّه قد استدل على المواسعة و عدم الفورية في القضاء بجملة من الأخبار:

منها: ما عن أصل الحلبي من قوله عليه السلام: «و من نام أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر بمقدار ما يصلّيهما جميعا فليصلّهما، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الفجر ثمَّ يصلّي المغرب ثمَّ العشاء» (1).

و حمل قوله عليه السلام: «و إن استيقظ بعد الفجر ..» على ضيق وقت الفجر خلاف الظاهر، و نحوه صحيح أبي بصير (2).

و منها: خبر جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الرجل تفوته الأولى و العصر و المغرب و ذكرها بعد العشاء الآخرة؟ قال عليه السلام: يبدأ بصلاة الوقت الذي هو فيه، فإنّه لا يأمن الموت، فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل، ثمَّ يقضي ما فاته الأول فالأول» (3).

ص: 318


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 5.
2- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 8.
3- الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 6.

.....

______________________________

و الإشكال عليه بأنّه خلاف المجمع عليه بأنّ ظاهره تأخير المغرب عن العشاء في الوقت المشترك بينهما و لا يقول به أحد، مردود: بأنّ جواب الإمام عليه السلام ليس نصّا، و لا ظاهرا في ذلك، و يمكن أن يكون مراده عليه السلام بالوقت الذي هو فيه الإتيان بوظيفة الوقت، أي المغرب و العشاء مترتبا، مع أنّ الإشكال من هذه الجهة لا ينافي ظهوره في المدعى.

و منها: خبر صفوان عن العيص بن القاسم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتّى دخل وقت صلاة أخرى. فقال عليه السلام: إن كانت صلاة الأولى فليبدأ بها، و إن كانت صلاة العصر فليصلّ العشاء ثمَّ يصلّي العصر» (1).

و ظهور الذيل في عدم الفورية في القضاء مما لا ينكر.

و مثله خبر حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه، فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك. قال عليه السلام: يؤخر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك» (2).

و منها: خبر جابر: «قال رجل: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كيف أقضي؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: صلّ مع كلّ صلاة مثلها» (3).

و هو ظاهر في عدم الفورية في القضاء.

فتلخص من جميع ما مرّ: أنّه لم يتم دليل على الفورية في القضاء، و يكفي حينئذ أصالة البراءة، و أصالة الإطلاق، و الأخبار الخاصة سياقها سياق الإرشاد إلى الاستباق و المسارعة إلى تفريغ الذمة مهما أمكن و لا ريب في حسنه عقلا و شرعا، و لو كانت الفورية في القضاء حكما إلهيا واقعيا لأشير إليه في هذه المسألة العامة البلوى من أول البعثة و لم يؤخر إظهاره إلى زمان الصادقين عليهما السلام.

ص: 319


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 6.
2- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 9.
3- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 9.

ما دام العمر إذا لم ينجر إلى المسامحة في أداء التكليف و التهاون به (75).

مسألة 28: لا يجب تقديم الفائتة على الحاضرة

(مسألة 28): لا يجب تقديم الفائتة على الحاضرة (76).

______________________________

(75) فيشمله على ما دل على تحريم التهاون بالصلاة و إضاعتها بناء على شمول إطلاقها للقضاء أيضا (1).

(76) لا تلازم بين هذه المسألة و المسألة السابقة، لإمكان القول بعدم وجوب الفورية في القضاء و القول بوجوب تقديم الفائتة من جهة كونه شرطا، لصحة الحاضرة، كتقديم الظهر على العصر، كما أنّه يمكن القول بوجوب الفورية نفسيا مع القول بصحة الحاضرة و إن لم يأت بالفائتة عصيانا بناء على عدم اقتضاء الأمر بالشي ء النّهي عن ضدّه، كما ثبت في محلّه، فيصح التفكيك بين المسألتين في الجملة. و الأصل في كلّ من المسألتين البراءة إلا إذا ثبت الدليل على الخلاف و هو مفقود.

ثمَّ إنّ المعروف بين القائلين بالمواسعة عدم وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة لأصالة البراءة- سواء كان الوجوب نفسيا أو غيريا، كما مرّ- و لجميع ما تقدم مما دل على المواسعة. كما أنّ المعروف بين القائلين بالمضايقة وجوب التقديم، لما تقدم فيما استدل به على المضايقة، و بالصحيح الطويل لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام:

«إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك صلوات فابدأ بأولاهنّ فأذّن لها و أقم ثمَّ صلّها، ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة، إقامة لكلّ صلاة.

و قال: قال أبو جعفر عليه السلام: و إن كنت قد صلّيت الظهر- و قد فاتتك الغداة فذكرتها- فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها و لو بعد العصر. و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها.

ص: 320


1- راجع الوسائل باب: 6 و باب: 7 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها.

.....

______________________________

و قال عليه السلام: إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها- و أنت في الصلاة أو بعد فراغك- فانوها الأولى ثمَّ صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع.

و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الأولى- و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين- فانوها الأولى ثمَّ صلّ الركعتين الباقيتين، و قم فصلّ العصر. و إن كنت ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصلّ العصر ثمَّ صلّ المغرب، فإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر، ثمَّ قم فأتمها ركعتين ثمَّ تسلّم ثمَّ تصلّي المغرب، فإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصلّ المغرب.

و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلّم، ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة، فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة، و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ الغداة و أذن و أقم، و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة، ابدأ بالمغرب ثمَّ العشاء. فإن خشيت أن تفوتك الغداة- إن بدأت بهما- فابدأ بالمغرب ثمَّ الغداة، ثمَّ صلّ العشاء.

و إن خشيت أن تفوتك الغداة- إن بدأت بالمغرب- فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب و العشاء، ابدأ بأولاهما، لأنّهما جميعا قضاء، أيّهما ذكرت فلا تصلّهما إلا بعد شعاع الشمس. قلت: و لم ذلك؟ قال عليه السلام: لأنّك لست تخاف فوتها»(1).

و بخبر أبي بصير: «عن رجل نسي الظهر حتّى دخل وقت العصر قال عليه السلام: يبدأ بالظهر. و كذلك الصّلوات تبدأ بالتي نسيت إلا أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة، فتبدأ بالتي أنت في وقتها ثمَّ تقضي التي نسيت» (2).

و قد تقدم الجواب عن الكلّ، و إنّ استفادة الوجوب ممنوعة، مع معارضتها بما دل على المواسعة. نعم، يستفاد منها كثرة الاهتمام بالقضاء، و يصح الحمل على الندب جمعا.

ص: 321


1- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 62 من أبواب المواقيت حديث: 8.

فيجوز الاشتغال بالحاضرة- في سعة الوقت- لمن عليه قضاء و إن كان الأحوط تقديمها عليها (77)، خصوصا في فائتة ذلك اليوم (78)، بل إذا شرع في الحاضرة قبلها استحب له العدول منها إليها (79) إذا لم يتجاوز محلّ العدول.

مسألة 29: إذا كانت عليه فوائت أيام

(مسألة 29): إذا كانت عليه فوائت أيام، و فاتت منه صلاة ذلك اليوم- أيضا- و لم يتمكن من إتيان جميعها أو لم يكن بانيا على إتيانها فالأحوط استحبابا أن يأتي بفائتة اليوم قبل الأدائية، و لكن لا يكتفي بها بل بعد الإتيان بالفوائت يعيدها أيضا مرتبة عليها (80).

______________________________

و استدل أيضا بالإجماع، و قاعدة الاشتغال. و الأول موهون بشهرة الخلاف و المخالف. و الثاني بأنّ الشك في أصل التكليف لا المكلّف به. و حيث إنّه قد استقر المذهب على عدم وجوب الفورية في القضاء، و على عدم الترتيب بينه و بين الحاضرة فلا وجه لتطويل البحث بعد فقد الدليل على الفورية و الترتيب.

(77) خروجا عن مخالفة جمع من الفقهاء (قدّس سرّهم)، و اهتماما بالقضاء مهما أمكن.

(78) خروجا عن مخالفة العلامة رحمه اللّه في المختلف حيث خص الوجوب بفائتة اليوم مع أنّه لم يأت بدليل خاص لذلك سوى ما تمسك بما مرّ من أخبار المضايقة، و قد مرّ الجواب عنها.

(79) لأنّ ذلك هو المستفاد من مجموع الأدلة بعد رد بعضها إلى بعض و قد تقدم في [المسألة 11] من فصل (أحكام الأوقات)، فراجع.

(80) أما استحباب أن يأتي بفائتة اليوم قبل الحاضرة، فلما تقدم في المسألة السابقة. و أما الإعادة ثانية مرتبة فلإحراز الترتيب بناء على القول به و تقدم عدم الدليل على كلّ منهما، مع أنّ الاحتياط الأول معارض بالاحتياط الثاني لأنّ مقتضى الترتيب عدم صحة الإتيان بفائتة اليوم، بل يحصل الاحتياط بإتيان الفوائت مرتبة إلى أن يضيق وقت الحاضرة.

ص: 322

مسألة 30: إذا احتمل اشتغال ذمته بفائتة أو فوائت يستحب له تحصيل التفريغ بإتيانها احتياطا

(مسألة 30): إذا احتمل اشتغال ذمته بفائتة أو فوائت يستحب له تحصيل التفريغ (81) بإتيانها احتياطا. و كذا لو احتمل خللا فيها، و إن علم بإتيانها (82).

مسألة 31: يجوز لمن عليه القضاء الإتيان بالنوافل على الأقوى

(مسألة 31): يجوز لمن عليه القضاء الإتيان بالنوافل على الأقوى (83). كما يجوز الإتيان بها- بعد دخول الوقت- قبل إتيان

______________________________

(81) لأنّه نحو من الانقياد و الاحتياط المطلوب على كلّ حال، و هو المشهور بين الفقهاء (قدّس سرّهم)، و يكفي ذلك في الاستحباب.

(82) لإطلاق قوله تعالى وَ جٰاهِدُوا فِي اللّٰهِ حَقَّ جِهٰادِهِ (1) الشامل للإعادة و القضاء فيما احتمل فيه عدم القبول، فضلا عما احتمل فيه عدم الصحة، و المشهور الفتوى بالاستحباب في هذه الصورة أيضا.

(فرع): لو شك في أصل اشتغال ذمته بالقضاء ليس عليه شي ء لأنّه من الشك بعد الوقت، و لو شهد به عدلان يجب عليه، و كذا لو وجده في دفتر ديونه و حقوقه.

(83) لأصالة البراءة عن وجوب تقديم القضاء عليها، سواء كان الوجوب نفسيا أم غيريا، و هذا واضح بناء على المواسعة في قضاء الفوائت فلا ريب في ذلك. و أما بناء على الفورية، فالمسألة من صغريات أنّ الأمر بالشي ء هل يقتضي النّهي عن ضدّه أو لا؟ و قد ثبت في محلّه عدم الاقتضاء فصحة النافلة المأتيّ بها مطابقة للقاعدة مطلقا. و تدل عليها جملة من الأخبار أيضا، كخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشمس، فقال عليه السلام: يصلّي ركعتين، ثمَّ يصلّي الغداة» (2)، و ما دل على افتتاح القضاء بركعتين تطوعا (3)، و ما دلّ على رقود النبيّ صلّى اللّه عليه و آله

ص: 323


1- سورة الحج: 78.
2- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 5.

الفريضة كما مرّ سابقا (84).

مسألة 32: لا يجوز الاستنابة في قضاء الفوائت ما دام حيّا

(مسألة 32): لا يجوز الاستنابة في قضاء الفوائت ما دام حيّا (85) و إن كان عاجزا عن إتيانها أصلا (86).

______________________________

حتّى طلعت الشمس (1) المشتمل على أنّه صلّى اللّه عليه و آله تنفّل قبل القضاء.

و لا يضرّ بالاستدلال اشتماله على نومه، لأنّه محمول على إنامة اللّه تعالى إياه لمصالح، كما في بعض الأخبار (2).

و استدل على المنع بقول أبي جعفر عليه السلام في حديث زرارة: «و لا يتطوع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» (3).

و بقول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر ابن شعيب: «بل يبدأ بالفريضة» (4).

إلى غير ذلك من الأخبار و الكلّ محمول على أنّه إرشاد إلى ما هو المرتكز من أنّ الاهتمام بالفريضة لا بد و أن يكون أكثر من الاهتمام بغيرها، و لا يستفاد منها أكثر من ذلك، و يكون استحباب النافلة باق على حاله لا أن تكون باطلة مع اشتغال الذمة بالقضاء، و لا أن تكون النافلة المسبوقة بالقضاء أكمل من الملحوقة به، و قد تقدم بعض الكلام في [المسألة 16] من فصل (أوقات الرواتب).

(84) راجع فصل (أوقات الرواتب) [المسألة 16].

(85) للإجماع، و ظهور الأدلة في اعتبار المباشرة إلا ما خرج بالدليل و لا دليل في المقام على الخلاف.

(86) لشمول الإجماع، و ظواهر الأدلة لهذه الصورة أيضا، و خرج الحج

ص: 324


1- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 6.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 4.

مسألة 33: يجوز إتيان القضاء جماعة

(مسألة 33): يجوز إتيان القضاء جماعة (87)، سواء كان الإمام قاضيا أيضا أو مؤديا (88)، بل يستحب ذلك (89). و لا يجب اتحاد صلاة الإمام و المأموم، بل يجوز الاقتداء من كلّ من الخمس بكلّ منها (90).

مسألة 34: الأحوط لذوي الأعذار تأخير القضاء إلى زمان رفع العذر

(مسألة 34): الأحوط لذوي الأعذار تأخير القضاء إلى زمان رفع العذر (91). إلا إذا علم بعدم ارتفاعه إلى آخر ......

______________________________

بدليل خاص دل عليه (1)، و يأتي تفصيله في [المسألة 17] من كتاب الحج إن شاء اللّه تعالى.

(87) للإجماع في الجملة، و لأصالة المساواة بين الأداء و القضاء إلا ما خرج بالدليل و هو مفقود، بل خبر إسحاق: «تقام الصلاة و قد صلّيت قال:

عليه السلام: صل و اجعلها لما فات» (2).

صريح في الجواز، و كذا خبر البصري في من نسي العصر: «و إن ذكرها مع إمام أتمها بركعة ثمَّ صلّى المغرب» (3).

و يأتي في [المسألة 3] من (فصل صلاة الجماعة) ما ينفع المقام، فراجع.

(88) أما في القضاء، فلما مر. و أما في الأداء فلظهور خبر إسحاق المتقدم، مضافا إلى ظهور الاتفاق.

(89) لكثرة ما ورد في استحباب الجماعة في الفرائض الشامل لقضائها أيضا، و يأتي في الجماعة ما ينفع المقام.

(90) لما يأتي في [المسألة 3] من (فصل صلاة الجماعة) إن شاء اللّه تعالى.

(91) المسألة من صغريات جواز البدار لذوي الأعذار، و يمكن أن يدعى

ص: 325


1- الوسائل باب: 24 من أبواب وجوب الحج و شروطه.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 3.

العمر (92)، أو خاف مفاجاة الموت (93).

مسألة 35: يستحب تمرين المميّز من الأطفال على قضاء ما فات منه من الصلاة

(مسألة 35): يستحب تمرين المميّز من الأطفال على قضاء ما فات منه من الصلاة (94)، كما يستحب تمرينه على أدائها سواء

______________________________

أنّ المنساق من أدلة التكاليف الاضطرارية ما كان العذر فيها ثابتا و مستقرّا في الجملة لا ما كان مرجوّ الزوال بحسب المتعارف إلا أن يكون دليل على الخلاف لا ما يتوهم من إطلاق أدلة القضاء و كثرة الاهتمام بالإتيان مهما أمكن، و كونه في مقام البيان حتّى من هذه الجهة أول الكلام. و كذا توهم الإطلاق في أدلة التكاليف الاضطرارية، فإنّ إثباته فيما لم يكن قرينة عليه في البين مشكل.

نعم، لو كان معذورا في الطهارة المائية يجوز له القضاء مع الترابية حتّى مع رجاء زوال العذر فيما بعد، و إن كان الأحوط خلافه، و تقدم التفصيل في [المسألة 3] من (فصل أحكام التيمم)، فراجع.

(92) فلا إشكال في جواز البدار حينئذ، و لكن لو تبيّن الخلاف فالأحوط الإعادة و كذا مع خوف المفاجأة.

(93) احتمال مفاجاة الموت مستغرق لتمام العمر، و يمكن أن يراد به مورد تحقق بعض مقدماتها.

فرعان- (الأول): لو دار الأمر بين إتيان القضاء مع العذر عند اليأس عن زواله و بين الوصية به بعد الموت، أو علم أنّ الوليّ يقضي هل يسقط الوجوب حينئذ أو لا؟ مقتضى الأصل عدم سقوطه.

(الثاني): لا فرق في وجوب الترتيب- على القول به- بين من يقضي عن نفسه أو عن غيره ولاية أو استئجارا، لإطلاق الدليل- على فرض التمامية- الشامل للجميع.

(94) للإجماع، و إطلاق الأخبار المستفيضة التي يأتي التعرض لبعضها.

ص: 326

الفرائض و النوافل (95)، بل يستحب تمرينه على كلّ عبادة (96).

و الأقوى مشروعية عباداته (97).

مسألة 36: يجب على الوليّ منع الأطفال من كلّ ما فيه ضرر عليهم أو على غيرهم

(مسألة 36): يجب على الوليّ منع الأطفال من كلّ ما فيه ضرر عليهم أو على غيرهم من الناس (98)، و عن كلّ ما علم من الشرع إرادة عدم وجوده في الخارج (99) لما فيه من الفساد كالزنا و اللواط و الغيبة، بل و الغناء على الظاهر. و كذا عن أكل الأعيان النجسة و شربها

______________________________

(95) للإجماع، و إطلاق الأخبار المستفيضة التي منها ما في حديث الأربعمائة عن عليّ عليه السلام: «علّموا صبيانكم الصلاة و خذوهم بها إذا بلغوا ثماني سنين» (1).

(96) لأنّ التمرين على الخير خير شرعا و عرفا و عقلا، و قد ورد النص على الصوم أيضا (2).

(97) لوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها. أما الأول فللعمومات و الإطلاقات الشاملة له أيضا خطابا و ملاكا. و أما الثاني فليس في البين ما يصلح للمانعية إلا حديث الرفع، و المنساق منه بالنسبة إليهم رفع المؤاخذة و الإلزام لا أصل التشريع، مع أنّه لا يعقل وجه صحيح لحرمانهم عن هذه الكمالات المعنوية، مضافا إلى أنّ العقلاء يرغبونهم إلى الأفعال الحسنة و يرونها حسنة و يرتبون الأثر عليها.

(98) لعموم دليل ولاية الوليّ، و لا ريب في أنّ هذا من فروع ولايته بل من أهمها، و تقتضيه السيرة العقلائية أيضا.

(99) لأنّه لا معنى لمبغوضية وجوده بنحو الإطلاق إلا عدم التعرض لتحققه في الخارج مباشرة أو تسبيبا.

ص: 327


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 8.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم.

مما فيه ضرر عليهم (100). و أما المتنجسة فلا يجب منعهم عنها (101)، بل حرمة مناولتها لهم غير معلومة (102).

و أما لبس الحرير و الذهب و نحوهما- مما يحرم على البالغين- فالأقوى عدم وجوب منع المميزين منها، فضلا عن غيرهم، بل لا بأس بإلباسهم إياها (103)، و إن كان الأولى تركه، بل منعهم عن لبسها.

______________________________

(100) مع تحقق الضرر لا فرق في الحرمة بين الأعيان النجسة و المتنجسة و قد تقدم ذلك. و أما مع عدمه- كما اختاره (قدّس سرّه) في [المسألة 33] من فصل (إذا صلّى في النجس) من أحكام النجاسات- فالحرمة مبنية على كون تناول النجس مما علم بمبغوضية مطلق وجوده في الخارج، أعم من المباشرة و التسبيب حتّى بالنسبة إلى غير المكلّف، و لا يبعد ذلك و تقتضيه مرتكزات المتشرعة، و إرسال الفقهاء (قدّس سرّهم) له إرسال المسلّمات.

(101) للأصل، و السيرة في الجملة.

(102) مقتضى الأصل عدم الحرمة إلا أن يدل دليل على الخلاف، و لا دليل عليه إلا دعوى أنّه أيضا مما علم من الشرع عدم تحققه في الخارج و فيه: أنّه دعوى بلا شاهد، بل هو عين المدعى. و إلا ما ورد في إراقة الماء و المرق المتنجسين (1)، و في خبر زكريا بن آدم أنّه يطعم المرق أهل الذمة أو الكلب (2) و لو كان مناولته للطفل جائزا لكان أولى بالذكر لعموم البلوى به.

و فيه أولا: أنّ عدم التعرض للطفل أعم من عدم الجواز.

و ثانيا: يمكن أن يكون الوجه في عدم التعرض له ابتلاء أهل البيت بالأطفال غالبا فتسري النجاسة منهم إليهم، لا أن تكون الحرمة ذاتية، بل هي عرضية لهذه الجهة. نعم، لا يبعد صحة التمسك بسيرة المتشرعة. فتأمل.

(103) تقدم ما يتعلق بالمقام في [المسألة 20 و المسألة 40] من فصل (شرائط لباس المصلّي) فراجع. و اللّه تبارك و تعالى هو العالم.

ص: 328


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف حديث: 3.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 8.

فصل في صلاة الاستيجار

اشارة

(فصل في صلاة الاستيجار) يجوز الاستيجار للصلاة، بل و لسائر العبادات عن الأموات إذا فاتت منهم (1)، و تفرغ ذمتهم بفعل الأجير (2). و كذا يجوز التبرع (فصل في صلاة الاستئجار)

______________________________

(1) لأنّ كلّ عمل فيه غرض صحيح غير منهيّ عنه شرعا تصح الإجارة فيه، للعمومات و الإطلاقات، و هذا من الأمور النظامية العقلائية و لا ريب في تحقق الغرض الصحيح في الاستئجار للعبادات، بل و نفع الأموات بها، كما في جملة من الروايات (1). و هذه الأدلة حاكمة على أصالة اعتبار المباشرة، سواء أريد بها الأصل اللفظي- و هو اقتضاء أصالة الإطلاق كون الوجوب نفسيا عينيا تعيينيا، أم الأصل العملي- و هو قاعدة الاشتغال و عدم السقوط بفعل الغير. هذا مضافا إلى ظهور الإجماع في المقام.

(2) لأنّه لا معنى للاستئجار و الاستبانة إلا ذلك، مع كونه من المسلّمات، فما نسب إلى الانتصار، و الغنية، و المختلف من منع صحة إتيانه بل الوليّ يقضي عن نفسه، و ينسب ذلك إلى الميت، لأنّه السبب في وجوب القضاء عليه، و استدلوا على ذلك بقوله تعالى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ (2)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث» (3). لا وجه له في مقابل

ص: 329


1- راجع الوسائل باب: 28 من أبواب الاحتضار.
2- سورة 2 لنجم: 39.
3- البحار ج: 2 باب: 8 ثواب الهداية و التعليم حديث: 65 من الطبعة الحديثة.

عنهم (3). و لا يجوز الاستئجار، و لا التبرع عن الأحياء في الواجبات،

______________________________

المستفيضة الدالة على صحة النيابة الواردة في الأبواب المتفرقة (1).

كما أنّ الإشكال المعروف في المقام من أنّ التكليف إن كان بفعل المنوب عنه فلا يسقط بفعل النائب، و إن كان بفعل النائب فلا تبرأ ذمة المنوب عنه، ساقط من أصله، لأنّ التكليف متوجه إلى المنوب عنه و النائب من حيث تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه أو عمله منزلة عمله، كأنّه يصير نفس المنوب عنه فما يصدر منه كأنّه صدر عن المنوب عنه نفسه، و العرف و الوجدان يشهدان لذلك.

يقول الناس بعضهم لبعض: فلان كنفسي، لسانه لساني و يده يدي. أو يقول أحدهم: إنّي بمنزلة فلان في أعماله و أقواله أو يقول: عملي عمله و كأنّه صدر منه، و قد قرر الشارع الأقدس هذه التنزيلات العرفية تسهيلا على العباد حيّا و ميتا.

و توهم أنّ هذا التنزيل لا بد و أن يصدر من الشارع لا من غيره، فإذا صدر من غيره لا أثر له، فاسد جدّا لأنّ هذا التنزيل أمر عرفي لا دخل للشارع فيه و ما له دخل فيه إنّما هو الحكم بالصحة في هذا الموضوع العرفي كسائر الموارد التي حكم الشارع للموضوعات العرفية. و العجب تمثله للمقام بأنّ تنزيل الخمر بمنزلة الماء لا يقتضي شربه، و تنزيل زيد منزلة عمرو لا يقتضي له إباحة نكاح زوجة عمرو. لأنّ المثال الأول إنّما هو في التكوينيات و المقام في الاعتباريات و لا ربط لأحدهما بالآخر، و المثال الأخير خلاف الضرورة الدينية عند كلّ مسلم، و المقام قد ورد التقرير فيه بالأدلة الأربعة:

أما الكتاب فبالآيات المرغبة إلى الخير و الاستباق إلى الخيرات. و أما السنة فبالمستفيضة بل المتواترة الواردة المتفرقة (2). و أما الإجماع، فبإجماع العقلاء على أنّه حسن و خير. و أما العقل، فلحكمه بحسنه، لأنّه من موارد قضاء الحاجة و هو من أهمّ الأمور النظامية العقلائية، و يأتي بعض ما ينفع المقام في مستقبل الكلام.

(3) لأنّ المناط كلّه صحة إضافة العمل إلى المنوب عنه، و تحصل الإضافة

ص: 330


1- انظر الوسائل باب: 28 من أبواب الاحتضار و باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات، و باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- تقدم بعض المصادر في كتاب الطهارة و في هنا أيضا.

.....

______________________________

بالتبرع و الجعالة و الصلح أيضا.

إن قلت: مقتضى قوله تعالى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ (1)، و مقتضى الحصر فيه عدم الأثر لعمل غيره بالنسبة إليه. فلا تفرغ ذمته بعمل الغير، و كذا قوله عليه السلام: «إذا مات المؤمن انقطع عمله إلّا من ثلاث- الخبر-» (2)، و مع أنّ العباديات متقوّمة بقصد القربة و هو ينافي أخذ الأجرة، مضافا إلى أنّ المتيقن من عمومات الإجارة غير ما اعتبر فيه قصد القربة فلا تصح الإجارة و إن صح التبرع.

قلت: أما الآية الكريمة، و الخبر، فالحصر فيهما إضافيّ لا أن يكون حقيقيا بقرينة المستفيضة، بل المتواترة الدالة على انتفاع الأموات بما يفعل عنهم الأحياء مثل قول أبي عبد اللّه عليه السلام:

«يدخل على الميت في قبره الصلاة و الصوم و الحج و البرّ و الدعاء، و يكتب أجره للذي يفعله و للميت» (3).

و مثل هذه الأخبار المستفيضة الواردة في الأبواب المتفرقة شارحة للآية و الحديث كما لا يخفى. و على فرض كون الحصر حقيقيا، فلا إشكال أيضا لأنّ ماله الذي يصرف عنه بعد موته، و أولاده و من يعمل له بعد موته كلّ ذلك من سعيه- كما في الآية- و من عمله الصالح- كما في الحديث.

و أما منافاة أخذ الأجرة لقصد القربة، فيمكن الجواب عنها بكلّ وجه أمكن التفكيك بينهما عرفا. بأن يكون أخذ الأجرة في مقابل تنزيل نفسه منزلة نفس المنوب عنه أو في مقابل تنزيل عمله منزلة عمل المنوب عنه، أو في مقابل بعض الأعمال المباحة المتعلقة بالعبادة الاستيجارية، أو في مقابل إرضاء من يباشر الاستنابة عن نفسه، أو في مقابل التعجيل بإتيان العمل و عدم التأخير فيه أو نحو ذلك مما هو ممكن ثبوتا.

ص: 331


1- سورة النجم: 29.
2- البحار ج: 2 باب: 8 من أبواب ثواب الهداية و التعليم حديث: 65.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

و إن كانوا عاجزين عن المباشرة، إلا الحج إذا كان مستطيعا و كان عاجزا عن المباشرة (4) نعم، يجوز إتيان المستحبات و إهداء ثوابها للأحياء، كما يجوز ذلك للأموات (5). و تجوز النيابة عن الأحياء في بعض

______________________________

و هذا الإشكال علمي لاتفاق كلّ من قال بصحة الإجارة على صحة العمل، و قد اختلفوا في الجواب عن الإشكال، و لا ربط له بصحة العمل. و تأتي زيادة بيان للمقام إن شاء اللّه تعالى.

(4) أما المستثنى فلقاعدة الاشتغال، و أصالة كون الواجب عينيا نفسيا تعيينيا و مقتضاها اعتبار المباشرة فلا يسقط بفعل الغير، إلا أن يدل دليل على الخلاف و هو مفقود، بل ظاهرهم الاتفاق على عدم الجواز. و أما الاستثناء فسيأتي في [المسألة 71] من كتاب الحج، فراجع.

(5) قد أرسل ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، تقتضيه القاعدة أيضا لأنّ الثواب نحو حق للعامل فله أن يهدي حقه إلى من يشاء، إذ الأصل في الحق أن يكون قابلا للنقل إلى الغير إلا مع الدليل على المنع، و لا دليل عليه في المقام.

و يشهد له ما حكي عن المحمودي- و هو من الرواة- أنّه كان يحج عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يهدي ثواب ذلك إلى الأئمة عليهم السلام، ثمَّ يهدي ثواب ما أهداه إليهم عليهم السلام إلى المؤمنين (1)، و عن هشام بن الحكم أنّه كان يقول:

«اللهم ما عملت من خير مفترض و غير مفترض فجميعه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته الصادقين عليهم السلام، فتقبّل ذلك منّي و عنهم» (2).

و إهداء الثواب لا إشكال في كونه من الخيرات، فيشمله إطلاق قوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرٰاتِ (3)، و إطلاق الأخبار الدالة على الترغيب فيها بالسنة مختلفة و في خبر عليّ بن أبي حمزة:

ص: 332


1- مستدرك الوسائل باب: 13 من أبواب النيابة في الحج حديث: 6.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 40.
3- سورة البقرة: 148.

المستحبات (6).

______________________________

«قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: أحج و أصلّي و أتصدق عن الأحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟ قال عليه السلام: نعم، تصدق عنه، و صلّ عنه، و لك أجر بصلتك إياه» (1).

و قد ورد في الحج روايات كثيرة (2). و الحكم موافق للسيرة القطعية.

(6) لأنّه من الخير المحض فتشمله الأدلة الدالة على الترغيب إلى الخيرات و الاستباق إليها من الكتاب و السنة، مضافا إلى خبر محمد بن مروان:

«قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين و ميتين؟! يصلّي عنهما، و يتصدّق عنهما، و يحج عنهما، و يصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك، فيزيده اللّه عزّ و جل ببرّه و صلته خيرا كثيرا» (3).

و ما في خبر عبد اللّه بن جندب: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من البرّ و الصلاة و الخير أثلاثا، ثلثا له و ثلثين لأبويه، أو يفردهما من أعماله بشي ء ممّا يتطوّع به و إن كان أحدهما حيا و الآخر ميتا. فكتب إليّ: أما الميت فحسن جائز. و أمّا الحيّ فلا، إلا البر و الصلة»(4).

فيحمل على أنّ الميت أولى لأن يجعل ذلك له لانقطاعه عن الدنيا. و أما الحيّ فهو قادر بعد.

ثمَّ إنّه لا وجه للاختصاص ببعض المستحبات، بل لا بد من التعميم، إذ لا وجه للتحديد في الخير المحض و البرّ و الصلة. نعم، لو كان مما يستنكر لدى المتشرعة فلا موضوع له حينئذ، كما إذا أكل الرمان يوم الجمعة نيابة عن زيد، أو استعمل المسك عند دخول المسجد نيابة عن آخر و غير ذلك.

ص: 333


1- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 39.
2- راجع الوسائل باب: 25 من أبواب النيابة في الحج.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب القضاء حديث: 1.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب القضاء حديث: 16.

مسألة 1: لا يكفي في تفريغ ذمة الميت إتيان العمل و إهداء ثوابه

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 7، ص: 334

(مسألة 1): لا يكفي في تفريغ ذمة الميت إتيان العمل و إهداء ثوابه (7)، بل لا بد إما من النيابة عنه بجعل نفسه نازلا منزلته (8). أو بقصد إتيان ما عليه له و لو لم ينزل نفسه منزلته (9)، نظير

______________________________

(7) لأصالة عدم التفريغ بذلك، لأنّ إهداء الثواب لا يجعل العمل مضافا إلى المنوب عنه، بل يكون أجنبيا عنه، و لا بد في التفريغ من إضافة العمل إليه و يأتي في [المسألة 17] و ما بعدها من كتاب الإجارة (فصل لا يجوز إجارة الأرض) ما ينفع المقام إن شاء اللّه تعالى.

(8) التنزيلات الشائعة في المتعارف كثيرة، فقد يقال: يده يدي و لسانه لساني و فعله فعلي، و هو بمنزلة نفسي، و يدي يده و فعلي فعله و نفسي نفسه. و لا إشكال في صحة هذه التنزيلات و ترتيب الآثار العرفية و الشرعية عليها، فكما يصح تنزيل نفسه منزلة نفس المنوب عنه يصح أيضا تنزيل عمله منزلة عمل المنوب عنه، و لا إشكال في كلّ منهما لا عقلا و لا شرعا و لا عرفا، لأنّها أمور كانت شائعة بين الناس وردت الشريعة عليها فقررها و هذا التنزيل توصليّ لا يعتبر فيه قصد القربة فيمكن أن يجعل أخذ الأجرة بإزاء نفس هذا التنزيل الذي فيه غرض صحيح.

(9) لكن لا بد من إضافة العمل إلى المنوب عنه و لو بنحو الإجمال و الارتكاز، و يصح دعوى الملازمة، لأنّ العمل و العامل من الأمور الإضافية فتنزيل العمل يلازم تنزيل نفس العامل من جهة، و كذا العكس.

و بالجملة في البين أمور ثلاثة متلازمة في الواقع: تفريغ الذمة، و تنزيل العامل نفسه منزلة نفس المنوب عنه، و تنزيل عمله منزلة عمل المنوب عنه. و الكلّ متلازمة في حاق الواقع- و لو في الجملة- و التفكيك انحلاليّ عقليّ لا يضرّ بالملازمة الواقعية غير الالتفاتية، و القصد إلى إحدى الأمور المتلازمة قصد إلى البقية بنحو الجملة و الإجمال.

ص: 334

أداء دين الغير. فالمتبرع بتفريغ ذمة الميت له أن ينزل نفسه منزلته، و له أن يتبرع بأداء دينه من غير تنزيل، بل الأجير- أيضا- يتصوّر فيه الوجهان، فلا يلزم أن يجعل نفسه نائبا، بل يكفي أن يقصد إتيان ما على الميت و أداء دينه الذي للّه (10).

مسألة 2: يعتبر في صحة عمل الأجير و المتبرع قصد القربة

(مسألة 2): يعتبر في صحة عمل الأجير و المتبرع قصد القربة (11). و تحققه في المتبرع لا إشكال فيه (12). و أما بالنسبة إلى الأجير الذي من نيته أخذ العوض فربما يستشكل فيه (13)، بل ربما

______________________________

(10) لأنّ هذا نحو من إضافة العمل إلى المنوب عنه، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك فقصد إتيان عمله متضمن لتنزيل العمل منزلة عمل المنوب عنه، فالتنزيل تارة مطابقيّ، و أخرى ضمنيّ، و في الأول يلحظ نفس التنزيل مستقلا من حيث هو بخلاف الثاني فإنّه ملحوظ ضمنا، كما إذا كان في مقام تفريغ ذمته فلوحظ نفس التفريغ مستقلا و يلزمه التنزيل عرفا.

(11) إذ لا تفرغ الذمة في العباديات إلا بذلك، لما مرّ مكرّرا من تقوّمها به.

(12) لأنّ قصد القربة التفاتيّ اختياريّ، و المفروض أنّه يقصدها بلا محذور فيه.

إن قلت: لا أمر و لا خطاب بالنسبة إلى الغير- أجيرا كان أو متبرّعا- فكيف يحصل منه قصد القربة، مضافا إلى أنّه كيف يتقرب المنوب عنه بتقرب الغير و كيف تفرغ ذمته بعمل الغير.

قلت: يدفع ذلك كلّه إما بتنزيل النفس منزلة نفس الغير، أو بتنزيل العمل منزلة عمله، فيكون التقرب حينئذ تقرب المنوب عنه و العمل عمله بهذا التنزيل الصحيح لدى المتعارف، فلا محذور من هذه الجهة، و قد مرّ أنّ قصد مجرد تفريغ الذمة ملازم للتنزيلين.

(13) وجه الإشكال منافاة قصد القربة لأخذ الأجرة، لأنّه لا بد في صحة

ص: 335

يقال (14)- من هذه الجهة- إنّه لا يعتبر فيه قصد القربة، بل يكفي الإتيان بصورة العمل عنه لكن التحقيق: أنّ أخذ الأجرة داع لداعي القربة (15)- كما في صلاة الحاجة و صلاة الاستسقاء- حيث إنّ الحاجة

______________________________

العبادة من كون الداعي إلى إتيانها خصوص قصد الأمر، فلو كان في البين داع آخر للإتيان بنحو الاستقلال أو التشريك تبطل العبادة، كما تقدم في نية الوضوء، و نية الصلاة.

و فيه: أنّه كذلك لو كان متعلق الداعيين واحدا، و لكن لو أمكن التفكيك بينهما بحسب المتعارف فلا محذور فيه و لا ينافي الإخلاص، فإذا كان أخذ الأجرة لأجل تنزيل النفس منزلة نفس المنوب عنه أو لأجل تنزيل العمل القربي منزلة عمله فلا يتحد متعلقهما حتّى يرد المحذور، و بأيّ وجه أمكن التفكيك بينهما يدفع به المحذور.

(14) نسب ذلك إلى صاحب المستند، و هو باطل لإمكان فرض تحقق قصد القربة منهما.

(15) الداعي لحصول داع آخر يتصوّر على وجوه-:

الأول: أن يكون الداعي الأول علة تامة منحصرة لحصول الداعي الآخر بحيث لولاه لما حصل الداعي الآخر، و لا إشكال في أنّه ينافي الإخلاص المأمور به في العبادة، و لا ينبغي أن يذكر لدفع المحذور، بل هو تقرير للإشكال لا أن يكون جوابا عنه.

الثاني: أن يكون بنحو الاقتضاء فقط بحيث لولاه لحصل الداعي الآخر أيضا، و الظاهر صحته و كفاية هذا النحو من القربة في الامتثال، لصدق تحقق داعوية القربة عرفا، و ذلك لأنّ للامتثال مراتب متفاوتة أدناها هذه المرتبة، و أعلاها ما لا مدخلية لغير قصد القربة في الامتثال بوجه من الوجوه.

الثالث: أن يصلّي- مثلا- عن الغير قربة إلى اللّه تعالى، لأنّه عز و جل حلل الأجرة له بقصد الإجارة أو الجعالة، فيكون مثل إتيان صلاة ركعتين للّه تعالى لأنّه عزّ و جل رزقه مالا أو ولدا أو نحو ذلك، و لا ينافي أخذ الأجرة قصد القربة

ص: 336

و نزول المطر داعيان إلى الصلاة مع القربة. و يمكن أن يقال: إنّما يقصد القربة من جهة الوجوب عليه من باب الإجارة (16).

______________________________

على هذا الوجه أيضا، فينحصر بطلان الداعي إلى الداعي بخصوص القسم الأول، و كذا لو صلّى قربة إلى اللّه تعالى بداعي أن يرزقه اللّه تعالى الحياة حتّى يصرف الأجرة المأخوذة مع الصحة و السلامة في حوائجه. و بالجملة يمكن جعل المقام من قبيل صلاة الحاجة و الاستسقاء كما هو واضح. و بذلك يمكن أن يجعل النزاع لفظيا، فمن قال ببطلان الداعي إلى الداعي- كبعض مشايخنا (قدّس سرّهم)- أراد القسم الأول، و من قال بالصحة أراد بقية الأقسام.

(16) نسب ذلك إلى الوحيد البهبهاني (قدّس سرّه). و هذا جواب منه رحمه اللّه عن إشكال عدم الأمر بالنسبة إلى النائب، و عن عدم إمكان قصد الأمر بالنسبة إليه. فقال: إنّ الأمر الإجاري أمر و يصح قصد القربة به.

و أشكل عليه بوجوه: أحدها: ما عن المحقق الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ الأمر الإجاري توصليّ يسقط بامتثال المتعلق مطلقا و لو لم يقصد منه القربة.

و فيه: أنّه لا موضوعية للأمر الإجاري بوجه من الوجوه، بل هو طريق محض لكيفية الالتزام بالمتعلق فإن كان عباديا يكون طريقا إلى العبادية، و إن كان توصليا يكون طريقا إلى التوصلية نظير الأمر في أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ (1).

ثانيها: أنّه لا يشمل الجعالة إذ لا أمر فيها.

و فيه: أنّه يمكن تصوير الأمر الشرعي فيها من الأوامر الواردة في قضاء حوائج الناس و السعي فيها بلا عوض أو مع العوض.

ثالثها: أنّ صحة الإجارة موقوفة على صحة العبادة مع قطع النظر عن الإجارة، فلو توقفت صحة العبادة عليها لدار.

و فيه: أنّ صحة الإجارة متوقفة على إمكان قصد التقرب بمتعلقها بأيّ نحو

ص: 337


1- سورة الأنفال الآية: 20.

و دعوى: أنّ الأمر الإجاري ليس عباديا بل هو توصليّ مدفوعة:

بأنّه تابع للعمل المستأجر عليه (17)، فهو مشترك بين التوصلية و التعبدية.

مسألة 3: يجب على من عليه واجب من الصلاة أو الصيام أو غيرهما من الواجبات أن يوصي به

(مسألة 3): يجب على من عليه واجب من الصلاة أو الصيام أو غيرهما من الواجبات أن يوصي به (18)، خصوصا مثل الزكاة و الخمس و المظالم و الكفارات من الواجبات المالية (19) و يجب على

______________________________

أمكن، و لو بجعل الأمر الإجاري طريقا محضا إليه، و مع الطريقية المحضة لا اثنينية في البين حتّى يتحقق موضوع الدور الذي هو متقوّم بالاثنينية الخارجية، كما هو واضح.

و جميع مثل هذه الإشكالات إنّما ينشأ من لحاظ الموضوعية للأمر الإجاريّ في مقابل المتعلق، و ليس كذلك، بل هو طريقيّ محض للالتزام العملي و البناء عليه. و من ذلك كلّه يظهر صحة ما أجاب به الماتن (قدّس سرّه) إن كان مراده ما ذكرناه و إمكان تصحيح ما أجاب به الوحيد البهبهاني أيضا.

(17) مراده بالتبعية، الطريقية المحضة لا التبعية الاصطلاحية حتّى تتحقق الاثنينية فتأتي شبهة الدور.

(18) لوجوب تفريغ الذمة عما اشتغلت و لو بالتسبيب، و الوصية و لا يتوقف ذلك على العلم بالعمل بالوصية، بل يجب مع الاحتمال أيضا، بل يجب مع العلم بالعدم، لأنّها قطع للعذر من ناحيته، مع أنّ كلّ علم ليس مطابقا للواقع، و لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا، مع أنّ جمعا من الفقهاء ذهبوا إلى الاحتياط في الشك في القدرة.

(19) مقتضى ما تقدم عدم الفرق بين الواجبات المالية و غيرها، إلا أن يقال: إنّ خروج الأولى من أصل المال نصّا و اتفاقا يوجب الاهتمام بها في الجملة، مضافا إلى ما اشتهر أنّ حق الناس أولى بالمراعاة عند الدوران بينه و بين حق اللّه.

ص: 338

الوصي إخراجها من أصل التركة في الواجبات المالية (20). و منها:

الحج الواجب، و لو بنذر و نحوه (21). بل وجوب إخراج الصوم و الصّلاة من الواجبات البدنية أيضا من الأصل لا يخلو عن قوّة، لأنّها دين اللّه (22) .........

______________________________

و فيه: أنّ الأول من مجرد الاستحسان، و الثاني لم يثبت بدليل و لا برهان.

(20) نصوصا، و إجماعا:

منها: قوله عليه السلام: «أول شي ء يبدأ من المال الكفن، ثمَّ الدّين، ثمَّ الوصية، ثمَّ الميراث» (1).

و يأتي التفصيل في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

(21) نصّا، و إجماعا، كما يأتي في كتاب الحج (فصل في الوصية بالحج)، فراجع.

(22) إطلاق الدّين على الصلاة ورد في أربعة أحاديث.

1- رواية حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في إخباره عن لقمان-:

«و إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشي ء، صلّها و استرح منها، فإنّها دين» (2).

2- ما في أحاديث المعراج عن الأصبغ بن نباتة: «ثمَّ قال: حيّ على الصلاة. قال اللّه جلّ جلاله: فرضتها على عبادي و جعلتها لي دينا» (3).

3- خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك. قال عليه السلام:

يؤخر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك» (4).

ص: 339


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصية حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب القضاء حديث: 26.
3- مستدرك الوسائل باب: 36 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 61 من أبواب المواقيت حديث: 9.

و دين اللّه أحقّ أن يقضى (23).

مسألة 4: إذا علم أنّ عليه شيئا من الواجبات المذكورة وجب إخراجها من تركته

(مسألة 4): إذا علم أنّ عليه شيئا من الواجبات المذكورة وجب إخراجها من تركته (24) و إن لم يوص به. و الظاهر أنّ إخباره

______________________________

4- ما رواه ابن بابويه في باب آداب المسافر (1). و الظاهر أنّه هو الخبر الأول و لكن نقله مرسلا.

و فيه: أنّ إطلاق الدّين عليها مسلّم، و جميع تكاليف اللّه تعالى حقوق و ديون منه عزّ و جل على خلقه، و لكنّه أعم من الدّين الذي يخرج من أصل المال، لأنّ الدّين بالمعنى الأعم هو كلّ ما اشتغلت به الذمة أعمّ من أن يكون دينا اصطلاحيا أو غيره. فما نقله صاحب الجواهر في كتاب الوصية عن جملة من الكتب ربما تبلغ أكثر من عشرة: من خروج الواجب البدني عن الأصل تمسكا بإطلاق الدّين عليه، مخدوش، كما لا يخفى.

هذا، مع أنّه لم يشر في خبر من الأخبار الواردة في قضاء الصلاة إلى ذلك مع كون الحكم ابتلائيا في كلّ عصر و زمان من أول البعثة إلى يوم القيامة.

(23) ففي خبر الخثعمية قالت: «سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج، إن حججت عنه ينفعه ذلك؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله لها: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ينفعه ذلك؟ قالت: نعم. قال صلّى اللّه عليه و آله: فدين اللّه أحقّ بالقضاء».

و فيه: أنّه مضافا إلى قصور سنده، يكون في مورده مطابقا للقاعدة، لأنّ الحج من الواجبات المالية غالبا، مع أنّه لا بد في مورده من تقييده بمن استقر عليه الحج، فلا يصح العمل بإطلاقه في مورده، فكيف يستدل به في غيره.

(24) إذ لا موضوعية لإقراره و إخباره و وصيته، بل هو طريق إلى العلم باشتغال ذمته، و لكنّه يصح في الواجبات المالية بخلاف البدنية إلا على مبناه (قدّس سرّه).

ص: 340


1- مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب الحج و شرائطه حديث: 3.

بكونها عليه يكفي في وجوب الإخراج من التركة (25).

مسألة 5: إذا أوصى بالصلاة أو الصوم و نحوهما، و لم يكن له تركة، لا يجب على الوصيّ أو الوارث إخراجه من ماله

(مسألة 5): إذا أوصى بالصلاة أو الصوم و نحوهما، و لم يكن له تركة، لا يجب على الوصيّ أو الوارث إخراجه من ماله، و لا المباشرة (26)، إلا ما فات منه لعذر- من الصلاة و الصوم- حيث يجب على الوليّ و إن لم يوص بهما.

نعم، الأحوط مباشرة الولد- ذكرا كان أو أنثى- مع عدم التركة إذا أوصى بمباشرته لهما (27) و إن لم يكن مما يجب على الوليّ، أو أوصى إلى غير الوليّ (28) بشرط أن لا يكون مستلزما للحرج (29) من جهة

______________________________

(25) مع تحقق شرائط صحة الإقرار و عدم التهمة، إذ لا دليل على اعتبار إخباره من حيث هو إلا إذا دخل في قاعدة الإقرار. نعم، لو كانت محفوفة بقرائن توجب القطع فلا إشكال في الاعتبار حينئذ.

(26) لأصالة البراءة بعد عدم دليل على الوجوب.

(27) مقتضى الأصل عدم الوجوب، إلا إذا وجب شرعا مطلق إطاعة الوالدين حتّى في مطلق اقتراحاتهما و لو لم ينطبق على ترك الإطاعة عنوان العقوق الذي هو من الكبائر، و ليس المراد من العقوق مطلق تأثرهما و لو كان عن منشإ يكون خلاف المتعارف، بل المراد به التأثر على النحو المتعارف.

و المستفاد من مجموع الأدلة أنّ إيصال الشر إليهما من العقوق، و أما كون ترك مطلق الإحسان و ترك مطلق الإطاعة بالنسبة إليهما منه فهو مشكل، مع أنّ المستفاد من الأخبار أنّ للعقوق مراتب متفاوتة جدّا، فهل الحكم ثابت لجميع المراتب أو المتيقن؟ و تحقيق القول يقتضي بسط المقال و لا يسعه المجال، و لعلّ الأولى ترك المسألة على الإبهام و الإجمال، و عدم التعرض لتشقيق الفروع و تفصيل المقال.

(28) يعني: أوصى ولده الذي لا يجب عليه القضاء من جهة الولاية فالأحوط له الإتيان، سواء علم بإتيان الوالد، أو لم يعلم، أو علم بالعدم.

(29) و لا ريب في السقوط حينئذ على فرض الثبوت لقاعدة نفي الحرج.

ص: 341

كثرته. و أما غير الولد ممن لا يجب عليه إطاعته فلا يجب عليه (30)، كما لا يجب على الولد- أيضا- استئجاره إذا لم يتمكن من المباشرة أو كان أوصى بالاستيجار عنه لا بمباشرته (31).

مسألة 6: لو أوصى بما يجب عليه من باب الاحتياط وجب إخراجه من الأصل أيضا

(مسألة 6): لو أوصى بما يجب عليه من باب الاحتياط وجب إخراجه من الأصل أيضا (32). و أما لو أوصى بما يستحب عليه من باب الاحتياط وجب العمل به، لكن يخرج من الثلث (33). و كذا لو أوصى بالاستيجار عنه أزيد من عمره فإنّه يجب العمل به و الإخراج من الثلث، لأنّه يحتمل أن يكون ذلك من جهة احتماله الخلل في عمل الأجير (34).

و أما لو علم فراغ ذمته علما قطعيا فلا يجب (35) و إن أوصى به، بل جوازه- أيضا- محلّ إشكال (36).

______________________________

(30) لأصالة البراءة بعد عدم دليل عليه.

(31) لأصالة البراءة في الموردين.

(32) مع كون الواجب ماليا، و كون الاحتياط واجبا عند الورثة أيضا لأنّه حينئذ من الواجب المالي، و مع فقد أحدهما يخرج من الثلث خصوصا إن كان في الورثة قاصر، و يأتي التفصيل في كتاب الوصية إن شاء اللّه تعالى.

(33) أما وجوب العمل فلما دلّ على وجوب العمل بالوصية من الكتاب و السنة. و أما الإخراج من الثلث فلعدم كونه من الواجبات المالية، و كذا الكلام في الفرع اللاحق.

(34) لتحقق الفائدة الصحيحة في الوصية، فيجب العمل بها حينئذ، و يخرج من الثلث لعدم كونه من الماليات.

(35) مع فرض صحة الوصية لا ريب في الوجوب حينئذ، و إنّما الكلام في صحة الوصية.

(36) كلّ وصية تكون فيها فائدة غير منهيّ عنها شرعا وجب العمل بها،

ص: 342

.....

______________________________

لعموم ما دلّ على إنفاذها و حرمة تبديلها (1).

ثمَّ إنّ مورد الوصية تارة: يكون بما اشتغلت به الذمة يقينا، و أخرى: ما اشتغلت به الذمة بالاحتياط الوجوبي. و ثالثة: الاحتياط الاستحبابي. و رابعة:

للعلم بعدم القبول، و إن كان العمل مطابقا للقواعد الشرعية، كما ورد في شارب الخمر (2)، و مانع الزكاة (3)، و نحوهما مما وردت الأخبار بعدم قبول صلاتهم.

و خامسة: لاحتمال عدم القبول لأجل عدم الورع و التقوى، و قد قال اللّه تعالى:

إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (4).

و للقبول مراتب متفاوتة جدّا، و لا ريب في تحقق الغرض الصحيح لدى المؤمنين في الاستنابة بالنسبة إلى جميع هذه المراتب، خصوصا بعد ما ورد في المعادة جماعة: «أنّ اللّه تعالى يختار أحبّهما إليه» (5). فيستفاد من مثله أنّ فراغ الذمة بحسب الأدلة الشرعية شي ء و القبول بحسب مراتبه الكثيرة شي ء آخر و مقتضى قوله تعالى وَ جٰاهِدُوا فِي اللّٰهِ حَقَّ جِهٰادِهِ (6)، و ما ورد في كثرة الاهتمام بالنسبة إلى قبول العمل (7) صحة الاستنابة و الاستئجار في تمام الأقسام الخمسة، و يشهد له قضية تعاقد صفوان و ابني جندب و نعمان:

«على أنّ من مات منهم يصلّي من بقي منهم صلاته و يصوم عنه و يحج، فبقي صفوان فكان يصلّي كلّ يوم مائة و خمسين ركعة- الحديث-» (8).

فإنّه لا وجه لحمله على إهداء الثواب بالنسبة إلى الصلاة، إذ لا وجه لترتب الثواب على إتيان صلاة أربع ركعات بقصد الظهر- مثلا- إلا بعنوان الأداء عمن تعلق به الأمر أو القضاء عنه، و إلا يكون تشريعا محرّما، و كذا المغرب بل

ص: 343


1- راجع الوسائل باب: 33 من أبواب الوصية.
2- انظر الوسائل باب: 15 من أبواب الأشربة المحرمة.
3- انظر الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الزكاة.
4- سورة المائدة: 27.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب السجود حديث: 1.
6- سورة الحج: 78.
7- راجع الوسائل باب: 8 من أبواب مقدمة العبادات.
8- مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب الاحتضار حديث: 13.

مسألة 7: إذا آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حج فمات قبل الإتيان به

(مسألة 7): إذا آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حج فمات قبل الإتيان به. فإن اشترط المباشرة بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما بقي عليه (37)، و تشتغل ذمته بمال الإجارة إن قبضه، فيخرج من

______________________________

و الصبح أيضا بعنوان أنّها صلاة الصبح فلا بد من حمله على القضاء بعنوان بعض مراتب القبول لجلالة شأنهم رحمهم اللّه عن الحمل على القضاء بمعنى إتيان ما فات.

ثمَّ إنّه لا دليل على خلاف ما قلناه إلا موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان فماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها، قال عليه السلام: هل برئت من مرضها؟ قلت: لا، ماتت عليه.

قال عليه السلام: لا يقضى عنها فإنّ اللّه تعالى لم يجعله عليها قلت: فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك، قال عليه السلام: كيف تقضي شيئا لم يجعله اللّه تعالى عليها، فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم» (1).

و فيه أولا: أنّه يمكن أن يكون مثل هذه النصوص في مقام نفي الوجوب فيكون التأكيد في هذا الموثق تأكيدا لنفي الإتيان بعنوان الوجوب لا نفي الملاك رأسا.

و ثانيا: أنّه لا وجه لقياس المقام بالصوم على فرض نفي الملاك، لفرض تحقق الملاك و الخطاب في المقام فلا يشمله الموثق.

و ثالثا: يمكن حمله على التحرز عن الوقوع في الوسواس.

و مما ذكرنا يظهر أنّ ما ذكره (قدّس سرّه) من الإشكال يختص بما إذا لم يتصوّر فيه غرض صحيح شرعي.

(37) بناء على كون اعتبار المباشرة بنحو التقييد. و أما إذا كان على نحو

ص: 344


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 12.

تركته (38)، و إن لم يشترط المباشرة وجب استئجاره من تركته (39) إن كان له تركة، و إلا فلا يجب على الورثة (40) كما في سائر الديون إذا لم يكن له تركة. نعم، يجوز تفريغ ذمته من باب الزكاة (41) أو نحوها (42)، أو تبرعا.

مسألة 8: إذا كان عليه الصلاة أو الصوم الاستئجاري و مع ذلك كان عليه فوائت من نفسه

(مسألة 8): إذا كان عليه الصلاة أو الصوم الاستئجاري و مع ذلك كان عليه فوائت من نفسه. فإن وفت التركة بها فهو، و إلا قدم الاستئجاريّ، لأنه من قبيل دين الناس (43).

______________________________

الشرط، فيثبت للمستأجر خيار تخلف الشرط، و سيأتي في كتاب الإجارة تصريحه (قدّس سرّه) بذلك.

(38) بناء على التقييد، أو فسخ المستأجر بناء على الاشتراط، و على كلّ تقدير يكون الضمان من الضمان المعاوضي، كما لا يخفى. و أما بناء على الاشتراط و عدم فسخ المستأجر، فيجري عليه حكم الفرع اللاحق.

(39) لفرض أنّ الإجارة وقعت على الأعمّ من المباشرة و التسبيب، فيشملها عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بها.

(40) لأصالة البراءة بعد عدم الدليل على الوجوب، كما في سائر الديون.

(41) أما الزكاة فلانطباق سهم الغارمين عليه، فتشمله الأدلة الدالة على أنّ من مصارف الزكاة الغارمين، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى في (السادس من أصناف المستحقين) في كتاب الزكاة، مضافا إلى نصوص خاصة (1) وردت في أداء دين الميت من الزكاة.

(42) كسهم الإمام (عليه الصلاة و السلام) مع إذن المجتهد، و ما وقف لمثل هذه الأمور.

(43) بناء على عدم خروج الواجبات البدنية من الأصل يتعيّن إخراج

ص: 345


1- راجع الوسائل باب: 18 من أبواب مستحقي الزكاة.

مسألة 9: يشترط في الأجير: أن يكون عارفا بأجزاء الصلاة

(مسألة 9): يشترط في الأجير: أن يكون عارفا بأجزاء الصلاة، و شرائطها، و منافياتها، و أحكام الخلل عن اجتهاد أو تقليد صحيح (44).

مسألة 10: الأحوط اشتراط عدالة الأجير

(مسألة 10): الأحوط اشتراط عدالة الأجير (45)، و إن كان

______________________________

الاستئجاري من الأصل، كسائر الديون. و أما بناء على خروجها منه، فإن ثبت ما اشتهر من أنّه عند التزاحم بين حق اللّه و حق الناس يقدم الثاني فكذلك أيضا، و لكن ثبوت الكلية مشكل، بل يظهر من صحيح ابن عمار العكس:

«قلت له: رجل يموت و عليه خمسمائة درهم من الزكاة، و عليه حجة الإسلام و ترك ثلاثمائة درهم، و أوصى بحجة الإسلام و أن يقضى عنه دين الزكاة؟

قال عليه السلام: يحج عنه من أقرب ما يكون، و يخرج البقية في الزكاة» (1).

و يمكن أن يستفاد ذلك من قوله عليه السلام في قضية الخثعمية: «فدين اللّه أحقّ أن يقضى» (2)، لأنّ أدنى مرتبة الأحقية التقديم عند الدوران، و يأتي في كتاب الحج بعض ما ينفع المقام.

(44) هذا الشرط طريقيّ محض لا أن يكون له موضوعية أبدا، لأنّ المناط في تفريغ الذمة و صحة الإجارة مطابقة العمل للواقع، و معها تفرغ الذمة و يستحق الأجرة، و إن لم يكن عارفا بخصوصيات العمل، و مع عدمها تبقى الذمة مشغولة و طريق إحراز المطابقة أما الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط.

ثمَّ إنّه لو شك في أنّه أتى بالعمل أم لا؟ فمقتضى الجمود على أصالة الصحة هو الحكم بالإتيان و الصحة، لكن الظاهر أنّ سيرة المتشرعة على الخلاف فإنّهم يتفحصون ثمَّ يعملون بالقرائن الحاصلة لهم. فتأمل، و يأتي في [المسألة 20] ما ينفع المقام.

(45) ليست العدالة شرطا لصحة العمل، لأنّ عبادات الفساق صحيحة إذا

ص: 346


1- الوسائل باب: 21 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.
2- تقدم في صفحة: 40.

الأقوى كفاية الاطمئنان بإتيانه على الوجه الصحيح و إن لم يكن عادلا (46).

مسألة 11: في كفاية استئجار غير البالغ و لو بإذن وليه إشكال

(مسألة 11): في كفاية استئجار غير البالغ و لو بإذن وليه إشكال (47)، و إن قلنا بكون عباداته شرعية و العلم بإتيانه على الوجه الصحيح، و إن كان لا يبعد ذلك مع العلم المذكور. و كذا لو تبرع عنه مع العلم المذكور.

مسألة 12: لا يجوز استئجار ذوي الأعذار

(مسألة 12): لا يجوز استئجار ذوي الأعذار (48)، خصوصا

______________________________

استجمعت الشرائط و الأجزاء الظاهرية. نعم، تكون شرطا لبعض مراتب القبول، و إنّما اعتبرها من اعتبرها لأجل قبول خبره في الإخبار بالإتيان، و هو أيضا لا دليل عليه، إن قلنا: إنّ إخبار الموثوق به حجة في الموضوعات فالمناط كلّه على حصول الوثوق و الاطمئنان بالإتيان، سواء حصل ذلك من إخباره أم من جهة أخرى، و لا فرق فيه بين كونه عادلا أو لا، بل يصح الاعتماد على قاعدة أسسها صاحب الجواهر (قدّس سرّه) في كتاب الطهارة عند بيان حجية خبر ذي اليد: أنّ كلّ ذي عمل مؤتمن على عمله إلا مع القرينة على الخلاف، و استشهد عليها بأمور، بل يمكن التمسك بأصالة الصحة عند الشك، لبناء الشريعة على السهولة و السماحة، و يأتي في [المسألة 30] بعض الكلام.

(46) ظهر وجهه مما تقدم، فلا وجه للتكرار.

(47) لقاعدة الاشتغال بعد احتمال انصراف الأدلة عنه، و عدم جريان بناء المتشرعة عليه، و لكن الانصراف ممنوع بالنسبة إلى من أتى بالعمل صحيحا، فلا تجري قاعدة الاشتغال حينئذ، و بناء المتشرعة على ما هو بحسب الغالب من عدم التزام الصبيان بجهات صحة العمل غالبا، فالإطلاق محكّم و التقييد مفقود، فما لم يستبعده قريب.

(48) لأصالة عدم الإجزاء، و عدم تفريغ الذمة، و لا ملازمة بين الإجزاء عن نفسه و الإجزاء عن غيره، مع أنّ شمول إطلاق أدلة النيابة للفرض مشكل، إن لم يكن ممنوعا.

ص: 347

من كان صلاته بالإيماء، أو كان عاجزا عن القيام و يأتي بالصلاة جالسا و نحوه. و إن كان ما فات من الميت- أيضا- كذلك (49). و لو استأجر القادر فصار عاجزا وجب عليه التأخير إلى زمان رفع العذر. و إن ضاق الوقت انفسخت الإجارة (50).

مسألة 13: لو تبرع العاجز عن القيام

(مسألة 13): لو تبرع العاجز عن القيام مثلا- عن الميت ففي سقوطه عنه إشكال (51).

مسألة 14: لو حصل للأجير سهو أو شك يعمل بأحكامه

(مسألة 14): لو حصل للأجير سهو أو شك يعمل بأحكامه

______________________________

(49) لأنّ إجزاء التكاليف الاضطرارية إنّما هو في ظرف الامتثال العذري فقط لا أن ينقلب الواقع مطلقا حتّى مع التمكن من تحصيل التكليف الاختياري عند وجوب القضاء، فأصالة الجعل في التكليف الاختياري ثابتة إلا أن يتحقق موضوع الاضطرار و امتثل التكليف حينئذ فيسقط التكليف الاختياري لإتيان بدله.

و أما مع عدم الإتيان بالبدل فلا وجه لسقوط التكليف الاختياري.

و الحاصل: إنّ التكاليف الأولية اختيارية تامة الأجزاء و الشرائط و إجزاء غيرها عنها مقيد بالعذر و الاضطرار و متقوّم بهما بناء على ما هو الحق من عدم البدار فلا وجه للإجزاء في غير هذه الصورة. و أما الموردان اللّذان خصهما (قدّس سرّه) بالذكر فلعدم شمول إطلاق أدلة النيابة لهما مع وجود غيرهما، و إن صح دعوى شمولها لمن لا يقدر على الاستقلال في القيام مثلا فيعتمد على شي ء.

(50) هذا بناء على كون المباشرة قيدا مقوّما. و أما بناء على كون مورد الإجارة أعمّ من المباشرة و التسبيب تصح الإجارة و وجب على الأجير الاستنابة عن الميت. و أما بناء على كون المباشرة شرطا، فيمكن القول ببطلان الإجارة أيضا لعدم قدرة الأجير على الإتيان بمتعلق الإجارة.

(51) مقتضى ما تقدم في المسألة السابقة الجزم بعدم السقوط هنا أيضا، إذ لا فارق بين المسألتين من حيث الأصل.

ص: 348

على وفق تقليده أو اجتهاده، و لا تجب عليه إعادة الصلاة (52).

مسألة 15: يجب على الأجير أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليف الميت

(مسألة 15): يجب على الأجير أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليف الميت (53) اجتهادا أو تقليدا- و لا يكفي الإتيان بها على مقتضى تكليف نفسه. فلو كان يجب عليه تكبير الركوع أو التسبيحات الأربع ثلاثا، أو جلسة الاستراحة اجتهادا أو تقليدا، و كان في مذهب الأجير عدم وجوبها، يجب عليه الإتيان بها (54).

و أما لو انعكس فالأحوط الإتيان بها أيضا، لعدم الصحة عند الأجير على فرض الترك (55). و يحتمل الصحة إذا رضي المستأجر بتركها. و لا ينافي ذلك البطلان في مذهب الأجير إذا كانت المسألة اجتهادية ظنية، لعدم العلم بالبطلان فيمكن قصد القربة الاحتمالية.

______________________________

(52) أما لزوم العمل على وفق تكليفه فلتوجه الخطاب إليه، لأنّه هو الشاك و الساهي. و أما عدم وجوب إعادة الصلاة، فللأدلة الدالة على إجزاء العمل بوظيفة الشك و السهو و صحة الصلاة معه.

(53) إن وقعت الإجارة على إتيان العمل الصحيح شرعا، أو وقعت على تفريغ ذمة الميت بنحو ما حكم به الشرع بصحته يكفي الإتيان بالعمل على مقتضى تكليف نفسه لفرض أنّه صحيح شرعيّ، كما أنّه يجزي لو أتى به على وفق تكليف الميت أيضا، لأنّه صحيح شرعيّ أيضا كتكليف نفسه و لو شرط عليه أحدهما يتعيّن عليه ذلك لمكان الشرط.

(54) لو شرط عليه ذلك، و إلا فلا يجب، لأنّ عدم الإتيان بهما أيضا صحيح شرعا.

(55) عدم الصحة عنده لا ينافي الصحة الشرعية بحسب تكليف الميت و المفروض أنّه استؤجر على الإتيان بالعمل صحيحا شرعيا فلا تقييد بشي ء، هذا كلّه إذا لم تكن قرينة معتبرة على تعيين أحد التكليفين في البين، و إلا فلا بد من مراعاتها، لأنّه بمنزلة الشرط الذكري.

ص: 349

نعم، لو علم علما وجدانيا بالبطلان لم يكف، لعدم إمكان قصد القربة (56) حينئذ، و مع ذلك لا يترك الاحتياط.

مسألة 16: يجوز استئجار كلّ من الرجل و المرأة للآخر

(مسألة 16): يجوز استئجار كلّ من الرجل و المرأة للآخر (57). و في الجهر و الإخفات يراعى حال المباشر (58)، فالرجل يجهر في الجهرية و إن كان نائبا عن المرأة، و المرأة مخيّرة و إن كانت نائبة عن الرجل.

مسألة 17: يجوز- مع عدم اشتراط الانفراد- الإتيان بالصلاة الاستيجارية جماعة

(مسألة 17): يجوز- مع عدم اشتراط الانفراد- الإتيان بالصلاة الاستيجارية جماعة (59)، إماما كان الأجير أو مأموما لكن يشكل الاقتداء بمن يصلّي الاستئجاري (60). إلا إذا علم اشتغال ذمة من ينوب عنه بتلك الصلاة، و ذلك لغلبة كون الصلوات الاستيجارية احتياطية (61).

______________________________

(56) فتبطل الإجارة أيضا لعدم التمكن من إتيان متعلقها حينئذ، و لكن لو فرض تحقق قصد القربة، كما في صورة الغفلة ثمَّ صادف الواقع صح و استحق الأجرة.

(57) لإطلاق الأدلة، و ظهور تسالم الأجلّة، و أصالة عدم اعتبار المماثلة.

(58) لأنّه المنساق من أدلة وجوب الجهر و الإخفات، بلا فرق فيها بين الأصالة و النيابة.

(59) للأدلة المرغبة للجماعة في الفرائض الشاملة للقضاء مطلقا، مباشرة أو استنابة.

(60) لعدم إحراز كون صلاة الإمام من الفرائض التي شرعت فيها الجماعة. نعم، لو اقتدى و أتى بالقراءة رجاء و لم يخالف وظيفة المنفرد يؤتى ثواب الجماعة على فرض تصادف الفريضة.

(61) دعوى الغلبة ممنوعة، و الظاهر اختلافها باختلاف الأشخاص،

ص: 350

مسألة 18: يجب على القاضي عن الميت- أيضا- مراعاة الترتيب

(مسألة 18): يجب على القاضي عن الميت- أيضا- مراعاة الترتيب (62) في فوائته مع العلم به، و مع الجهل يجب اشتراط التكرار المحصّل له (63)، خصوصا إذا علم أنّ الميت كان عالما بالترتيب (64).

مسألة 19: إذا استؤجر لفوائت الميت جماعة، يجب أن يعيّن الوقت لكلّ منهم، ليحصل الترتيب الواجب.

(مسألة 19): إذا استؤجر لفوائت الميت جماعة، يجب أن يعيّن الوقت لكلّ منهم، ليحصل الترتيب الواجب. و أن يعيّن لكلّ منهم أن يبدأ في دوره بالصلاة الفلانية، مثل الظهر. و أن يتم اليوم و الليلة في دوره. و أنّه إن لم يتم اليوم و الليلة، بل مضى وقته- و هو في الأثناء- أن لا يحسب ما أتى به، و إلا لاختل الترتيب مثلا: إذا صلّى الظهر و العصر فمضى وقته. أو ترك البقية مع بقاء الوقت، ففي اليوم الآخر يبدأ بالظهر، و لا يحسب ما أتى به من الصلاتين (65).

______________________________

فمقتضى عدم الإتيان بالصلاة كون القضاء حقيقيا إلا أن يكون ظاهر حال المسلم مقدما على الأصل.

(62) هذه المسألة مبنية على اعتبار الترتيب في قضاء الفوائت و لو في غير المترتبتين، و قد تقدم عدم اعتباره. نعم، لو اشترط على الأجير ذلك وجب حينئذ لأجل الشرط.

(63) بناء على وجوب الترتيب واقعا لا ريب في وجوب تحصيله، فيجب الاشتراط مقدمة له.

(64) لأنّ من قال بالوجوب في الترتيب فهذه الصورة متيقنة من اعتبار الترتيب فيها.

(65) كلّ ذلك وجوب مقدمي لتحصيل الترتيب، و لا ينحصر تحصيله بما ذكره (قدّس سرّه)، بل يمكن تحصيله بنحو آخر ربما يكون غير الفقيه أبصر.

و حيث أثبتنا عدم وجوب الترتيب فيما سبق، فتسقط هذه الفروع رأسا.

ص: 351

مسألة 20: لا تفرغ ذمة الميت بمجرد الاستئجار

(مسألة 20): لا تفرغ ذمة الميت بمجرد الاستئجار (66) بل يتوقف على الإتيان بالعمل صحيحا. فلو علم عدم إتيان الأجير، أو أنّه أتى به باطلا وجب الاستئجار ثانيا (67). و يقبل قول الأجير بالإتيان به صحيحا (68). بل الظاهر جواز الاكتفاء ما لم يعلم عدمه، حملا لفعله على الصحة إذا انقضى وقته (69). و أما إذا مات قبل انقضاء المدة فيشكل الحال، و الأحوط تجديد استئجار مقدار ما يحتمل بقاؤه من العمل.

مسألة 21: لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل

(مسألة 21): لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل إلا مع

______________________________

(66) لقاعدة الاشتغال، و لأنّ الاستئجار من قبيل التوكيل لتفريغ الذمة، فلا يجزي مع عدم عمل الوكيل. نعم، لو كان من قبيل الضمان الموجب لانتقال الذمة إلى ذمة الضامن تفرغ ذمة المنوب عنه و المضمون عنه و كفى مجرد الاستئجار في ذلك، و لكنه ممنوع عرفا و شرعا.

(67) من مال الميت إن لم يكن تفريط في البين من الوصيّ أو الوليّ، و من مالهما إن كان تفريط منهما.

(68) لجريان السيرة على قبول قول كلّ من استولى على شي ء فيما استولى عليه، راجع طهارة الجواهر عند إخبار ذي اليد بالطهارة و النجاسة.

(69) إن كان الشك في صحة عمله و عدمها يحمل على الصحة، انقضى الوقت أم لا. و إن كان الشك في أصل الإتيان به يقبل قوله فيه، لما مرّ، انقضى الوقت أيضا أم لا، فلا أثر لقاعدة الشك بعد الوقت في المقام، مع أنّ جريانها في الشك في عمل الغير، و غير الموقتات الشرعية بالجعل الأولي الشرعي محلّ الكلام، لظهور أدلتها في الاختصاص بذلك و يمكن حمل التزامه الإجاري على الصحة، فإنّ مقتضى التزام المسلم على نفسه الوفاء به، هذا كلّه مع عدم دعوى الخلاف في البين. و أما معه فيشكل القبول، كما في جميع موارد التنازع، فلا بد من إقامة البينة على الإتيان مع الإمكان، و مع العدم فاليمين.

ص: 352

إذن المستأجر (70)، أو كون الإجارة واقعة على تحصيل العمل، أعمّ من المباشرة و التسبيب، و حينئذ فلا يجوز أن يستأجر بأقلّ من الأجرة المجعولة له، إلا أن يكون آتيا ببعض العمل و لو قليلا (71).

مسألة 22: إذا تبرع متبرع عن الميت قبل عمل الأجير ففرغت ذمة الميت انفسخت الإجارة

(مسألة 22): إذا تبرع متبرع عن الميت قبل عمل الأجير ففرغت ذمة الميت انفسخت الإجارة (72)، فيرجع المؤجر بالأجرة (73)،

______________________________

(70) لأنّ هذا تصرف في متعلق حق الغير و لا بد فيه إما من الإذن السابق أو الإجازة اللاحقة، هذا إذا كان مورد الإجارة بعنوان المباشرة. و أما بناء على كون موردها أعمّ من المباشرة و التسبيب، فلا ريب في الجواز حينئذ، لأنّه على هذا من المصاديق الحقيقية لمورد الإجارة فقد تحقق الإذن السابق و يكون الاستئذان الجديد من تحصيل الحاصل، و هو لغو باطل.

(71) على المشهور، لصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:

«عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلى آخر فيربح فيه. قال عليه السلام: لا، إلّا أن يكون قد عمل فيه شيئا» (1).

و نحوه غيره، و ظاهره و إن كان العمل في شي ء خارجيّ، و لكنّه محمول على المثال، فيشمل مثل المقام أيضا، و يأتي التفصيل في كتاب الإجارة (فصل يكفي في صحة الإجارة) [المسألة 1] و ما بعدها، فراجع.

(72) لزوال موضوعها لو علم أنّ عمل المتبرع مسقط للذمة، كما لو استأجره لقلع سنه فسقط السنّ، أو آجره لصبغ دار فانهدمت بحيث لا ينتفع بها أبدا، هذا إذا وقعت الإجارة على تفريغ الذمة. و أما لو وقعت على إتيان الصلاة عنه و لو بحسب مراتب القبول، كما تقدم، فالظاهر عدم انفساخها، لفرض بقاء موضوعها، و الغالب في الإجارات هو الأول، و مع الشك هو المتيقن أيضا لجريان أصالة عدم وقوع الإجارة على النحو الثاني بلا معارض.

(73) أي: المستأجر. و يمكن أن يكون قوله رحمه اللّه: «فيرجع» من باب

ص: 353


1- الوسائل باب: 23 من أبواب كتاب الإجارة حديث: 1.

أو ببقيّتها إن أتى ببعض العمل. نعم، لو تبرّع متبرّع عن الأجير ملك الأجرة (74).

مسألة 23: إذا تبيّن بطلان الإجارة بعد العمل استحق الأجير أجرة المثل بعمله

(مسألة 23): إذا تبيّن بطلان الإجارة بعد العمل استحق الأجير أجرة المثل بعمله، و كذا إذا فسخت الإجارة من جهة الغبن لأحد الطرفين (75).

مسألة 24: إذا آجر نفسه لصلاة أربع ركعات من الزوال من يوم معيّن إلى الغروب

(مسألة 24): إذا آجر نفسه لصلاة أربع ركعات من الزوال من يوم معيّن إلى الغروب، فأخر حتّى بقي من الوقت مقدار أربع ركعات و لم يصلّ صلاة عصر ذلك اليوم، ففي وجوب صرف الوقت في صلاة نفسه أو الصلاة الاستيجارية إشكال (76) من أهمية صلاة الوقت، و من كون صلاة الغير من قبيل حق الناس المقدّم على حق اللّه.

مسألة 25: إذا انقضى الوقت المضروب للصلاة الاستيجارية

(مسألة 25): إذا انقضى الوقت المضروب للصلاة الاستيجارية و لم يأت بها أو بقي منها بقية، لا يجوز له أن يأتي بها بعد

______________________________

الأفعال، و حينئذ تكون الباء في قوله: (بالأجرة) زائدة.

(74) مع عدم اعتبار المباشرة، و إلا فترجع الأجرة إلى المستأجر و تفرغ ذمة الميت.

(75) لقاعدة (احترام العمل) التي هي من القواعد النظامية العقلائية و قاعدة: (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده)- التي هي أيضا من القواعد النظامية، كما يأتي تحقيقه في المعاملات- بعد ظهور الإقدام المعاملي في عدم قصد التبرع.

(76) الظاهر تقديم صلاة الوقت، لكثرة ما ورد من الاهتمام بها، و لم يثبت أهمية تقديم حق الناس على حق اللّه مطلقا- حتّى في مثل المقام- كما تقدم، و حينئذ تنفسخ الإجارة لعدم القدرة على إتيان متعلّقها، لأنّ المانع الشرعي كالعقلي.

ص: 354

الوقت، إلا بإذن جديد من المستأجر (77).

مسألة 26: يجب تعيين الميت المنوب عنه

(مسألة 26): يجب تعيين الميت المنوب عنه (78). و يكفي الإجمالي، فلا يجب ذكر اسمه عند العمل، بل يكفي من قصده المستأجر أو صاحب المال أو نحو ذلك (79).

مسألة 27: إذا لم يعيّن كيفية العمل من حيث الإتيان بالمستحبات

(مسألة 27): إذا لم يعيّن كيفية العمل من حيث الإتيان بالمستحبات يجب الإتيان على الوجه المتعارف (80).

مسألة 28: إذا نسي بعض المستحبات التي اشترطت عليه

(مسألة 28): إذا نسي بعض المستحبات التي اشترطت عليه، أو بعض الواجبات- مما عدا الأركان- فالظاهر نقصان الأجرة بالنسبة (81)، إلا إذا كان المقصود تفريغ الذمة على الوجه الصحيح (82).

______________________________

(77) لأنّه غير العمل المستأجر عليه فلا يقع وفاء للعقد الإجاري إلا برضاء من وقع معه العقد من الإذن السابق أو الإجارة اللاحقة.

(78) لأنّ النيابة من العناوين القصدية لا تتحقق إلا بذلك، كما في جميع الأمور المتقوّمة بالقصد.

(79) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن اعتبار أزيد من ذلك.

(80) لأنّه المنساق من الأعمال النيابية مطلقا إلا مع القرينة المعتبرة على الخلاف، و المفروض عدمها.

(81) اشتراط الشي ء تارة: يكون على نحو يكون في عرض سائر الأجزاء التي تقسط عليها الأجرة في المتعارف، فلا إشكال في التقسيط حينئذ.

و أخرى: يكون بنحو الشرط المتعارف، و الظاهر تحقق خيار تخلف الشرط حينئذ لا التقسيط، لفرض كون الشرط خارجا عن حقيقة متعلق الإجارة و ثالثة: يشك في أنّه من أيّهما مع عدم القرينة على أحدهما، و هو ملحق بالثاني، لظاهر سياق الاشتراط.

(82) بأن كان الاشتراط على نحو تعدد المطلوب، فيثبت خيار تخلف

ص: 355

مسألة 29: لو آجر نفسه لصلاة شهر- مثلا- فشك في أنّ المستأجر عليه صلاة السفر أو الحضر

(مسألة 29): لو آجر نفسه لصلاة شهر- مثلا- فشك في أنّ المستأجر عليه صلاة السفر أو الحضر، و لم يمكن الاستعلام من المؤجر- أيضا- فالظاهر وجوب الاحتياط بالجمع (83). و كذا لو آجر نفسه لصلاة، و شك أنّها الصبح أو الظهر- مثلا- وجب الإتيان بهما.

مسألة 30: إذا علم أنّه كان على الميت فوائت و لم يعلم أنّه أتى بها قبل موته أو لا

(مسألة 30): إذا علم أنّه كان على الميت فوائت و لم يعلم أنّه أتى بها قبل موته أو لا، فالأحوط الاستئجار عنه (84).

______________________________

الشرط في هذه الصورة أيضا و إن فرغت ذمة المنوب عنه.

(83) لقاعدة الاشتغال المقتضية للاحتياط. و لكن ظاهرهم الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في الماليات عند الدوران بين المتباينين، و يؤيده قاعدة:

نفي الضرر، فيرجع في التعيين إلى القرعة حينئذ. و كذا لو آجر نفسه لعبادة و ترددت بين الصوم و الصلاة، و كذا لو علم الوصيّ بأنّ الميت أوصى بعبادة و لم يعلم أنّها صوم أو صلاة، و كذا لو اجتمع عند الحاكم أموال للعبادات الاستيجارية و لم يعلم أيّ عبادة هي، و المسألة سيالة في موارد كثيرة.

(84) مقتضى عدم الإتيان وجوبه على الوليّ مباشرة أو تسبيبا، و إن لم يكن له وليّ و كان له مال و قلنا بوجوب إخراج الواجبات البدنية من أصل التركة، كما هو مختاره (قدّس سرّه). وجب الإخراج. و إن لم نقل بذلك- كما هو المختار- فلا بأس بترك هذا الاحتياط. و لعل منشأ تردده (قدّس سرّه) احتمال جريان أصالة الصحة، و ظهور حال المسلم، و يأتي نظير المقام في المسألة الخامسة من كتاب الزكاة (ختام فيه مسائل متفرقة). و في [المسألة 105] من كتاب الحج، و [المسألة 1] من فصل (الوصية بالحج)، فراجع تجد اختلاف نظر الماتن (قدّس سرّه).

فروع- (الأول): مقتضى الأصل عدم وجوب قضاء الأجزاء المنسية بعد الموت، و كذا قضاء سجدتي السهو، و إن كان الأحوط القضاء خصوصا في الأولى.

ص: 356

.....

______________________________

(الثاني): لو دار الأمر بين إتيان القضاء مع العذر في زمان الحياة، و الوصية بالصلاة الاختيارية بعد الموت. مقتضى أصالة وجوب القضاء عدم سقوطه، و كذا لو علم أنّ الوليّ يأتي به تام الأجزاء و الشرائط.

(الثالث): تجب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت، لأنّ الواجبات الموسعة تتضيق بالموت، و مقتضى استصحاب بقاء التضييق هو الفورية، و يأتي في [المسألة 96] من كتاب الحج ما ينفع المقام.

(الرابع): قد ذكروا في نيابة الحج أنّه يعتبر في النائب الإيمان و لم يتعرّضوا له في المقام، و كذا في الصوم و نحوه من سائر العبادات، فهل يعتبر في النائب مطلقا الإيمان بالمعنى الأخص لبطلان عبادات غيره على المشهور، أو لا يعتبر للأصل من أنّ بطلان عباداته لنفسه لا يستلزم البطلان عن غيره بعد أن اشترط عليه الإتيان بها على طريقة المنوب عنه؟ وجهان.

(الخامس): مقتضى الأصل، و الإطلاق و العموم جواز نيابة المؤمن الاثني عشري عن المخالفين في إتيان عباداتهم.

(السادس): لو عيّن الميت شخصا خاصا لإتيان عباداته يتعيّن، و لكن لو تبرع عن الميت متبرع تبرأ ذمته و يسقط موضوع التعيين.

(السابع): لو أوصى بأن لا يستناب عنه الشخص الخاص، و تبرع ذلك الشخص عنه، فهل تفرغ ذمته أو لا؟ لا يبعد الأول إذا كان العمل جامعا للشرائط، لأنّ الإجزاء قهريّ خارج عن قدرته و اختياره، و مجرد الشك في أنّ نهيه من النهي في العبادة يكفي في عدم الفساد، و لو استؤجر هذا الشخص في الفرض و كان الأجير جاهلا بالحال و أتى بالعمل جامعا للشرائط، لا يبعد الإجزاء أيضا، و تستحق أجرة المثل على المستأجر.

ص: 357

فصل في قضاء الولي

اشارة

(فصل في قضاء الولي) يجب على وليّ الميت (1)- رجلا كان الميت أو امرأة على الأصح (2)، (فصل في قضاء الولي)

______________________________

(1) إجماعا، و نصوصا كثيرة:

منها: صحيح حفص: «في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام. قال عليه السلام: يقضي عنه أولى الناس بميراثه قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة. قال عليه السلام: لا، إلا الرجال» (1).

و منها: خبر ابن سنان: «قال: الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميت يقضي عنه أولى الناس به»(2).

(2) المشهور هو الاختصاص بالرجل، لأصالة البراءة، و لذكر الرجل في جملة من الروايات، و لأنّه في مقابل الحبوة، و لا حبوة بالنسبة إلى المرأة. و عن جمع من الأعاظم (قدّس سرّهم) التعميم للمرأة أيضا، لأنّ ذكر الرجل في الأخبار من باب المثال، كما في تمام الأخبار الواردة في الحرام و الحلال، مع ذكر الميت في خبر ابن سنان و هو شامل للرجل و المرأة و إن نوقش فيه: بأنّه في مقام بيان محلّ القضاء عن الميت، و أنّه فيما إذا كان حيّا بعد دخول الوقت في مقابل من مات قبله و لا إطلاق فيه من سائر الجهات حتّى يؤخذ به.

و لكنّها مخدوشة: لأنّ كونه في مقام البيان لشي ء- على فرض صحته- لا

ص: 358


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 18.

حرّا كان أو عبدا (3)- أن يقضي عنه ما فاته من الصلاة لعذر (4)، من مرض أو سفر أو حيض (5)، فيما يجب فيه القضاء و لم يتمكن من قضائه (6)، و إن كان الأحوط قضاء جميع ما عليه (7). و كذا

______________________________

ينافي ظهور الإطلاق من جهة أخرى، و كونه في مقابل الحبوة ليس له في الأخبار عين و لا أثر، و إنّما هو من مجرد الاجتهاد و الاستحسان فلا يستظهر منه الاختصاص، و يشهد للتعميم ما يأتي إن شاء اللّه تعالى في [المسألة 19] من فصل (أحكام القضاء) من كتاب الصوم و هو: «ما نسب إلى المعظم من وجوب قضاء الوليّ صوم المرأة أيضا» بناء على عدم الفرق بين الصوم و الصلاة من هذه الجهة، كما هو الظاهر، فلا مجال لأصالة البراءة.

(3) للإطلاق الشامل لهما و دعوى الانصراف إلى الحر، ممنوع، و على فرضه فهو بدوي.

(4) المشهور وجوب قضاء جميع ما فات عن الميت، لظهور الإطلاقات فيه. و حكي عن بعض الاختصاص بما فات لعذر، كالسفر و المرض و الحيض بالنسبة إلى الصوم لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه، لانصراف الدليل عنه، و ندرة الترك العمدي بالنسبة إلى المسلم.

و فيه: أنّ الانصراف، و الندرة ليس بحيث يوجب ظهور اللفظ في العذر و بمنزلة كون العذر قيدا مذكورا في اللفظ.

(5) المرض و السفر ليسا من موجبات عدم الأداء في الصلاة، و إنّما يوجبان عدم الأداء في الصوم، فلا وجه لذكرهما في المقام. نعم، حيث إنّهما من مظنة فوت الصلاة لعلّه رحمه اللّه ذكرهما من هذه الجهة. و أما الحيض فيوجب سقوط الأداء و القضاء في الصلاة، فلا وجه لذكره أصلا. نعم، يصح ذكره لوجوب قضاء الصوم، كما يأتي في محلّه.

(6) أي لم يقض، سواء تمكن منه أم لا، إذ لا أثر للتمكن و عدمه بالنسبة إلى قضاء الصلاة. نعم، له أثر بالنسبة إلى الصوم، كما يأتي في [المسألة 12] من فصل (أحكام القضاء) من كتاب الصوم إن شاء اللّه تعالى.

(7) ظهر وجهه مما تقدم.

ص: 359

في الصوم لمرض تمكن من قضائه و أهمل (8)، بل و كذا لو فاته من غير المرض- من سفر و نحوه- و إن لم يتمكن من قضائه (9) و المراد به الولد

______________________________

(8) للإجماع، و النص ففي صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «عن رجل أدركه شهر رمضان و هو مريض فتوفي قبل أن يبرأ. قال عليه السلام: ليس عليه شي ء، لكن يقضى عن الذي يبرأ ثمَّ يموت قبل أن يقضي» (1).

و في مرسل ابن بكير عن الصادق عليه السلام: «في رجل يموت في شهر رمضان؟ قال عليه السلام: ليس على وليه أن يقضي عنه .. فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثمَّ صح بعد ذلك و لم يقضه ثمَّ مرض فمات فعلى وليه أن يقضي عنه، لأنّه قد صح فلم يقض و وجب عليه» (2).

هذا مضافا إلى الإطلاقات التي لا بد من تقييدها بهما.

(9) البحث في هذه المسألة من جهات-:

الأولى: في قضاء ما فات في السفر و تمكن من القضاء و لم يقض، مقتضى الإطلاقات وجوب القضاء حينئذ، و لا دليل على الخلاف من نصّ أو إجماع.

الثانية: ما إذا فات في السفر و لم يتمكن من الأداء. نسب إلى المشهور عدم وجوب القضاء حينئذ لما مرّ من التعليل في المرسل: «لأنّه قد صح فلم يقض» الدال على أنّه إن لم يصح فلا قضاء.

و لموثق أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شوال، فأوصتني أن أقضي عنها. قال عليه السلام: هل برئت من مرضها؟ قلت: لا، ماتت فيه، قال عليه السلام: لا يقضى عنها، فإنّ اللّه تعالى لم يجعله عليها- الحديث-» (3).

ص: 360


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 13.
3- تقدم مصدره في صفحة: 344.

الأكبر (10)، فلا يجب على ......

______________________________

و فيه: أنّ الموثق مورده المرض و عموم التعليل- لو ثبت العموم له- مخصص بموثق ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان، هل يقضى عنها؟

فقال عليه السلام: أما الطمث و المرض فلا. و أما السفر فنعم» (1).

و مثله صحيح أبي حمزة (2). و خبر ابن حازم عنه عليه السلام- أيضا-:

«في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت. قال عليه السلام: يقضى عنه. و إن امرأة حاضت في شهر رمضان فماتت لم يقض عنها. و المريض في شهر رمضان لم يصح حتّى مات لا يقضى عنه» (3).

فلا بد من العمل بالتفصيل بين السفر و غيره من الأعذار جمعا بين النصوص.

و ما يقال: من وهن هذه الأخبار بإعراض المشهور، لا وجه له إذ الظاهر أنّه اجتهاد منهم (قدّس اللّه أسرارهم) الشريفة لا أن يكون قد وصل إليهم ما لم يصل إلينا.

الثالثة: في سائر الأعذار- كالحيض و النفاس و نحوهما- فمع رفعها و التمكن من القضاء ثمَّ عرض الموت وجب القضاء، و مع استمرارها و عدم التمكن من القضاء لا يجب، و يأتي تفصيل المقام في كتاب الصيام إن شاء اللّه تعالى.

(10) على المشهور، و يقتضيه الاعتبار لأنّه مرشح لأن يكون قائما مقام الوالدين في حماية العيال و حفظ المال و هذا نحو علامة جعلها الشارع لقيامه مقام أحدهما، كما أنّ جعل الحبوة نحو علامة لذلك أيضا للتنبيه على أنّه بمنزلة من مات منهم فلا يتأسفوا لفقده.

ص: 361


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 16.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 15.

.....

______________________________

و لكن أدلة الباب تشتمل على تعبيرات مختلفة:

منها: مرسل الصدوق: «فليقض عنه من شاء من أهله» (1) و فيه: مضافا إلى قصور السند، و عدم وجود عامل بإطلاق إمكان حمله على مجرد الجواز بقرينة التعليق على المشية.

و منها: صحيح حفص عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام. قال عليه السلام: يقضي عنه أولى الناس بميراثه. قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة. فقال عليه السلام: لا، إلا الرجال» (2).

و في مرسل حماد الوارد في صوم شهر رمضان: «يقضي عنه أولى الناس به»(3).

و لفظ الأولى يحتمل معنيين:

الأول: الفرد المعيّن و يعضده الاعتبار و الشهرة، و ما يأتي من مكاتبة الصفار.

الثاني: مطلق الأولى بالميراث في جميع الطبقات. و يرده ما قاله في الجواهر: «بل لم أجد من عمل بهذه النصوص على طبقات الميراث».

أقول: و نسب إلى الدروس اختياره، بل نسبه إلى القدماء. و لكن ضعفه في الجواهر، فراجع. و كيف ينسب إلى القدماء مع استقرار الشهرة على الخلاف.

و منها: خبر أبي بصير قال عليه السلام: «يقضيه أفضل أهل بيته» (4).

فإن كان المراد به أكبر فيصير موافقا للمشهور، و إن كان المراد مطلق الأفضل في الكمالات المعنوية، فلا بد من حمله على رجحان اختياره له، لأنّ عباداته أقرب إلى القبول من غيره.

و منها: مكاتبة الصفار إلى العسكري عليه السلام: «رجل مات و عليه

ص: 362


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
2- تقدم مصدره في صفحة: 358.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 11.

البنت (11) و إن لم يكن هناك ولد ذكر، و لا على غير الأكبر من الذكور (12)، و لا على غير الولد من الأب و الأخ و العم و الخال

______________________________

قضاء من شهر رمضان عشرة أيام و له وليان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا، خمسة أيام أحد الوليين و خمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه السلام: يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء اللّه» (1).

و هذا هو مدرك المشهور، و اشتماله على ما لا يقول به أحد من اعتبار الموالاة لا يضر بعد صحة التفكيك في العمل بالنسبة إلى أجزاء الخبر الواحد.

و كذا ظهوره في عدم الجواز بالنسبة إلى غيره مع أنّ الجواز متفق عليه بين الكلّ، فيصح أن تكون مقيدة لما تقدم من صحيح حفص.

و المتحصّل من مجموع الأخبار الواردة في الباب:

أولا: جواز القضاء لكلّ من شاء من أهله، لما تقدم من مثل المرسل (2).

و ثانيا: الأولى لمن هو متصف بالفضائل المعنوية أن يختاره و يبادر إليه، لأنّ عمله أقرب إلى القبول، و هذا أيضا يصير نحو فضيلة له زائدة على فضائله المعنوية.

و ثالثا: أنّ الوجوب إنّما هو بالنسبة إلى أكبر الأولاد من الذكور، و يشهد له الاعتبار الصحيح، و هو الموافق للأصل. و الظاهر أنّ ما ذكرناه هو مراد الفقهاء (قدّس سرّهم) و إن قصرت عبارات بعضهم عن إفادته جدا، و لكنّه مألوف عنهم لا سيّما القدماء، كما لا يخفى على الخبير.

(11) لما تقدم في صحيح حفص (3)، و مرسل حماد (4)، و يشهد له الاعتبار لقصور النساء عن تكليف أنفسهنّ فكيف يحمل عليهنّ تكليف الغير.

(12) لما تقدم في خبر الصفار، مضافا إلى الإجماع.

ص: 363


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.
2- تقدم مصدرهما في صفحة: 362.
3- تقدم مصدرهما في صفحة: 362.
4- تقدم مصدرهما في صفحة: 362.

و نحوهم من الأقارب (13)، و إن كان الأحوط- مع فقد الولد الأكبر- قضاء المذكورين على ترتيب الطبقات (14)، و أحوط منه قضاء الأكبر فالأكبر، ثمَّ الإناث من كلّ طبقة، حتّى الزوجين و المعتق و ضامن الجزيرة (15).

مسألة 1: إنّما يجب على الوليّ قضاء ما فات عن الأبوين من صلاة نفسهما

(مسألة 1): إنّما يجب على الوليّ قضاء ما فات عن الأبوين من صلاة نفسهما (16)، فلا يجب عليه ما وجب عليهما بالاستئجار أو على الأب من صلاة أبويه من جهة كونه وليا.

مسألة 2: لا يجب على ولد الولد القضاء عن الميت إذا كان هو الأكبر حال الموت

(مسألة 2): لا يجب على ولد الولد (17) القضاء عن الميت إذا كان هو الأكبر حال الموت و إن كان أحوط، خصوصا إذا لم يكن للميت ولد.

______________________________

(13) للأصل، و ما تقدم من عبارة الجواهر: «لم أجد من عمل بهذه النصوص على طبقات الإرث».

(14) خروجا عن مخالفة ما نسب إلى بعض القدماء، و لأنّه نحو من البر و الصلة لا بد و أن يهتم به مهما أمكن.

(15) خروجا عن خلاف ما نسب إلى الدروس، و جمودا على إطلاق قوله عليه السلام: «أولى الناس به» بعد احتمال حمل التقييد بما نسب إلى المشهور على تعدد المطلوب، و إن كان الاحتمال ضعيفا.

(16) لأصالة البراءة بعد انصراف المطلقات، بل ظهورها في صلاة نفسه، و الظاهر كونه من المسلّمات بين الفقهاء (قدّس سرّهم)، و اقتصارا في الخروج عن إطلاق قوله تعالى وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ (1) على المتيقن.

(17) بناء على ما نسب إلى المشهور من الاختصاص بالولد الأكبر. و أما بناء على شمول الحكم لمطلق الأهل و لو لم يكن وارثا فعلا، فيجب عليه. و كذا

ص: 364


1- سورة الأنعام 164.

مسألة 3: إذا مات أكبر الذكور بعد أحد أبويه لا يجب على غيره

(مسألة 3): إذا مات أكبر الذكور بعد أحد أبويه لا يجب على غيره (18) من إخوته الأكبر فالأكبر.

مسألة 4: لا يعتبر في الوليّ أن يكون بالغا عاقلا عند الموت

(مسألة 4): لا يعتبر في الوليّ أن يكون بالغا عاقلا عند الموت (19)، فيجب على الطفل إذا بلغ، و على المجنون إذا عقل.

و إذا مات غير البالغ قبل البلوغ أو المجنون قبل الإفاقة لا يجب على الأكبر بعدهما (20).

مسألة 6: لا يعتبر في الوليّ كونه وارثا

(مسألة 6): لا يعتبر في الوليّ كونه وارثا (22)، فيجب على الممنوع من الإرث بالقتل أو الرق أو الكفر.

مسألة 7: إذا كان الأكبر خنثى مشكلا فالوليّ غيره من الذكور و إن كان أصغر

(مسألة 7): إذا كان الأكبر خنثى مشكلا فالوليّ غيره من الذكور (23) و إن كان أصغر. و لو انحصر في الخنثى لم يجب عليه (24).

مسألة 8: لو اشتبه الأكبر بين الاثنين أو الأزيد

(مسألة 8): لو اشتبه الأكبر بين الاثنين أو الأزيد لم يجب على واحد منهم (25)،

______________________________

(22) لظهور الأدلة في أنّ المراد بالوليّ الوليّ الاقتضائي، و الوارث كذلك لا الفعلي من كلّ جهة، و لا ريب في تحقق الولاية الاقتضائية في القاتل و العبد و نحوهما.

(23) لأصالة البراءة عن الخنثى، و لأنّ قوله عليه السلام فيما تقدم من صحيح حفص: «لا، إلا الرجال» كما يخرج النساء عن الحكم الوجوبي يخرج المردد و الطبيعة الثالثة أيضا، لظهور الحصر في الرجال، فتكون الخنثى كالأنثى، فينطبق الأكبر على غيرها لا محالة. و لا وجه لأنّ يقال: الأكبر الموجود لا تكليف بالنسبة إليه و مقتضى الأصل عدم التكليف بالنسبة إلى غيره أيضا. لأنّه لا وجه للتمسك بالأصل مع ظهور الإطلاق، و كون وجود الخنثى كالعدم.

(24) لأصالة البراءة إن كانت طبيعة ثالثة، و كذا لو ترددت بينهما و قلنا بالاختصاص بالرجال، لعدم جواز التمسك بالأدلة اللفظية لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه. و لا الإجماع لأنّ المتيقن منه غيرها فتجري البراءة حينئذ. و أما بناء على عدم الاختصاص بالرجال فتكون كسائر الورثة.

(25) لجريان أصالة البراءة بالنسبة إلى كلّ واحد منهما، و عدم الأصل الموضوعي في البين، إذ ليس هو إلا أصالة عدم أكبرية الطرف و هو مثبت بالنسبة إلى إثبات الأكبرية للآخر، و العلم الإجمالي غير منجز في المقام لخروج كلّ طرف عن مورد ابتلاء الآخر، فلا موجب للتكليف حتّى يجب التوزيع أو القرعة،

ص: 366

و إن كان الأحوط التوزيع أو القرعة (26).

مسألة 9: لو تساوى الولدان في السن قسّط القضاء عليهما

(مسألة 9): لو تساوى الولدان في السن قسّط القضاء عليهما (27)، و يكلّف بالكسر- أي ما لا يكون قابلا للقسمة و التقسيط، كصلاة واحدة و صوم يوم واحد- كلّ منهما على الكفاية (28)، فلهما أن

______________________________

لكن الظاهر عدم سقوط أصل التكليف، إذ لا فرق بين هذه المسألة و المسألة التالية بعد كون وجود الأكبر المردد كعدمه.

(26) بناء على عدم الاختصاص بالولد الأكبر يجب على مطلق الولي بالتوزيع أو القرعة، و هذا الاحتياط موافق للقولين، و كذا بناء على الاختصاص إن قلنا بانصراف دليل الاختصاص عن هذه الصورة مع بقاء أصل الوجوب في الجملة.

(27) نسب ذلك إلى الأكثر، لإطلاق الأدلة، و الولد الأكبر إنّما يكون موردا للحكم عند وجوده، و مع عدمه لا وجه لسقوط أصل الحكم، لأنّ مناسبة الحكم و الموضوع تقضي أنّ المناط كلّه تفريغ ذمة الميت، و التقييد بالولد الأكبر إنّما هو من باب تعدد المطلوب لا التقييد الحقيقي حتّى يدور الحكم مداره وجودا و عدما. و أما التقسيط فهو موافق للعدل و الإنصاف و غيره يحتاج إلى دليل، و هو مفقود، لأنّ الأصل في الوجوب أن يكون عينيا تعينيا، و التقسيط يناسبهما دون الواجب الكفائي، فإنّه لا يناسبهما فيحتاج إلى دليل بالخصوص.

و ما يتوهم: من أنّ الواجب في المقام حيث لا يقبل التعدد ذاتا فلا بد و أن يكون الواجب كفائيا. فاسد: لأنّ عدم قبول التعدد لا ربط له بالتقسيط، فالمقام و إن لم يقبل تعدد التكليف ذاتا و لكن حيث إنّه يحصل بالتقسيط فيصح حينئذ، و لو كان موضوع الواجب بنحو صرف الوجود.

كما أنّ توهم أنّه في الكسر إذا كان بنحو الواجب الكفائي فلا بد و أن يكون في الأصل أيضا كذلك. فاسد أيضا، لأنّه قياس مع الفارق، كما هو واضح.

(28) لدوران الأمر بين السقوط، و التقسيط، و الوجوب الكفائي و حيث إنّه لا وجه للأولين فيتعيّن الأخير.

ص: 367

يوقعاه دفعة واحدة، و يحكم بصحة كلّ منهما (29) و إن كان متحدا في ذمة الميت. و لو كان صوما من قضاء شهر رمضان لا يجوز لهما الإفطار بعد الزوال (30). و الأحوط الكفارة على كلّ منهما مع الإفطار بعده (31)، بناء على وجوبها في القضاء عن الغير- أيضا- كما في قضاء نفسه (32).

______________________________

(29) كما هو الشأن في جميع الواجبات الكفائية، و قد تقدم في الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيز الميت من كتاب الطهارة ما ينفع المقام.

(30) لصحة الاتصاف بالوجوب في الجملة في كلّ منهما، و لكنّه يشكل فيما إذا علم أحدهما أنّ الآخر لا يفطر، بل يبقى على صومه إذ لا وجه لحرمة الإفطار بالنسبة إليه حينئذ، و كذا الكفارة، بل و كذا مع الشك لجريان أصالة عدم الإفطار، فالجزم بعدم جواز الإفطار مطلقا مشكل، مع أنّه لا يناسب الاحتياط في الكفارة لتلازمهما بناء على وجوبها في القضاء عن الغير أيضا.

(31) مقتضى القاعدة أنّه مع كون الإفطار سابقا و لاحقا، كون الكفارة على اللاحق فقط، لتعين الوجوب بالنسبة إليه بعد إفطار الأول و مع التقارن كونها عليهما معا، لصدق الإفطار في قضاء شهر رمضان بالنسبة إليهما معا. و التخيير و التقسيط يحتاج إلى دليل و هو مفقود. و السقوط عنهما مخالف للعلم بالوجوب و من ذلك يظهر الخدشة في إطلاقه الاحتياط بالنسبة إليهما. بل لا بد من التفصيل الذي ذكرناه، و يمكن أن يوجه الاحتياط بصدق الإفطار في قضاء شهر رمضان بالنسبة إلى كلّ منهما في الجملة و لو مع السبق و اللحوق.

(32) لظهور الإطلاق الشامل لهما، مثل صحيح العجلي عن أبي جعفر عليه السلام: «رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان. قال عليه السلام:

إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي ء عليه إلا يوما مكان يوم، و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم و صام ثلاثة أيام كفارة لما صنع» (1).

ص: 368


1- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

مسألة 10: إذا أوصى الميت بالاستئجار عنه سقط عن الوليّ

(مسألة 10): إذا أوصى الميت بالاستئجار عنه سقط عن الوليّ (33)، بشرط الإتيان من الأجير صحيحا (34).

مسألة 11: يجوز للوليّ أن يستأجر ما عليه من القضاء عن الميت

(مسألة 11): يجوز للوليّ أن يستأجر ما عليه من القضاء عن الميت (35).

______________________________

و لو فرض الانصراف إلى القضاء عن النفس فهو بدوي.

(33) أما أصل صحة الوصية، فمقتضى العمومات، و السيرة أنّه لا إشكال فيها، و لا تتوقف على إجازة الوليّ، لأنّ الوجوب على الوليّ لا موضوعية فيه بوجه، و إنّما هو طريق لتفريغ ذمة الميت، فإذا تسبب الميت بنفسه لتفريغ ذمته، فلا يبقى موضوع للوجوب عليه.

و أشكل عليه: أنّه لا وجه لصحة الوصية لأنّها في حق الغير، و على فرض الصحة فلا وجه للسقوط عن الوليّ، بل يجب حينئذ كفاية على كلّ من الوصيّ و الوليّ، و قد قال: بكلّ قائل. و هو فاسد: لأنّ ثبوت حق الوليّ في هذه الأمور تعليقيّ متوقف على عدم إعمال الشخص ولايته بالنسبة إلى هذه الأشياء. و مع أنّه أعمل بذلك فلا يبقى موضوع لحق الوليّ.

و منه: يظهر الجواب عن الوجوب الكفائي من أنّ صحة الوصية تسقط الحق، و ينتفي بانتفاء موضوعه. نعم، لو كانت هذه الأمور مثل تجهيزات الميت الثابتة على الولي بالخصوص يمكن أن يستشكل في صحة الوصية، و لكن مع ذلك لا وجه للإشكال، كما مرّ في [المسألة 7] من فصل (الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيزات الميت)، و يأتي في كتاب الوصية تمام الكلام.

(34) لأنّ الوصية بنفسها لا أثر لها في التفريغ، و المناط كلّه وقوع العمل مستجمعا للشرائط و تقدم في [المسألة 20] من الفصل السابق نظير هذا الفرع، فراجع.

(35) للسيرة في الجملة، و لأنّ المتفاهم من مجموع الأدلة أنّ الوجوب على الوليّ إنّما هو لأجل كونه أرأف بالميت و أسعى في تفريغ ذمته من غيره لا لأنّ

ص: 369

مسألة 12: إذا تبرع بالقضاء عن الميت متبرّع سقط عن الوليّ

(مسألة 12): إذا تبرع بالقضاء عن الميت متبرّع سقط عن الوليّ (36).

______________________________

مباشرته للعمل قيد مقوّم بالنسبة إليه بحيث لا يجزي عن غيره، فإذا فرغت ذمة الميت بالاستئجار سقط الوجوب عن الوليّ لانتفاء موضوعه.

و ما يقال: من أنّ مقتضى الإطلاق كون الوجوب عينيا تعيينيا فلا بد من المباشرة، إنّما يصح فيما إذا لم تكن قرينة قطعية على الخلاف، كما في المقام.

و في صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل هل يصلح له أن يصوم عن بعض أهله بعد موته؟ فقال عليه السلام: نعم، يصوم ما أحبّ و يجعل ذلك للميت فهو للميت إذا جعله له» (1).

و الظاهر أنّ الصوم من باب المثال لا الخصوصية.

و عن عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: يصلّى عن الميت؟

فقال عليه السلام: نعم، حتّى إنّه يكون في ضيق فيوسع اللّه عليه- الحديث-» (2).

و حمل أمثال هذه الأخبار على إهداء الثواب لا وجه له، و إطلاقه مثلهما يشمل المقام أيضا. و من ذلك كلّه يظهر حكم المسألة التالية، فلا وجه للتكرار و الإعادة.

و خلاصة القول: فإنّ المناط كلّه تفريغ ذمة الميت بأيّ وجه تحقق، و ما ذكر في الأخبار من باب الطريقية لذلك لا الموضوعية.

(36) لأنّ الوجوب على الوليّ لا موضوعية له قطعا، بل إنّما هو طريق لحصول فراغ ذمة الميت، فإذا حصل الفراغ بعمل المتبرع سقط الوجوب عن الوليّ، و قد تقدم.

ص: 370


1- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 4.

مسألة 13: يجب على الوليّ مراعاة الترتيب في قضاء الصلاة

(مسألة 13): يجب على الوليّ مراعاة الترتيب في قضاء الصلاة (37)، و إن جهله وجب عليه الاحتياط بالتكرار.

مسألة 14: المناط في الجهر و الإخفات على حال الوليّ المباشر لا الميت

(مسألة 14): المناط في الجهر و الإخفات على حال الوليّ المباشر (38) لا الميت، فيجهر في الجهرية و إن كان القضاء عن الأم.

مسألة 15: في أحكام الشك و السهو يراعي الوليّ تكليف نفسه

(مسألة 15): في أحكام الشك و السهو يراعي الوليّ تكليف نفسه (39) اجتهادا أو تقليدا- لا تكليف الميت، بخلاف أجزاء الصلاة و شرائطها فإنّه يراعي تكليف الميت، و كذا في أصل وجوب القضاء (40)،

______________________________

(37) بناء على وجوب الترتيب، و قد مرّ عدم وجوبه.

(38) لأنّه المنساق من الأدلة، و قد تقدم في [المسألة 16] من الفصل السابق أيضا، فراجع.

(39) لأنّه الشاك و الساهي فتشمله الأدلة. و قد تقدم في [المسألة 14] من الفصل السابق. و مر أيضا في [المسألة 15] أنّ النائب يراعي تكليف نفسه لا تكليف الميت، و كذا في المقام، فراجع.

(40) تكليف الميت تارة: ثابت عند الميت و وليه اجتهادا أو تقليدا فلا إشكال في الوجوب حينئذ. و أخرى: ثابت عند الوليّ دون الميت و يجب حينئذ على الوليّ أيضا، لأنّه يرى نفسه مكلّفا لفرض توجه الخطاب إليه. هذا إذا قطع بتكليف نفسه اجتهادا أو تقليدا. و أما لو شك في ذلك من حيث إنّ تكليفه ليس استقلاليا محضا، بل من توابع تكليف الغير و طريق إليه فيشكل تنجز التكليف بالنسبة إليه، لأنّ التمسك بالأدلة تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لفرض ثبوت الشك في الشمول في مثل الفرض فتصل النوبة إلى أصالة البراءة، إلا أن يقال:

إنّ مثل هذا الشك ليس مما يوجب سقوط الإطلاق عن التمسك به.

و ثالثة يكون بالعكس: بأن يكون ثابتا عند الميت دون الوليّ، و مقتضى الأصل عدم الوجوب عليه بعد كونه هو المخاطب بتفريغ ذمة الميت، و المفروض

ص: 371

فلو كان مقتضى تقليد الميت أو اجتهاده وجوب القضاء عليه، يجب على الوليّ الإتيان به و إن كان مقتضى مذهبه عدم الوجوب. و إن كان مقتضى مذهب الميت عدم الوجوب لا يجب عليه و إن كان واجبا بمقتضى مذهبه، إلا إذا علم علما وجدانيا قطعيا ببطلان مذهب الميت، فيراعي حينئذ تكليف نفسه.

مسألة 16: إذا علم الوليّ أنّ على الميت فوائت

(مسألة 16): إذا علم الوليّ أنّ على الميت فوائت و لكن لا يدري أنّها فاتت لعذر- من مرض أو نحوه- أم لا لعذر لا يجب عليه القضاء (41). و كذا إذا شك في أصل الفوت و عدمه (42).

مسألة 17: المدار في الأكبرية على التولد

(مسألة 17): المدار في الأكبرية على التولد (43)، لا على

______________________________

أنّه لا يرى ذمته مشغولة بشي ء حتّى يفرغها. نعم، لو حصل له العلم بوجوب التفريغ حتّى في هذه الصورة يكون من القسم الأول.

(41) لأصالة عدم العذر، و أصالة البراءة عن التكليف، لكنه مبنيّ على مختاره (قدّس سرّه) من الاختصاص بما فات لعذر. و أما بناء على التعميم فيجب، و قد تقدم البحث في أول الفصل، فراجع.

(42) مقتضى أصالة عدم الإتيان وجوب القضاء إلا إذا جرت قاعدة الشك بعد الوقت، أو ظهور حال المسلم خصوصا بالنسبة إلى الصلاة، و لكنّه يختلف باختلاف الأشخاص.

(43) لأنّه المتفاهم منه عرفا. و أما قول الصادق عليه السلام في مرسل عليّ بن أحمد بن أشيم: «الذي خرج أخيرا هو أكبر. أما تعلم أنّها حملت بذاك أولا، و أنّ هذا دخل على ذاك» (1).

لا ينافي المتفاهم العرفي، لأنّ الخبر في مقام بيان الأكبرية من حيث الخروج عن صلب الأب لا الأكبرية من حيث الولادة، مع أنّه لا يتم في التوأمين

ص: 372


1- الوسائل باب: 99 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 1.

انعقاد النطفة، فلو كان أحد الولدين أسبق انعقادا و الآخر أسبق تولدا فالوليّ هو الثاني، ففي التوأمين الأكبر أولهما تولدا.

مسألة 18: الظاهر عدم اختصاص ما يجب على الوليّ بالفوائت اليومية

(مسألة 18): الظاهر عدم اختصاص ما يجب على الوليّ بالفوائت اليومية، فلو وجب عليه صلاة بالنذر المؤقت و فاتت منه لعذر وجب على الوليّ قضاؤها (44).

مسألة 19: الظاهر أنّه يكفي في الوجوب على الوليّ إخبار الميت

(مسألة 19): الظاهر أنّه يكفي في الوجوب على الوليّ إخبار الميت (45) بأنّ عليه قضاء ما فات لعذر.

مسألة 20: إذا مات في أثناء الوقت بعد مضيّ مقدار الصلاة بحسب حاله

(مسألة 20): إذا مات في أثناء الوقت بعد مضيّ مقدار الصلاة بحسب حاله- قبل أن يصلّي وجب على الوليّ قضاؤها (46).

______________________________

الذين انقسمت النطفة الواحدة إليهما في آن واحد و هو الغالب في التوأمين، كما ثبت في العلوم الحديثة.

(44) لظهور الإطلاق فيما كان من نفسه على نفسه، و الانصراف إلى اليومية غالبيّ لا اعتبار به. نعم، يصح دعوى الانصراف عن الصلوات الاستيجارية، كما مرّ في [المسألة 1].

(45) لجريان السيرة، و قبول قول كلّ من استولى على شي ء بالنسبة إليه وجودا و عدما مع عدم الاتهام، هذا بناء على مختاره من اختصاص القضاء بما فات لعذر. و أما بناء على التعميم فيكون قوله موافقا، للأصل و لا وجه لجريان قاعدة الشك بعد الوقت، و ظهور الحال، لأنّ قوله كالأمارة المقدمة عليهما.

(46) لقول أبي عبد اللّه في خبر ابن سنان: «الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميت يقضي عنه أولى الناس به» (1).

و تقتضيه إطلاقات أدلة القضاء و عموماتها. و يمكن أن يراد بالقضاء في

ص: 373


1- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 18.

مسألة 21: لو لم يكن وليّ، أو كان و مات قبل أن يقضي عن الميت وجب الاستئجار من تركته

(مسألة 21): لو لم يكن وليّ، أو كان و مات قبل أن يقضي عن الميت وجب الاستئجار من تركته (47). و كذا لو تبيّن بطلان ما أتى به.

مسألة 22: لا يمنع من الوجوب على الوليّ اشتغال ذمته بفوائت نفسه

(مسألة 22): لا يمنع من الوجوب على الوليّ اشتغال ذمته بفوائت نفسه، و يتخيّر في تقديم أيّهما شاء (48).

مسألة 23: لا يجب عليه الفور في القضاء عن الميت،

(مسألة 23): لا يجب عليه الفور (49) في القضاء عن الميت، و إن كان أولى و أحوط (50).

مسألة 24: إذا مات الوليّ بعد الميت قبل أن يتمكن من القضاء

(مسألة 24): إذا مات الوليّ بعد الميت قبل أن يتمكن من القضاء ففي الانتقال إلى الأكبر بعده إشكال (51).

______________________________

الأدلة مطلق الإتيان حتّى يشمل مثل الفرض، بل خبر ابن سنان ظاهر في ذلك، و لو أتى بها قبل خروج الوقت ينوي التكليف الفعلي دون القضاء المعهود.

(47) بناء على مختاره من وجوب إخراج الواجبات البدنية من أصل التركة و تقدم عدم الوجوب. نعم، لو أوصى بها تخرج من الثلث إلا إذا أمضى الورثة من الأصل، و كذا الكلام فيما إذا تبيّن بطلان ما أتى به الوليّ مع أنّ قضاء الوليّ عن الميت واجب تكليفي محض يزول موضوعه بموته فلا وجه لإخراجه من الأصل حتّى بناء على مختاره (قدّس سرّه).

(48) أما عدم المنع فللأصل، و ظهور الإجماع. و أما التخيير فلعدم المرجح في البين بعد قصور أدلة الترتيب عن إثباته في صلاة نفس المكلّف فضلا عن المقام.

(49) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(50) لأنّه نحو من المسارعة إلى الخيرات، لاحتمال أن يكون الميت في ضيق فيوسع عليه من هذه الجهة.

(51) تقدم في [المسألة 3] الجزم منه رحمه اللّه بالفتوى، و مرّ ما يصلح

ص: 374

مسألة 25: إذا استأجر الوليّ غيره لما عليه من صلاة الميت

(مسألة 25): إذا استأجر الوليّ غيره لما عليه من صلاة الميت، فالظاهر أنّ الأجير يقصد النيابة عن الميت لا عنه (52).

______________________________

للاحتياط، فراجع، و تقدم منه رحمه اللّه الاحتياط عند قوله في أول الفصل:

«و أحوط منه قضاء الأكبر فالأكبر».

(52) بل هو المعلوم و لا إشكال فيه، لأنّ ذمة الوليّ طريق إلى ذمة الميت و لا موضوعية فيها، و منه يظهر أنّه لو قصد تفريغ ذمة الوليّ من حيث كونها طريقا إلى ذمة الميت صح أيضا. و بذلك يمكن أن يجعل النزاع على فرض وجوده لفظيا.

فروع- (الأول): لو كان الميت من العامة و الوليّ من الإمامية، فمقتضى الإطلاقات و العمومات وجوب القضاء عنه أيضا، إلا أن يدعى الانصراف و هو بعيد. نعم، لو كان كافرا فهو ليس أهلا للكرامة.

(الثاني): لو علم إجمالا بوجوب قضاء عليه و تردد بين كونه من نفسه أو والده أو والدته، فينوي ما في الذمة، و تفرغ ذمته على أيّ تقدير.

(الثالث): لو أتى بصلاة- مثلا- قضاء، و نوى أنّه إن كانت ذمته مشغولة به فالقضاء له، و إلا فلوالده، و إلا فلوالدته، و إلا يكون هدية إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصح، لأنّ الترديد في خصوصيات المنوي لا في أصل النية.

(الرابع): لو كان كافرا أصليّا ثمَّ أسلم فهل يسقط قضاء الميت عنه، كما يسقط قضاؤه عن نفسه؟ وجهان يمكن القول بالسقوط.

ص: 375

مسألة 5: إذا كان أحد الأولاد أكبر بالسنّ و الآخر بالبلوغ

(مسألة 5): إذا كان أحد الأولاد أكبر بالسنّ و الآخر بالبلوغ فالوليّ هو الأول (21).

______________________________

بناء على كون الحكم منوطا بالوارث الفعلي يجب عليه إن كان وارثا فعلا، و منه يعلم وجه الاحتياط.

(18) لأنّ المنساق من الأدلة الأكبر حال الموت، و هذه المسألة- أيضا- مبنية على ما تقدم في المسألة السابقة. فيجري الاحتياط المزبور فيها أيضا.

و جزمه رحمه اللّه هنا بالفتوى ينافي ما يأتي منه في [المسألة 34] من الاعتكاف فراجع.

(19) كلّ ذلك للإطلاق، و العموم الشامل لهذه الصورة أيضا، فلا مورد لاستصحاب عدم التكليف بعد تبدل الموضوع و وجود العموم الزماني.

(20) لما تقدم في المسألة الثالثة، و تقدم وجه جريان الاحتياط.

(21) لأنّه المنساق من الدليل اللفظي، و المتيقن من الإجماع. و احتمال تقديم البالغ، لأنّه أقرب إلى حد الرجال، و أكبر عرفا، مجرد استحسان لا يعتمد عليه في مقابل الانسباق العرفي الذي يكون كالأمارة المعتبرة. كما أنّ دعوى أنّ المراد به الأولوية النوعية دون الشخصية و هي منطبقة على البالغ و تعيين الأكبر سنّا يحتاج إلى دليل، من مجرد الدعوى.

ص: 365

فصل في الجماعة

اشارة

(فصل في الجماعة) و هي من المستحبات الأكيدة (1) في جميع الفرائض خصوصا اليومية منها (2)، و خصوصا في الأدائية (3)، و لا سيما في الصبح (فصل في الجماعة)

______________________________

(1) بإجماع المسلمين بل الضرورة من الدّين.

(2) نصوصا، و إجماعا، منها صحيح الفاضلين: «قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال عليه السلام: الصلاة فريضة. و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها و لكنّه سنة، من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له» (1).

المحمول على نفي الكمال بقرينة غيره، و المستفاد منه تشريع الجماعة في جميع الصلوات إلا ما خرج على ما يأتي.

و ما يتوهم من أنّه في مقام أصل التشريع في الجملة فما كان كذلك لا يستفاد منه الكلية. فاسد جدّا: لكون السياق سياق التشريع في جميع الصّلوات بحسب المفهوم و بقرينة غيره، كما يأتي.

(3) للإجماع و النصوص:

منها: رواية السكوني عن الصادق عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من صلّى الخمس في جماعة فظنوا به خيرا» (2).

و في وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام: «ثلاث درجات:

منها المشي بالليل و النهار إلى الجماعات»(3).

و غيرهما من الأخبار.

ص: 376


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.

و العشاءين (4)، و خصوصا لجيران المسجد (5) أو من يسمع النداء (6).

و قد ورد في فضلها و ذم تاركها من ضروب التأكيدات ما كاد يلحقها

______________________________

(4) لرواية السكوني عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من صلّى الغداة و العشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمة اللّه عزّ و جل، و من ظلمه فإنّما يظلم اللّه، و من حقّره فإنّما يحقّر اللّه عزّ و جل» (1).

و في خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من صلّى المغرب و العشاء الآخرة، و صلاة الغداة في المسجد في جماعة فكأنّما أحيا الليل كلّه» (2).

(5) لنصوص مستفيضة بين الفريقين:

منها: قول أبي جعفر عليه السلام: «لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد، إلا مريض أو مشغول» (3).

و يشهد له الاعتبار العرفي أيضا، لأنّه أولى بإقامة هذا الشعار العظيم من البعيد، و يكون حضوره داعيا إلى حضور غيره أيضا، و ربما يكون عدم حضوره موجبا لتجرّي غيره عليه.

(6) لنصوص مستفيضة بين الفريقين:

منها: رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «من سمع النداء فلم يجبه من غير علّة فلا صلاة له» (4).

و صحيح ابن محبوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «همّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلّون في منازلهم و لا يصلّون الجماعة فأتاه رجل أعمى، فقال: يا رسول اللّه أنا ضرير البصر و ربما أسمع النداء و لا أجد من يقودني إلى الجماعة و الصلاة معك، فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: شد من منزلك إلى المسجد حبلا و احضر الجماعة» (5).

ص: 377


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 9.

بالواجبات، ففي الصحيح:

«الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذ- أي الفرد- بأربع و عشرين درجة».

و في رواية زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس و عشرين؟ فقال عليه السلام: صدقوا فقلت: الرجلان يكونان جماعة؟ قال عليه السلام: نعم، و يقوم الرجل عن يمين الإمام».

و في رواية محمد بن عمارة: «قال: أرسلت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن الرجل يصلّي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاته مع جماعة، فقال عليه السلام: الصلاة في جماعة أفضل».

مع أنّه ورد: «أنّ الصلاة في مسجد الكوفة تعدل ألف صلاة- و في بعض الأخبار- ألفين».

بل في خبر: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر، فقال: يا محمد إنّ ربّك يقرؤك السلام و أهدى إليك هديتين لم يهدهما إلى نبيّ قبلك.

قلت: ما تلك الهديتان؟ قال: الوتر ثلاث ركعات، و الصلاة الخمس في جماعة. قلت: يا جبرئيل، ما لأمتي في الجماعة؟ قال: يا محمد، إذا كانا اثنين كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة مائة و خمسين صلاة، و إذا كانوا ثلاثة كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة ستمائة صلاة، و إذا كانوا أربعة كتب اللّه لكلّ واحد ألفا و مائتي صلاة و إذا كانوا خمسة كتب اللّه لكلّ واحد بكلّ ركعة ألفين و أربعمائة صلاة، و إذا كانوا ستة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة أربعة آلاف و ثمانمائة صلاة، و إذا كانوا سبعة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة آلاف و ستمائة

ص: 378

صلاة، و إذا كانوا ثمانية كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة تسعة عشر ألفا و مائتي صلاة، و إذا كانوا تسعة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ثمانية و ثلاثين ألفا و أربعمائة صلاة، و إذا كانوا عشرة كتب اللّه لكلّ واحد منهم بكلّ ركعة ستة و سبعين ألفا و ثمانمائة صلاة. فإن زادوا على العشرة، فلو صارت السماوات كلّها قرطاسا و البحار مدادا و الأشجار أقلاما و الثقلان مع الملائكة كتّابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة.

يا محمد صلّى اللّه عليه و آله تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستين ألف حجة و عمرة، و خير من الدنيا و ما فيها بسبعين ألف مرة.

و ركعة يصلّيها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدق بها على المساكين. و سجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من عتق مائة رقبة».

و عن الصادق عليه السلام: «الصلاة خلف العالم بألف ركعة، و خلف القرشي بمائة».

و لا يخفى أنّه إذا تعددت جهات الفضل تضاعف الأجر (7) فإذا كانت في مسجد السوق الذي تكون الصلاة فيه باثنتي عشرة صلاة يتضاعف بمقداره، و إذا كانت في مسجد القبيلة الذي تكون الصلاة فيه بخمسة و عشرين فكذلك، و إذا كانت في المسجد الجامع الذي تكون الصلاة فيه بمائة يتضاعف بقدره و كذا إذا كانت في مسجد الكوفة الذي بألف، أو كانت عند عليّ عليه السلام الذي فيه بمائتي ألف (8)، و إذا

______________________________

(7) لقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب التي هي من القواعد المعتبرة العقلية، مع أنّه مقتضى سعة فضل اللّه و رحمته غير المتناهية من كلّ جهة.

(8) تقدم الوجه في ذلك كلّه في المسألة الرابعة و ما بعدها من فصل الأمكنة المكروهة.

ص: 379

كانت خلف العالم أو السيد فأفضل، و إن كانت خلف العالم السيد فأفضل، و كلّما كان الإمام أوثق و أورع و أفضل فأفضل، و إذا كان المأمومون ذوي فضل فتكون أفضل، و كلّما كان المأمومون أكثر كان الأجر أزيد (9). و لا يجوز تركها رغبة عنها أو استخفافا بها، ففي الخبر:

«لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد إلا من علّة، و لا غيبة لمن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا. و من رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، و سقطت بينهم عدالته، و وجب هجرانه. و إذا دفع إلى إمام المسلمين أنذره و حذّره، فإن حضر جماعة المسلمين و إلا أحرق عليه بيته» (10).

و في آخر: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام بلغه أنّ قوما لا يحضرون الصلاة في المسجد فخطب فقال: إنّ قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا، فلا يؤاكلونا، و لا يشاربونا، و لا يشاورونا، و لا يناكحونا أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة. و إنّي لأوشك بنار تشعل في دورهم فأحرقها عليهم أو ينتهون. قال: فامتنع المسلمون من مؤاكلتهم و مشاربتهم و مناكحتهم حتّى حضروا لجماعة المسلمين».

______________________________

(9) لأنّ ذلك كلّه من جهات الفضل و الفضيلة بالإجماع و النصوص و تعدد الفضائل و الدرجات بتعدد جهاتها الموجبة لهما مما تحكم به فطرة العقول و سنة الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

(10) هذا من صغريات النهي عن المنكر المشروط بالتسلط التام و بسط اليد لوليّ الأمر، و ليس الزجر منحصرا بالإحراق فقط، بل يصح بكلّ ما اقتضته المصلحة الفعلية من تشديد الأمر عليه زجرا له عن فعله و عبرة لغيره و قد تقتضي المصلحة حبسه أو تخريب الدار أو تغريمه بالمال، لأنّ نظر الإمام و من يقوم مقامه متبع في ذلك كلّه، و له السلطة على تنظيم أمور الشريعة بجميع أحكامها.

ص: 380

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

فمقتضى الإيمان عدم الترك من غير عذر. لا سيّما مع الاستمرار عليه، فإنّه- كما ورد- لا يمنع الشيطان من شي ء من العبادات منعها، و يعرض عليهم الشبهات من جهة العدالة و نحوها حيث لا يمكنهم إنكارها، لأنّ فضلها من ضروريات الدّين (11).

مسألة 1: تجب الجماعة في الجمعة

(مسألة 1): تجب الجماعة في الجمعة، و تشترط في صحتها (12).

و كذا العيدين مع اجتماع شرائط الوجوب (13) و كذا إذا ضاق

______________________________

(11) و هذا الفضل لا يختص بالمأموم بل يشمل الإمام أيضا، بل للإمام فضل زائد على المأموم، كما يأتي في [المسألة 15] من فصل (مستحبات الجماعة و مكروهاتها). فراجع.

(12) للنصوص المتواترة، و إجماع المسلمين الدالة على وجوب الجماعة في الجمعة الظاهرة في أنّ المراد به الوجوب الغيري فلا تصح بدونها.

قال أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن أبي يعفور: «لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة» (1).

و ظهوره في نفي الصحة مع عدم الجماعة مما لم ينكر. و يأتي تفصيل المقام في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

(13) نصوصا و إجماعا. ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:

«من لم يصل مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له و لا قضاء عليه» (2).

و في صحيحه الآخر عنه عليه السلام أيضا: «لا صلاة يوم الفطر و الأضحى إلا مع إمام عادل» (3).

ص: 381


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة العيد حديث: 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة العيد حديث: 1.

الوقت عن تعلم القراءة لمن لا يحسنها مع قدرته على التعلم (14) و أما إذا كان عاجزا عنه أصلا فلا يجب عليه حضور الجماعة (15) و إن كان

______________________________

و غيرهما من الأخبار. و المشهور استحبابها مع اختلال الشرائط جماعة و فرادى، و يأتي التفصيل في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

(14) جزمه رحمه اللّه بالوجوب هنا ينافي ما تقدم منه من الاحتياط في المسألة الثانية و الثلاثين من (فصل القراءة)، مع أنّه لا دليل يعتمد عليه لوجوب الائتمام، لأنّ قراءة الإمام إما بدل عن قراءة المأموم أو مسقط لها، و على الأول لا ينحصر البدل فيها حتّى تتعيّن، لإطلاق صحيح ابن سنان: «لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلّي» (1).

و إطلاقه يشمل صورة القدرة على الائتمام أيضا، و كذا على الثاني أيضا.

لعدم انحصار المسقط بالائتمام، بل نفس العجز أيضا، مسقط، و إن كان آثما في ترك التعلم.

إن قلت: نعم، و لكن صحيح ابن سنان لا يشمل المقصّر فيتعيّن عليه الائتمام بناء على البدلية.

قلت: ظاهر إطلاقه الشمول خصوصا بالنسبة إلى الأعراب في صدر الإسلام فإنّ تعلم القراءة كان أسهل شي ء عليهم، لكونها من لغتهم و لهجتهم فكان الغالب عليهم التقصير.

(15) للأصل، و إطلاق ما تقدم من صحيح ابن سنان، و ما ورد في الأخرس(2)، و سهولة الشريعة، و أنّه لو كان الائتمام واجبا لأشير إليه في خبر من الأخبار، لأنّ المسألة ابتلائية خصوصا بين الأعاجم بالنسبة إلى مخرج الضاد و الطاء- المؤلف- مع إمكان التمسك بإطلاق قوله عليه السلام:

«كلّ ما غلب اللّه عليه فاللّه تعالى أولى بالعذر»(3).

ص: 382


1- الوسائل باب: 3 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 59 من أبواب القراءة في الصلاة.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 16.

أحوط (16). و قد تجب بالنذر و العهد و اليمين (17) و لكن لو خالف صحت

______________________________

و لا فرق فيه بين كونه قراءة الإمام بدلا أو مسقطا، لما مرّ من عدم انحصار البدلية و الإسقاط فيها، مضافا إلى إطلاق مثل صحيح ابن سنان (1)، فإنّه يشمل صورة الانحصار أيضا و ليس من لفظي الإسقاط و البدلية لقراءة الإمام بالنسبة إلى المأموم في الأخبار عين و لا أثر، و ما فيها من قوله عليه السلام: «إنّ الإمام ضامن للقراءة» (2).

و قوله عليه السلام: «إذا كنت خلف إمام فلا تقر أنّ شيئا في الأولتين» (3).

و قوله عليه السلام: «إن كنت خلف إمام تأتم به فأنصت» (4).

و نحو ذلك من التعبيرات و ظهورها في رجحان ترك المأموم للقراءة في الجملة مما لا ينكر، و يمكن أن يستفاد منها أنّه لما كانت للجماعة وحدة اعتبارية في الصلاة فقراءة الإمام قراءة في ذات صلاة الجماعة التي لها وحدة اعتبارية لا أن تكون بدلا مسقطا، فصلاة الجماعة كصلاة الفرادى واجدة للقراءة إماما و مأموما، لمكان وحدتها الاعتبارية، فلا وجه للتعبير بالبدلية و المسقطية، لمكان هذه الوحدة، و حينئذ فمن لم يقدر على القراءة التامة قصورا أو تقصيرا يكون مقتضى إطلاق ما دل على أنّ الناقص مع العجز بمنزلة التام هو الاكتفاء بكلّ ما يقدر عليه كما أنّ له الائتمام، فكما أنّ القادر يكون مخيّرا بين الائتمام و الفرادى يكون العاجز أيضا مخيّرا بين الفرادى و الإتيان بما يقدر عليه و بين الائتمام بلا فرق بينهما من هذه الجهة إلا في الإثم في ترك التعلم في صورة التقصير.

(16) لحسن الاحتياط في جميع الأحوال، و للخروج عن مخالفة من أوجبها في هذا الحال.

(17) لأدلة وجوب الوفاء بها من الكتاب، و السنة، و الإجماع، و يأتي

ص: 383


1- الوسائل باب: 3 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.

الصلاة و إن كان متعمدا، و وجبت حينئذ عليه الكفارة (18).

و الظاهر وجوبها أيضا إذا كان ترك الوسواس موقوفا عليها (19) و كذا

______________________________

التعرض لها في كتاب النذر إن شاء اللّه تعالى.

(18) أما الكفارة، فلوجوبها بالمخالفة كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى و أما صحة الصلاة، فلا إشكال فيها بناء على أنّ الحاصل بالنذر مجرد الحكم التكليفي فقط بلا تقييد شي ء في المنذور أصلا، فإنّه على هذا تكليف خارج عن حقيقة المنذور، و مخالفة التكليف الخارج عن حقيقة الشي ء لا يوجب البطلان بإجماع الأساطين و الأعيان. و أما بناء على حصول ملك أو حق له تعالى في المنذور، فإن كان ذلك المنذور موردا للحق من باب الوصف بحال الذات، فيمكن الخدشة في الصحة، لأنّه حينئذ تصرف في متعلق حق الغير من دون إحراز رضاه.

و يمكن الجواب عن الخدشة بأنّها واردة إن ثبت أنّ هذا الحق على فرض تحققه من سنخ بعض الحقوق الخاصة كتعلق حق المالك بعمل عبده، أو المستأجر بعمل الأجير الخاص. و أما لو كان من سنخ تعلق حق الموعود له بمن وعده بالنسبة إلى الوفاء بالوعد فلا محذور في البين. و أما إن كان مورد الحق من باب الوصف بحال المتعلق بمعنى أنّه لو خالف عمدا تتعلق به الكفارة، فلا وجه للبطلان أصلا و الشك في أنّ كيفية تعلق النذر من أيّ الأقسام يكفي في جريان أصالة الصحة في العمل، و المسألة معروفة بالإشكال فيما إذا كان المنذور عينا خارجيا، فكيف بما إذا كان عملا قائما بالعامل.

ثمَّ إنّه رحمه اللّه أفتى بصحة الصلاة هنا مع مخالفة النذر و يأتي منه رحمه اللّه الإشكال في صحة الصوم مع المخالفة في [المسألة 7] من أول كتاب الصوم مع أنّ المسألتين من باب واحد فراجع.

(19) لأنّ الوسوسة من الشيطان و ترك إطاعة الشيطان واجبة. أما الصغرى، فلقول الصادق عليه السلام حيث قيل له عليه السلام: «رجل مبتلى

ص: 384

إذا ضاق الوقت عن إدراك الركعة (20)، بأن كان هناك إمام في حال الركوع، بل و كذا إذا كان بطيئا في القراءة في ضيق الوقت (21)، بل لا يبعد وجوبها بأمر أحد الوالدين (22).

______________________________

بالوضوء و الصلاة، و قلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: و أيّ عقل له و هو يطيع الشيطان، فقلت له: و كيف يطيع الشيطان؟ فقال عليه السلام: سله هذا الذي يأتيه من أيّ شي ء هو؟ فإنّه يقول لك: من عمل الشيطان (1)، و قد ورد في نواقض الوضوء (2) و السهو في الصلاة (3) ما يشهد له أيضا. و أما الكبرى فهو من المسلّمات، بل الضروريات بين المسلمين.

(20) لتمكنه حينئذ من إدراك الركعة فيجب عليه الأداء و لا يصح له التفويت. و يمكن الخدشة فيه: بأنّ المراد بالتمكن ما كان بالعنوان الأولي و بحسب طبع المكلّف لا الجهات الخارجية، و يصدق عدم التمكن بالعنوان الأولي بالنسبة إليه، و مثله ما إذا كان في محلّ لا يدرك فيه ركعة من الوقت و أمكنه بالسهولة أن يذهب إلى محلّ يدرك فيه تمام الصلاة أو ركعة فيها في الوقت.

و الظاهر عدم التزامهم بوجوب الذهاب إليه، و كذا لو لم يقدر في محله على الصوم و قدر عليه في محلّ آخر و كان الذهاب إليه سهلا عليه.

(21) الكلام فيه عين الكلام في سابقة من غير فرق.

(22) لا ريب في أنّ وجوب إطاعتهما في الجملة من الضروريات الشرعية بل المسلّمات العقلائية و إنّما الكلام في بيان مقدار الواجب منها، فإنّ لها مراتب:

منها: ما إذا انطبق على تركها العقوق، و للعقوق أيضا مراتب كثيرة لأنّ أدنى العقوق أن يقال لهما أف.

و منها: ما إذا انطبق على تركها الإيذاء عرفا.

ص: 385


1- الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 5.
3- الوسائل باب: 20 و 21 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

مسألة 2: لا تشرع الجماعة في شي ء من النوافل

(مسألة 2): لا تشرع الجماعة في شي ء من النوافل (23)

______________________________

و منها: ما إذا لم ينطبق على تركها شي ء منهما. و المسألة بحسب الأصل العملي من موارد الأقل و الأكثر فإن كان ترك الإطاعة من العقوق المحرّم أو الإيذاء المحرّم من الشفقة تجب و إلا فمقتضى الأصل عدمه و هكذا بحسب المتيقن من الإجماع و السيرة.

و أما الأدلة اللفظية فقد قال اللّه تعالى وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلّٰا تَعْبُدُوا إِلّٰا إِيّٰاهُ وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً (1).

و قال أبو عبد اللّه عليه السلام في خبر أبي ولاد: «بأن يحسن صحبتهما و أن لا يكلّفهما أن يسألاه شيئا مما يحتاجان إليه و إن كانا مستغنيين» (2).

فظهورها في الأخلاقيات مما لا ينكر فراجع تمام الآية الكريمة و تمام الروايات خصوصا قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إن أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فافعل فإنّ ذلك من الإيمان (3)».

و الظاهر عدم التزام الفقهاء بالوجوب في هذه الموارد خصوصا إن كان الأمر اقتراحيا محضا و لعلّ الأولى ترك التعرض لتفصيل مثل هذه المسائل و الاحتياط في جميع فروعها، و قد أفتى في الجواهر بوجوب إطاعتهما في أوامرهما الصادرة عن شفقتهما، و لعلّه لأجل أنّ المخالفة حينئذ إيذاء محرّم و ترك المسألة على إهمالها و إجمالها في فروعها الابتلائية في أبواب الفقه كما أجمله اللّه تعالى و خلفاؤه المعصومون أحسن و أولى، و لو نهى الزوج زوجته عن الخروج إلى الجماعة يأتي حكمه فيما يتحقق به النشوز في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى.

(23) للإجماع، و النصوص:

منها: قول الرضا عليه السلام: «لا يجوز أن يصلى تطوع في جماعة لأنّ

ص: 386


1- سورة الإسراء: 23.
2- الوسائل باب: 92 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 1.
3- الوسائل باب: 92 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 4.

الأصلية و إن وجبت بالعارض بنذر أو نحوه (24)، حتّى صلاة الغدير على

______________________________

ذلك بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النار» (1).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «و اعلموا أنّه لا جماعة في نافلة» (2).

و أما صحيح هشام: «عن المرأة تؤم النساء قال عليه السلام: تؤمهنّ في النافلة فأما المكتوبة فلا» (3).

فيمكن حمله على الإمامة لأجل تعليم الصلاة لا لتحقق الجماعة إذ الجماعة في النافلة لم تكن معهودة عند النساء في كلّ عصر.

كما أنّ صحيح عبد الرحمن: «صلّ بأهلك في رمضان الفريضة و النافلة، فإنّي أفعله» (4).

يمكن إرادة مطلق الاجتماع للصلاة في البيت لا الجماعة الاصطلاحية و إلا لكان مخالفا لما دل على أنّ الجماعة في نافلة شهر رمضان بدعة (5)، هذا مضافا إلى أصالة عدم ترتب آثار الجماعة بعد ورود النهي عن الجماعة فيها.

(24) لإطلاق كون الجماعة في النافلة بدعة الشامل لهما أيضا، مضافا إلى أصالة عدم ترتب آثار الجماعة، و احتمال انصراف إطلاق أنّ الجماعة في النافلة بدعة إلى النافلة الفعلية من كلّ جهة خلاف ظاهر الإطلاق الوارد في مقام جعل القاعدة الكلية.

و فيه: أنّ ظهور النافلة فيما هو المعهود منها بين المتشرعة مما لا ينكر، و مورد تشديد الأئمة عليهم السلام إنّما هو النوافل المعهودة دون المنذورة، و أصالة عدم ترتب الأثر محكومة بإطلاقات أدلة الجماعة كما تأتي الإشارة إليها فيما كانت

ص: 387


1- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب نافلة شهر رمضان حديث: 6.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 13.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب نافلة شهر رمضان.

الأقوى (25) ....

______________________________

فريضة بالذات ثمَّ صارت نافلة كالعيدين أو بالعكس كالمنذورة خارجة عن هذا الحكم.

(25) لإطلاق ما تقدم من أنّ الجماعة في النافلة بدعة، و لأصالة عدم ترتب الأثر. و عن جمع جوازها فيها، لمرسل أبي الصلاح روى استحباب الجماعة فيها (1)، و عن بعض نسبة فعل الجماعة فيها إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لكن كلّ منهما غير ثابت بوجه يمكن الاعتماد عليهما.

إن قلت: نعم، و لكن بقاعدة التسامح في أدلة السنن تثبت الشرعية فيها.

قلت: يكفي في عدم صحة التمسك بالقاعدة الشك في جواز التمسك بها في أمثال المقام الذي يكون الحكم مخالفا للأصل و لإطلاق ما دل على أنّ الجماعة في النافلة بدعة، و ما دل على وجوب القراءة، لأنّه حينئذ يكون من التمسك بدليل القاعدة و هو من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و هو غير جائز، فيرجع إلى أصالة عدم سقوط القراءة و عدم ترتب الأثر على الجماعة، فتعتبر في مورد التمسك بقاعدة التسامح ما إذا لم يكن في البين دليل معتبر على الخلاف و لا بد من الإشارة إلى أمور:

الأول: الجماعة و الاجتماع من الأمور العرفية المتحققة في جملة من الموارد- كالدرس و الوعظ و الإرشاد و العبادة و نحو ذلك مما يطلب فيها الاجتماع- و ليست من الحقائق الشرعية و لا المتشرّعة و لا يختص الاجتماع للعبادة بالشريعة المقدسة الإسلامية، بل يكون في جميع الأديان التي يعبدون معبودا- سماوية كانت الأديان أو غيرها- و ذلك واضح لكلّ من راجع معابد الأديان في شرق الأرض و غربها خصوصا معابد اليهود و النصارى في بيت المقدس و غيره نعم، كيفية اجتماعاتهم و خصوصياتها مختلفة، فكلّ مورد حكم العرف فيه بتحقق الجماعة

ص: 388


1- المقنعة ص: 34 من الطبعة الحجرية.

.....

______________________________

و الاجتماع يترتب عليه الحكم الشرعي إلا إذا ورد تحديد شرعي لذلك. و هذا باب يفتح منه أبواب في هذا الأمر العام البلوى.

الثاني: يظهر منهم أنّ الأصل عدم ترتب آثار الجماعة إلا في المتيقن من مورد الأدلة و وافقناهم في هذا الأصل في جملة من الفروع.

و عندي في هذا الأصل إشكال، لأنّ مورده منحصر بتحمل الإمام للقراءة، و رجوع كلّ من الإمام و المأموم إلى الآخر في الشك، و وجوب متابعة المأموم للإمام و اغتفار زيادة الركوع سهوا للمتابعة.

و الأول: محكوم بإطلاق ما ورد من «أنّ الإمام ضامن للقراءة» (1) و هو يشمل كلّ مورد تحققت فيه الجماعة عرفا، لما مرّ من أنّها من المفاهيم العرفية ما لم يرد نصّ على الخلاف، فلا بد من البحث عما يدل على الخلاف لا عن إثبات الموضوع.

و بعبارة أخرى: لا بد و أن يمحض البحث عن إثبات المانع لا عن وجود المقتضي، و الثاني: من الأمور الفطرية في كلّ مجمع و مجتمع، لأنّ آحاد المجمع و المجتمع لو شك فيما يتعلق بذلك المجمع و المجتمع يرجع إلى الحافظ منهم و هذا نحو أمارة عرفية محاورية لزوال الشك. و مع هذه الأمارة العرفية الدائرة كيف يجري الأصل، مضافا إلى النصوص الواردة التي تقرّ هذه الأمارة العرفية، فلا يبقى موضوع لقولهم: «الجماعة مخالفة للأصل» لا بالنسبة إلى القراءة و لا بالنسبة إلى الرجوع، فلا أصل لهذا الأصل مطلقا. و الثالث: من اللوازم العرفية لهذا الاجتماع للعبادة موضوعه الاجتماع العرفي لعبادة خاصة و ليس أمرا تعبديا، و كذا الأخير إنّما يكون موضوعه الأمر العرفي فهو ثابت بدليل شرعيّ لموضوع عرفيّ.

إن قيل: جميع خصوصيات الجماعة ثبتت بدليل شرعي، فلا وجه لدعوى كونها من الأمور العرفية. يقال: لا منافاة بين كون الخصوصيات شرعية و لكنّها

ص: 389


1- الوسائل باب: 30 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

.....

______________________________

ثبتت في موضوع عرفيّ و له نظائر كثيرة في الفقه- كالسفر و الحيض و الاستحاضة و النظافة و القذارة و غيرها- مما لا يخفى.

إن قيل: فما الثمرة في التأكيد بأنّ الموضوع عرفيّ.

يقال: تظهر الثمرة- في كلّ مورد لم يرد فيه تحديد خاص شرعي، أو ورد، لكنه معارض أو مجمل- في الرجوع إلى الصدق العرفي، فيترتب عليه حينئذ أحكام الجماعة، لوجود المقتضي و فقد المانع.

الثالث: عن جمع من متأخري المتأخرين أنّه لا إطلاق في أدلة الجماعة يرجع إليه في نفي القيود المشكوكة، فيكون المرجع حينئذ أصالة عدم ترتب الأثر فيما ليس فيه دليل معتبر، لأنّ الإطلاقات الواردة فيها إنّما تكون في مقام أصل التشريع و ترتب الثواب و ما هذا حاله لا يعتمد عليه في نفي القيود المشكوكة كما ثبت في محلّه و قد بنينا على هذا المبنى في المباحث السابقة و رتبنا عليه الفروع إلى أن ظهر خلافه:

أولا: بأنّ هذا الموضوع العام البلوى في جميع الأزمنة و الأمكنة لا يقصر عن نفس الصلاة و سائر العبادات التي فيها مطلقات و مقيدات، بل أولى بأن يهتمّ به من هذه الجهة و لا يوكل أمره إلى التمسك بالأصل، لأنّهما من أهمّ العبادات الاجتماعية الابتلائية في كلّ يوم و ليلة للمسلمين و لا بد أن يسهل الأمر فيه كما هو عادة الشرع في مثل هذه الأمور و نحن نتعرض لجملة من إطلاقات روايات الباب حتّى يتضح الأمر:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «الصلاة في جماعة تفضل على كلّ صلاة الفرد» (1).

و قوله عليه السلام: «من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له» (2).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من صلّى الخمس في جماعة فظنوا به خيرا» (3).

ص: 390


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.

.....

______________________________

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا صلاة لمن لم يصلّ في المسجد مع المسلمين إلا من علة» (1).

و قوله عليه السلام: «من صلّى الغداة و العشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمة اللّه عزّ و جل» (2).

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الاثنان فما فوقها جماعة» (3).

و قوله عليه السلام: «يؤخر و يصلّي بأهل مسجده إذا كان الإمام» (4).

و في رواية عمر بن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المسافر يصلّي مع الإمام فيدرك من الصلاة ركعتين، أ يجزي ذلك عنه؟ فقال:

نعم»(5).

و عن أبي جعفر عليه السلام: «المرأة تصلّي خلف زوجها الفريضة و التطوّع و تأتم به في الصلاة» (6).

و عن أمير المؤمنين عليه السلام: «كنّ النساء يصلّين مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فكنّ يؤمرن أن لا يرفعن رؤوسهنّ قبل الرجال لضيق الأزر» (7).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «إن سرّكم أن تزكو صلاتكم فقدّموا خياركم»(8).

و قوله عليه السلام: «من صلّى بقوم و هو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة و ليس عليهم أن يعيدوا و ليس عليه أن يعلمهم» (9).

ص: 391


1- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 7.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
7- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.
8- الوسائل باب: 26 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
9- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

.....

______________________________

و عن أبي جعفر عليه السلام: «لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة، بل ينبغي له أن ينويها (صلاة) و إن كان قد صلّى فإنّ له صلاة أخرى» (1).

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «أنّه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة، فقال: يركع قبل أن يبلغ القوم و يمشي و هو راكع حتّى يبلغهم» (2).

و عنه عليه السلام: «إذا جاء الرجل مبادرا و الإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة و الركوع، و من أدرك الإمام و هو ساجد كبّر و سجد معه و لم يعتد بها، و من أدرك الإمام و هو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة» (3).

و عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «أصلّي ثمَّ أدخل المسجد فتقام الصلاة و قد صلّيت فقال عليه السلام: صلّ معهم، يختار اللّه أحبّهما إليه» (4).

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «صلّ بهم صلاة أضعفهم، و كن بالمؤمنين رحيما» (5).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به فإذا كبّر فكبّر» (6).

و عنه عليه السلام: «لا بأس بالصلاة في جماعة في السفينة»(7).

ص: 392


1- الوسائل باب: 39 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 54 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 10.
5- الوسائل باب: 69 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.
6- راجع كنز العمال ج: 4 ص 228 و مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجماعة.
7- الوسائل باب: 73 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

.....

______________________________

إلى غير ذلك من الإطلاقات التي لا تحصى و سياقها سياق الترخيص، و التسهيل، و الامتنان بكلّ وجه أمكن في هذا الأمر المهم الإسلامي بحيث لا يكون لأحد عذر في ترك الجماعة، و قلّما ورد في الأحكام إطلاقات و ترخيصات بمثل ما ورد في هذا الأمر المتكرر في كلّ يوم و ليلة مرات.

إن قيل: نعم، و لكن لا يصح التمسك بهذه الإطلاقات لنفي شرطية شي ء فيها، لعدم ورودها في مقام البيان من هذه الجهة.

يقال: الإطلاقات الواردة في شي ء لها حالات ثلاث: إحراز الورود في مقام البيان من كلّ حيثية و جهة، و إحراز الإهمال و الإجمال، و عدم الإحراز لشي ء من القسمين. و مقتضى المحاورات صحة التمسك بالإطلاقات في القسم الأخير خصوصا في الأمور الابتلائية العامة البلوى لسواد الناس سيّما في المجعولات الأبدية.

و بعبارة أخرى: إحراز التقييد أو الإجمال مانع عن التمسك بالإطلاق، و إلا فمقتضى الأصل المحاوري كون المتكلّم في مقام البيان مطلقا، فجميع ما تعرّضنا له من الإطلاقات و ما لم نذكر منها كدليل واحد في نفي كلّ ما شك في اعتباره في الجماعة و يأتي بقية الكلام فيما يناسب المقام.

الرابع: الجماعة تنقسم- حسب انقسام الأحكام الخمسة- فالواجبة كما في الجمعة و العيدين، و المندوبة كما في الفرائض اليومية، و الحرام كما في النوافل، و المكروهة كائتمام المسافر بالحاضر و نحو ذلك، و المباحة كما إذا لم يقصد القربة في الجماعة مع تحقق قصدها في أصل الصلاة.

الخامس: من تأمل في مذاق الشارع و ما وصل منه إلينا في الترغيب إلى اجتماع المسلمين و الاهتمام به يطمئن بأنّ الاجتماع في العبادات التي أهمّها الصلاة مطلوب لدى الشارع و إنّما خرجت النافلة عن ذلك لمصلحة، لأنّ الإسرار في المندوبات كما ذكر مرارا أفضل من إعلانها و في غير المتيقن من النافلة يشمله إطلاقات الترغيب إلى الجماعة.

ثمَّ إنّ المنساق مما يدل على أنّ الجماعة في النافلة بدعة: الحرمة الوضعية و التكليفية، فتبطل الصلاة مع الإثم هذا إذا أتى بها بقصد الأمر و ترتب الأثر. و أما

ص: 393

إلّا في صلاة الاستسقاء (26)، نعم، لا بأس بها فيما صار نفلا بالعارض، كصلاة العيدين (27) مع عدم اجتماع شرائط الوجوب و الصلاة المعادة جماعة (28) و الفريضة المتبرّع بها عن الغير (29)، و المأتي بها من جهة الاحتياط الاستحبابي (30).

______________________________

لو أتى بالنافلة مع الجماعة رجاء و بلا قصد الأمر في أصل الجماعة و قصد الأمر الصلاتي فقط و لم يترتب أثر الجماعة من ترك القراءة و نحوه ففي البطلان و الإثم إشكال، بل منع خصوصا مع الجهل.

(26) نصوصا كثيرة، و إجماعا من الأمة ففي صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن صلاة الاستسقاء، فقال: مثل صلاة العيدين يقرأ فيها و يكبّر فيها كما يقرأ و يكبّر فيها، يخرج الإمام و يبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسكنة- الحديث-» (1).

(27) يأتي التفصيل في (فصل صلاة العيدين) إن شاء اللّه تعالى.

(28) يأتي التفصيل في [المسألة 19] من (فصل في مستحبات الجماعة و مكروهاتها).

(29) لأدلة مشروعية الجماعة في الفريضة الشاملة لها أيضا، لأنّها فريضة بالذات و ليس التبرع إلا من العناوين الطارئة كإتيان الفريضة في المسجد- مثلا- هذا إذا كانت ذمة الغير مشغولة بالفريضة و أما في غيره، فيأتي الكلام فيه. ثمَّ إنّ الغير إما أن يكون شخصا معينا أو مرددا في محصور أو غير محصور و الظاهر صحة التبرع في الجميع، لأنّه من الإحسان المحض كما أنّ الظاهر صحة الجماعة في الجميع أيضا، لصحة إطلاق الفريضة على الجميع.

(30) المأتي به احتياطيا على أقسام:

الأول: كون صلاة الإمام فريضة واقعية و من المأموم احتياطيا وجوبيا،

ص: 394


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الاستسقاء حديث: 1.

.....

______________________________

و مقتضى صحة إطلاق الفريضة شمول إطلاق أدلة الجماعة لها، و كذا مقتضى استصحاب بقاء الوجوب صحة الائتمام و ترتب آثار الجماعة، و ليس المراد بالفريضة الفريضة الواقعية النفس الأمرية بل الأعمّ منها و مما تكون فريضة بحسب ظاهر الشرع كما في سائر الواجبات و الفرائض الشرعية التي هي أعمّ من الواقعية و الظاهرية، و لا وجه بعد ذلك للرجوع إلى أصالة عدم ترتب الأثر، لعدم مجرى لها مع الاستظهارات الاجتهادية.

الثاني: كون صلاة الإمام فريضة أعمّ من الواقعية و الظاهرية و صلاة المأموم احتياطية استحبابية و يصح الاقتداء أيضا، لأنّها إما فريضة واقعية أم لا، و على الأول: يصح ترتب آثار الجماعة، و على الثاني: تكون لغوا، فيصح للمأموم ترتيب الأثر و أما الإمام، فأشكل بعدم ترتب الأثر لاحتمال كون صلاة المأموم لغوا فلا موضوع للأثر حينئذ. و فيه: أنّه لا موضوعية لصلاة المأموم في رجوع الإمام إليه في شكه و إنّما المناط كلّه حفظه كما في الحديث:

«ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه» (1).

فمهما تحقق الحفظ يصح الرجوع اتحدت الصلاة أم لا.

الثالث: كونهما احتياطيتين وجوبيتين و مقتضى استصحاب بقاء الأمر صحة الاقتداء و يترتب الأثر من الطرفين.

الرابع: كونهما احتياطيتين استحبابيتين و يصح الاقتداء فيه أيضا، لأنّهما إن كانتا فريضتين تترتب آثار الجماعة قهرا و إلا فتكون لغوا، و يظهر من الماتن رحمه اللّه الجواز في هذا القسم و يأتي منه رحمه اللّه الإشكال فيه في [المسألة 7] من (فصل مستحبات الجماعة).

الخامس: كون صلاة الإمام احتياطية وجوبية و صلاة المأموم استحبابية.

السادس: عكس ذلك و قد ظهر ممّا مرّ جواز أصل الاقتداء في الصورتين، لكن يشكل ترتب آثار الجماعة من الإمام بالنسبة إلى صلاة المأموم في الصورة الأولى كما يشكل العكس في الصورة الثانية، لاحتمال عدم الأمر بالنسبة إليهما.

ص: 395


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 8.

مسألة 3: يجوز الاقتداء في كلّ من الصلوات اليومية بمن يصلّي الأخرى

(مسألة 3): يجوز الاقتداء في كلّ من الصلوات اليومية بمن يصلّي الأخرى أيا منها كانت (31)، و إن اختلفا في الجهر

______________________________

و فيه: أنّ صحة الجماعة لا تتوقف على تحقق كون موردها فريضة واقعية و في علم اللّه تعالى، بل ما يمكن أن تتصف بها و لو بحسب الظنون الاجتهادية و الموازين الظاهرية الفقهية جزمية كانت أو احتياطية، فالفريضة الواقعية و جميع أطوارها الظاهرية تشرع فيها الجماعة إلا ما خرج بنص معتمد أو إجماع معتبر، و ذلك كلّه، لإطلاق قوله عليه السلام:

«و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها و لكنّها سنة من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة، فلا صلاة له» (1).

و أيّ إطلاق أجلي و أولى من هذا الذي سيق مساق جعل القاعدة الكلية للشكل الأول البديهي الإنتاج فيقال: هذه صلاة و كلّ صلاة يكون الاجتماع فيها سنة، فهذه يكون الاجتماع فيها سنة. نعم، لا ريب في انصرافه إلى اليومية، و لكن قد ثبت في محلّه أنّ الانصراف الذي يكون منشأه غلبة الوجود لا اعتبار به.

السابع: أن تكون صلاة المأموم فريضة واقعية و صلاة الإمام احتياطية وجوبية أو استحبابية، و يظهر حكمهما مما سبق، و يأتي في [المسألة 7 و 19] من (فصل مستحبات الجماعة) ما ينفع المقام فراجع.

(31) للإجماع، و النص، و السيرة، ففي صحيح حماد عن الصادق عليه السلام:

«عن رجل إمام قوم، فصلّى العصر و هي لهم الظهر، فقال عليه السلام: أجزأت عنه و أجزأت عنهم» (2).

و الظاهر بل المعلوم أنّ ذكر الظهر و العصر من باب المثال، فيشمل الجميع، مضافا إلى كفاية ما مرّ من قوله: «ليس الاجتماع بمفروض في

ص: 396


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

و الإخفات (32)، و الأداء و القضاء (33). و القصر و التمام (34)، بل

______________________________

الصلوات كلّها، و لكنّها سنة» (1).

(32) لإطلاق خبر ابن عمار عن الصادق عليه السلام، «تقام الصلاة و قد صلّيت قال عليه السلام: صلّ و اجعلها لما فات» (2).

و خبر البصري عنه عليه السلام أيضا: فيمن نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة أخرى قال عليه السلام: و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمَّ صلّى المغرب ثمَّ صلّى العتمة بعدها» (3).

مضافا إلى ظهور الإجماع.

(33) إجماعا، و نصوصا: منها: ما تقدم في خبري البصري و ابن عمار و يشهد له الاستصحاب، و إطلاق ما دل على استحباب الجماعة في اليومية الشامل للقضاء و الأداء سواء كان المأموم قاضيا و الإمام مؤديا، أو بالعكس و قاعدتي كلّما يجري على الأداء يجري على القضاء إلا ما خرج بالدليل، و أنّ كلّ ما يجوز فيه الائتمام يصح فيه الإمامة و بالعكس إلا ما خرج بالدليل، و هما من المسلمات الفقهية، بل تعد من ضروريات الفقه، و لا فرق فيه بين كون القضاء عن النفس أو عن الغير ولاية أو تبرعا أو بالإجارة. نعم، لو كان القضاء احتياطيا يجري فيه إشكال أنّه لا بد في مورد الاقتداء أن يكون من الفريضة الواقعية و قد أجبنا عنه مرارا.

(34) للنص و الإجماع، و السيرة قال الصادق عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم، و إن صلّى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر و الأخيرتين العصر» (4).

ص: 397


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 55 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 63 من أبواب المواقيت حديث: 2.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

و الوجوب و الندب (35)، فيجوز اقتداء مصلّي الصبح أو المغرب أو العشاء بمصلّي الظهر أو العصر، و كذا العكس و يجوز اقتداء المؤدّي بالقاضي و العكس و المسافر بالحاضر و العكس، و المعيد صلاته بمن لم يصل و العكس (36)، و الذي يعيد صلاته احتياطا- استحبابيا أو وجوبيا- بمن يصلّي وجوبا (37).

نعم يشكل اقتداء من يصلّي وجوبا بمن يعيد احتياطا و لو كان وجوبيا (38)،

______________________________

و عنه عليه السلام في الموثق: «لا يؤم الحضري المسافر، و لا المسافر الحضري فإن ابتلى بشي ء من ذلك فأمّ قوما حضريين فإذا أتمّ الركعتين سلّم ثمَّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمهم، و إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين و يسلّم، و إن صلّى معهم الظهر فليجعل الأولتين و الأخيرتين العصر» (1).

و صدره محمول على الكراهة كما يأتي تفصيله في (فصل مستحبات الجماعة و مكروهاتها).

(35) لما تقدم من الأقسام الستة في موارد الاحتياط الاستحبابي و الوجوبي، و كذا في الصلاة المعادة جماعة راجع [المسألة 19] من آخر صلاة الجماعة.

(36) لتسالم الأصحاب على كلّ ذلك، بل لا يبعد أن يعدّ من ضروريات الفقه في هذه الأعصار.

(37) تقدم ما يتعلق بهما في القسم الأول و الثاني من الأقسام المذكورة في المسألة السابعة فراجع.

(38) وجه الإشكال عدم إحراز كون صلاة الإمام فريضة واقعية حتّى يصح الاقتداء فيها. و الجواب ما مرّ من صحة الاكتفاء بمطلق الوجوب و لو كان من جهة

ص: 398


1- الوسائل باب: 18 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.

بل يشكل اقتداء المحتاط بالمحتاط (39)، إلا إذا كان احتياطهما من جهة واحدة (40).

مسألة 4: يجوز الاقتداء في اليومية أيا منها كانت أداء أو قضاء بصلاة الطواف

(مسألة 4): يجوز الاقتداء في اليومية أيا منها كانت أداء أو قضاء بصلاة الطواف كما يجوز العكس (41).

______________________________

الظنون الاجتهادية أو قاعدة الاشتغال، أو استصحاب بقاء الأمر الأول، لبناء أحكام الفقه على ذلك كلّه من أول الفقه إلى آخره و لا خصوصية للجماعة حتّى يكون مدارها على الفريضة الواقعية إلا دعوى أنّها مخالفة للأصل و أنّه لا إطلاق لها في البين و قد مرّ ما يتعلق بهما في التنبيهات فراجع.

(39) وجه الإشكال أصالة عدم ترتب الأثر إن كان الاحتياط وجوبيا و أصالة بقاء اشتغال الذمة فيما لو أتى بشي ء يخالف صلاة المنفرد، و أصل هذا الإشكال- كما تقدم- مبنيّ على عدم ثبوت إطلاق في البين حتّى تصل النوبة إلى الأصل و قد تقدم ثبوته و على فرض عدم ثبوت الإطلاق اللفظي فالإطلاق الحالي و المقامي ثابت مطلقا لأنّ إعادة الفريضة احتياطا من شؤون نفس الفريضة عند المتشرعة فيعمّها كلّ ما للفريضة من الآداب و الأحكام.

(40) لأنّها حينئذ من الاقتداء في أصل الفريضة بنظر المتشرعة، بل بحسب الأنظار العرفية أيضا، لأنّ المعاد عين المبتدإ عندهم و بالعكس.

(41) عن جمع التشكيك في صحة الجماعة في صلاة الطواف مطلقا سواء اقتدى فيها بمن يصلي الطواف أم اليومية أم بالعكس. و عمدة الوجه أصالة عدم تحمل الإمام القراءة، و أصالة عدم المشروعية، و أصالة عدم ترتب آثار الجماعة و لا دليل لهم غير هذه الأصول، و أنّه لو كانت مشروعة لشاع، لعموم الابتلاء بها.

و الكل مردود: أما الأصول، فلإطلاق قوله عليه السلام: «الإمام ضامن للقراءة» (1).

ص: 399


1- الوسائل باب 30 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

مسألة 5: لا يجوز الاقتداء في اليومية بصلاة الاحتياط

(مسألة 5): لا يجوز الاقتداء في اليومية بصلاة الاحتياط (42)

______________________________

المنساق منه أنّ كلّ ما تحقق ائتمام و اقتداء عرفي يتحمل الإمام قراءة المأموم إذ الائتمام و الاقتداء من الموضوعات العرفية التي حددها الشارع بحدود و قيود و ما لم يرد فيه تحديد و تقييد منه يرجع إلى العرف، و يأتي أنّ المناط في رجوع الإمام إلى المأموم أو العكس في الشك إنّما هو تحقق الحفظ عن أحدهما للآخر و مهما تحققت هذه الجهة يصح الرجوع فلا موضوع، لأصالة عدم ترتب الأثر.

و أما عدم شيوع الجماعة في صلاة الطواف للشيعة، لوجود المانع من التقية و نحوها، مع أنّه ربّ جائز غير شائع هذا كلّه مضافا إلى إطلاق قوله عليه السلام:

«الصلاة فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلّها و لكنّه سنة» (1).

فإنّ إطلاقه يشمل صلاة الطواف أيضا.

و أشكل عليه تارة: بانصرافها إلى اليومية. و أخرى: بأنّه لا بد من تقييد قوله: «الصلوات المفروضة» باليومية إذ ليس كلّ الصلوات بمفروضة.

و يرد الأول بأنّ الانصراف الذي منشأه غلبة الوجود لا اعتبار به. و الثاني بأنّ القضية انحلالية في الواقع يعني أنّ الصلاة و إن كانت واجبة لكن الاجتماع فيها ليس بواجب و تنطبق قهرا على الصلوات الواجبة يومية كانت أو غيرها. هذا مضافا إلى أنّ إطلاق قولهم رحمهم اللّه يجوز اقتداء المفترض بالمفترض يشمل المقام أيضا، مع أنّ السبر و التقسيم في الصلوات الواجبة يقتضي ذلك أيضا.

و أما ما عن بعضهم من التمسك للجواز بقاعدة التسامح فقد تقدم ما فيه. ثمَّ إنّ طريق الاحتياط أن يقتدى بصلاة الطواف رجاء و يؤتى بالقراءة فيها كذلك أيضا، فإنّ دليل حرمة القراءة على المأموم فيما إذا كانت صلاة الإمام جهرية لا يشملها.

(42) لما فيها من مراعاة جهة النافلة كالاستقلال بالنية مستقلا و تكبيرة

ص: 400


1- تقدم مصدره في صفحة: 396.

في الشكوك. و الأحوط ترك العكس- أيضا- و إن كان لا يبعد الجواز (43)، بل الأحوط ترك الاقتداء فيها و لو بمثلها (44) من صلاة الاحتياط حتّى إذا كانت جهة الاحتياط متحدة، و إن كان لا يبعد الجواز في خصوص صورة الاتحاد كما إذا كان الشك الموجب للاحتياط مشتركا بين الإمام و المأموم (45).

مسألة 6: لا يجوز اقتداء مصلّي اليومية أو الطواف بمصلّي الآيات أو العيدين أو صلاة الأموات

(مسألة 6): لا يجوز اقتداء مصلّي اليومية أو الطواف بمصلّي الآيات أو العيدين أو صلاة الأموات. و كذا لا يجوز العكس، كما أنّه لا يجوز اقتداء كلّ من الثلاثة بالآخر (46).

مسألة 7: الأحوط عدم اقتداء مصلّي العيدين بمصلّي الاستسقاء

(مسألة 7): الأحوط عدم اقتداء مصلّي العيدين بمصلّي

______________________________

الإحرام و قراءة الفاتحة، فيشمل من هذه الجهة دليل عدم تشريع الجماعة لها أصلا و عكسا.

(43) لتغليب الشارع جهة جزئية اليومية عليها، فتكون ركعة من الفريضة يجري عليها حكمها كما يأتي في [المسألة 1] من (فصل صلاة الاحتياط) و تكفي هذه الجهة في شمول أدلة الجماعة لها، مع أنّها إما من اليومية، فتصح الجماعة فيها قطعا أو من النافلة، فتكون لغوا و لا يلزم محذور في البين، و طريق الاحتياط أن يقتدي رجاء و يقرأ القراءة كذلك و لا فرق فيه بين الأصل و العكس.

(44) الكلام فيه عين الكلام فيما تقدم من غير فرق. و منشأ البطلان لحاظ جهة التنفل و منشأ الصحة ملاحظة جزئية اليومية و تغليبها.

(45) لأنّها حينئذ إن كانت فريضة اليومية فتشملها الأدلة و إن كانت نافلة تقع الجماعة لغوا فيها، و الأحوط أن يقرأ المأموم الفاتحة رجاء و يصح أن يرجع الإمام إليه لو حصل له شك و كذا المأموم، لما مرّ.

(46) لظهور الإجماع على ذلك كلّه، بل عدّ ذلك من بديهيات الفقه و لو لا ذلك لأمكنت المناقشة في بعض ما ذكر.

ص: 401

الاستسقاء و كذا العكس و إن اتفقا في النظم (47).

مسألة 8: أقلّ عدد تنعقد به الجماعة- في غير الجمعة و العيدين- اثنان

(مسألة 8): أقلّ عدد تنعقد به الجماعة- في غير الجمعة و العيدين- اثنان، أحدهما الإمام (48)، سواء كان المأموم رجلا أم

______________________________

(47) مقتضى ظاهر الفتاوى جواز الائتمام فيهما. و كذا ظاهر النصوص صحة الاقتداء في متحد الكمية و الكيفية، و منشأ الإشكال أصالة عدم ترتب الأثر بعد عدم إطلاق في البين، و عدم وصول الفتاوى إلى حدّ الإجماع المعتبر، و قد تقدم مرارا وجود الإطلاق فلا وجه لجريان الأصل حينئذ، و الحق أنّ هذه الفروع غير منقحة لديهم.

(48) للإجماع، و للنصوص الكثيرة. قال زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجلان يكونان جماعة؟ قال عليه السلام: نعم، و يقوم الرجل عن يمين الإمام» (1).

و يمكن التمسك بالصدق اللغوي أيضا بناء على أنّ الجماعة من الجمع و هو يصدق بالنسبة إلى الاثنين.

و أما ما نسب إلى الصدوق رحمه اللّه من أنّ الواحد جماعة. فإنّه يمكن حمله على ما إذا كان بنية الجماعة و أذن و أقام، فيؤتى فضل الجماعة حينئذ، كما في الخبر:

«من صلّى بأذان و إقامة صلّى خلفه صفان من الملائكة» (2).

و لعلّه رحمه اللّه تمسك بإطلاق قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله- في خبر الجهني-: «المؤمن وحده جماعة» (3).

فيكون نظير قوله تعالى إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ كٰانَ أُمَّةً قٰانِتاً لِلّٰهِ (4).

ص: 402


1- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
4- سورة النحل (16) الآية: 120.

امرأة، بل و صبيا مميزا على الأقوى (49). و أما في الجمعة و العيدين فلا تنعقد إلا بخمسة أحدهم الإمام (50).

مسألة 9: لا يشترط في انعقاد الجماعة- في غير الجمعة و العيدين

(مسألة 9): لا يشترط في انعقاد الجماعة- في غير الجمعة و العيدين نية الإمام و الجماعة و الإمامة (51)، فلو لم ينوها مع اقتداء غيره به تحققت الجماعة، سواء كان الإمام ملتفتا لاقتداء الغير به أم

______________________________

(49) لخبر الصيقل عن الصادق عليه السلام: «كم أقلّ ما تكون الجماعة؟ قال عليه السلام: رجل و امرأة» (1).

و في خبر أبي البختري عن عليّ عليه السلام: «الصبيّ عن يمين الرجل في الصلاة إذا ضبط الصف جماعة»(2).

(50) نصوصا، و إجماعا. ففي صحيح زرارة كان أبو جعفر عليه السلام يقول: «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط الإمام و أربعة» (3).

و يأتي التفصيل في محلّه.

(51) لظهور الإجماع، و إطلاق مثل قوله عليه السلام: «لا تصلّ إلا خلف من تثق بدينه» (4).

و لأنّ الإمامة يمكن أن لا تكون اختيارية التفاتية، بل و لا يعتبر في الجمعة و العيدين أيضا. نعم، يعتبر فيهما علم الإمام بتحقق الشروط و اقتداء من هو شرط في صحة الجماعة به، و هذا غير قصد الإمامة، كما هو معلوم. فقصد الإمامة يكون لغوا على أيّ تقدير إذ الجماعة تتحقق بائتمام المأموم به، قصد الإمام الإمامة أو قصد الانفراد.

ص: 403


1- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 7.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

لا. نعم، حصول الثواب في حقه موقوف على نية الإمامة (52).

و أما المأموم فلا بد له من نية الائتمام (53)، فلو لم ينوه لم تتحقق

______________________________

(52) لا وجه له من عقل أو نقل، لأنّ الثواب لا دليل على اعتبار كونه قصديا مطلقا، بل هو تفضل خاص من اللّه تعالى على من يشاء من عباده، فيصح تعلقه و لو بغير المقصود أيضا. نعم، في الغالب يكون قصديا لا أن يكون ذلك من مقوّماته الذاتية، هذا مضافا إلى كفاية قصد أصل الصلاة في حصول الثواب بالنسبة إلى بعض عوارضها، فمن صلّى في محلّ لا يعلم أنّه مسجد يؤتى ثواب الصلاة في المسجد، و من صلّى و في يده خاتم عقيق يؤتى ثواب الصلاة في العقيق، و هكذا. مع أنّه يصح أن يقال: إنّ بقصد المأموم الائتمام يحصل ثواب الجماعة الشاملة للإمام و المأموم معا، و ليس ذلك من فضله تعالى ببعيد، بل يكون عادته في عباده، كما يظهر من جملة من الروايات:

منها: قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله المعروف بين الفريقين: «إنّ اللّه يصلح بصلاح الرجل المسلم ولده و ولد ولده، و أهل دويرته و دويرات حوله لا يزالون في حفظ اللّه ما دام فيهم» (1).

و الأخبار في هذا المعنى كثيرة جدّا من طرق العامة و الخاصة تعرضنا لبعضها في التفسير عند قوله تعالى وَ لَوْ لٰا دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ (2).

(53) للنص، و السيرة، و الإجماع، ففي النبوي: «إنّما جعل الإمام إماما ليؤتم به» (3).

و ظاهره تقوّم الائتمام بالقصد فلا يتحقق بدونه، و يكفي فيه القصد الإجمالي، لعدم الدليل على اعتبار الأزيد منه بل مقتضى الأصل عدمه.

ص: 404


1- تفسير الصافي ص: 68 من الطبعة الحجرية عند تفسير الآية المذكورة.
2- سورة البقرة: 251 و راجع ج: 4 من تفسير مواهب الرحمن صفحة: 180 طبعة النجف الأشرف.
3- مستدرك الوسائل باب: 39 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

الجماعة في حقه و إن تابعه في الأقوال و الأفعال (54). و حينئذ فإن أتى بجميع ما يجب على المنفرد صحت صلاته و إلا فلا (55).

______________________________

(54) لأنّ وجوب الائتمام شرطي لتحقق الجماعة، كما هو ظاهر النص و الكلمات، و مقتضى المرتكزات. و يكفي فيه قصد نفس المتابعة- و لو إجمالا- لأنّ الائتمام و الاقتداء و الجماعة كلّها عبارة أخرى عن قصد المتابعة. فالمتابعة تارة: تكون التفاتية، و أخرى: تكون بقصد عدم الجماعة لمصلحة في نفسها مع كون الصلاة انفرادية، و ثالثة: تكون قصدية و لو إجمالا، و في الأخير: تتحقق الجماعة، بخلاف الأولين.

(55) أما الصحة في الأول: فظواهر الأدلة، و أصالة البراءة عن مانعية المتابعة في الأقوال و الأفعال. و أما البطلان في الأخير: فلدليل اعتبار القراءة و قاعدة الاشتغال بعد عدم ما يدل على اغتفار تركها في مثل المقام، هذا مع العمد. و أما مع النسيان فتصح الصلاة لحديث: «لا تعاد» (1) بالنسبة إلى ترك القراءة. و أما مع الجهل فالصحة و عدمها مبنيان على شمول الحديث لمورد الجهل، فمع شموله له تصح و مع عدمه فلا، و يأتي البحث عنه في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

إن قيل: صحة الصلاة فرادى مع تحقق المتابعة مبنيّة على كون صلاة الجماعة و الفرادى حقيقة واحدة. و أما مع اختلافهما فيها فلا وجه للصحة، لأنّ ما أتى به ليس بمشروع، و ما هو المشروع لم يأت به.

يقال أولا: عدم ورود الإشكال، لفرض أنّه لم يقصد المتابعة حتّى يكون في الجماعة و تصل النوبة إلى البحث عن أنّها و الفرادى مختلفتان.

و ثانيا: اختلافهما في الحقيقة من المقطوع بفساده، كما هو ظاهر لدى كلّ أحد، فإنّ الصلاة فرادى و الصلاة مع الجماعة كالصلاة في المسجد و الصلاة في

ص: 405


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

و كذا يجب وحدة الإمام (56)، فلو نوى الاقتداء باثنين و لو كانا متقارنين في الأقوال و الأفعال لم تصح جماعة، و تصح فرادى إن أتى بما يجب على المنفرد (57)، و لم يقصد التشريع (58).

______________________________

البيت، و الاختلاف في الآثار في الجملة أعمّ من الاختلاف في الحقيقة، كما هو واضح لا يخفى.

و ثالثا: يمكن القول بالصحة حتّى مع الاختلاف في الحقيقة بدعوى تحقق القصد الطولي، لأنّ المصلّي يقصد الجماعة، و مع بطلان خصوصية الجماعة يكون قاصدا لأصل الصلاة قطعا، و يكفي هذا المقدار من القصد في الصحة، و لا دليل على اعتبار أزيد منه بل مقتضى الأصل عدمه، و خصوصية الفرادى ليست قصدية إجماعا، فيكفي قصد ذات الصلاة في تحققها.

(56) للإجماع و السيرة العملية خلفا عن سلف، و لظواهر النصوص مضافا إلى الأصل.

ثمَّ إنّ الاقتداء باثنين يتصوّر على وجوه:

منها: الاقتداء بهما عرضيين.

و منها: الاقتداء بهما طوليين، بأن كان زيد مقتديا بعمرو، و اقتدى شخص بزيد بانيا على الاقتداء بهما كذلك.

و منها: ما إذا اقتدى بزيد و كان بانيا على أنّه لو عرض لزيد عارض عن إتمام الجماعة نقل اقتداءه إلى عمرو. و الأول مورد البحث هنا، و يأتي حكم الثاني في المسألة التالية، و حكم الأخيرة في [المسألة 14].

(57) لوجود المقتضي و فقد المائع، كما تقدم آنفا. و لا موجب للبطلان إلا احتمال كون صلاة الجماعة و الفرادى حقيقتان مختلفتان، فيكون حينئذ ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع، و لكن تقدم دفعه في المسألة السابقة.

(58) لسقوط العمل عن صلاحية التقرب به حينئذ، إما بناء على سراية الحرمة في مورد التشريع إلى ذات العمل الخارجي من حيث هو عمل فواضح،

ص: 406

و يجب عليه تعيين الإمام بالاسم (59) أو الوصف، أو الإشارة الذهنية، أو الخارجية، فيكفي التعيين الإجمالي (60)، كنية الاقتداء بهذا الحاضر، أو بمن يجهر في صلاته- مثلا- من الأئمة الموجودين أو نحو ذلك. و لو نوى الاقتداء بأحد هذين أو أحد هذه الجماعة لم تصح جماعة (61)، و إن كان من قصده تعيين أحدهما بعد ذلك في الأثناء أو بعد الفراغ (62).

______________________________

لأنّه على هذا من مظاهر التجري على المولى، فكيف يتقرب إليه بما يتجرّى به عليه، و التفكيك بين الجهتين و إن أمكن دقة، لكن العرف يأبى عنه و يرى العمل من مظاهر النفرة و البغض.

و أما بناء على العدم فالعمل باطل من جهة فقد قصد الأمر، لأنّ ما قصد لا يصح الامتثال به، و ما أتي به لم يقع عن قصد. و يمكن أن يقال: بانحلال القصد إلى قصدين، قصد الجماعة و قصد أصل الصلاة، و بطلان الأول لا يستلزم بطلان الثاني، كما تقدم.

(59) للإجماع، و السيرة، مع أنّ قصد الاقتداء مستلزم عقلا لقصد المقتدى به إجمالا، فيكون هذا الوجوب عقليا لا نحتاج فيه إلى الإجماع، لأنّ الاقتداء من الأمور الإضافية المتقوّمة بالإضافة إلى المقتدى به.

(60) لعدم الدليل على اعتبار الأزيد منه، بل مقتضى الأصل و السيرة عدم اعتباره. و لو نوى الاقتداء بمن يقتدي به الحاضرون و هو يعلم أنّهم نووه يجزي ذلك أيضا.

(61) لأنّ الترديد ينافي التعيين، مع أنّ مقتضى أصالة عدم المشروعية عدم الكفاية بعد عدم تكفل الإطلاقات لبيان هذه الجهة.

(62) لأصالتي عدم المشروعية و الإجزاء بعد عدم دليل عليهما، و ظهور الإطلاقات في ما هو المعهود من التعيين و لو إجمالا حين الائتمام.

ص: 407

مسألة 10: لا يجوز الاقتداء بالمأموم

(مسألة 10): لا يجوز الاقتداء بالمأموم (63)، فيشترط أن لا يكون إمامه مأموما لغيره.

مسألة 11: لو شك في أنّه نوى الائتمام أم لا بنى على العدم و أتمّ منفردا

(مسألة 11): لو شك في أنّه نوى الائتمام أم لا بنى على العدم (64) و أتمّ منفردا (65)، و إن علم أنّه قام بنية الدخول في الجماعة (66). نعم، لو ظهر عليه أحوال الائتمام- كالإنصات و نحوه-

______________________________

(63) لظهور الإجماع، كما عن الذكرى و التذكرة، مضافا إلى الأصل بعد عدم دليل حاكم عليه إلا دعوى الإطلاق في الأدلة، و لكن الإجماع قرينة على سقوطه من هذه الجهة. و لو اقتدى بالمأموم و لم يخل بوظيفة المنفرد تصح صلاته و إن بطلت جماعة، كما أنّه لو كان مأموما في ركعتين- مثلا- ثمَّ انفرد يصح الاقتداء به بعد الانفراد، لعدم شمول دليل المنع لهذه الصورة.

(64) لأصالة عدم قصد الائتمام، و لا يعارض بأصالة عدم قصد الانفراد، لأنّ الانفراد ليس قصديّا، فمهما لم يتحقق الائتمام- و لو بالأصل- يتحقق الانفراد قهرا قصد ذلك أم لا.

(65) لصيرورته منفردا قهرا، إذ المنفرد من لم يحكم بكونه مقتديا و لو بالأصل. و المسألة مبنية على أمرين: أحدهما: عدم كون الجماعة و الفرادى مختلفتان، و قد مرّ أنّه لا دليل على الاختلاف في الحقيقة و إنّما هو في الخصوصيات لا الذات. ثانيهما: عدم كون الانفراد قصديا، بل من الأمور الانطباقية القهرية، قصد أم لا، و الظاهر، بل المقطوع به كونه انطباقيا و عدم كونه قصديا.

(66) لعدم صلاحية ذلك للحكومة على أصالة عدم قصد الائتمام، فإنّه إن كان المراد به ظهور الحال، ففي البحث عن اعتباره مجال ما لم يوجب الاطمئنان. و إن كان المراد ما ورد من أنّ «الصلاة على ما افتتحت به» (1).

ص: 408


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النية في الصلاة حديث: 2.

فالأقوى عدم الالتفات (67) و لحوق أحكام الجماعة، و إن كان الأحوط الإتمام منفردا (68). و أما إذا كان ناويا للجماعة و رأى نفسه مقتديا و شك

______________________________

ففي جريانه في المقام إشكال، إذ المراد به ما إذا أحرز العنوان ثمَّ شك في أصل إحرازه. نعم، يمكن أن يقال: إنّ مقتضى استصحاب بقاء نية الجماعة عدم وجوب تكليف المنفرد عليه، و أنّه مقتد فعلا بناء على كفاية مجرد الداعي الذي يكون سهل المؤنة، بل الظاهر سقوط أصل هذا البحث بناء على كفايته و عدم مانعية الغفلة الفعلية مع بقاء أصل الداعي.

(67) لجريان قاعدة التجاوز حينئذ.

إن قلت: لا وجه لجريانها، لأنّ حكومتها على استصحاب العدم إنّما هو بلحاظ الأثر الشرعي بحيث لو لا القاعدة كان مقتضى الاستصحاب إتيانه، و لا وجه للرجوع و الإتيان بنية الاقتداء هنا، فلا تجري القاعدة في المقام.

قلت: يكفي في الجريان مجرد الأثر الشرعي بأيّ نحو كان ما لم يكن مثبتا، و هو هنا عدم وجوب القراءة، و عدم وجوب الإتيان بوظيفة المنفرد، و يكفي وجود هذا الأثر في مجراها فلا محذور من جريانها من هذه الجهة.

(68) لاحتمال عدم كفاية مطلق الأثر الشرعي، بل الأثر المختص بخصوص المشكوك في محلّه.

(فرع): ترك القراءة في الصلاة تارة: يكون عن عمد و التفات، فلا ريب في بطلان الصلاة به في غير الجماعة على ما يأتي من التفصيل. و أخرى: يكون عن نسيان و التذكر بعد مضي محلّ التدارك، و لا ريب في صحة الصلاة، لحديث «لا تعاد» (1).

و ثالثة: يكون بزعم الجماعة من جهة الخطإ في الموضوع، إما بأن قطع بأنّه نوى الجماعة فترك القراءة ثمَّ بان الخلاف، أو لأجل الشك في أنّه نواها أم لا فترك القراءة معتقدا لصحة الجماعة مع الشك في نيتها أيضا، و يمكن شمول

ص: 409


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

في أنّه من أول الصلاة نوى الانفراد أو الجماعة فالأمر أسهل (69).

مسألة 12: إذا نوى الاقتداء بشخص على أنّه زيد فبان أنّه عمرو

(مسألة 12): إذا نوى الاقتداء بشخص على أنّه زيد فبان أنّه عمرو، فإن لم يكن عمرو عادلا بطلت جماعته و صلاته- أيضا- (70)،

______________________________

الحديث لهذه الصورة أيضا لرجوعها إلى الغفلة و عدم التعمد، و على هذا لو ترك القراءة في الجماعة بزعم صحتها لا وجه لبطلان الصلاة. و يأتي في [المسألة 34] من فصل (أحكام الجماعة) ما ينفع المقام، فراجع.

(69) لاستصحاب بقاء نية الجماعة في نفسه بناء على كونها مجرد الداعي- كما هو الحقّ- و لجريان قاعدة التجاوز، كما تقدم. و يصح الاستشهاد بظهور الحال أيضا و إن لم يصلح ذلك للاستدلال ما لم يوجب الاطمئنان.

(70) أما بطلان الجماعة، فلأنّ من كان عادلا لم يقتد به و من اقتدى به ليس بعادل فلا وجه لصحتها، و لكن يأتي في [المسألة 34] من فصل (أحكام الجماعة) أنّ المستفاد من الأدلة صحة الجماعة أيضا، و أنّ المناط في صحتها إحراز المأموم شرائط صحة الاقتداء و إن بان الخلاف بعد ذلك.

و أما بطلان الصلاة فهو المشهور بين الأصحاب، و مع تسليم أمرين لا ريب في صحة قولهم:

الأول: تباين حقيقة صلاة الفرادى و الجماعة.

الثاني: تقوم الفرادى- من جهة كونها فرادى- بالقصد، كتقوم الجماعة به، و حينئذ يصح أن يقال: إنّ ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، فلا وجه للصحة.

و لكن الأمرين ممنوعان أشدّ المنع. أما الأول فلشهادة الوجدان و مرتكزات المسلمين أنّ حقيقة الصلاة فيهما واحدة و الاختلاف إنّما هو بالجهات الخارجة عن الذات، كما في صلاة المسجد و الدار، و مجرد الاختلاف في بعض الآثار أعمّ من الاختلاف في الماهية و الذات، كما هو واضح.

و أما الأخير فلتسالم الكلّ على أنّ قصد ذات الصلاة متقربا إلى اللّه تعالى

ص: 410

إن ترك القراءة (71)، أو أتى بما يخالف صلاة المنفرد (72) و إلا صحت على الأقوى (73). و إن التفت في الأثناء و لم يقع منه ما ينافي صلاة المنفرد أتم منفردا (74)، و إن كان عمرو- أيضا- عادلا، ففي المسألة صورتان:

(إحداهما): أن يكون قصده الاقتداء بزيد و تخيل أنّ الحاضر

______________________________

يكفي في الامتثال و لو لم يقصد الفرادى، و أنّه من العناوين الانطباقية القهرية غير المتقومة بالقصد. و مع فساد الأمرين لا موضوع لقولهم: (ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع) لكفاية قصد ذات الصلاة في صحة ما وقع، و المفروض تحققه فتصح فرادى لا محالة.

(71) تقدم أنّ ترك القراءة بزعم صحة الجماعة لا يوجب البطلان، لحديث «لا تعاد» (1) بناء على ما يأتي من التعميم في مورده.

(72) إن كانت المخالفة بمثل زيادة سجدة واحدة فلا يضرّ أيضا، لحديث «لا تعاد» (2). و إن كانت لزيادة الركن و قلنا بعدم صحة الجماعة تبطل الصلاة، و يأتي في [المسألة 34] من فصل (أحكام الجماعة) أنّه لا دليل على بطلان الجماعة، بل ظاهر الأدلة صحتها، فراجع.

(73) لتحقق قصد أصل الصلاة منه، و عدم كون الفرادى من الأمور القصدية، فيكون المقتضي للصحة موجودا و المانع عنها مفقودا. نعم، بناء على كون الجماعة و الفرادى مختلفان بالذات لا وجه للصحة حينئذ.

(74) لأصالة الصحة في الصلاة، و عدم دليل على بطلانها، و يصح الإتمام منفردا إن كان الإخلال بترك القراءة مع التجاوز عن محلّ التدارك، أو زيادة سجدة واحدة، لما مرّ من حديث «لا تعاد» (3)هذا كلّه لو لم يكن قصد الجماعة تقييديا، و كان من باب تعدد المطلوب، و إلا فلا وجه لصحة الصلاة

ص: 411


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

هو زيد. و في هذه الصورة تبطل جماعته و صلاته- أيضا- (75) إن خالفت صلاة المنفرد.

(الثانية): أن يكون قصده الاقتداء بهذا الحاضر، و لكن تخيل أنّه زيد فبان أنّه عمرو. و في هذه الصورة الأقوى صحة جماعته و صلاته (76). فالمناط ما قصده لا ما تخيله من باب الاشتباه في التطبيق.

مسألة 13: إذا صلّى اثنان و بعد الفراغ علم أنّ نية كلّ منهما الإمامة للآخر

(مسألة 13): إذا صلّى اثنان و بعد الفراغ علم أنّ نية كلّ منهما الإمامة للآخر

______________________________

أصلا، لعدم القصد إليها مع فقد الجماعة، لفرض كون القصد تقييديا لا انحلاليا.

(75) بطلان الجماعة و الصلاة مبنيّ على أن يكون قصد الاقتداء بزيد- مثلا- تقييديا دقيا عقليا، بمعنى: أنّه لو كان الإمام عمرا لم يكن قاصدا لا للجماعة و لا للصلاة حقيقة، فيبطل كلّ منهما حينئذ من جهة فقد القصد في الواقع، و الظاهر عدم كون قصد نوع المقيدين هكذا، فإنّ مثل هذا التحليل إنّما يكون في البحث العلمي، و أما سواد الناس فغير ملتفتين إلى هذه الجهات، و إنّما يكون قصدهم إتيان الصلاة الصحيحة بأيّ وجه أمكنت الصحة فيسقط أصل البحث في أنّ المقصود من باب الداعي أو من باب الاتفاق، لأنّ كلّ ذلك من الفروض التي لا واقع لها في الخارج.

و أما لو لم يكن كذلك فلا وجه لبطلان الجماعة و لا الصلاة مع أنّك عرفت فيما تقدم إمكان تصحيح الصلاة بحديث «لا تعاد»، و لو أخلّ بوظيفة المنفرد و كانت الجماعة باطلة، فراجع ما تقدم يتضح لك ما هنا.

(76) لوجود المقتضي و هو تحقق القصد إلى أصل الجماعة و الصلاة، و تخيل كون الإمام زيدا كان من باب تعدد المطلوب لا التقييد حتّى يضرّ بأصل قصد الجماعة و يكون مانعا عن الصحة.

ص: 412

صحت صلاتهما (77). أما لو علم أنّ نية كلّ منهما الائتمام بالآخر استأنف كلّ منهما الصلاة إذا كانت مخالفة لصلاة المنفرد (78).

______________________________

(77) للضرورة المذهبية إن لم تكن دينية إن لم يخل كلّ منهما بوظيفة المنفرد، إذ لم يحتمل أحد أن يكون قصد الإمامة من الموانع و القواطع فتشملها الإطلاقات و العمومات الدالة على الإجزاء، مضافا إلى خبر السكوني:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجلين اختلفا، فقال أحدهما: كنت إمامك و قال الآخر: كنت إمامك، فقال عليه السلام: صلاتهما تامة. قلت:

فإن قال كلّ واحد منهما: كنت آتم بك. قال عليه السلام: صلاتهما فاسدة، و ليستأنفا» (1).

و مقتضى إطلاق الصدر صحة الصلاة و إن خالفت وظيفة المنفرد، كرجوع أحدهما إلى الآخر في الشك، و يمكن القول بالصحة حتّى في هذه الصورة أيضا، لأنّه لا يقصر عن حفظ الصلاة بالحصى و الخاتم، كما ورد في النص (2).

(78) إن كانت المخالفة في ترك القراءة أو زيادة سجدة واحدة، و قلنا بشمول حديث «لا تعاد» (3) للمقام أيضا، فلا وجه للبطلان. و إن كانت في جهة أخرى أو قلنا بعدم شمول الحديث لمثل المقام يتعيّن البطلان و الشمول قويّ فالإطلاق مخدوش هذا بحسب القاعدة. و أما بحسب ما تقدم من ذيل خبر السكوني- الذي سنده معتبر- فإن ثبت الإطلاق من كلّ جهة يتعيّن البطلان و يكون حاكما على القاعدة، و لكن الشأن في ثبوت الإطلاق. و أما قصور سنده، كما قيل. فلا دليل عليه لما أثبتنا في محلّه من توثيق عليّ بن إبراهيم، و النوفلي، و السكوني فلا قصور في السند.

ص: 413


1- الوسائل باب: 29 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الخلل في الصلاة.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

و لو شكّا فيما أضمراه فالأحوط الاستئناف (79)، و إن كان الأقوى الصحة (80)،

______________________________

(79) لحسن الاحتياط في كلّ شي ء خصوصا في الصلاة سيّما مع احتمال بطلانها و لو احتمالا ضعيفا.

(80) بلا إشكال فيها بالنسبة إلى أصل الصلاة فيما إذا لم يخل كلّ منهما بوظيفة المنفرد، سواء حصل الشك في الأثناء أم بعد الفراغ، إذ لا أثر لهذا الشك في صحة أصل الصلاة بعد استجماعها للأجزاء و الشرائط مع أنّ أصالة الصحة في الأثناء، و قاعدة الفراغ بعده تدلان على الصحة.

و أما الجماعة فإن علم أحدهما أنّ صاحبه قصد الإمامة يمكن الحكم بتحقق الجماعة أيضا، لأنّ المتعارف حينئذ أنّه مع هذا العلم لا يقصد الأخير الإمامة بل يقصد الاقتداء، و أما إذا شك أحدهما فيما أضمره صاحبه فلا طريق لإحراز صحة الجماعة، بل مقتضى أصالة عدم قصد الائتمام عدمها، و لا يعارض بأصالة عدم قصد الإمامة، لما تقدم من عدم تقوّمها بالقصد و إن أخلّ كلّ منهما أو أحدهما بوظيفة المنفرد، فإن كان الإخلال بما يشمله حديث «لا تعاد» (1) تصح أصل الصلاة، سواء حصل الشك في الأثناء أم بعد الفراغ و يعضدها قاعدة الفراغ أيضا في الأخير، و أما إحراز صحة الجماعة فطريقه ما مرّ في سابقة.

و توهم عدم جريان قاعدة الفراغ، لما في بعض أخبارها: «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (2). فاسد: لأنّه ليس من العلة التامة بل من بيان الحكمة النوعية لجعل القاعدة مع أنّا قد أثبتنا أنّها من القواعد العقلائية، و من صغريات أصالة عدم الغفلة، فيسقط أساس مثل هذه التوهمات.

ثمَّ إن شك كلّ منهما تارة: في نية نفسه، و أخرى: في نية صاحبه، و ثالثة: فيهما معا، و حكم الكلّ بالنسبة إلى صحة أصل الصلاة عدم تحقق

ص: 414


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 7.

إذا كان الشك بعد الفراغ (81)، أو قبله مع نية الانفراد بعد الشك (82).

مسألة 14: الأقوى و الأحوط عدم نقل نيته من إمام إلى إمام آخر اختيارا

(مسألة 14): الأقوى و الأحوط عدم نقل نيته من إمام إلى إمام آخر اختيارا (83) و إن كان الآخر أفضل و أرجح. نعم، لو عرض للإمام

______________________________

الإخلال بوظيفة الانفراد، و على فرض الإخلال فالمناط في الصحة شمول حديث: «لا تعاد» (1) و بالنسبة إلى صحة الجماعة إحراز أحدهما نيته الائتمام بأيّ وجه أمكن ذلك.

(81) بلا فرق بين كون الشك منهما في نية نفسه أو صاحبه أو فيهما معا.

و ذلك كلّه لإطلاق أدلّة قاعدة الفراغ، هذا بالنسبة إلى صحة أصل الصلاة. و أما طريق إحراز صحة الجماعة فمنحصر بإحراز نية الاقتداء بأيّ وجه أمكن، كما تقدم، و قد مرّ توهم عدم جريان قاعدة الفراغ مع دفعه، فراجع.

(82) أي عدم ترتيب آثار الجماعة بعد الشك، إذ الظاهر صيرورته منفردا قهرا، لعدم إمكان إتمام الصلاة جماعة، لأصالة عدم نية الائتمام الجارية بالنسبة إلى السابق، و عدم صحة الائتمام في الأثناء، كما يأتي. نعم، فيما إذا علم أنّ صاحبه نوى الإمامة و ظهر له آثارها يمكنه بحسب المتعارف ترتيب آثار الائتمام، كما تقدم.

(83) أنّ الجماعة توظيفية و لم يرد نص في ذلك، فمقتضى الأصل عدم المشروعية، هذا غاية ما قالوه في وجه هذه المسألة التي لا دليل لهم عليها.

و فيه أولا: أنّ الجماعة و الاجتماع من العرفيات الشائعة فما قيدها الشرع بقيد نقول به، و في غيره نرجع إلى الصدق العرفي و لا يضر بصدقه العرفي الانتقال من إمام في الأثناء إلى إمام آخر.

و ثانيا: كان المأموم مخيّرا قبل الائتمام في أن يقتدي بأيّ إمام شاء و أراد،

ص: 415


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

ما يمنعه من إتمام صلاته- من موت (84) أو جنون أو إغماء، أو صدور حدث، بل و لو لتذكر حدث سابق (85) ....

______________________________

و مقتضى الاستصحاب بقاء التخيير له بقاء كثبوته له حدوثا.

و ثالثا: يمكن أن يستفاد الجواز من النصوص الآتية بعد حمل ما ورد فيها على الغالب من عدم الانتقال إلا في موارد الضرورة و الاضطرار.

و رابعا: لنا أن نتمسك بالإطلاقات التي تعرّضنا لها في أول فصل الجماعة، و تقتضيه أصالة الصحة و عدم المانعية، و سهولة الشريعة في مثل هذا الأمر العام البلوى. و لذا نسب إلى العلامة رحمه اللّه الجواز مطلقا، و احتمله الشهيد (قدّس سرّه) فيما إذا كان المنتقل إليه أفضل، ثمَّ إنّه لو انتقل عمدا و أتمّ الصلاة و لم يخل بوظيفة المنفرد تصح صلاته.

(84) للإجماع، و النص، كصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام:

«عن رجل أمّ قوما فصلّى بهم ركعة ثمَّ مات. قال عليه السلام: يقدمون رجلا آخر و يعتدون بالركعة و يطرحون الميت خلفهم» (1).

و نحوه توقيع الحميري (2).

(85) إجماعا و نصّا ففي صحيح سليمان عن الصادق عليه السلام: «عن الرجل يؤم القوم فيحدث و يقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ قال عليه السلام: لا يقدم رجلا قد سبق بركعة، و لكن يأخذ بيد غيره فيقدمه» (3).

و نحوه غيره.

و في خبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «عن إمام أمّ قوما فذكر أنّه لم يكن على وضوء، فانصرف و أخذ بيد رجل و أدخله فقدّمه و لم يعلم الذي قدم ما

ص: 416


1- الوسائل باب: 43 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 4.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

جاز (86) للمأمومين تقديم إمام آخر (87) و إتمام الصلاة معه، بل الأقوى ذلك لو عرض له ما يمنعه من .......

______________________________

صلّى القوم. فقال عليه السلام: يصلّي بهم، فإن أخطأ سبح القوم به و بنى على صلاة الذي كان قبله» (1).

و عن عليّ عليه السلام: «ما كان من إمام تقدم في الصلاة و هو جنب ناسيا، أو أحدث حدثا، أو رعف رعافا أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثمَّ لينصرف و ليأخذ بيد رجل فليصلّ مكانه ثمَّ ليتوضأ و ليتم ما سبقه من الصلاة، و إن كان جنبا فليغتسل فليصل الصلاة كلّها» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار الناصة في أنّ العذر موجب لصحة الانتقال من إمام إلى إمام آخر، و الظاهر أنّ ما ذكر فيها من الأعذار من باب المثال، و لذا تعدّى الأصحاب إلى الجنون، و الإغماء مع أنّه ليس منهما ذكر في الأخبار.

(86) المراد بالجواز هنا الجواز بالمعنى الأعم الشامل للندب أيضا إن كانت الجماعة مندوبة و الوجوب إن كانت واجبة. كما أنّه يجوز الانفراد أيضا في الجماعة المندوبة إجماعا.

و أما ما في صحيح ابن جعفر عليه السلام في إمام أحدث قال عليه السلام:

«لا صلاة لهم إلا بإمام» (3).

الظاهر في الوجوب، فمحمول إما على الجماعة الواجبة، أو على تأكيد الاستحباب، فراجع أخبار الباب.

(87) ظاهر جملة من الإطلاقات جواز كون الإمام الآخر من غير المأمومين. و ما في صحيح ابن جعفر عليه السلام من قوله عليه السلام: «فليقدم بعضهم» (4)، و قوله عليه السلام في خبر أبي العباس- الواردة في ائتمام الحاضر

ص: 417


1- الوسائل باب: 40 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 72 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 72 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 72 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

إتمامها مختارا (88)، كما لو صار فرضه الجلوس حيث لا يجوز البقاء على الاقتداء به، لما يأتي من عدم جواز ائتمام القائم بالقاعد (89).

مسألة 15: لا يجوز للمنفرد العدول إلى الائتمام في الأثناء

(مسألة 15): لا يجوز للمنفرد العدول إلى الائتمام في الأثناء (90).

______________________________

بالمسافر: «أخذ بيد بعضهم فقدّمه» (1). محمول على الأولوية لكونه من الجماعة، فيكون أولى بأن يقتدى به في الجماعة التي كان فيها.

(88) لما تقدم من أنّ الأعذار المذكورة في الأخبار من باب المثال لا الخصوصية.

(89) راجع فصل (في شرائط إمام الجماعة) عند قوله (قدّس سرّه): و أن لا يكون قاعدا للقائمين.

(90) نسب ذلك إلى جمع و لا دليل لهم عليه، إلا أصالة بقاء أحكام المنفرد، و عدم ترتب الأثر على هذا النحو من الاقتداء.

و فيه أولا: أنّها محكومة بالإطلاقات التي تعرضنا لها في أول الفصل.

و ثانيا: أنّها معارضة بأصالة بقاء التخيير بين الانفراد و الائتمام الذي كان قبل الشروع في الصلاة و ثالثا: بما نسب إلى الخلاف من الإجماع على الجواز.

و القول بأنّه لا إطلاق يرجع إليه، و على فرضه ليس في مقام بيان هذه الجهات.

مدفوع: بأنّه يكفي في الإطلاق قوله عليه السلام: «ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها، و لكنّه سنة» (2).

و إطلاقه واضح و بيّن، و قد تقدم استظهار كونه في مقام البيان أيضا، و لذا نسب إلى الذكرى الميل إلى الجواز، و لم يستبعده العلامة في التذكرة، و لكن الأحوط عدم الجواز خروجا عن خلاف جمع و إن كانت أدلتهم مخدوشة، كما عرفت.

ص: 418


1- الوسائل باب: 72 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.

مسألة 16: يجوز العدول من الائتمام إلى الانفراد- و لو اختيارا

(مسألة 16): يجوز العدول من الائتمام إلى الانفراد- و لو اختيارا في جميع أحوال الصلاة على الأقوى (91)، و إن كان ذلك من

______________________________

و بالجملة: الأصول المذكورة في انتفاء الجماعة كلّها منتهية إلى عدم وجود أصل لفظيّ في البين و لكنّه ثابت كما لا يخفى على المتأمل في أخبار الباب، و لا تقصر هذه الإطلاقات الواردة في سائر الأبواب التي لا يزالون يتمسكون بها في أبواب العبادات و المعاملات، و يشهد للجواز ما يأتي من جواز الائتمام بالإمام في أثناء صلاته، و لا يعتبر أن يكون ذلك من أول صلاته، فليكن بالنسبة إلى صلاة المأموم أيضا كذلك، و إنّما ذكرنا ذلك لدفع الاستغراب لا الاستدلال ليدفع بأنّه قياس.

(91) على المشهور المدعى عليه الإجماع عن جمع، لاستصحاب بقاء التخيير بين الائتمام و الانفراد الذي كان له قبل الدخول في الجماعة، و أصالة صحة الانفراد، و لا منشأ لاحتمال البطلان إلا كون صلاة الجماعة و الفرادى حقيقتان متباينتان، و تقدم أنّ المرتكزات و ظواهر الأدلة خلافه. أو أنّ الجماعة و إن استحبت ذاتا لكنّها يجب إتمامها بالشروع فيها، كالحج و الاعتكاف المندوبين.

و فيه: أنّه خلاف الأصل، و لا دليل عليه من نقل أو عقل، و يشهد له أنّ الحكم لو كان مظنّة المنع في هذا الأمر العام البلوى لأشير إليه في خبر من الأخبار، و لم يظفر عليه، بل ظواهر الأخبار في الموارد المتفرقة تشهد بالخلاف، كما عن صاحب الجواهر، و تقتضيه سهولة الشريعة أيضا. بل تسمية ذلك من العدول فيه مسامحة واضحة، لأنّ العدول إنّما يتحقق فيما إذا تقوّم كلّ من المعدول و المعدول إليه بالنية و القصد، و تقدّم أنّ الفرادى ليس قصديا، فهو مثل ما إذا صلّى شخص في محلّ ليس بمسجد و في أثناء الصلاة وضع قدميه في المسجد و أتمّ الصلاة فيها، فإنّه لا يقال: إنّه عدل في صلاته إلى صلاة أخرى، أو صلّى مع الخشوع ثمَّ سلب عنه فلا يصدق العدول فيه، و هكذا.

ص: 419

نيته في أول الصلاة (92)، لكن الأحوط عدم العدول إلا لضرورة (93)، و لو دنيوية، خصوصا في الصورة الثانية (94).

______________________________

(92) لأصالة عدم المانعية. و قد يقال: ببطلان الجماعة في هذه الصورة لأصالة عدم التشريع، و لا إطلاق في أدلة الجماعة حتّى يشمل هذه الصورة، و بعد بطلان الجماعة لا يبقى موضوع للعدول.

و فيه: أنّ من راجع ما ورد في الجماعة من الحث و الترغيب و التأكيد يظهر له أنّ مطلوبيتها من باب تعدد المطلوب، أي لا يعتبر في المطلوبية قصد إتيان تمام الصلاة بها، و يقتضيه إطلاق قوله عليه السلام:

«و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها، و لكنه سنة» (1).

إذ يصدق الاجتماع بالنسبة إلى بعض الصلاة، و يصح أن يقال: اجتمعوا في الصلاة. و الانصراف إلى التمام من الغالب فلا اعتبار به، فلا وجه لاحتمال التشريع مع وجود الإطلاق.

(93) أما كون الأحوط عدم العدول فللخروج عن خلاف من لا يجوزه و أما الجواز مع الضرورة، فلما يظهر منهم من الإجماع على الجواز حينئذ و الظاهر أنّ المراد بالضرورة مطلق الأغراض و لو الدنيوية منها في الجماعة المندوبة، لشمول العذر المذكور في كلماتهم لها أيضا، و لا وجه للاختصاص بما هو رافع للتكليف بدعوى أنّه المتيقن، إذ لم يذكر الحرج و الضرورة في كلماتهم فيما ظفرت عليها، و يشهد للتعميم ما ورد في التسليم قبل الإمام (2)، و ما ورد في تخفيف الإمام صلاته لبعض الحوائج العرفية (3) فإنّ الجميع ينطق عن لسان واحد.

(94) إن قلنا بانعقاد الجماعة في هذه الصورة فلا إشكال في صحة الاحتياط، كما في الصورة السابقة، و جهة الخصوصية هي أنّ شبهة عدم جواز

ص: 420


1- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- انظر الوسائل باب: 64 من أبواب صلاة الجماعة.
3- الوسائل باب: 69 من أبواب صلاة الجماعة.

مسألة 17: إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الدخول في الركوع

(مسألة 17): إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الدخول في الركوع لا تجب عليه القراءة (95). بل لو كان في أثناء القراءة يكفيه- بعد نية الانفراد- قراءة ما بقي منها (96) و إن كان الأحوط استئنافها، خصوصا إذا كان في الأثناء.

مسألة 18: إذا أدرك الإمام راكعا يجوز له الائتمام و الركوع معه

(مسألة 18): إذا أدرك الإمام راكعا يجوز له الائتمام و الركوع معه (97) ثمَّ العدول إلى الانفراد اختيارا (98)، و إن كان الأحوط ترك العدول حينئذ، خصوصا إذا كان ذلك من نيته أولا.

مسألة 19: إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام و أتمّ صلاته

(مسألة 19): إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام و أتمّ صلاته، فنوى الاقتداء به في صلاة أخرى قبل أن يركع الإمام في تلك الركعة أو حال كونه في الركوع من تلك الركعة جاز، و لكنّه خلاف الاحتياط (99).

______________________________

الانفراد عند من يقول به في هذه الصورة آكد. و إن قلنا بعدم الانعقاد، أو شككنا فيه فالاحتياط في الانفراد لصحة الصلاة منفردا بلا إشكال، و إنّما الشك في صحتها جماعة مع المخالفة لوظيفة المنفرد.

(95) لعموم أدلة ضمان الإمام القراءة الحاكمة على أصالة عدم السقوط و قاعدة الاشتغال، بل و الأدلة الدالة على وجوب القراءة في الصلاة.

(96) لما مرّ في سابقة من غير فرق، إلا أن يدعى انصراف أدلة الضمان عن ذلك، بل ظهورها فيما إذا كان الائتمام في تمام الصلاة. و لكن الانصراف مشكل، لأنّه من الغالب. و الظهور أشكل، لأنّ الضمان انبساطي امتناني و هو ينافي التخصص بأي وجه أمكن. و منه يعلم وجه الاحتياط بعنوان الرجاء.

(97) للإجماع، و النصوص التي تأتي في المسألة الرابعة و العشرين.

(98) لما تقدم في المسألة السادسة عشرة. و أما الاحتياط في ترك الانفراد، فلما تقدم في تلك المسألة أيضا من غير فرق بينهما من هذه الجهة.

(99) أما جواز الانفراد فلما عرفت في المسألة السادسة عشرة. و أما صحة

ص: 421

مسألة 20: لو نوى الانفراد في الأثناء لا يجوز له العود إلى الائتمام

(مسألة 20): لو نوى الانفراد في الأثناء لا يجوز له العود إلى الائتمام (100). نعم، لو تردد في الانفراد و عدمه ثمَّ عزم على عدم الانفراد صح (101). بل لا يبعد جواز العود إذا كان بعد نية الانفراد بلا فصل (102)، و إن كان الأحوط عدم العود مطلقا.

مسألة 21: لو شك في أنّه عدل إلى الانفراد أم لا، بنى على عدمه

(مسألة 21): لو شك في أنّه عدل إلى الانفراد أم لا، بنى على عدمه (103).

مسألة 22: لا يعتبر في صحة الجماعة قصد القربة

(مسألة 22): لا يعتبر في صحة الجماعة قصد القربة من

______________________________

الائتمام في صلاة أخرى فهو من المسلّمات عندهم، بل عدّ من القطعيات. و أما كونه خلاف الاحتياط فلما مرّ في [المسألة 16] بلا فرق بينهما من هذه الجهة، فهذه المسائل متداخلة، كما لا يخفى على من تأمل فيها.

(100) لأنّه حينئذ من الائتمام في الأثناء، و قد تقدم في [المسألة 15] ما يتعلق به. و قد ناقشنا في أصل عدم جوازه ابتداء، فضلا عن المقام الذي ثبتت علقة الائتمام من الأول.

(101) لأصالة بقاء النية الإجمالية النفسانية إن كان التردد لعروض عارض و أما إذا كان بحيث يوجب زوال أصل النية فلا وجه للصحة بناء على عدم جواز الائتمام في الأثناء، و لكن لا دليل لهم على أصل المسألة فضلا عما يتفرع عليها.

(102) بناء على أنّه لا يعد من الائتمام في الأثناء عرفا و بحسب مرتكزات المتشرعة و إن كان كذلك دقة، لكن الشرعيات غير مبتنية على الدقيات العقلية.

فلا مجرى لأصالة عدم ترتب الأثر على فرض صحتها و عدم محكوميتها بما مرّ في [المسألة 15]، و ذلك لحكم العرف ببقاء الائتمام من أول الصلاة إلى آخرها، و لا ريب في حسن الاحتياط، كما ذكره (قدّس سرّه).

(103) لأصالة عدم العدول، و بقاء الائتمام.

ص: 422

حيث الجماعة، بل يكفي قصد القربة في أصل الصلاة (104). فلو كان

______________________________

(104) أما اعتبار قصد القربة في أصل الصلاة فهو من الضروريات في الدّين. و أما عدم اعتبار القربة في الخصوصيات الصلاتية الخارجة عن ذاتها- واجبة كانت أو مندوبة- فهو المطابق لإطلاقات أدلة الصلاة و عموماتها و أصالة البراءة عن الاشتراط، فمقتضى الأصل اللفظي و العملي عدم اعتبار القربة فيها، إلا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل عليه إلا فيما تأتي الإشارة إليه. فمن وقف تجاه القبلة، أو ستر عورته، أو قام في مكان مباح، لأجل غرض دنيويّ و صلّى مع تحقق قصد القربة في أصل الصلاة تصح صلاته، و لا شي ء عليه.

و كذا من قام في المسجد، أو لبس الثياب البيض إلى غير ذلك من المندوبات حال الصلاة و كان ذلك كلّه لأغراض دنيوية صحت صلاته مع قصد القربة في أصلها. و من ذلك الجماعة- إماما و مأموما- إذ لا فرق بينها و بين سائر المندوبات الصلاتية. و لكن الغرض الدنيوي على أقسام: فإما أن لا يكون له دخل في داعوية أصل الإتيان بالصلاة أصلا و كان وجوده و عدمه من هذه الجهة على حدّ سواء، و لا ريب و لا إشكال في عدم المانعية في هذا القسم.

و إما أن يكون له دخل في الجملة، و لكن لم يكن بحيث يضرّ باستقلال داعوية القربة في الصلاة، و مقتضى الإطلاقات و العمومات، و سهولة الشريعة المقدّسة، و كثرة ابتلاء الناس بمثل هذه الأمور صحة الصلاة في هذا القسم أيضا، لأنّ عبادات سواد الناس لا تخلو عن مثل هذه الأغراض و إن كان منافيا للإخلاص الكامل من كلّ جهة.

و إما أن يكون مستقلا لداعوية الصلاة بحيث لولاه لم يأت بها، أو كان في عرض داعوية القربة، و لا ريب في البطلان في هذين القسمين لتسالم الكلّ على اعتبار استقلال داعوية القربة. هذا مع أنّه قد تقدم أنّ الإمامة لا تكون من الأمور القصدية حتّى تتقوّم بالقربة، فمقتضى الأصل عدم اعتبار قصد القربة في الإمامة و المأمومية بعد تحقق قصد القربة في أصل الصلاة و إن كان ذلك منافيا لبعض مراتب الخلوص و الإخلاص.

ص: 423

قصد الإمام من الجماعة الجاه (105)، أو مطلب دنيوي آخر، و لكن كان قاصدا للقربة في أصل الصلاة صح. و كذا إذا كان قصد المأموم من الجماعة سهولة الأمر عليه، أو الفرار من الوسوسة، أو الشك، أو من تعب تعلم القراءة أو نحو ذلك من الأغراض الدنيوية صحت صلاته (106)، مع كونه قاصدا للقربة فيها. نعم، لا يترتب ثواب الجماعة إلا بقصد القربة فيها (107).

______________________________

و أما توهم عدم جريان الأصل اللفظي منه و العملي، لأجل وجود الأصل الموضوعي في المقام و هو أصالة عدم انعقاد الجماعة. ففاسد لأنّ الجماعة أمر عرفي لا شك في تحققها بعد حكم العرف بثبوت الجماعة فكيف يجري الأصل مع ثبوت الموضوع وجدانا.

(105) طلب الجاه على أقسام:

الأول: أن يكون المراد به إظهار عظمة اللّه جلّ جلاله، حيث يركعون و يسجدون معا جميعا للّه تعالى، و لا ريب في عدم كونه مضرّا للخلوص و الإخلاص، بل ربما يكون ذلك مؤيدا له.

الثاني: أن يكون لأجل أن يراه الناس و يرجعوا إليه في بيان الأحكام الشرعية و المعارف الإلهية، و قضاء الحوائج، و هذا أيضا من أجلّ المقامات، و ربما يكون ذلك موجبا لزيادة ثواب الجماعة.

الثالث: أن يكون ذلك من أجل قصور الهمة و خسة النفس، و كان بحيث إذا رأى أنّ جمعا يقتدي به يجعل ذلك مرتبة لنفسه و يجعله وسيلة للوصول إلى الأغراض الفاسدة. و الظاهر أنّ هذا من أعظم مصائد الشيطان و مكائده، و عدم انفكاكه عن الرياء المبطل للصلاة غالبا. و أما صلاة المأمومين فهي صحيحة ما اعتقدوا صحة صلاة إمامهم.

(106) للأصل، و الإطلاق و ظهور الإجماع.

(107) تقدم أنّه يمكن أن يكتفي بقصد القربة في الصلاة في تحقق ثواب

ص: 424

مسألة 23: إذا نوى الاقتداء بمن يصلّي صلاة لا يجوز الاقتداء فيها سهوا أو جهلا

(مسألة 23): إذا نوى الاقتداء بمن يصلّي صلاة لا يجوز الاقتداء فيها سهوا أو جهلا كما إذا كانت نافلة أو صلاة الآيات مثلا- فإن تذكر قبل الإتيان بما ينافي صلاة المنفرد عدل إلى الانفراد (108) و صحت (109)، و كذا تصح إذا تذكر بعد الفراغ و لم تخالف صلاة المنفرد، و إلا بطلت (110).

مسألة 24: إذا لم يدرك الإمام إلا في الركوع

(مسألة 24): إذا لم يدرك الإمام إلا في الركوع، أو أدركه في أول الركعة أو أثنائها أو قبل الركوع فلم يدخل في الصلاة إلى أن ركع جاز له الدخول معه، و تحسب له ركعة و هو منتهى ما تدرك به

______________________________

الجماعة و إن لم يقصد القربة في الجماعة و ذلك لسعة فضل اللّه تعالى و إطلاق أدلة ترتب الثواب على الجماعة مع غلبة عدم الالتفات إلى قصد القربة في الائتمام عند نوع العوام، بل يمكن أن يقال: بترتب الثواب على كلّ فعل خير و لو مع عدم القربة كما مرّ في بعض المباحث السابقة.

(108) أي يأتي بعد ذلك بوظيفة المنفرد قهرا و لا يحتاج فيه إلى قصد العدول.

(109) لأصالة عدم مانعية قصد الائتمام عن صحة أصل الصلاة إلا إذا كان بنحو وحدة المطلوب بحيث لم يتعلق القصد بأصل الصلاة من حيث هي و هو خلاف المتعارف في مقاصد المصلّين، لأنّ مقاصدهم في الجماعة بنحو تعدد المطلوب و هو المنساق من الأدلة الشرعية.

(110) إن كان الإخلال بغير القراءة. و أما فيها فيمكن التصحيح بحديث:

«لا تعاد» (1) كما تقدم التفصيل في المسائل السابقة، بل يأتي في [المسألة 34] من (فصل أحكام الجماعة) إمكان تصحيح الصلاة جماعة أيضا فراجع.

ص: 425


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

الركعة في ابتداء الجماعة على الأقوى (111) بشرط أن يصل إلى حدّ

______________________________

(111) ينبغي البحث عن جهات:

الأولى: في درك فضل الجماعة قال في نجاة العباد: «إنّه يدرك فضلها بالدخول مع الإمام في أيّ حال كان»، و قال في الجواهر: «لإطلاق أدلة الجماعة و الحث عليها المقتضية بظاهرها جواز الائتمام حال تلبس الإمام بأيّ جزء من أجزاء الصلاة و إن لم يحسب له ركعة إلا ما أدرك الركوع» و هو قول متين جدّا و يأتي التفصيل في [المسألة 28] و تاليتها فراجع.

الثانية: في إدراك الركعة و لا ريب في إدراكها بإدراك الإمام من أول قيامة إلى آخر رفع رأسه من الركوع أو بإدراكه راكعا، كما يأتي.

الثالثة: عدم اختصاص ذلك بالركعة الأولى من الصلاة.

الرابعة: عدم اختصاص ذلك بمن كان بانيا على الائتمام في تمام الصلاة، بل يعمّ من كان بانيا على المفارقة بعد درك الركعة.

الخامسة: في أنّ إدراكه الركعة بإدراك الإمام راكعا هل يختص بابتداء الجماعة أو يشمل الأثناء أيضا أو لا يختص إدراكها بخصوص إدراك الركوع فلو أدرك قراءة الإمام أو بعضها ثمَّ فارقه فقد أدرك الركعة أيضا معه.

فنقول: أما الحكم في الجهة الثانية، فيدل عليه الإجماع، و النصوص الكثيرة.

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في الصحيح: «إذا دخلت المسجد و الإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه، فكبّر و اركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك» (1).

و لا ريب في صراحته في كفاية إدراك الإمام راكعا و ظهوره في عدم اشتراط لحوق المأموم بالإمام في ذكر الركوع كظهوره في عدم الفرق بين جميع الركعات،

ص: 426


1- الوسائل باب: 46 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

.....

______________________________

و في عدم الفرق بين كون المأموم بانيا على الائتمام بالإمام في تمام الصلاة أو في بعضها.

و كذا قوله عليه السلام أيضا في صحيح الحلبي: «إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت- قبل أن يرفع الإمام رأسه- فقد أدركت الركعة، و إن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة» (1).

و يكفينا الصحيحان تصريحا و ظهورا في الأحكام الثلاثة المذكورة، و مثلهما جملة أخرى من الأخبار كصحيح ابن خالد (2) و نحوه، و يشهد له أيضا ما ورد (3) في تطويل الإمام ركوعه و انتظاره للحوق المأموم على ما يأتي تفصيله في الثاني عشر من (فصل مستحبات الجماعة و مكروهاتها)، فراجع و من ذلك يظهر حكم الجهة الثالثة و الرابعة، لشمول إطلاقهما لتلك الجهتين أيضا، فلا وجه للتعرض لهما مستقلا.

هذا هو القسم الأول من الأخبار- المعتبرة سندا و متنا- المشهورة بين الأصحاب فتوى و عملا و المدعى على مفادها الإجماع و هناك قسمان آخران من الروايات.

الأول: أربعة روايات جميعها عن محمد بن مسلم (4)، ثلاثة منها عن أبي جعفر عليه السلام و واحدة عن ولده أبي عبد اللّه عليه السلام.

قال أبو جعفر عليه السلام في أحدها: «لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» (5).

و أقرب طرق الجمع- بينها و بين ما تقدم- حملها على عدم الاعتداد في بعض مراتب الكمال و الفضيلة لا في أصل صحة الائتمام و الجماعة فلا وجه لما نسب إلى الشيخ رحمه اللّه و غيره من الفتوى بعدم إدراك الركعة إلا بإدراك تكبيرة

ص: 427


1- الوسائل باب: 45 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 50 من أبواب صلاة الجماعة.
4- راجع الوسائل باب: 44 من أبواب صلاة الجماعة.
5- الوسائل باب: 44 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

الركوع قبل رفع الإمام رأسه (112)، و إن كان بعد فراغه من الذكر على الأقوى (113). فلا يدركها إذا أدركه بعد رفع رأسه (114)، بل و كذا لو وصل المأموم إلى الركوع بعد شروع الإمام في رفع الرأس، و إن لم

______________________________

الركوع اعتمادا عليها، مع استقرار الشهرة الفتوائية و العملية بل الإجماع على خلافها.

الثاني: توقيع الحميري عن صاحب الزمان «عجل اللّه تعالى فرجه الشريف): «يسأله عن الرجل يلحق الإمام و هو راكع فيركع معه و يحتسب بتلك الركعة فإنّ بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة، فأجاب عليه السلام: إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة و إن لم يسمع تكبيرة الركوع» (1).

و فيه: مضافا إلى قصور سنده إمكان حمله على الغالب فإنّ من يلحق بالركوع يدرك تسبيحة واحدة لا أقلّ، فيتحد مضمونه مع ما استند إليها المشهور، و حيث ورد في مورد السؤال عن اختلاف الأصحاب في المسألة يكون هذا مرجحا لأدلة المشهور من حيث عدم اعتبارها لإدراك تكبيرة الركوع، فلا بد من حمل القسم الأول من الأخبار المعارضة على مجرد الفضيلة كما مر، و يمكن حمل التوقيع الشريف على مجرد الاستقرار في الركوع مع الإمام من باب ذكر اللازم و إرادة الملزوم، فلا تنافي بينه و بين أدلة المشهور، فيخرج التوقيع حينئذ عن المعارضة مع أدلة المشهور و هذا هو المتعيّن بعد التأمل.

(112) تطابق النصوص- المتقدمة- و الفتاوى عليه.

(113) لإطلاق ما تقدم من النصوص، و حمل ما تقدم من خبر الحميري على مجرد الفضل- أو على الاستقرار الركوعي- جمعا بينه و بين غيره فما نسب إلى العلامة من اعتبار إدراك تسبيحة من الركوع لا وجه له.

(114) للإجماع، و النص، كما تقدم في صحيح الحلبي.

ص: 428


1- الوسائل باب: 45 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

يخرج بعد عن حدّه على الأحوط (115)، و بالجملة: إدراك الركعة في ابتداء الجماعة (116) يتوقف على إدراك ركوع الإمام قبل الشروع في رفع رأسه.

______________________________

(115) من أصالة عدم ترتب الأثر. و من احتمال أن يكون المراد بقوله عليه السلام: «قبل أن يرفع الإمام رأسه» (1) أي قبل أن يخرج من الركوع الشرعي بجميع مراتبه و المفروض أنّه لم يخرج عن الركوع الشرعي بجميع مراتبه بعد، فيصح الالتحاق به و تصح الجماعة و تدرك به الركعة أيضا.

نعم، لو كان المراد بقوله عليه السلام: «قبل أن يرفع الإمام رأسه» أي قبل أن يرفع رأسه عن خصوص الحدّ الذي كان عليه، فلا يبقى وجه للالتحاق حينئذ، و كذا لو قلنا بانصراف الأدلة في مثل هذه الحالة التي يكون الإمام غير مستقر فيها، و لكن الجزم بكلّ منهما مشكل، كما أنّ أصالة عدم ترتب الأثر لا وجه لها بعد وجود الإطلاقات التي تقدمت في أول الفصل.

(116) هذه هي الجهة الخامسة من البحث التي أشرنا إليها سابقا، و الكلام فيها تارة: في أنّه هل يدرك فضل الجماعة بلحوق الإمام في حال القيام فقط مع مفارقته قبل الركوع عمدا أو قهرا؟ و أخرى: في أنّ الركعة هل تدرك بذلك شرعا، فتترتب عليه آثاره من سقوط القراءة و نحوه أو لا. و ثالثة: في أنّ هذا النحو من إدراك الركعة هل يختص بأثناء الجماعة أو يشمل الدخول فيها ابتداء أيضا.

أما الجهة الأولى: فقد تقدم عبارة نجاة العباد و الجواهر و قال فيه أيضا:

«و قد صرّح بهذا التعميم الشهيدان في البيان و الفوائد المكية و غيرهما، بل هو ظاهر غيرهما أو صريحه- إلى أن قال- بل و صحيح ابن مسلم- قلت له: متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام قال عليه السلام: إذا أدرك الإمام و هو في السجدة الأخيرة من صلاته، فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام- بناء على ظهوره في إرادة السؤال عن أقصى الأحوال التي تدرك بها الجماعة- إلى أن قال بعد أسطر-

ص: 429


1- الوسائل باب: 45 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1 و هو صحيح ابن خالد المتقدم.

.....

______________________________

لإدراكه الجماعة بمجرد إدراك الإمام في أيّ جزء من أجزاء الصلاة و إن لم تدرك الركعة معه و يأتي في [المسألة 28] و تاليتها بعض ما ينفع المقام.

و مقتضى إطلاق مثل هذه الكلمات عدم الفرق في المتابعة مع الإمام لإدراك فضل الجماعة بين الأجزاء الاستقلالية و المقدمية- كالهويّ إلى الركوع أو إلى السجود مثلا- و يمكن دعوى الانصراف عن الأخير كما أنّ مقتضاها عدم الفرق بين قصد الانفراد من أول اللحوق و بين حصول الانفراد قهرا، فيدرك بذلك كلّه ثواب الجماعة، لسعة فضل اللّه و رحمته، و لما ورد من كثرة الترغيب و الحث عليها، و تقتضيه أيضا كثرة عناية الشارع بالتسهيلات في الأمور العامة البلوى لأمته.

أما الجهة الثانية: فلا ريب في أنّ إدراك الركعة إنّما هو بلحاظ تنزيل الأثر الشرعي و لا فرق فيه بين القليل و الكثير، فإذا كان مع الإمام من أول تكبيرة الإحرام إلى ركوعه يكون الأثر سقوط القراءة و إذا دخل في أثناء القراءة ثمَّ انفرد، فتسقط القراءة إلا أنّه في الأخير يجب عليه أن يقرأ ما بقي منها- كما تقدم- فإذا كان إدراك الركعة لهذه الجهة فلا فرق فيها بين الاقتداء بالإمام من أول الصلاة إلى آخر الركوع أو في جزء من الأجزاء المتخلل بينهما بلا فرق فيه بين الركعة الأولى و الثانية، و بضميمة عدم الفرق بينهما و بين الأخيرتين تكون الأخيرتان كالأولتين إلا أنّه يجب فيهما الإتيان بالذكر أو القراءة. قال في الجواهر: «إذ هي (أي الركعة) تدرك بإدراك الإمام قبل الركوع إجماعا محصّلا و منقولا في التذكرة و المدارك و غيرهما أو بإدراكه راكعا» و إطلاقه يشمل جميع الركعات و ما إذا حصل الانفراد قهرا أو اختيارا.

فروع متفرعة على ما قلناه: (الأول): لو أدرك الإمام عند اشتغاله بالقراءة أو التسبيح أو القنوت فقد أدرك الركعة سواء أدرك الركوع أم لا، و سواء كان ذلك في الركعة الأولى أم في سائر الركعات، لما تقدم من إطلاق معقد إجماع الجواهر.

(الثاني): لو بقي المأموم في سجود الركعة السابقة، لعذر أو غيره إلى أن رفع الإمام رأسه من الركعة اللاحقة فاتته تلك الركعة و يأتي حكمه في [المسألة 27].

ص: 430

و أما في الركعات الأخر فلا يضر عدم إدراك الركوع (117) مع الإمام، بأن ركع بعد رفع رأسه، بل بعد دخوله في السجود أيضا.

هذا إذا دخل في الجماعة بعد ركوع الإمام. و أما إذا دخل فيها من أول الركعة أو أثنائها و اتفق أنّه تأخر عن الإمام في الركوع فالظاهر صحة صلاته و جماعته (118)، فما هو المشهور- من أنّه لا بد من إدراك ركوع الإمام في الركعة الأولى للمأموم في ابتداء الجماعة، و إلا لم تحسب له ركعة- مختص بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام (119)، أو قبله بعد تمام القراءة، لا فيما إذا دخل فيها من أول

______________________________

(الثالث): لا ملازمة بين إدراك الركعة و سقوط القراءة تماما، بل تسقط بقدر ما أدركها مع الإمام و يجب عليه البقية، لما تقدم في [المسألة 17].

(117) إذا أدرك شيئا من القيام مع الإمام، كما تقدم. و إلا فيضرّ بلا إشكال، لعدم إدراك شي ء مع الإمام لا من الركعة و لا من القيام.

(118) على المشهور، بل المجمع عليه، لوجود المقتضي و فقد المانع فتشملها العمومات و الإطلاقات. و في صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام:

«في رجل صلّى في جماعة يوم الجمعة، فلما ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على أن يركع- ثمَّ يقوم في الصف- و لا يسجد حتّى رفع القوم رؤوسهم، أ يركع ثمَّ يسجد و يلحق بالصف و قد قام القوم أو كيف يصنع؟ قال: عليه السلام يركع و يسجد، لا بأس بذلك» (1).

و نحوه غيره. و الظاهر، بل المقطوع به أنّ ذكر الجمعة من حيث تقوّمها بالجماعة، فيجري في كلّ جماعة.

(119) كما هو ظاهر النصوص، و أرسله في الجواهر إرسال المسلّمات

ص: 431


1- الوسائل باب: 17 من أبواب صلاة الجمعة حديث: 1.

الركعة أو أثنائها (120) و إن صرّح بعضهم بالتعميم (121)، و لكن الأحوط الإتمام- حينئذ- و الإعادة (122).

مسألة 25: لو ركع بتخيل إدراك الإمام راكعا و لم يدرك بطلت صلاته

(مسألة 25): لو ركع بتخيل إدراك الإمام راكعا و لم يدرك بطلت صلاته (123)،

______________________________

فقال (قدّس سرّه): لا إشكال في عدم اعتبار ركوع المأموم مع الإمام في انعقاد الجماعة بعد فرض اقتدائه به في أثناء القراءة أو ابتدائها، و قد تقدمت عبارته السابقة التي ادعى عليها الإجماع محصّلا و منقولا.

(120) لما مر من الإجماع على إدراك الركعة حينئذ.

(121) نسب هذا القول إلى الموجز الحاوي و كشف الالتباس، و لا وجه لهذا التعميم أصلا في مقابل الإجماع- محصّله و منقوله- على إدراك الركعة فيما إذا دخل من أولها أو في أثنائها، كما عن صاحب الجواهر. و عن العلامة في التذكرة، و المحقق الثاني في جامع المقاصد الإشكال فيه، و تقدم أنّه لا وجه للإشكال فضلا عن الفتوى بالتعميم. و يمكن أن يجعل النزاع لفظيا فمن قال بإدراك الركعة قبل الركوع، أي بلحاظ بعض الآثار و من قال بعدمه أي بلحاظ تمامه.

(122) أما الائتمام فلظواهر النصوص، و الأصل، و أما الإعادة فللخروج عن خلاف الموجز الحاوي و كشف الالتباس و إن كان إطلاق كلامهما لا وجه له كما عرفت.

(123) الجزم بالبطلان متوقف على إثبات أمرين- و كلاهما مشكل، بل ممنوع:

أحدهما: عدم انطباق عنوان الركوع المتابعي عليه و إلا فزيادته مغتفرة، كما يأتي في المسألة التاسعة من فصل (أحكام الجماعة). و حينئذ فيرفع رأسه من الركوع و ينفرد أو ينتظر الإمام، كما يأتي في المسألة السابعة و العشرين.

ص: 432

بل و كذا لو شك في إدراكه و عدمه (124). و الأحوط في صورة الشك الإتمام و الإعادة (125)، أو العدول إلى النافلة (126) و الإتمام، ثمَّ اللحوق في الركعة الأخرى.

مسألة 26: الأحوط عدم الدخول إلا مع الاطمئنان

(مسألة 26): الأحوط عدم الدخول إلا مع الاطمئنان (127)

______________________________

ثانيهما: عدم شمول حديث «لا تعاد ..» (1)لترك القراءة و إلا فيصح الركوع و يتم صلاته منفردا و لا شي ء عليه، و إن قلنا بجواز الالتحاق بالإمام في الأثناء خصوصا في مثل هذه الموارد فيلحق معه و يتمها جماعة و تصح أيضا، و مع هذا فكيف يجزم بالبطلان.

(124) الحكم فيه، كما في سابقة من غير فرق إلا أنّه يمكن إحراز درك المأموم ركوع الإمام فيه مع العلم بأول ركوع الإمام، و الجهل برفع رأسه عن الركوع فأصالة بقائه راكعا فتثبت آثار الجماعة بالنسبة إلى المأموم. و أما في غير هذه الصورة، فالمرجع أصالة عدم انعقاد الجماعة، سواء علم بأول ركوع الإمام و رفع رأسه، أم جهل بهما، أم جهل بأوله و علم بآخره. فإنّ المرجع في الجميع أصالة عدم انعقاد الجماعة مع عدم حاكم عليها.

(125) أي الإتمام منفردا ثمَّ الإعادة جماعة أو انفرادا، و وجه الاحتياط أنّه عمل بطرفي الشك، و تقدم مما مرّ أنّه لا اختصاص لهذا الاحتياط بهذه الصورة، بل تجري في الصورة الأولى أيضا.

(126) لأنّ أصل الصلاة مرددة بين الصحة و البطلان، كما أنّ أصل الجماعة كذلك، و قد رخص الشارع في الفريضة الصحيحة العدول منها إلى النافلة لإدراك الجماعة الصحيحة، كما يأتي في [المسألة 27] من فصل (أحكام الجماعة)، فيكون جواز العدول هنا بالأولى.

(127) لما نسب إلى المشهور من اعتبار الجزم بالنية مطلقا و هو لا يحصل إلا مع الاطمئنان.

ص: 433


1- الوسائل باب: 1 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 4.

بإدراك ركوع الإمام، و إن كان الأقوى جوازه مع الاحتمال (128) و حينئذ فإن أدرك صحت، و إلا بطلت (129).

مسألة 27: لو نوى و كبّر فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع

(مسألة 27): لو نوى و كبّر فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع أو قبل أن يصل إلى حدّ الركوع لزمه الانفراد، أو انتظار الإمام (130)،

______________________________

(128) لما ثبت في محلّه من عدم الدليل على اعتبار الجزم بالنية، بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتباره، فيكفي مطلق قصد الرجاء في الامتثال، فإن طابق الواقع يصح، و إلا فلا، فيصير لغوا.

(129) قد عرفت أنّ الجزم بالبطلان في صورة ترك القراءة و زيادة الركوع بزعم الجماعة مشكل، نعم، لو اطمأنّ بعدم الإدراك و مع ذلك دخل في الجماعة و ركع، و لم يدرك الإمام، فالظاهر البطلان، لعدم الدليل على اغتفار ترك القراءة و زيادة الركوع حينئذ، فيرجع إلى أصالة عدم انعقاد الجماعة، و بقاء اشتغال الذمة بالقراءة بلا دليل حاكم عليهما. و لو لم يركع يأتي حكمه في المسألة التالية.

(130) أما صحة الانفراد فلوجود المقتضي و فقد المانع، لتحقق قصد الصلاة، و عدم كون الانفراد و الجماعة حقيقتان متباينتان، كما مرّ، و أصالة عدم مانعية قصد الجماعة، فيكون الانفراد صحيحا. و أما الانتظار، فإن قلنا بصحة الائتمام في أثناء الصلاة خصوصا في مثل المقام فلا ريب في الصحة و الإجزاء أيضا. و إن قلنا بالعدم، فيدل على بقاء القدوة و عدم زوالها جملة من الأخبار:

كخبر عمار:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أدرك الإمام و هو جالس بعد الركعتين قال عليه السلام: يفتتح الصلاة و لا يقعد مع الإمام حتّى يقوم» (1).

و خبر عبد الرحمن: «إذا وجدت الإمام ساجدا فاثبت مكانك حتّى يرفع رأسه و إن كان قاعدا قعدت و إن كان قائما قمت» (2).

ص: 434


1- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 5.

قائما إلى الركعة الأخرى فيجعلها الأولى له، إلا إذا أبطأ الإمام بحيث يلزم الخروج عن صدق الاقتداء (131) و لو علم قبل أن يكبّر للإحرام عدم إدراك ركوع الإمام، لا يبعد جواز دخوله (132) و انتظاره إلى قيام الإمام

______________________________

و يمكن حمل ما ورد فيهما بالنسبة إلى السجود على التخيير بقرينة خبر المعلّى: إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتد بها» (1).

و الظاهر أنّ مرجع الضمير هي السجدة و خبر ابن شريح عن الصادق عليه السلام: «و من أدرك الإمام و هو ساجد كبّر و سجد معه و لم يعتد بها» (2).

فيستفاد من مثل هذه الأخبار أنّ ما به تتحقق القدوة و الائتمام إنّما هو إتيان المأموم بتكبيرة الصلاة في حال تلبس الإمام بأيّ جزء من صلاته. نعم، ترتب آثار الائتمام أخص من مطلق تحقق القدوة و يقتضي ذلك أيضا استصحاب بقاء القدوة إذ لا ريب في تحقق اجتماع المأموم مع الإمام في الصلاة في الجملة بقصد الجماعة و الائتمام و مع الشك في الزوال يستصحب البقاء.

ثمَّ إنّه بعد حمل ما تقدم من الأخبار على التخيير في السجود مع الإمام و عدمه لا ينحصر الوجه في خصوص قصد الانفراد أو الانتظار بل له أن يسجد مع الإمام و زيادة مثل هذه السجدة لا يضر للأصل بعد الشك في شمول دليل الزيارة المبطلة لمثلها.

(131) لأنّ ما تقدم من النصوص منزل على المتعارف، فإذا حكم متعارف المصلّين بزوال القدوة و الائتمام لا وجه للتعبد ببقائها، لأنّ القدوة من الأمور المتعارفة قيدها الشارع بقيود خاصة، بل و مع الشك في بقائها يشكل التمسك بالدليل اللفظي، لأنّه تمسك بالعام في الشبهة الموضوعية و إن صح التمسك بالاستصحاب بناء على ما قلناه و هو أيضا لا يجري مع الشك في الموضوع في بعض الموارد.

(132) مقتضى إطلاق ما تقدم من خبر عمار هو الجواز و لا مانع في البين

ص: 435


1- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.

للركعة الثانية، مع عدم فصل يوجب فوات صدق القدوة، و إن كان الأحوط عدمه (133).

مسألة 28: إذا أدرك الإمام و هو في التشهد الأخير يجوز له الدخول معه

(مسألة 28): إذا أدرك الإمام و هو في التشهد الأخير يجوز له الدخول معه (134) بأن ينوي و يكبّر ثمَّ يجلس معه و يتشهد، فإذا سلّم

______________________________

إلا أنّ زيادة السجدتين توجب البطلان، و ما تقدم من صحيح ابن مسلم من النهي عن دخول الركعة مع عدم إدراك تكبيرتها. و يرد الأول بأنّ المفروض أنّه ينتظر و لا يسجد، و الأخير: بما تقدم من حمله على مجرد الأولوية، فلا وجه لما استشكله العلامة رحمه اللّه في المختلف.

(133) جمودا على ما مر من صحيح ابن مسلم و إن كان هذا الجمود بلا وجه، و لكن الاحتياط حسن على كلّ حال.

(134) لموثق عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «سألته عن الرجل يدرك الإمام و هو قاعد يتشهد و ليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه قال عليه السلام: لا يتقدم الإمام و لا يتأخر الرجل، و لكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته» (1).

و لا يعارضه صحيح ابن مسلم: «قلت له متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال عليه السلام: إذا أدرك الإمام و هو في السجدة الأخيرة من صلاته، فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام» (2).

لأنّه محمول على المرتبة الكاملة جمعا بينه و بين الموثق، و يشهد له خبر ابن شريح: «من أدرك الإمام و هو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة فقد أدرك الجماعة و ليس عليه أذان و لا إقامة» (3).

ص: 436


1- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.

الإمام يقوم فيصلّي من غير استئناف للنية و التكبير (135)، و يحصل له

______________________________

و لكن الكلام في جهات.

الأولى: هل يختص هذا الحكم بخصوص التشهد الأول أو يجري في التشهد الآخر أيضا؟ الظاهر عدم الاختصاص، لأنّ ذكره من باب المثال لما يدرك به الجماعة لا الخصوصية، و ذلك لما مرّ في [المسألة 24] من عبارة الجواهر المصرّحة بإدراك الجماعة بالالتحاق مع الإمام في أيّ جزء من صلاته، مضافا إلى ما تقدم في المسألة السابقة من إطلاق موثق ابن عمار المحمول على التخيير فراجع.

الثانية: مقتضى إطلاق الموثق، و قوله: عليه السلام في موثق ابن المختار في التشهد: «هي بركة» (1) جواز الإتيان بالتشهد و يأتي في [المسألة 19] من (فصل أحكام الجماعة) ما ينفع المقام فراجع و الأولى أن يأتي به بقصد الرجاء.

الثالثة: مقتضى إطلاق الموثق جواز الجلوس و عدم لزوم التجافي و ما يأتي في [المسألة 19] من فصل (أحكام الجماعة) من الاحتياط فيه إنّما هو في المأموم المسبوق في أثناء الجماعة، فلا يشمل المقام.

(135) لظاهر قوله عليه السلام فيما تقدم من الموثق: «قام الرجل فأتمّ صلاته».

مضافا إلى ظهور الإجماع عليه أيضا. و أما خبر ابن المغيرة: «كان منصور بن حازم يقول: إذا أتيت الإمام و هو جالس و قد صلّى الركعتين فكبّر ثمَّ اجلس، فإذا قمت فكبّر» (2).

ففيه أولا: أنّه غير مسند إلى المعصوم عليه السلام، و ثانيا: أنّه في التشهد الوسط، مع قصوره عن معارضة الموثق، و ثالثا: هجر المشهور له.

ص: 437


1- الوسائل باب: 66 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الفقيه ج: 1 باب: 56 حديث: 94 من طبعة النجف.

بذلك فضل الجماعة (136)، و إن لم يحصل له ركعة (137).

مسألة 29: إذا أدرك الإمام في السجدة الأولى أو الثانية من الركعة الأخيرة

(مسألة 29): إذا أدرك الإمام في السجدة الأولى أو الثانية من الركعة الأخيرة، و أراد إدراك فضل الجماعة نوى و كبّر و سجد معه (138)

______________________________

(136) لظهور الموثق، و خبر ابن شريح في ذلك، و لا ريب في أنّ لدرك فضل الجماعة مراتب متفاوتة قلة و كثرة، و يمكن حمل كلام العلامة رحمه اللّه حيث استشكل في درك فضل الجماعة على المرتبة الكاملة، فلا وجه للإشكال حينئذ، لاتفاق الكلّ على أنّ الدرك في الجملة لا أنّه يكون من كلّ جهة، و بذلك تكون المسألة إجماعية كما يظهر من صاحب الجواهر.

(137) لما تقدم في [المسألة 24] فراجع.

(138) لخبر ابن شريح عن الصادق عليه السلام: «و من أدرك الإمام و هو ساجد كبّر و سجد و لم يعتد بها» (1).

و قوله عليه السلام أيضا في خبر المعلّى: «فاسجد معه و لا تعتد بها» (2).

و في خبر الربعي و الفضيل- كما في المستند: «و من أدرك الإمام و قد رفع رأسه من الركوع فليسجد معه و لا يعتد بذلك السجود» (3).

و نسب ذلك إلى المشهور و أكثر الفقهاء و البحث في هذه الأخبار من جهات:

الأولى: ظاهرها عدم الاختصاص بالركعة الأخيرة، فلا وجه لتخصيص الماتن بها.

الثانية: ظاهرها كون التكبيرة المأتي بها تكبيرة الافتتاح، فلا وجه للجزم بوجوب إعادة التكبيرة بعد ذلك، بل يأتي بها رجاء.

ص: 438


1- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 2.
3- راجع ج: 1 من المستند مسألة 5 صفحة: 550.

السجدة أو السجدتين و تشهد، ثمَّ يقوم- بعد تسليم الإمام- و يستأنف الصلاة، و لا يكتفي بتلك النية و التكبير (139)، و لكن الأحوط إتمام الأولى بالتكبير الأول ثمَّ الاستئناف بالإعادة.

مسألة 30: إذا حضر المأموم الجماعة فرأى الإمام راكعا و خاف أن يرفع الإمام رأسه إن التحق بالصف

(مسألة 30): إذا حضر المأموم الجماعة فرأى الإمام راكعا و خاف أن يرفع الإمام رأسه إن التحق بالصف، نوى و كبّر في موضعه و ركع ثمَّ مشى (140) في ركوعه، أو بعده، أو في سجوده، أو بعده، أو

______________________________

الثالثة: قوله عليه السلام: «و لا تعتد بها» سواء رجع الضمير إلى الركعة التي تلبس بها الإمام، أم إلى السجدة التي أتى بها المأموم معه، و سواء كان ذلك باعتبار السجدة الواحدة أم الجنس الشامل لهما، و سواء كان الضمير تثنية- كما نقله الجواهر عن نسخة في خبر المعلّى- أم كان مفردا مؤنثا. فعلى أيّ تقدير ظاهر عرفا في عدم احتساب ما أتى به المأموم لمتابعة الإمام من صلاته و لا يوجب ذلك بطلانها، و يمكن التمسك لعدم البطلان بالأصل أيضا، لأنّ السجدتين ليستا صلاتية، بل متابعية محضة و مقتضى الأصل عدم مانعية مثل هذه الزيادة مطلقا خصوصا في الجماعة التي اغتفر فيها الزيادة للمتابعة.

(139) قد عرفت أنّ مقتضى ظاهر النص المتقدم صحة الاكتفاء- كما عن الشيخ و غيره و قواه في الجواهر- و نسب إلى الأكثر وجوب الاستئناف إما لزيادة الركن إن تابع في السجدتين، و إما للنهي عن الاعتداد بها إن تابع في واحد منهما بناء على رجوع الضمير في قوله عليه السلام: «و لا تعتد بها» إلى الصلاة. و يرد الأول بأنّ الزيادة لا بأس بها في الجماعة. و الثاني بأنّ السياق قرينة على رجوعها إلى السجدة دون الصلاة، مع أنّ كثرة الحث و الترغيب بالنسبة إلى الجماعة ينافي الإذن في الدخول فيها ثمَّ إعادة الصلاة من رأس. و منه يعلم وجه الاحتياط المذكور.

(140) نصّا، و إجماعا، ففي صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «عن الرجل يدخل في المسجد فيخاف أن تفوته الركعة، فقال

ص: 439

بين السجدتين أو بعدهما، أو حال القيام للثانية (141) إلى الصف، سواء كان لطلب المكان الأفضل، أم للفرار عن كراهة الوقوف في صف وحده، أم لغير ذلك.

و سواء كان المشي إلى الامام، أم الخلف أم أحد الجانبين (142). بشرط أن لا يستلزم الانحراف عن القبلة و أن لا يكون هناك مانع آخر، من حائل أو علوّ أو نحو ذلك (143). نعم، لا يضرّ

______________________________

عليه السلام: يركع قبل أن يبلغ القوم و يمشي و هو راكع حتّى يبلغهم» (1).

و الظاهر أنّ ذكر المشي في الركوع من باب المثال، فيشمل جميع ما ذكر في المتن، مع أنّ مقتضى الأصل عدم المانعية إلا إذا ترتب عليه إحدى المبطلات.

(141) كلّ ذلك للأصل، و الإجماع، و لأنّ ذكر الركوع في صحيح ابن مسلم من باب المثال، لصحيح ابن عمار قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

«أدخل المسجد و قد ركع الإمام، فأركع بركوعه و أنا وحدي و أسجد، فإذا رفعت رأسي أيّ شي ء أصنع؟ قال عليه السلام: قم فاذهب إليهم فإن كانوا قياما فقم معهم، و إن كانوا جلوسا فاجلس معهم» (2).

و صحيح عبد الرحمن عنه عليه السلام أيضا: «إذا دخلت المسجد و الإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبّر و اركع، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام فالحق بالصف» (3).

(142) كلّ ذلك لإطلاق النص و الفتوى، و أصالة عدم المانعية في مثل المقام و أهمية درك الجماعة عن الاستقرار، مع أنّ في أصل وجوبه في الأكوان الصلاتية بحث.

(143) لعموم أدلة مانعية تلك الموانع و إطلاقها الشامل للمقام أيضا،

ص: 440


1- الوسائل باب: 46 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3.

البعد الذي لا يغتفر حال الاختيار على الأقوى (144)، إذا صدق معه القدوة، و إن كان الأحوط اعتبار عدمه أيضا (145). و الأقوى عدم وجوب جرّ الرجلين حال المشي (146)، بل له المشي متخطيا على وجه لا تنمحي صورة الصلاة. و الأحوط ترك الاشتغال (147) بالقراءة و الذكر الواجب أو غيره، مما يعتبر فيه الطمأنينة حاله. و لا فرق في ذلك بين المسجد و غيره (148).

______________________________

و قصور أدلة المقام عن التخصيص و التقييد.

(144) لإطلاق النصوص، بل هو المتيقن من مفادها عرفا، و عن جمع تقييده بما إذا لم يكن بعد مانع عن الائتمام، بل نسب ذلك إلى الأكثر، و لكنه تقييد لإطلاق النص و الفتوى بلا قرينة عليه و تعسير في تيسير و تسهيل جعل الشارع لأمته بلا دليل على التعسير.

(145) خروجا عن مخالفة من اعتبره.

(146) لإطلاق النصوص، و هو المشهور. و عن جمع وجوب الجر، لمرسل الفقيه: «روي أنّه يمشي في الصلاة يجر رجليه و لا يتخطى» (1).

و لكنه قاصر سندا، و مخالف للمشهور و للأصل، و مطلق لا يختص بالمقام، فليحمل على مجرد الأولوية.

(147) بل الظاهر تعينه لما دل على اعتبار الطمأنينة فيها و عدم صلاحية أخبار المقام لتقييدها، لعدم ورودها مورد البيان من هذه الجهة.

(148) لأنّ المناط كلّه فوت الجماعة في مسجد كانت أو غيره و ذكر المسجد في الأخبار المتقدمة من باب الغالب و المثال، فلا يوجب التقييد و اللّه تعالى هو العالم.

و الحمد للّه أولا و آخرا محمد الموسوي السبزواري النجف الأشرف

ص: 441


1- الوسائل باب: 46 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.